الياس الزغبي: بين التقسيم المرحلي وصاروخ التفاهم/ولا يخفى أن عنصر القوة الأول الذي يحرص عليه هو سلاح حزب اللّه وفقاً للرباط المحكم في البند العاشر من ورقة التفاهم

127

بين التقسيم المرحلي و”صاروخ التفاهم”/ولا يخفى أن “عنصر القوة” الأول الذي يحرص عليه هو سلاح “حزب اللّه”، وفقاً للرباط المحكم في البند العاشر من “ورقة التفاهم”.
الياس الزغبي/07 كانون الثاني/2021

بعد اصطدام مشروعه الأساسي بإقامة “الجمهورية الإسلامية في لبنان” بممانعة واقعية من مكوّنات لبنانية عدة (على الأقل بالسياسة والإعلام)، وبحظر عربي وإقليمي ودولي (على الأقل بالعقوبات)، ارتدّ “حزب اللّه” إلى التنفيذ العلني الفاقع لهذا المشروع في بيئتَيه الجغرافية والديمغرافية، بانتظار نجاح رهان، أو تحقيق حلم “الثورة الإسلامية” في إيران، على استئناف مشروعها التصديري الأشمل خارج حدودها، تحت حكم جو بايدن والحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً بعدما أنعشت فوضى انتقال السلطة في واشنطن والصدامات التي جرت في الكونغرس آمال هؤلاء المراهنين.

كانت بداية الفشل العسكري والأمني في تعميم مشروع “حزب اللّه” على البيئات الأخرى، في غزوتي بيروت والجبل (أيّار ٢٠٠٨)، وكان الفشل السياسي الأول في فرض حكومة لونه الواحد (٢٠١١) برغم بدعة اتفاق الدوحة وتعدّد الانقلابات، والثاني في حكومة دياب (٢٠٢٠) بعد سلسلة انهيارات اقتصادية ومالية واجتماعية وسياسية على مدى “عهده” البادئ في ٣١ تشرين الأول ٢٠١٦.

ليس تفصيلاً أن يحوّل “حزب اللّه” معظم موارد ومساعدات وزارة الصحة المركزية إلى “وكالات صحة” في مناطق بيئته، ويُنشئ “وكالات تربية” خاصة، ويطوّر ماليته الذاتية ب”القرض الحسن” على حساب وزارة المال ونظام المصارف وقانون النقد والتسليف، ومن خارج موازنات الدولة وحساباتها.

وقد جاءت الذكرى السنوية الأولى لمقتل وليّ سلاحه وماله وقراره قاسم سليماني شحمة على فطيرة “دولته”، فملأ ساحات مناطقه وشوارعها صوراً ومجسّمات وتماثيل ورايات لهذا الوليّ، ولجميع الرموز والأولياء الإيرانيين من أموات وأحياء، وغيّب كل ما يرمز إلى الدولة اللبنانية بما في ذلك العلم اللبناني والرئاسة الأولى، بحيث يخال العابر أنه في ضواحي طهران وقم ومشهد وتبريز وأصفهان وليس في لبنان.

وبمقدار ما ترمز هذه المظاهر والخطوات الاستفزازية، ولو كانت انكفائية، إلى سقوط مرحلي للمشروع الأكبر في إلحاق كل لبنان بالمشروع الإيراني، فإنها تؤسس لحالة تقسيمية واضحة ومتقدمة، كتمرين أو بروڤا للعودة إلى التوسّع لاحقاً.

ومنتهى الغرابة والصفاقة أن تنبري وسائط “حزب اللّه” الإعلامية إلى اتهام المسيحيين بالسعي إلى الفيدرالية والتقسيم، بينما هو يقتطع لنفسه كانتونات جغرافية وبشرية ومالية وتربوية واجتماعية وعقائدية.

والأشد غرابة، أن شريكَي “حزب اللّه” لدى المسيحيين، “العهد وتيّاره”، يكتفيان بالدعوة الدعائية الشعبوية إلى اللامركزية الموسّعة بما فيها الماليّة (وهي أساس في الفيدرالية وربما التقسيم)، بدون أي إجراء عملي، والتصفيق لكل ما يقوم به شريكهما الذي ذهب بعيداً في بناء “دولته”، وكأنما هناك استعداد ثنائي مسبق لاستئناف المشروع التوسّعي.

