سوسن الأبطح/أيها الداعشيون استفيقوا

280

أيها الداعشيون استفيقوا

سوسن الأبطح/الشرق الأوسط

انتهت المسيحية في الموصل بعد ألفي سنة من وجودها هناك. وهي في طريقها إلى الانقراض في فلسطين أيضا. لم يبقَ في مهد المسيح أكثر من 200 ألف مسيحي، يعضّون على الجرح ويناضلون من أجل البقاء. في مصر حيث التجمع المسيحي العربي الأكبر، شهدنا تنكيلا وتفجير دور عبادة وإرعابا. وفي سوريا كنائس تحطم، وراهبات ورهبان منهم من يُخطف ومن يُقتل، ومقابر جماعية يند لها الجبين. ثمة من يسأل: لماذا هذا الاستشراس على المسيحيين في المنطقة المحيطة بفلسطين؟ والسؤال الأهم: لماذا يتواطأ المسلمون أنفسهم، إن لم يكن بالفعل الشائن، فبالصمت المريب والمعيب على أكبر عمليات «تطهير ديني» عرفتها منطقتهم في التاريخ الحديث؟

«داعش» ليس تنظيما أرعن، يوزع الموت والخراب في صحراء معزولة، لولا البيئات الحاضنة والسكوت المطبق، وأحيانا الدعم المحلي. أحد الفارين من الموصل يبكي قهرا أمام الكاميرا وهو يتحدث عن جيرانه الذين فرحوا بنبأ إخلاء المنزل: «أسعدهم أن يستولوا على بيتنا». كاتب من الموصل سطر رسالة مبكية يخاطب فيها المسلمين قائلا: «نغادر الموصل مطرودين وقد أذلنا حاملو راية الإسلام الجديد، نغادرها لأول مرة في التاريخ، لا بد لنا أن نقدم شكرنا لأهلنا فيها، الذين كنا نعتقد أنهم سيحموننا كما كانوا يفعلون، وسيقفون بوجه عتاة مجرمي القرن الحادي والعشرين ويقولون لهم إن هؤلاء هم الأصلاء وهم الذين أسسوا هذه المدينة. كنا نطمئن النفس في أن لنا جارا عزيزا، وابن محلة شهما، وإخوانا تبرز أخلاقهم يوم الشدة… لكننا خُذلنا».

أشعر بالعار والخزي، أمام هذه الكلمات النازفة، التاريخ لن يرحم الذين تفرجوا، وبقوا غير مبالين. إن كان لنا من قيمة بقيت أمام البشرية، فهو أننا مهد الحضارات والأديان، التي ننسفها عن بكرة أبيها. بيع للآثار، تحطيم للمقامات، تدمير للكنائس والمساجد، تصفية للمسيحيين، تحقير للنساء، ذبح للطفولة، وصمت الموات.

لا شيء سيعيد عقارب الساعة إلى الوراء. الدول الغربية تفتح أبوابها للمسيحيين، لا بل اشترطت سفاراتهم لدى لبنان أن تستقبل النازحين منهم دون غيرهم من السوريين. هذا ليس بجديد، وهو ما سنراه يتكرر مع العراقيين أيضا. ليس في الأمر مصادفة أو سوء طالع. هناك من يستثمر الحمق العربي، يلعب على أوتار فيروس الطائفية المستشري كالوباء. جاب رئيس المؤسسة الدولية لوحدة الشعوب الأرثوذكسية فاليري ألكسيف، عددا من الدول الغربية لاستطلاع وجهة نظرهم بشأن ما يتعرض له مسيحيو الشرق، فجاءه الجواب مفاجئا في كل مرة: «يجب تشجيع مسيحيي الشرق على الهجرة إلى أوروبا».

طبيعي أن تفعل إسرائيل المستحيل لتنهي كل وجود مسيحي في فلسطين، منطقي من دولة عنصرية أن تحاول محو أي أثر غير يهودي على أرض فلسطين، أن تسعى دول أوروبا للعبث بديموغرافيا المنطقة، لتنزع عنها تعدديتها وتحرمها من فسيفسائها الديني، ولو بثمن دموي باهظ، لكن لماذا نتآمر نحن على هويتنا وثقافتنا، وتعايشنا؟ لماذا نتعاون مع كل شياطين الأرض كي نكتب على جبين كل منا وصمة عار لن تنسى أو تمحى؟

يتساءل ممثل الكنيسة الكلدانية في المملكة المتحدة، الأب نظير دكو: «لماذا قامت الدنيا ولم تقعد بسبب مقتل ثلاثة من اليهود المراهقين ولم يهتم العالم بتهجير 500 ألف عراقي، في أسبوع واحد، تاركين وطنهم وبيوتهم؟». للتذكير فإن عدد المسيحيين في العراق كان بحدود مليون و400 ألف قبل الاحتلال الأميركي، الذي لم يرحمهم ولم يعبأ بأمرهم، وتواصل التنكيل بهم منذ ذلك الوقت، حتى وصل عددهم اليوم إلى نصف مليون فقط، لتأتي «داعش» وتتوج الكارثة بتخييرهم بين دفع الجزية أو الرحيل. «نموت ولا نغير ديننا» يردد هؤلاء. أمن أجل المزيد من الاستبداد ثار العرب على الطغيان؟ هل المطلوب أن نترحم على ديكتاتورياتنا البائدة؟ هل هذا هو الهدف النهائي من كل التخريب الممنهج الذي يمارس؟

أين اختفت منظمات وجمعيات حقوق الإنسان العربية التي دوختنا بمندوبيها الذين كانوا يملأون الشاشات حين يحاسب ناشط على تغريدة؟ ألم يسمع هؤلاء أن 12 مليون مسيحي في المنطقة مهددون بالطرد أو القتل؟ ماذا حصل لجمعيات حقوق المرأة؟ لم نسمع لها حسا في أي بلد عربي أمام قرار «داعش» ختن كل النساء بين 11 و46 عاما، ألا يدخل هذا ضمن اختصاص عملهم؟ ألم يسمعوا مثلا عن جهاد النكاح أو إغلاق عيادات الأطباء النسائيين؟ «داعش» لم يفعل غير تظهير الصورة، توضيح المشهد، إزالة الغبار عن نوايا تخفت طويلا بستر النفاق. «داعش» كشفنا وعرّى بشاعتنا، أظهرنا على حقيقتنا، من دون ماكياج مخادع وعبارات منمقة، وواجهات ملمعة. «داعش» مهما تكن الخطط المخابراتية التي نمته وضخمته بالقوة، ليس مقطوعا من شجرة، ولا تنظيما يتيما ومنبوذا كما يحلو لنا أن نقول. ولمن يعترض ويحتج ويتباكى، فلينهض قبل فوات الأوان، وليرجم «داعش وأخواتها» بحجر