14 آذار لإنقاذ نفسها بمعارضة الوصاية البديلة خلط الاوراق السياسية أربك القواعد وبدّد الثقة
روزانا بومنصف/النهار/12 شباط 2016
يستسهل سياسيون كثر الكلام على أزمة قوى 14 آذار عشية إحياء الذكرى الحادية عشرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، استنادا الى تفجر هذه القوى وتشرذمها على أثر توجه اثنين من أركانها، أحدهما الى دعم ترشيح النائب سليمان فرنجية للرئاسة، والآخر الى دعم ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة. الاستسهال يتم على خلفية أن المؤشرات المنذرة بذلك تحصل منذ سنتين، وهناك شخصيات قاطعت اجتماعات 14 آذار لعدم رغبتها في تغطية الاحزاب الكبيرة التي تأخذ الكل بجريرتها. يضاف الى ذلك أن الناس تعبت من الاصطفاف بين فريقي 14 و8 لانه يقسم البلد سياسيا ويمنع قيامته. والازمة حقيقية لان جمهور هذه القوى الذي يشكل مبادئ 14 آذار لم يقتنع بأي من الترشيحين، ايا تكن الاسباب السياسية لذلك، لانه لم يتم احترام القواعد الشعبية بالحد الادنى، وتم الذهاب من النقيض الى النقيض في تحول سياسي لـ180 درجة يبرر المصالحة بين الدكتور سمير جعجع والعماد ميشال عون، لكن لا يبرر دعم ترشيحه للرئاسة، كما يبرر انفتاح الرئيس سعد الحريري على النائب فرنجية لكن من دون دعمه للرئاسة ايضا، وفي خانته رصيد يحتاج الى مزيد من الوقت لإقناع الرأي العام اللبناني بأنه جرى في ظروف معينة او ان الظروف السياسية تملي براغماتية سياسية.
ويروي سياسيون مطلعون ان الرئيس الشهيد رفيق الحريري اقترح انتخاب النائب فرنجية عام 2004 بدلا من التمديد لإميل لحود، وحاول إقناع بشار الاسد بذلك من دون طائل، إذ أصر الاخير وفي معرض تحديه التهديد الاميركي – الفرنسي بقرار في مجلس الامن حول احترام سوريا اجراء انتخابات رئاسية حرة، على التمديد للحود في ظل التهديدات المعروفة التي ساقها عن تكسير لبنان فوق رأس الحريري والنائب وليد جنبلاط. وليس أكيدا أن هذه الرواية تدعم خيار الحريري، باعتبار أن والده سبق أن لجأ الى هذا الاحتمال، او انها تسجل عليه مأخذا اضافيا انطلاقا من مدى ارتباط فرنجية بالرئيس السوري، لكن المزيد من التشرذم وقطع طريق العودة الى ما كان بين قوى 14 آذار، وهذا ما يخشاه كثر، باعتبار أن جعجع انما رشح عون ليس اقتناعا به، باعتبار ان الاقتناع لا يولد بين ليلة وضحاها، وجعجع لم يكن مرة مقتنعا بعون رئيسا، باستثناء ما بعد كشف نية الحريري بدعم فرنجية، لكن من اجل تعطيل هذا الدعم. واستمرار الحريري على خياره في مقابل استمرار جعجع على خياره، سيبقي الازمة كبيرة وعلى توترها بين هذه القوى.
أزمة 14 آذار المشرعة تغطي على التأزيم الذي لا ينحصر واقعيا فيها، بل يطاول وفق مصادر سياسية مراقبة البلد ككل بأبرز أطرافه، أكان العماد عون الذي ينبغي ان يجيب عن اسئلة فعلية حول عدم رغبة الحزب في المونة على فرنجية لسحب ترشيحه، خصوصا بعدما حظي بدعم خصمه المسيحي له، او “حزب الله” نفسه. والكلام ليس على اساس 6 و6 مكرر بحيث ان الكلام على الازمة الكبيرة في 14 آذار ينبغي ان ينسحب على قوى 8 آذار. لكن هذه الاخيرة يتواجه بها مرشحان كانا يجلسان ايضا الى طاولة واحدة، فيما الحزب، وان كان حظي بترشيحين من حلفائه، الا انه في رأي المصادر المعنية، وهي ليست من خصومه، يعاني متغيرات طاولته جوهريا تبعا لتدخله في سوريا، حيث الانتصار لم يعد انتصارا له بمقدار ما تأخذ روسيا الواجهة ايضا في انقاذها النظام اخيرا من الانهيار وبطلب من ايران لتدخلها بعدما عجزت هذه الاخيرة عن متابعة ذلك وحدها. وهذا ما يجعل من روسيا ايضا شريكة في الرئاسة اللبنانية على عكس ما تشيع انطباعات عن انخراط اميركي في موضوع الرئاسة، وهي التي ينقل عن مسؤوليها الذين يتابعون الوضع في لبنان عدم ميلهم أصلا الى وصول اي مرشح من الاربعة الذين كرسوا انفسهم المرشحين الاقوياء، بغض النظر عن احتمال مآل الامور في النهاية. وفيما يتصدر التطورات اخيرا التقاط النظام السوري أنفاسه بعد التدخل الروسي، فإن سوريا لم تعد هي التي تحمل الحزب، بل هو الذي يحمل النظام في ظل مخاوف حقيقية ودائمة من فتنة سنية – شيعية تشعلها التطورات الميدانية هناك.
