شارل الياس شرتوني/جمهورية الطائف من الدولة الفاسدة والرهينة الى الدولة المجرمة

62

جمهورية الطائف من الدولة الفاسدة والرهينة الى الدولة المجرمة

شارل الياس شرتوني/13 حزيران/2021

الاوليغارشيات تتابع لعبتها بعد انقضاء ما يقارب السنتين على الحراكات المدنية، وسنة على العملية الارهابية الكارثية في مرفأ بيروت، ودخول البلاد في حلقات جهنمية متوالية من الأزمات الحياتية التي قضت وتقضي كل يوم على عافية اللبنانيين وقدرتهم على استعادة ديناميكيات إعادة البناء التي تستدعيها الانهيارات التي نعيشها على كل المستويات. إن مهزلة التأليف الحكومي المتمادية منذ ٩ أشهر ليست بعارضة بل تعبر بشكل فاقع عن واقع الطلاق الفعلي بين المجتمع المدني والاوليغارشيات الحاكمة، واستحالة إجراء أي تغيير في ظل المعادلات  السياسية القائمة، وإمكانية بناء أية حيثية لدولة لم تعد تملك الحد الأدنى من المواصفات الدستورية والسيادية التي تجعل منها إطارا ناظما للحياة السياسية والعامة، وسلطة تدبيرية وحكومية لإدارة الشؤون العامة. ماذا بقي من شرعية المنظومة السياسية القائمة في وقت تتعمد فيه الابقاء على حالة الفراغ السياسي القاتل، والتجاهل الإرادي للمشاكل الحياتية التي تتراوح بين الأزمات المالية (إنهيار العملة وتداعياتها)، والتجهيزية( كهرباء، مياه، محروقات، شبكات الانترنت، المواصلات العامة، معالجة النفايات…)، والغذائية (دعم وتهريب المواد الغذائية، الأمن الغذائي، البطاقة الغذائية…)، والصحية (تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وتردداتها على الشؤون الصحية، هجرة الاطباء والممرضات والممرضين، أزمة توافر وتهريب الدواء، تراجع شروط العمل الاستشفائي لجهة الأدوات المخبرية والتشخيصية والجراحية والتخديرية وصيانة سلامة المستشفيات …)، والتربوية (إنهيار القطاعين التربويين الخاص والرسمي لجهة تأمين الشروط البنيوية للعمل التربوي المالية والتجهيزية والإدارية…)، والاجتماعية (إنهيار سياسات الحماية الاجتماعية ومؤسساتها)، وما يظللها من إرادة تدمير للذخر الاجتماعي والاقتصادي والاستشفائي والتربوي الذي بناه لبنان على مدى المئوية العامة المنصرمة.

نحن لسنا  في سياق أزمة سياسية عابرة، بل في خضم سياسة إنقلابية تلتئم حول أزمة سياسية كيانية تتوخى تغيير معالم الجغرافيا السياسية اللبنانية على خط التواصل بين  سياسات النفوذ الداخلية والمشروع الانقلابي الإيراني إقليميًا، وتحصين دفاعات الاوليغارشيات السياسية-المالية تجاه الاصلاحات الهيكلية الملحة في كل من القطاعات المالية والاقتصادية والاجتماعية. علينا الانطلاق من هذه الوقائع المستجدة، إذا ما أردنا صياغة استراتيجية تغييرية تخرجنا من واقع التضليل القائم على تثبيت الفراغ السياسي، والتمهيد له من خلال التلاعب بالاستحقاقات الدستورية وتفخيخها (انتخابات نيابية ورئاسية، وتأليف حكومات)، والتلاعب بسعر صرف الليرة اللبنانية من خلال لعبة المنصات المتجولة، وابقاء المودعين في لعبة التصرف بالموجودات المالية (الهيركت، والكاپيتل كنترول) خارجا عن أي تسوية توافقية بين المودعين وأصحاب المصارف والبنك المركزي  والمجلس النيابي، واستعمال أموال المودعين في المصرف المركزي لمتابعة تمويل سياسات الدعم المهربة والمشبوهة، ومتابعة نهب الأملاك العامة، وما يرافقها من من انهيار  تصاعدي لليرة، بدلا من عودة الاستقرار السياسي والاصلاحات الهيكلية على خط التقاطع بين المؤسسات الدولية، وتفعيل الاقتصاد من خلال تحفيز الاستثمارات، وتنويع مروحة النشاطات الاقتصادية، وتوسيع بنية سوق العمل، انطلاقا من الاقتصاد المعلوماتي وتطبيقاته العابرة للقطاعات، والاعمال التدريبية والبحثية والاستثمارية في الجامعات والحاضنات التكنولوجية التابعة لها.

إن سياسة الاقفالات الاوليغارشية بمكونيها السياسي والاقتصادي، ومبدأ “الازمات المتناسلة” الذي صاغه وضاح شرارة من أجل توصيف أداء حزب الله السياسي داخليا واقليميا، وتداعياته على مستوى الاصطفافات النزاعية الشيعية-السنية إقليميًا، ينعطفان على تحويل لبنان الى مساحة للعمل الاقتصادي المنحرف، والارهاب الاقليمي والدولي   على خط الالتقاء الموضوعي بينه وبين ارهابيي القاعدة والدولة الاسلامية، وهوامشه المتحركة. إن اداء هذه الطبقة السياسية المارقة سوف يقودنا الى انهيارات كارثية متعمدة، وحرب مبرمجة مع اسرائيل، ودخول لبنان في ديناميكية الفراغات الاستراتيجية التي تحكم أوضاع المنطقة على الصعيد الجيوپوليتيكي، والى تبدلات سوسيو-ديموغرافية تستهدف الجغرافية البشرية اللبنانية من خلال تكريس التداخل مع تبدلات الداخل السوري، واستثمار التهجير السوري منطلقا لتغييرات بنيوية، وأعمال ارهابية تستهدف الاستقرار السياسي  والمعادلات الاستراتيجية على مستوى الانهيارات الإقليمية المفتوحة. لا استقرار  من خلال اللعبة القائمة وأطرها الناظمة، والاوليغارشيات ليست براغبة في أي تعديل يلغي روافع حركتها، ويعيد المبادرة الى غالبية اللبنانيين الذين توحدوا حول سيادتهم الوطنية، وحقوقهم وحرياتهم وأسباب عيشهم والقيم الديموقراطية والليبرالية التي أمنها الكيان الوطني اللبناني. لقد انتقلنا من واقع الدولة الفاشلة الى واقع الدولة المجرمة التي “تستهدف شعبها” (البطريرك الراعي).إن الانهيار بأوجهه السياسية والانسانية هو المدخل للتدويل، والتدويل هو باب استعادة المواطنين لحقوقهم السياسية ومبادرتهم من هذه الاوليغارشيات المجرمة.