مأزق الانتخابات الرئاسية.. ومسؤولية «حزب الله
المستقبل/محمد مشموشي
ليست قضية الشغور في موقع الرئاسة قضية تعداد أيام أو شهور(أربعة شهور منذ بدء المهلة الدستورية لانتخابات الرئاسة في 25 آذار الماضي، أو شهران بعد انتهائها في 25 تموز الحالي). المسألة أبعد من ذلك وأخطر. هي في حقيقتها شغور في الحياة السياسية اللبنانية من جهة، وتعامل مع هذا الشغور وكأنه أمر طبيعي لا يستدعي أي رد فعل أو محاولة للخروج منه من جهة ثانية. ذلك أنه قد يكون مفهوماً، ولو على مضض، أن تصل مصلحة مرشح ما لهذا الموقع (العماد ميشال عون مثلاً) الى حد الحيلولة دون عقد مجلس النواب جلسة مكتملة النصاب لانتخاب الرئيس، لكن ما ليس مفهوماً، ولا حتى مقبولاً، أن تعاضده في ذلك قوى سياسية أخرى («حزب الله» تحديداً) من دون أن تكلف نفسها مشقة التفكير بما ستؤول اليه أوضاع لبنان اذا ما استمرت الحال على ما هي عليه الآن: من دون رئيس جمهورية، ولا حكومة قادرة على القيام بمهامه كاملة، ولا حتى مجلس نواب اذا لم يكن في يد المجلس الحالي سوى التمديد لنفسه.
وأن يقال ان موقف الحزب هو من قبيل «رد الجميل» لعون على دعمه سياسات الحزب، و«تفاهمه» المكتوب معه منذ العام 2006، فذلك ليس كافياً من وجهة نظر بحت سياسية، فضلاً عن أن يكون مقبولاً من وجهة نظر وطنية، أو مقنعاً لأحد من الناس، بما في ذلك ما يسمى بيئة الحزب أو بيئة عون نفسه، في ضوء المخاطر الكبرى والتحديات التي تنتظر لبنان اذا ما استمر الشغور الرئاسي فيه لفترة طويلة.
أكثر من ذلك، ليس من المبالغة القول ان موقف «حزب الله» هذا، ومقاطعة نوابه لجلسات الانتخاب التي بلغ عددها الآن ثماني جلسات من دون نتيجة، هما السبب الأول والأهم لمواصلة عون حربه المفتوحة على المجلس، وعلى انتخابات الرئاسة واتفاق الطائف، وصولاً الى النظام الديموقراطي البرلماني نفسه من خلال مقولتيه عن «انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب» و«القانون الأرثوذكسي» الذي بات اسمه، بعد تبرؤ الطائفة الأرثوذكسية منه، «القانون المسيحي»، فضلاً عن تفضيله اجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري قبل الانتخابات الرئاسية التي لم يفعل الحليفان («حزب الله» و«التيار الوطني الحر») الا أنهما أخرجاها من سياقها ومواعيدها. فهناك شك كبير في امكان تمسك عون بحربه هذه، لو أن «حزب الله» اتخذ موقفاً مختلفاً، ان لجهة حضور جلسات المجلس المخصصة لهذه الغاية، أو لجهة ابلاغه بأن طرح نفسه مرشحاً توافقياً لم يلق قبولاً من الأطراف الأخرى، أو حتى لجهة مصارحته بأن ما يهدد لبنان نتيجة الدوران الحالي في الحلقة المفرغة يستدعي منه، ومن الحزب، موقفاً آخر.
ثم، ما هو رأي الحزب في ما يطرحه عون بشأن انتخاب الرئيس من قبل الشعب وعلى مرحلتين، طائفية مسيحية وأخرى وطنية، وفي ما يقوله عن الانتخابات النيابية والقانون الذي يرى أن تجري على أساسه (بغض النظر عن الأسم «أرثوذكسي» أو «مسيحي»)، وما يؤدي اليه ذلك من فراغ ليس على مستوى رئاسة الجمهورية فقط، وانما على مستوى رئاسة الحكومة وربما حتى على مستوى رئاسة مجلس النواب أيضاً؟. قيل سابقاً ان تأييد الحزب لـ «القانون الأرثوذكسي»، في الكواليس وفي اللجان النيابية وفي الاعلام، كان يستند الى قناعة راسخة لديه بلا جدوى الاعتراض العلني عليه لأنه غير قابل للحياة أصلاً ولا للمرور في الهيئة العامة للمجلس النيابي. وكان الظن أن «رد الجميل» في هذه الحالة، يرضي عون من ناحية ويقدم له «حجة» في مواجهة خصومه المسيحيين من ناحية ثانية، في الوقت الذي لا يؤثر فيه على الصورة العامة للحزب وسمعته من ناحية ثالثة.
لكن ماذا عن صمت الحزب المطبق على طروح حليفه الآن، بما فيها «مسيحية» المرحلة الأولى من انتخاب الرئيس و«القانون الأرثوذكسي» واجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية، وما ينتج عن ذلك من انقلاب كامل على الصيغة اللبنانية والعيش المشترك واتفاق الطائف والدستور، بينما تغزو المنطقة كلها، وليس لبنان فقط، أفكار وايديولوجيات وممارسات تصيب المسيحيين قبل غيرهم من الطوائف فيها؟.
وفي السياق نفسه، ماذا عن الدولة والوطن اذا كانت الدلائل كلها، في حال بقي الوضع على ما هو عليه، تشير الى لبنان من دون رئيس منتخب أو حكومة فاعلة أو مجلس نيابي شرعي في المرحلة المقبلة؟.
بداية الكلام ومنتهاه في هذا المجال، أن مسؤولية أولى وأساسية، ان لم تكن المسؤولية الأولى قبل أية مسؤولية أخرى، تقع على «حزب الله» في العجز حتى الآن، وبعد أربعة شهور من بدء المهلة الدستورية في 25 أيار الماضي، عن انتخاب رئيس لهذا البلد. واذا كان الظن قد ذهب بالبعض سابقاً الى اتهام الحزب بأنه يدفع البلاد باتجاه الفراغ، واذا باتجاه اعادة النظر في اتفاق الطائف (المؤتمر التأسيسي أو غيره)، فالسؤال الذي يطرح نفسه جدياً على هامش ما يطرحه حليفه، ويلتزم الحزب الصمت حياله، هو نفسه من دون تغيير ما لم يقم بخطوة فاعلة بالاتجاه المعاكس: انهاء مقاطعة جلسات مجلس النواب والمبادرة الى انتخاب رئيس للبلاد.