كثر رغبوا في كسر الاصطفافات بين قوى 14 آذار وخصومها، خصوصا ان المحور الاساسي الذي نشأت حوله القوتان كان موضوع تدخل سوريا ووصايتها على لبنان. أما وقد باتت سوريا في مقلب آخر ولم تعد مؤثرة ولن تعود كذلك قبل عقود، حتى لو أبقي الاسد في السلطة حماية لمصالح ايرانية او روسية، فإن جوهر الاصطفاف تغير. ولكن هل أفقده ذلك علة وجوده؟ البعض لا يرى ذلك ما دامت ايران ورثت النظام السوري في لبنان عبر الحزب وسيطرته على مفاصل الحياة السياسية في لبنان. وهو ما لا يزال يجمع عليه من كانوا أركانا في 14 آذار، فكان الموضوع في صلب البيان الاخير لكتلة “تيار المستقبل”. لكن عشية ذكرى اغتيال الحريري تبدو خسارة 14 آذار جسيمة للبنان، لأنها لا تعني خلطا سياسيا للاوراق والتحالفات، وان كانت تترجم بذلك، بل لان 14 آذار كانت اصطفافا عابرا للطوائف من جهة ولانها كانت تعطي زخما للشباب للدفاع عن قضية لبنان من جهة اخرى. والخطورة الكبيرة ان تفقد هذه القوى ايمان الناس بها واهتزاز ثقتهم بقياداتها، كما يقول كثر، لانها وضعت مصالحها الشخصية امام مصالح الوطن شأنها شأن جميع الآخرين في هذا الاطار.
حسن نصرالله والكذب الإيراني
ميرفت سيوفي/الشرق/12 شباط/16
»الجمهورية الإسلامية في ايران، لم تتخلَّ ولا في يوم من الأيام عن حلفائها، ولا يوم من الأيام باعتهم أو فرضت عليهم خياراً ولا يوم من الأيام أمرتهم بأمر، ولا يوم من الأيام سخّرتهم لمشروع إيراني خاص بها، هذا لم يحصل، والذي لديه شاهد فليأتِ به»، قليلون الذين يتذكّرون اليوم هذا الكلام لأمين عام حزب الله حسن نصرالله الذي قاله في مقابلة لقناة «الإخباريّة» السوريّة في 6 نيسان العام 2015، يوم الإثنين الماضي جاء الردّ على نفي نصرالله لاستخدام إيران الدّماء العراقيّة والسوريّة، ودماء شيعة لبنان التي أُريقت في لبنان وفي سوريا ولا تزال تارة لحساب المشروع الإيراني النووي، وتارة لحساب الأجندة الإيرانية ومخططاتها في المنطقة، والردّ عليه جاء من إيران نفسها وعلى لسان رئيس جمهوريّتها حسن روحاني الذي تحدّث بصراحة عن فوائد الأوراق الأمنية العراقيّة والسوريّة في المفاوضات النووية. من يتذكر اليوم ما قاله نصرالله من غزلٍ في التفاوض الإيراني مع مجموعة الـ 5+1، ومن يتذكّر التبجيل والتطبيل والتزمير لإيران عندما قال في تلك المقابلة: «تجربة التفاوض على الملف النووي الإيراني يجب أن يُتخذ منها العبرة وتُدرس وتُـحلل ويُستخلص منها دروس ونتائج لكلّ الدول والحكومات والشعوب أيضاً التي تتفاوض على قضايا محقة، عندما نتكلم عن مفاوضات»، في كلمته صباح الاثنين الماضي، وخلال مراسم تكريم المفاوضين الإيرانيين، أكّد روحاني ما ظلّ اللبنانيون يتحدّثون عنه منذ حرب تموز العام 2006، ودأب حسن نصرالله على تكذيبه والادّعاء أنّ من يتهمون الحزب بالعمل لمصلحة الأجندة الإيرانيّة هم كتبة مستأجرون ـ وقد كذّبت الأيام الماضية هذا الادّعاء مع انكشاف الشبكة الإعلامية الكبرى التي تعمل لصالح إيران في لبنان ـ فقد قال روحاني بالحرف الواحد: «لو لم يقاتل جنرالاتنا في بغداد وسامراء والفلوجة وتكريت والرمادي، وكذلك في دمشق وحلب، ولولا بسالة قوات (النظام) والحرس الثوري والشرطة ووزارة الاستخبارات، لما كان لدينا الأمان لنفاوض بهذا الشكل الجيد»!!
