الكاتب والمخرج يوسف ي. الخوري/أينما تطأُ قدماه تكون الحريّة… هذا هو “بو أرز”، أينما وطِئت قدماه كانت الحريّة، وأينما نفض الغبار عن خُفّيه ومشى، كان اليأس والخيبة والإحتلال… إنّه قدر الأبطال

544

أينما تطأُ قدماه تكون الحريّة… هذا هو “بو أرز”، أينما وطِئت قدماه كانت الحريّة، وأينما نفض الغبار عن خُفّيه ومشى، كان اليأس والخيبة والإحتلال… إنّه قدر الأبطال.
الكاتب والمخرج يوسف ي. الخوري/22 نيسان/2021

 -… لكنّ إتيان صقر (أبو أرز) لا يستطيع اليوم أن يعود إلى لبنان لأنّه متّهم بالعمالة. أنتِ، كمواطنة، هل توافقين على هذا الأمر، أم تعتبرين أنّ الرجل مظلوم؟
– قُلتُ لك أنا لا أستطيع أن أحكمَ لأنّي لم أعايش مرحلة إتيان صقر…

دار هذا الحوار بالأمس في برنامج “سؤال محرج” الذي استضاف خلاله طوني خليفة منسّقة لجنة الإعلام المركزية في “التيّار المشرقي الإجتماعي” (التيّار الوطني الحرّ سابقًا)، رندلى جبّور.

جرى الحوار على هامش اختيار مُحرج للضيفة بين “بو أرز” وأنطون سعادة.

لم يكن الاختيار محرجًا على الإطلاق بالنسبة لجبّور القوميّة السوريّة الهوى، فهي، من دون تردّد، فضّلت سعادة، زعيم القوميين السوريين التاريخي، على “بو أرز” القومي اللبناني الذي دفع حزبه، حرّاس الأرز، مئات الشهداء دفاعًا عن لبنان وصونًا للقوميّة اللبنانيّة.

أمّا المُحرج الذي جعلني أتوقّف عند الحوار المُشار إليه أعلاه، فيتمثّل في أمرين: الأوّل هو أنّ خليفة لا يزال مُصدّقًا أنّ “بو أرز” لم يعد إلى لبنان لأنّه “متّهم بالعمالة”، والثاني هو أنّ جبّور اعتبرت سعادة فكرًا يصلح لكل زمان، بينما اعتبرت أبا أرز رجل مرحلة انتهى بانتهائها.

صديقي طوني،
فَلْتعرِف أنّ أبا أرز هو مَن اختار، وبكامل إرادته، عدم الرجوع إلى لبنان طالما في لبنان إحتلال. ولتعرِف أيضًا، يا صديقي، أنّ الأحكام بحقّ “بو أرز” هي كلّها غيابيّة، ومن دون محاكمات، وكانت تُنصُّ بالحرف في عنجر، ويُطلب من القضاة في المحكمة العسكريّة تلاوتها بالحرف أيضًا. وكان مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكريّة آنذاك، نصري لحّود، يُرسل سرًّا لأبي أرز، بعد صدور كل حُكم، ليقول له: “لا تقلق، كلّها أحكام صوريّة ستزول بزوال الإحتلال”. وللأسف لا يزال الاحتلال قائمًا و”بو أرز” لم يهادنه.
أمّا الآن وقد صرت تعرف، يا صديقي طوني، فإليك المزيد ممّا أنا شاهد عليه وأعرفه، ورجاءً، لا تحفظ السرّ.

في نيسان العام 2005، أُعِدّ في مجلس النوّاب اللبناني قانونُ عفوٍ عام يشمل سمير جعجع وموقوفي أحداث الضنّية ومجدل عنجر. ما لم يكن معروفًا حينها، إلّا من قلّة من المُتابعين، أنّ العفو المذكور كان سيشمل أيضًا أبا أرز وشباب جيش لبنان الجنوبي الذين لجأوا إلى إسرائيل.

تسرّب لنا من داخل مجلس النوّاب، وتحديدًا لإبنة “بو أرز” كارول، على ما أذكر، أنّ الموضوع تمّ، وأنّ العفو سيصدر شاملًا والدها وشباب الجنوبي.

