المحامي عبد الحميد الأحدب/الزلزال الآتي حتماً وقريباً بعد الإنهيار الذي حصل! وكفى مسرحيات

154

الزلزال الآتي حتماً وقريباً بعد الإنهيار الذي حصل! وكفى مسرحيات
المحامي عبد الحميد الأحدب/12 نيسان/2021

 الوضع لا يمكن أن يستمر على حاله أكثر من أسابيع!
الخزان يفرغ من النقود ومن الغذاء ومن البشر و… و… من كل شيء…
سنة ونصف السنة من 17 تشرين والنزيف مستمر ولم يحصل أي شيء سوى مسرحيات هزلية تلفزيونية أو غير تلفزيونية…
هناك تغيير قادم حتماً وقريباً، وهذه قاعدة لا يمكن الهرب منها أكثر مما هربوا…
هذه حكاية التاريخ، والبلدان التي وصلت الى أقل ما وصلنا إليه من انهيار… انهارت منظومتها السياسية بحكم الأمر الواقع.
الآتي ليس تغيير وزير أو مدير… بل تغيير الرؤوساء الثلاثة والنواب وانتخابات… هذا ما كان يحصل في العالم وفي التاريخ حين تصل الأمور الى أقل من الانهيار الذي نحن فيه… ومن الذي يؤمن المرحلة الانتقالية؟ الجيش والقضاء!
هذا ما يحصل وحصل في العالم والتاريخ..
خذوا مصر مثلاً بعد حريق القاهرة!
اجتمع مجموعة من الضباط الشبان ووضعوا في الواجهة محمد نجيب الذي كان في مرتبة لواء وفي سن النضج الخمسينية.. ولم يكن قائداً للجيش، وضعوه في منزله ليأتي فيطل على الشعب إذا نجحت حركتهم ويقدم انذاراً للملك كي يتنازل عن العرش…
وكانت بالنسبة إليهم نسبة نجاح الحركة 10% وفشلها 90% ومع ذلك أقدموا..
هكذا حاصرت دبابات الضباط الشبان الذين كانت حركتهم لا تزيد عن 10% من الجيش.. وتقدم اللواء محمد نجيب من الملك بالإنذار الآتي نصه حرفياً:
“من الفريق اركان الحرب محمد نجيب باسم ضباط الجيش ورجاله الى جلالة الملك فاروق الأول:
انه نظراً لما لاقته البلاد في العهد الأخير من فوضى شاملة عمت جميع المرافق نتيجة سوء تصرفكم وعبثكم بالدستور وامتهانكم لإرادة الشعب حتى أصبح كل فرد من أفراده لا يطمئن على حياته أو ماله أو كرامته – ولقد ساءت سمعة مصر بين شعوب العالم من تماديكم في هذا المسلك حتى أصبح الخونة والمرتشون يجدون في ظلكم الحماية والأمن والثراء الفاحش والاسراف الماجن على حساب الشعب الجائع الفقير، ولقد تجلت آية ذلك في حرب فلسطين وما تبعها من فضائح الأسلحة الفاسدة وما ترتب عليها من محاكمات تعرضت لتدخلكم السافر مما أفسد الحقائق وزعزع الثقة في العدالة وساعد الخونة على ترسم هذه الخطى فأثرى من أثرى وفجر من فجر، وكيف لا والناس على دين ملوكهم.
لذلك قد فوضني الجيش الممثل لقوة الشعب أن أطلب من جلالتكم التنازل عن العرش لسمو ولي عهدكم الأمير أحمد فؤاد على أن يتم ذلك في موعد غايته الساعة الثانية عشرة من ظهر اليوم (السبت الموافق 26 يوليو 1952 والرابع من ذي العقدة 1371) ومغادرة البلاد قبل الساعة السادسة من مساء اليوم نفسه والجيش يحمل جلالتكم كل ما يترتب على عدم النزول على رغبة الشعب من نتائج).
توقيع: فريق (أركان حرب) محمد نجيب”