تباهى حسن نصرالله في لقائه على الإخباريّة السوريّة بأنّ «الإيراني رفض أيّ نقاش في أيّ ملف غير الملف النووي، لأنّه عندما يفتح الملفات الثانية فإنه سوف يُضغط عليه، وسوف يصير على حساب أصدقائه وحلفائه» بل وقال: «أنظري إلى إيران عندما جلست تفاوض دائماً كان يقال في لبنان إنّ الإنتخابات الرئاسية في لبنان موقوفة على المفاوضات النووية، وسوريا مرتبطة بالمفاوضات النووية والوضع في البحرين مرتبط بالمفاوضات النووية والوضع في العراق والوضع في فلسطين.. نحن منذ اليوم الأول نتيجة معلوماتنا وليس تحليلاً من بعيد، نحن سألنا الإخوة الإيرانيين في أعلى المستويات وقالوا: التفاوض هو فقط على الملف النووي ونقطة على أوّل السطر، لا نتكلّم عن شيء آخر غير الملف النووي، لا نتكلّم عن لبنان ولا عن سوريا ولا عن العراق ولا عن البحرين ولا عن فلسطين ولا عن النّفط ولا عن الغاز ولا عن شيء آخر، وخلال السنوات الماضية كان الأميركيّون دائماً يُصرّون على إدخال ملفات أخرى على الطاولة، الإيراني كان يرفض»!! وجاء كلام الرئيس الإيراني ليكذّب كلام نصرالله، إذ تحّدث الأوّل عن المكاسب التي حقّقها المفاوض الإيراني بفضل «وجود مستشارينا العسكريين في كلّ من العراق وسوريا، وفّر هامشاً أمنياً لإيران، لإجراء المفاوضات النووية مع القوى السداسية الدولية»، وتجاهل روحاني في كلمته الإشارة إلى فضل حزب الله ودماء مقاتليه التي تُراق على مذبح المصالح الإيرانيّة في لبنان وسوريا والعراق واليمن وكثير من دول المنطقة العربيّة، بالطبع لأنّ هذه الدّماء تحصيل حاصل وهؤلاء ليسوا أكثر من «جنود» في جيش الوليّ الفقيه!!
في 6 نيسان العام 2015 تحدّث حسن نصرالله وفي تلك المقابلة عن الإنجاز الإيراني في الاتفاق النووي وجلس وحَسَبَ المليارات التي سيُفرج عنها لصالح إيران، والمضحك أنّ حزبه وقبل أقل من سنة على هذه الأوهام يعيش أزمة مالية خانقة، ونوّاب حزبه يتحدّثون عن مؤامرة انهيار العراق والتخوّف على إيران وحلفائها بفعل المؤامرة السعودية التي تدفع باتجاه انهيار سعر النّفط، يومها تواضع نصرالله وتحدّث عن الاتفاق النووي الإيراني فقال: «نحن نرى فيه إنجازاً كبيراً بالتأكيد مثلما قال كثيرون، العدوّ والصديق والخصم والحاسد والمحبّ، الإثنين قالوا إنّ هذا الإتفاق إذا استمرّ فمعناه أنه سيعزّز من قوّة وحضور إيران وتأثير إيران في المنطقة»، وأفضل من كذّب كلام نصرالله هذا هو مندوب المرشد الإيراني علي خامنئي، حسين شريعتمداري في صحيفة «كيهان» الذي قال قبل يومين: «إنّ الاتفاق النووي ليس فتح الفتوح، وليس فيه أيّ معجزة كما يتشدّقون»، بل وانتقد ما تروّجه حكومة روحاني حول «انتصار نووي» إيراني، وقال متهكّماً إنّ «مكاسبنا من الاتفاق النووي مجرّد بالونات هوائيّة وسكاكر»!! نعم، هي مجرّد بالونات هوائيّة وسكاكر دفع ثمنها اللبنانيّون قتلى بالآلاف، وتدفع ثمنها الطائفة الشيعيّة في لبنان خيرة شبابها ليس دفاعاً عن سوريا، ولا عن بشار الأسد، ولا عن المقامات، ولا عن القرى الشيعيّة في سوريا، كلّ هذا الكلام أكذوبة كبرى، الحقيقة أنّ كلّ هذه الدماء تُراق ما بين لبنان وسوريا، وكلّ هذا التدمير الممنهج للدّولة اللبنانيّة ولرئاسة الجمهوريّة هو دفاعٌ عن مصالح إيران في المنطقة، وكلّ هذا ليس أكثر من بالونات هوائيّة وسكاكر بالنّسبة لإيران، إنّه الدّم الهباء ولكن بطعم السكاكر!!