فالمؤشرات الأخيرة تؤكد، بما لا يقبل الشك والجدل، تجذّر تورط “العهد وتيّاره” في التستر على خطوات “حزب اللّه”، فلا “القرض الحسن”، ولا الوزارات الرديفة التي أنشأها، ولا زرع النصب ورفع الصور والرايات ملء الطرق والساحات، ولا التأكيدات المتكررة من نصراللّه على عمق الارتباط بإيران بالسلاح والمال والعقيدة والمأكل والملبس وقرارات الحرب، حرّكت شيئاً فيهما وأوجبت إصدار بيان استنكار أو رفض أو استهجان.

حتّى أن التصريح الخطير الذي أعلن فيه قائد سلاح الجو في “الحرس الثوري الإيراني” علي حاجي زادة عن جعل لبنان وغزة خط مواجهة أول لإيران ضد إسرائيل، كان مناسبة لتأكيد وتجديد تأييدهما سلاح “حزب اللّه”، تحت إشارة خجولة إلى سيادة لبنان واستقلاله.

ف”العهد” اكتفى بتغريدة خاطفة عن عدم مشاركة أحد ل”اللبنانيين” في الدفاع عن السيادة، بدون أي إشارة إلى هوية هذا ال”أحد”.

والواضح أن عبارة “اللبنانيين” العائمة والغائمة تعني في أدبيات السياسة والصياغات اللغوية للبيانات الوزارية احتفاظ “حزب اللّه” بالسلاح تحت حجة المقاومة وثلاثيتها الخشبية الشهيرة.

وكان الأجدر بالموقع الأول والوحيد الذي أقسم اليمين الدستورية للحفاظ على سيادة لبنان واستقلاله أن يعلن حق الدولة ومؤسساتها الشرعية، وعلى رأسها الجيش، في حماية لبنان، وعدم قذف المسؤولية على عاتق “اللبنانيين”، خشية أن يتم تفسير هذه العبارة وكأنهم مجموعة بشر سائبة بلا دولة ولا جيش ولا شرعية!

أمّا “تيّاره”، فأصدر بياناً غيّب فيه أيضاً تصريح حاجي زادة، ودعا إلى “الاحتفاظ بعناصر القوة اللبنانية”!

ولا يخفى أن “عنصر القوة” الأول الذي يحرص عليه هو سلاح “حزب اللّه”، وفقاً للرباط المحكم في البند العاشر من “ورقة التفاهم”.

أليس من الأنسب، بعد كل ذلك، أن تُسمّى هذه الورقة ب”صاروخ التفاهم”، طالما أن طرفها الأول لا يُتقن إلّا لغة السلاح والصواريخ، ولم يأخذ منها إلّا بندها العاشر الذي يطوّب “قدسيّة” سلاحه إلى مدى غير منظور، ورمى البنود التسعة في سلّة الإهمال والنسيان،

وطالما أن طرفها الثاني لا يُتقن سوى لغة التغطية على هذا السلاح وتبريره، برغم امتعاضه وتبرّمه من تخلّي شريكه عن دعمه في معركة المحاصصات السياسية لتشكيل الحكومة، تحت ستار الشعارات الخاوية والخادعة مثل “وحدة المعايير” و”بناء الدولة” و”مكافحة الفساد” !؟

وقد حانت لهما فرصة سانحة للخروج من أسر “محور الممانعة” تجسّدت في المصالحة الخليجية ومضمون بيان قمتها عن لبنان.

لكنهما اكتفيا بترحيب لفظي خجول بدون اقتناص هذه الفرصة لمصلحة عودة لبنان إلى دفء بيئته العربية وأحد أهم وسائل خروجه من أزمته الخانقة.

وإذا كان “الشك من حسن الفطن”، يحق لنا أن نرتاب في أن يكون “العهد وتيّاره” يقومان بوظيفة رأس جسر، أو مخلب قطّ، لاستئناف إيران مشروعها في لبنان، ودائماً تحت مقولة “حلف الأقليات”، لأنهما لم يُقدِما على أي خطوة فعلية، وخارج التصريحات الهوائية، في “لامركزيتهم” بموازاة خطوات شريكهم!

وإلّا، فما هي الغايات المستترة وراء كل هذه الاجراءات والمواقف والتصريحات المتناغمة،

سوى أنها تواطؤ على التقسيم المرحلي الذي باشره “حزب اللّه”، ومراوغة الظروف، ومهادنة موقتة، في انتظار اقتناص فرصة مؤاتية للعودة إلى استكمال “المشروع الأكبر”!؟