واتصل الملك فاروق بالسفير الأميركي جيفرسون كافري فوراً وطلب حضوره وطلب منه أن تتدخل أميركا وتضغط على الجيش الإنكليزي الذي كان في مصر لكي يقمع حركة الجيش… وأجرى السفير الأميركي الاتصالات وكان قرار اميركا ان قمع الجيش الإنكليزي للحركة التي كانت صغيرة من بضع دبابات، ولكن الشعب نزل الى الشوارع يحميها، كان القرار أن قمع الجيش الإنكليزي الحركة سيفضي الى مذبحة مخيفة فقررت أميركا عدم الاتصال بإنكلترا! وأبلغ السفير الأميركي الملك برفض أميركا التدخل. وكانت الحكومة قد سقطت قبل ذلك بأيام وشكل علي ماهر حكومة جديدة بالكاد أبصرت النور!
وتداول الملك مع علي ماهر الذي نصحه بالقبول، وبعد أخذ وعطاء، والوقت يمر أعلن الملك فاروق قبوله التنازل عن العرش وطلب السفر بحراً على الباخرة “المحروسة” وأعد العلامة عبد الرزاق السنهوري وثيقة التنازل عن العرش! وفي تمام الساعة السادسة كان الملك فاروق وعائلته على “المحروسة” مع الحاشية وكلهم من الطباخين وماسحو الأحذية الخ…
وصعد اللواء محمد نجيب على الباخرة ليودع الملك وأدى له التحية العسكرية ثم كان صمت مخيف… الى أن تجرأ محمد نجيب ليقول للملك المعزول:
“انني أريد أن أقول لك شيئاً… عندما اقتحمت الدبابات البريطانية قصرك في 4 فبراير 1942 كنت أنا الضابط الوحيد الذي قدم استقالته احتجاجاً على هذا الاعتداء الشنيع على استقلال البلاد فعلت هذا باسم الجيش كله وعبرت به عن شعور هؤلاء الضباط الذي قاموا بالحركة اليوم. وفي هذا ما يدل على مبلغ ما كان من ولائنا نحن رجال الحركة لك.. أما الآن فقد تطورت الأحوال وانقلبنا نحن حماتك الى ثوار عليك نتيجة اعمالك وتصرفات من حولك.”
الإنهيار الذي حصل في لبنان… هو كما حالة مصر عند تنازل فاروق عن العرش!
وكان المطلوب وقتها ليس تنازل فاروق بل تنازل الطبقة السياسية بكاملها عن السلطة: “رئيس الوزراء والوزراء وقادة الجيش وكبار القضاة ومجلس النواب الخ”.
نظام سياسي جديد بينه وبين العهد الذي انهار وأسقط البلاد معه أشهر يتولى تسيير ذمة الحكم بحزم وعزم مجموعة ضباط شبان شرفاء وقضاة يتحلون بالجرأة الى انتخابات تفرز نظاماً جديداً يساير متطلبات العصر.
وسنحتاج من خمس الى عشر سنوات لنزيل آثار القذارة والعهر والاختلاسات التي طبقت ما بعد الطائف، وخاصة السنوات الخمس الأخيرة. هذا ليس تكهناً.. ليس تحليلاً… بل هو الطريق الطبيعي الذي تسير عليه الدول حين تصل الى الانحطاط والتلاشي الذي نحن فيه! ليس هناك دولة إلاّ شكلاً.. والباقي مسرحية هزلية وتَقاتل بين مجموعات الحرامية!
كل المسكنات جربت ولم تفد!
في القاهرة كان حريق القاهرة هو الزلزال وانفجار مرفأ بيروت هو الزلزال اللبناني والمسرحيات الهزلية التي تتوالى بعد انفجار المرفأ أكثر من حريق القاهرة بكثير…
نظام ما بعد الطائف الذي لم يطبق حرف منه انتهى وأسلم الروح… ودفن!!
الآن لا بد أن تشرق شمس طائف جديد وطبقة جديدة من الشبان الطاهرين…
ويجب أن تعلق المشانق ونفتح أبواب سجون كثيرة…
ليس هذا تكهناً… هذه حتمية “المحروسة” وهذه حتمية التاريخ.