في الحقيقة، كنّا نعمل على موضوع المهجّرين إلى إسرائيل من دون أن نُعلم “بو أرز” بالأمر، لكن، فور تَبًلُّغنا بنجاح مساعينا، تناولت جوّالي واتصلت بـِ “بو أرز” في قبرص، لأزفّ إليه الخبر السعيد. إلّا أنّه انهال عليّ صُراخًا، قائلًا: “وَمَن قال لكم إنيّ أرضى بأن يصدر عفوٌ عليّ؟!! العفو يصدر بحقّ المُجرمين وبعد خضوعهم لمحاكمات عادلة. قُلْ لهم أن يُزيلوا (يُلغوا) من جوارير المحكمة العسكرية الملفّات المركّبة بحقّي في عنجر، وليس الإعفاء عنّي. تُهم العمالة يجب أن تُلصق بهؤلاء الذين باعوا لبنان وشعبه إلى سوريا. نحن، لم نتخلَّ عن نقطة ماء واحدة لإسرائيل.” وهكذا، يا صديقي طوني، عوض أن نشكر النوّاب الذين ساعدونا في إدراج إسم “بو أرز” في قانون العفو العام، صرنا نترجّاهم لإزالة إسمه من بين المُعفى عليهم.

أمّا ضيفتك رندلى جبّور، يا طوني، فقد عرّفت عن نفسها بأنّها قارئة نهِمَة، ولا ألومها إذا كانت، نظرًا لصغر سنّها، لَحِقت أن تتعرّف على أنطون سعادة ولم تحظَ بعد بشرف التعرّف على “بو أرز”، المفكّر والرؤيوي، الذي “زوّج الكلمة على البندقية ليولد حزبُه حرّاس الأرز”.

فيا منهومةً في القراءة، لكِ كامل الحقّ بتفضيل سعادة على “بو أرز”، ولو فضّلت بالعكس، لتعجّبنا كيف أنتِ باقية في مركزك في “التيّار المشرقي الإجتماعي”. أمّا أن تستصغري أبا أرز وتحصري نضالاته القاسية بمرحلة، فهذا عَيْب.

سمعًا يا صغيرتي، “بو أرز” هو صاحب شعار “لبنان أوّلاً” منذ ما قبل اندلاع حرب الـ 1975. إعرفي ذلك حتّى لو لم يكن لبنان في أولويّات “فلسفة” تيّارك المشرقيّة.

هو إتيان صقر، وبُعْد نظره ثاقب كنظر الصقر. في العام 1976، يوم دخل السوريّون تحت غطاء قوّات الردع العربيّة إلى لبنان، حاول التصدّي لهذه الخطوة، وكان يقول لرفاقه في الجبهة اللبنانيّة “إنّنا نستبدل احتلالًا فلسطينيًّا باحتلال آخر سوري”. لم يسمعوا له. حزم عتاده وجمع مقاتليه وانتقل للاعتصام في جرود العاقورة إحتجاجًا. لم يطل الأمر ببشير الجميّل حتّى صعد لزيارته في مقرّه بتنورين كي يقول له إنّه كان على حقّ وإنّ “المبادرة السوريّة هي لوضع اليد على لبنان”. ختم بشير قائلًا له: “نحنا معك بو أرز”. ومنذ هذا اللقاء، بدأ التحضير لتحرير المناطق التي كانت تُعرف بالشرقيّة من السوريّين.

لهذه الدرجة يا صغيرتي، “بو أرز” الذي لا تعرفينه، هو لبناني وحرّ ومتجانس مع مواقفه. فهل لاحظتي أنّ ما رآه في الـ 1976 من مطامع للسوريين، إستغرق اللبنانيون ثلاثين عامًا إضافيًّا ليستوعبوه؟

هو لا يضرب بالرمل. لكنّه يعرف التاريخ ويعرف كيف يقرأه، بعكسك. فهل ستغيّرين رأيك به إذا ما قلت لك إنّه وضع يده على مطالب ثورة 17 تشرين قبل أن تطرحها هذه الثورة بثلاثٍ وأربعين سنة؟ أنظري (أدناه) إلى عناوين مؤتمره الصحفي عشيّة عيد الإستقلال عام 1976.

