14 آذار موحّدة في الترشيح والتسوية
اسعد بشارة/الجمهورية
03 أيلول/14
لعلَّ أبرَز ما خرجَت به مبادرة «14 آذار» الرئاسية هو توحيد الموقف كاملاً في الملف الرئاسي، ترشيحاً وتجميداً للترشيح، وفتح الباب أمام التفاوض مع «حزب الله» وحلفائه، ووضعهم في زاوية إرباك، بفعل الإصرار على اعتبار العماد ميشال عون مرشّحاً وحيداً للرئاسة، والتسبُّب بالمسؤولية عن الفراغ. إذا كان التوافق على ترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع قد استلزم جهداً مضاعفاً عن الجهد الذي استلزمه تجميد هذا الترشيح موَقّتاً لفتحِ الباب أمام التسوية الضعيفة الاحتمال، فإنّ المبادرة التي أطلِقت أمس برهنت بما لا يقبل الشكّ، أنّ «14 آذار» قادرة على الخروج بموقف واحد، وهذا يعني أنّ هذه القوى مجتمعةً لن تذهب إلى أيّ خيار رئاسي غير متوافَق عليه، خصوصاً بين تيار «المستقبل» وحلفائه المسيحيين.
دشَّنَ الرئيس سعد الحريري هذا العرف، فالتزَم ترشيحَ جعجع، ثمّ التزمه في حواره مع عون، إذ اشترَط موافقة الحلفاء المسيحيين عليه. وأمس تكرَّس الإجماع في «14 آذار»، على شكل قرار جماعي، في البدء بالبحث عن تسوية اليد الممدودة، ولكن بعد موافقة الجميع على الإسم التسوية. منذ فترةٍ وقوى «14 آذار» تشعر بحاجة الى تقديم هذه المبادرة لاعتبارات عدّة. أوّلها أنّ مرشّحها الدكتور سمير جعجع الذي قال عن نفسه إنّه لم يكن يوماً مرشّح معادلة «أنا أو لا أحد»، فتحَ الباب امام الكلام عن الخطة «ب»، وذلك قبل أن تقدّمها «14 آذار» بشكل منفصل. وثاني هذه الاعتبارات يتّصل بالمناخ العربي والدولي الباحث عن ثغرة في جدار الانتخابات الرئاسية المقفَل تسمح بصوغ تحرّكٍ لإنجاز الانتخابات، وبهذه المبادرة تكون قوى «14 آذار» قد برهَنت عن مرونة استثنائية، ووضعَت الطابة كلّياً في ملعب «حزب الله» وحلفائه.
على الصعيد الداخلي، المسيحي تحديداً، تقدّم المبادرة دليلاً إضافياً على تعنُّت العماد ميشال عون، وتُسَلط الضوء عليه بوضوح أكبر كقوّة معطلة، وتعطي الكنيسة دفعاً إضافياً لكي تتحرّك الى الامام، لمواجهة الفراغ الذي يتسبَّب به عون، والذي لا يعرف أحد متى ينتهي، في ظلّ تأييد «حزب الله»، وصمت الرئيس نبيه برّي. على صعيد «14 آذار»، ومثلما مرَّ ترشيح جعجع بمخاض طويل قبل أن يحصل على إجماع هذه القوى، فقد استلزم إنتاج هذه المبادرة اتصالات لأيام، شارَك فيها رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة والنائب أحمد فتفت، والدكتور فارس سعيد، الذين عملوا على معالجة تحفّظ كتائبي، أبداه الرئيس أمين الجميّل، يتعلّق بمرحلة ما بعد فتح الباب أمام التسوية، وبالمرشّح الذي ستتبنّاه «14 آذار»، في حال رفَض «حزب الله» البحث في اسم آخر غير عون.
وفي المحصّلة تمّ التفاهم على حقّ الجميّل في الترشّح خلال فترة التفاوض كمرشّح وفاقي، وعلى أنّ «14 آذار» ستدعم هذا الترشّح إنْ قرَّره الجميل، خصوصاً أنّه سبق للنائب وليد جنبلاط أن أبدى إيجابية في شأن هذا الترشيح، وذلك في الفترة التي سبقَت ترشّح جعجع، فيما لم يُبدِ الرئيس نبيه برّي معارضةً واضحة لهذا الترشيح. لا يتفاءَل كثيرون داخل «14 آذار»، برَدٍّ إيجابي من «حزب الله»، ويتوقّعون استمرار الحزب في إحالة كلّ مَن يراجعه في الملف الرئاسي، إلى الرابية. لا يُبدي هؤلاء ارتياحاً لأنّ المناخ الإقليمي والدولي، لا يُنبئ الى الآن بوجود اتصالات جدّية للمساعدة في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وكلّ ما يؤمَل من هذه المبادرة، هو تحريك الجمود القائم، وتسليط الضوء على تعنُّت «8 آذار». لكن يمكن قراءة خلاصات أساسية ممّا حصل، تقود كلّها إلى إعادة تأكيد قدرة «14 آذار»، وسط لغة العنف المتصاعدة في سوريا، التي باتت تعصف بلبنان، على أن تكون جسرَ عبور آمن للبنان إلى مرحلة انتقاليةٍ لا يَستبعد أكثرُ من مراقب أن يكون البلد والمنطقة قد دخَلا فيها عملياً.