الياس الزغبي/”وحدة المعايير” شعار حقّ يُراد به باطل

56

“وحدة المعايير” شعار حقّ يُراد به باطل
الياس الزغبي/09 كانون الأول/2020

كأنّ تشكيل الحكومة بات معلّقاً على تنفيذ هذا الشعار الذي يرفعه “العهد” وتيّاره، وهو شعار حقّ يُراد به باطل. فماذا يعني توحيد المعايير في تشكيل الحكومة الجديدة؟

في الظاهر، إنه يعني معاملة الرئيس المكلّف جميع الكتل على السواء، فلا يمنح تكتلاً حق تسمية وزرائه ويحجبه عن تكتل آخر. وهذه مسألة بديهية لتحقيق العدالة والمساواة، ويكون المطالِب بها محقّاً وصائباً.

لكن في العمق، يُخفي هذا الشعار خطيئة تكريس المحاصصة، وضرب مبدأ المبادرة الفرنسية في تشكيل حكومة مستقلة عن التيارات والأحزاب وذات مهمة محددة في وضع الاصلاحات وتنفيذها.

لذلك، فإن التشبّث بشعار “وحدة المعايير” يعني التسليم بحصص “الثنائي الشيعي” للتستر على حصص “العهد” وتياره، واستيلائهما على الحقائب العائدة للمسيحيين. وهنا يكمن مرض المحاصصة الذي ضرب عافية لبنان وأوصله إلى الانهيار مع حكومات الحصص، على مدى السنوات الأربع الأخيرة على الأقل.

وهذا لا يعني تبرئة الرئيس المكلّف من خطيئة رضوخه لحصص “الثنائي”، في حال ثبوتها، لأنها تبرر للآخرين حجّة التمسّك بحصصهم.
وما “وحدة المعايير” سوى الوجه الآخر للمحاصصة وتناتش الحقائب والدوران في الأساليب العفنة ذاتها، وكأنّ لا أزمة معيشية خطيرة حصلت، ولا انفجاراً مروّعاً وقع في العاصمة، ولا ثورة الناس حدثت ولا تزال جمراً تحت الرماد.

وليس أمام الرئيس المكلف، في لقائه الحادي عشر مع رئيس الجمهورية، سوى التحرر من عقدة الحصص، ومن ذلك الوعد الذي قيل إنه قطعه ل”الثنائي” وسواه بتسمية بعض الوزراء، فيضع شريكه في التوقيع على التشكيلة أمام واقع جديد، هو منع جميع الكتل من تسمية وزراء حصتها، بل منعها من مبدأ نيل حصة، وإعادة تأليف الحكومة إلى سياقه الدستوري بين الشريكَين فقط، بما يلبّي جوهر المبادرة الفرنسية، ويُنتج حكومة ذات استقلالية فعلية ورؤية إنقاذية حديثة.

أمّا ما عدا ذلك، ففشل على فشل، ودوران في حلقة الانهيار المفرغة.
وهي في الأصل حلقة مقفلة، حتّى الحكومة المستقلّة لا تستطيع كسرها، طالما أن أحداً من طابخيها لا يطرح معالجة أساس المشكلة، أي السلاح الضاغط على عنق الدولة والذي يشلّ حركتها.

ربما تنجح حكومة مستقلة في ضخ بعض الأوكسيجين في رئة الجسم الضعيف، لكنّ العلاج المحيي والمستقر يبدأ باستعادة السيادة ورفع الهيمنة الإيرانية، عبر ذراعها الضاربة، عن مراكز القرار في بيروت.
أليس هذا ما تعنيه دعوة بكركي منذ الصيف الفائت إلى “استعادة حرية القرار الشرعي اللبناني”؟