الأسد خارج معادلات التعاون والبقاء
الحياة/غازي دحمان
27 آب/14
هل يحتاج الأمر إلى إجراء عملية عصف ذهني لمعرفة ما إذا كان «تحالف الراغبين» الذي تستعد الولايات المتحدة الأميركية لإطلاقه من أجل محاربة تنظيم «داعش» سيشمل التعاون مع رأس النظام السوري؟ الصورة تنطوي على لبس كبير سببه الأساس استمرار حالة التردد لدى إدارة أوباما وتعاملها مع الأزمة بمنطق التقسيط، وهو ما يفسح المجال أمام سيل من الرؤى والتأويلات والتفسيرات، ولعل ما زاد من حالة الإرباك تلك ظهور ملامح إدراك غربي بأن هزيمة «داعش» غير ممكنة في العراق ما لم يتم تدمير القواعد الخلفية للتنظيم في سورية. وما زاد من حالة اللبس تلك ظهور وجهات نظر، أو حتى فرضيات يجري فحصها والتدقيق فيها، حول ما إذا كان ممكناً اعتبار نظام بشار الأسد أفضل الخيارات السيئة والتعايش مع هذه الحقيقة، ويتزامن ذلك مع قيام النظام بمحاولة تقديم نفسه بوصفه حليفاً محتملاً للغرب في الحرب على «داعش» وإرساله رسائل معينة عبر ضربه بعض مواقع «داعش» في سورية فحواها أنه مع الغرب في خندق واحد في مواجهة «داعش»، علّ ذلك يجعله مقبولاً دولياً، وتلك كانت خطته على المدى البعيد، حتى أن نظام الأسد يذهب أبعد من ذلك عندما يلمح للغرب بأنه سيستفيد من دمج جهوده في الحرب على «داعش» باعتباره يستطيع تقديم خدمات لوجستية أفضل من الأطراف الأخرى فضلاً عن تلميحه بأنه يمتلك داتا معلوماتية كاملة عن عناصر «داعش»!
في الواقع يدرك صناع القرار الغربيون أن مشكلتهم في هذا النوع من الحروب لا تكمن في مدى توفر الخدمات اللوجستية أو المعلومات الاستخبارية، على أهميتها، والتي لا يملك منها نظام الأسد أكثر مما لدى الدول الغربية، التي تبين أنها تعرف أسماء مواطنيها المنضوين تحت لواء «داعش» فرداً فرداً، بل إن المسألة ذات علاقة مباشرة بالأسد ونظامه، حيث لا يزال الرأي الرسمي الأميركي يعتبره جزءاً أساسياً من المشكلة، ولا يمكن أن تؤدي تكتيكاته السياسية ومناوراته إلى إلغاء هذه الحقيقة، كما أن استمراره يعني استمرار تفعيل ديناميات الفوضى والاستقطاب في المنطقة.
وعلى العكس من ذلك، فإن الغرب بات يملك داتا معلومات كاملة عن الخلفيات التي أدت إلى نشوء «داعش» وتوسعه. الرؤية الغربية باتت واضحة وجلية ويجري التعبير عنها بشفافية في المواقف الرسمية، ذلك أن «داعش» في التحليل الغربي هو عبارة عن استجابة سنّية لخطر الإفناء الذي واجهه المكون العربي السنّي على طول خط سير المشروع الإيراني، من بغداد إلى دمشق فبيروت، وهي تمثل أعلى درجات الإنذار وأقصى حالات الاستنفار، بعد أن رأى هذا المكون أن كل الإنذارات السابقة قد جرى إهمالها ووأدها، من الثورة المدنية في العراق وسورية إلى الثورة المسلحة المعتدلة التي مثلها «الجيش الحر» في سورية وثوار العشائر في العراق، وكل تلك التعبيرات جرى تدميرها بعنف طائفي من خلال تشبيك واضح للعنف والقوة امتد من طهران إلى الضاحية الجنوبية.
على ذلك فإن أي تحرك عسكري غربي صار ضرورياً التعامل معه بوصفه تعاطياً مع قضية مركبة ومتشعبة وليس مجرد عملية عسكرية بسيطة، ذلك أن الضغط على «داعش» وتفكيك بنيته وتدمير مكوناته أمر لن يستطيع أحد إنجازه ما لم يكن للبيئة التي يعمل «داعش» في إطارها دور أساسي، وهي البيئة التي تقع ضمن خريطة العشرين مليون سنّي المهمشين التي تحدث عنها رئيس الأركان الأميركي الجنرال ديمبسي، وهي تشكل قوة ارتكاز محلية مهمة، وبالتالي فإن أي تعاون مع نظام بشار الأسد المسؤول الأساسي عن صناعة تلك الإشكالية سيضر بالمجهود والقضية ذاتها بحسب تأكيدات وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند. يساند هذه القناعة موقف أوروبي رافض بشدة لأي إمكانية للتعاون مع نظام بشار الأسد، تقوده بريطانيا وفرنسا وهولندا، والمعروف أن بريطانيا شريك أساسي في أي تحرك يحصل في المنطقة، بل إن الموقف الأوروبي يذهب أبعد من ذلك بمطالبته بإيجاد حل جذري للأزمة عبر معالجة أسبابها في المقلب السوري، على ما أكد وزير خارجية هولندا مؤخراً، ومطالبة فرنسا بزيادة الدعم العسكري للمعارضة المعتدلة في سورية. والقياس هنا مع إيران هنا غير صائب بمعنى أنه ما دامت أميركا تعاونت مع إيران، وفق قاعدة «عدو عدوي صديقي»، لا يمكن تطبيقها على نظام الأسد، ذلك أن إيران تبقى طرفاً برانياً، ومهما قيل عن أدوارها التخريبية إلا أنه يبقى بإمكانها التفلت من المسؤولية في ظل قانون دولي فضفاض لا يعاقب تعاملات الدول مع بعضها في أوقات السلم والحرب، ثم أن لديها ملفاً نووياً يجري التفاوض عليه، وأدواراً قد توكل لها في إطار نظام إقليمي قد يصار إلى تشكيله في مرحلة لاحقة. ماذا عند الأسد؟ المنطق يقول أن أميركا العائدة إلى الحرب بعد تردد طويل، لا بد أنها تعود بطريقة وأسلوب مختلفين، طريقة تفكير من خارج صندوق الإدوات القديمة، وثمة مؤشرات عدة أن الغرب هذه المرة متجه لنمط حلول جذري، من نوع إعادة صياغة شكل الدولة في العراق وسورية وتحويلها إلى الشكل الفيديرالي، بما يضمن مشاركة أوسع لمختلف المكونات، والخروج من صيغة غالب ومغلوب، التي أكد عليها الرئيس باراك أوباما في لقائه مع الصحافي توماس فريدمان، وكل هذه الحالات تستلزم تغيير آليات الحكم والإدارة التي كانت سائدة في المرحلة السابقة لعدم فعاليتها، ونظام الأسد واحد من تلك الآليات القديمة.