حـازم الأميـن/نهاية التراجيديا الشيعية

337

نهاية التراجيديا الشيعية
حـازم الأميـن/لبنان الآن/06 تشرين الثاني/14

لا شيء أدعى إلى التبصر بأوضاع التشيّع والشيعة الإمامية أكثر من عاشوراء الواقعة المؤسِسة للميتولوجيا الشيعية.

وإذا ما قِسنا الواقعة على أوضاع الجماعة الشيعية اليوم سنجد أننا (نظرياً) أمام حقيقة نهاية التشيّع، فالأخير صار سلطة، في ايران أولاً ثم في العراق وفي لبنان. وأن يصير التشيّع سلطة يعني أنه في لحظة اكتمالٍ ينعطف فيها تاريخه من كونه ظلامة أبدية إلى كونه سيرة منجزة بلغت منتهاها. والاكتمال يعني أن الجماعة المؤَسَسة على فكرة الظلامة وعلى فكرة العيش خارج السلطة، أصبحت اليوم سلطة، وما عادت الظلامة قائمة، أو أنها صارت حدثاً تجاوزته الجماعة وهو الآن خلفها، مجرد حدث يستعاد لمجرد التكرار، وما عاد يصح القول: “كل أرض كربلاء، وكل يوم عاشوراء”. فاليوم، اليوم تحديداً، كفَّ عن أن يكون عاشوراء في ظل ثلاث دول شيعية منجزة أو شبه منجزة. فكيف يصح أن تكون كربلاء مستمرة على أرض أقام عليها الشيعة دولتهم؟

عاشوراء هزيمة عسكرية، وهي ليست في الوعي الشيعي المتراكم منذ مصرع الإمام، هزيمة نكراء. إنها الهزيمة التي فتحت التاريخ الشيعي على أفقه. وهي، أي الجماعة، نجحت في تحويل الهزيمة إلى ظلامة، وهو نجاح هائلٌ، ذاك أن الهزائم تُفضي عادة إلى فناء الجماعات وإلى تلاشيها، لكن واقعة كربلاء بعثت التشيّع وأسَّسته، فصار الشيعة جماعة منبعثة من ظلامة (التي هي هزيمة بالمعنى الواقعي). وعلى هذا النحو عاش التشيّع إلى جوار السلطة. كان صوتاً وشعوراً وملحمة حية. وبهذا المعنى يمكن للمرء أن يقول إن التشيّع أضاف جوهراً مختلفاً لمعنى الوجود، هو الهزيمة بصفتها فارقاً إيجابياً في مسيرة جماعة، وحجز مكاناً في السياسة لوعي الضحية. اليوم يعيش التشيّع على مفترق مختلف تماماً. “الإنتصار” هو ثيمة التشيّع الجديد. تحول هائل في الوظيفة، وبلوغ الملحمة منتهاها. صحيح أن المسألة رمزية، لكن الرموز لطالما شحنت التشيع بقوة بقائه. “الإنتصار”، وهو أُعلن بصفته “انتصاراً إلهياً”، هو تماماً نهاية التراجيديا. إنه “زمن الانتصارات” على ما قال الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله أكثر من مرة، وليس لهذا موقع في التراجيديا الشيعية. فهناك، في الزمن الشيعي الأول، ظلامة أسّست لوعي الشيعة أنفسهم وتاريخهم. ونهاية هذا الزمن بحسب الميتولوجيا، هي ظهور المهدي المنتظر، في حين يقترح علينا التشيّع الجديد نهاية أخرى، هي سلطة لم يدركها “صاحب الزمان”، تسبق الظهور وتقيم الدولة. إذاً صار الشيعة سُنّة، ولم يعد الانتظار دأبهم.

حين كان الإمام الرابع زين العابدين يطوف بحجاج بيت الله وحيداً ومن دون سلطة بيده سوى أنه سليل هذه الظلامة، وكان المؤمنون يتبركون بحضوره، كان هشام بن عبد الملك، الذي بحوزته السلطة، عابراً لوحده، واستفزه أن تُقدِم العامة زين العابدين عليه، فسأل بترفع سلطان: من هذا؟ فأجابه الفرزدق:

“هذا الذي تعرف البطحاء وطأته    والبيت يعرفه والحلّ والحرم”.

هذا المشهد المُستعاد من الميتولوجيا الشيعية لم يعد له مكان فيها اليوم، ذاك أن السيد حسن سيطوف بالمؤمنين على نحو ما طاف هشام بن عبدالملك لا على نحو ما فعل زين العابدين، أي سيطوف وبيده السلطة.

سيجيب التشيّع الجديد بأنه حان لهذا “الإنتظار” الطويل أن ينتهي، وهو محق في ذلك إذا ما اعتقدنا أن للتراجيديا نهاية وأن الملحمة تسعى إلى أن تكتمل. شرط التشيّع أن تكتمل الملحمة بـ”الظهور”، وأي شيء غير ذلك يجعل من الشيعة سُنةً بعد سنوات ليست طويلة من ممارستهم السلطة.