هل سيتغيّر شيء من رأيك، أو بالأحرى، هل ستعترفين بأنّك لا تعرفين، إذا قلت لك إنّ مشروع الحياد كما يدعو إليه غبطة أبينا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، رفعه حزب حرّاس الأرز إلى الأمين العام للأمم المتّحدة في 7-7-1976، أي قبل أن يتبنّاه البطريرك واللبنانيون بأربعة عقود ونيّف؟ أنظري الوثيقة المرفقة (أدناه).

لجزّين مع “بو أرز” قصّة تُشبه قصّة اعتصامه في العاقورة. بعد انسحاب القوّات اللبنانيّة من شرق صيدا في مثل هذه الأيّام من العام 1985، تبيّن أن خطوطًا جديدة للتماس رُسمت للمنطقة بموافقة كل أطراف النزاع، وتقضي بانسحاب القوى المناهضة للفلسطينيين إلى ما بعد جزّين، وبالتحديد إلى تخوم بلدة كفرحونة. حاول “بو أرز” إقناع رئيس الجمهورية أمين الجميل، وقائد جيش لبنان الجنوبي أنطوان لحد، والإسرائيليين، بعدم التخلّي عن جزّين نظرًا لأهميّتها الإستراتيجيّة، إلّا أنّ أحدًا لم يستمع إليه، فانتفض واتّخذ قرارً منفصلًا عن قيادة القوّات اللبنانيّة، التي كان عضوًا في مجلس قيادتها، وقرّر الصمود بشباب حرّاس الأرز على محور كفرفالوس – لبعا – عين المير. حاولت القوى الفلسطينيّة واليساريّة إختراق دفاعات الحرّاس أكثر من مرّة، لكنّها كانت تُخفق. ومع تتالي إخفاقاتها، تراجعت هذه القوى المهاجمة عن دخول منطقة جزّين.

وكما العاقورة، كذلك جزّين. بعد اعتصام “بو أرز” في الأولى، بقيت المنطقة الوحيدة الحرّة التي لم يدخلها السوريون، ومنها انطلقت معركة تحرير المناطق الشرقيّة. وبعد صمود حرّاس الأرز على تخوم جزّين، بقيت جزّين، لاسيّما بعد سقوط المنطقة الشرقيّة، المنطقة الوحيدة في لبنان التي ليس فيها أيّ إحتلال غريب، فأوَت أبا أرز بعد رفضه المشاركة بحرب عون – جعجع وخروجه من الشرقيّة، ومنها انطلق إلى عواصم القرار، فأسّس مع دوري شمعون رئيس حزب الوطنيين الأحرار، وجوزيف جبيلي عن القوّات اللبنانيّة، لما أصبح يُعرف لاحقًا بقانون محاسبة سوريا، والقرار 1559… أيُفاجئك يا صغيرتي رندلى، أنّ يكون هؤلاء الثلاثة، مدعومين من مغتربين سياديين لبنانيين، هم وراء تحرير لبنان من السوريين؟ وأنّ لا رفيق الحريري، ولا الرئيس السابق لتيّارك ميشال عون، ولا وليد جنبلاط، ولا غيرهم، لهم علاقة بالـ 1559 كما يدّعون أو يدّعي أتباعهم؟؟

هذا هو “بو أرز”، أينما وطِئت قدماه كانت الحريّة، وأينما نفض الغبار عن خُفّيه ومشى، كان اليأس والخيبة والإحتلال… إنّه قدر الأبطال.

*******
**الياس بجاني/من أرشيف موقعنا لعام 2003/مقابلة مع رئيس حزب حراس الأرز السيد اتيان صقر المعروف بأبو أرز، أجريتها معه بتاريخ 02 أيلول سنة 2003 ونشرت على موقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية باللغتين العربية والإنكليزية/Interview with the leader of the Guardians of the Cedars Party, Mr. Etienne Sacre, also known by his nom-de-guerre of Abu-Arz. The interview was conducted By: Elias Bejjani, LCCC Chairman on September 02, 2003/اضغط هنا لقراءة المقابلة