شارل الياس شرتوني/الفاشيات الشيعية والاوليغارشيات المافيوية او عقدة الافاعي، لا حل خارجا عن التدويل ومصادرة الاموال

164

الفاشيات الشيعية والاوليغارشيات المافيوية او عقدة الافاعي، لا حل خارجا عن التدويل ومصادرة الاموال
شارل الياس شرتوني/05 كانون الأول/2020

انقضت سنة على الثورة المدنية، وانقضت اربعة اشهر على عملية المرفأ الارهابية واستقالة الحكومة، ولم نشهد حتى الساعة بوادر لحل الازمات المتداخلة، او اكتراثًا لواقع الانهيارات المتنامية التي قضت على المقومات الاساسية للحياة السياسية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والبيئية في البلاد. الملفت في الامر ان واقع الحال يتجاوز الازمات الطارئة ليطال البنيات السياسية والمجتمعية، والخيارات المؤسسة للاجتماع السياسي اللبناني، نحن امام نهج سياسي ارادي يستهدف تدمير الحيثيات الوطنية والدولتية للكيان اللبناني، فكفانا مواربة في توصيف واقع الحال. الفاشيات الشيعية تلتئم حول مشروع مزدوج يدور حول الدولة الاسلامية الايرانية ببعديها الايديولوجي والاستراتيجي، وتكوين العمق الاستراتيجي لسياسات الجريمة المنظمة والارهاب والاقتصاد المنحرف التي تديرها دوليا. اما نقطة التقائها مع الاوليغارشيات المافيوية التي تتشارك معها وتشكل احدى اجنحتها الاساسية، فتنعقد على قاعدة المصالح المشتركة والغطاءات المتبادلة وتوسيع مروحة الشراكات الاقتصادية ( حزب الله، نبيه بري، وليد جنبلاط ، سعد الحريري، نجيب الميقاتي، محمد الصفدي، فؤاد السنيورة، ميشال عون وجبران باسيل، جمعية المصارف، وسلسلة طويلة تمتد الى بداية التسعينات… )، نحن فعليا امام واقع دولة صورية ابتدأت مع جمهورية الطائف التي لا تعدو كونها وهما قانونيا لتغطية سياسات النفوذ الاقليمية والداخلية، واعمال الجريمة المنظمة الملازمة لها. ان اية مقاربة تحليلية لواقع الدولة اللبنانية على قاعدة دستورية، ليس الا، غير صائبة في تحديد طبيعة اشكاليتها، لانها تتخذ من الوهم واقعا وتتعامل مع معطياته على اساس منهجي خاطىء بالمبدأ. ان مجمل الحياة المؤسسية ما هي الا رديفا باهتا وفارغ المضمون لسياسات نفوذ، تنعقد على خطوط التواصل بين الداخل والخارج، ادت بعد انقضاء ثلاثة عقود الى استكمال التدمير البنيوي الذي ابتدأ مع الاضطرابات الاهلية في ١٩٥٨ وحرب ١٩٧٥، التي كرست واقع السيادة المحدودة والاستنسابية والمعطلة والمدمرة، وجعلت من المبنى الدولتي اللبناني، كيانا صوريا وتابعا لمراكز النفوذ المتعاقبة.

ينعقد فهم الواقع الحاضر حول المتغيرات التالية:
أ- الازمة السياسية التي تنتظم على وقع سياسات النفوذ الشيعية، ببعديها الداخلي والخارجي، وعلى قاعدة العلاقة العضوية القائمة بين استراتيجية التوسع الايرانية، في المديين الشيعي والسني العربيين، والدور المحوري الذي يلعبه حزب الله ضمنها. لقد بنى حزب الله استراتيجيته انطلاقا من سياسات التمكين التي اطلقها الامام موسى الصدر، و ديناميكيات التسيس التي اطلقها تحالف اليسار الفاشي ومنظمة التحرير الفلسطينية والثورة الاسلامية الايرانية منذ منتصف الستينات واوخر السبعينات، والتحالف الانتهازي مع النظام العلوي في سوريا والتموضع ضمن آلياته وازماته الداخلية، خاصة مع انطلاق الثورة السورية في ٢٠١١، والروافع المالية والاقتصادية بشقيها الشرعي وغير الشرعي التي امنها الاغتراب الشيعي في افريقيا واميركا اللاتينية والشمالية، والتحالفات الانتهازية العابرة للطوائف، والتغطية المسيحية التي امنها ميشال عون، والتي استعملت تباعا ضمن سياق سياسات انقلابية تدرجية استعملت المتغيرات العسكرية والمدينية والارهابية والمالية-الاقتصادية المنحرفة مدخلا لتثبيت مواقع نفوذ ثابتة ومتحركة في آن واحد. ان مقتل رفيق الحريري، بناء على تفاهم بين النظام السوري وحزب الله، قد وضع حدا لسياسة النفوذ السنية انطلاقا من المواجهة مع المد الانقلابي الناشىء عن سقوط نظام صدام حسين وتردداته الاقليمية، ومن تأهل الشيعة لوضع اليد الكاملة على الدولة الريعية التي أنشأها رفيق الحريري بالتشارك معهم ومع وليد جنبلاط في ظل الوصاية والتحكيم السوريين.

لقد انقضى زمن التحالفات الانتهازية واتت مرحلة السيطرة المباشرة من خلال سياسات التمدد العقاري، والخرق السياسي للتنظيمات السياسية في مختلف الاوساط الطوائفية، والتعطيل المنهجي للحياة السياسية، وانتهت بسياسة التدمير الشامل عبر العمل الارهابي في مرفأ بيروت، الذي اسس لمرحلة انقلابية جديدة تستلهم مبادىء الحرب الشاملة كمدخل سريع لتأسيس معادلات انقلابية قائمة على تحولات ديموغرافية ومدنية واقتصادية وسياسية مباشرة. ان اية مراهنة على تسويات ديموقراطية وتوافقية ميثاقية هو ضرب من ضروب الوهم، كما تظهرها المفاوضات الحكومية اللامتناهية المرتبطة بشكل متحرك باستحقاقات دولية لا حصر ونهاية لها. اداء الفاشيات الشيعية يقع في دائرة كسب الوقت والتمدد الانسيابي على كل المستويات، وكل ما عدا ذلك يقع في دائرة المراوغة. تحمل هذه السياسات الانقلابية اسباب تهافتها لارتباطها بديناميكيات نزاعية اقليمية تستحث ممانعات ومضادات سوف تفتح لبنان مجددا على الفوضى الاقليمية وتداعياتها المدمرة، التي تتغذى منها هذه الفاشيات واصناؤها في الاوساط السنية ومحاورها الاقليمية الناظمة ( تركيا، قطر، السعودية ).

ب- الازمة المالية التي تنتظم حول نهاية نموذج الدولة الريعية واستملاك الشأن العام من قبل الاوليغارشيات المالية-السياسية والمالية، وحصر التداول والقرار المالي والاقتصادي بدوائرها، وانطلاقا من الاولويات التي وضعتها أساسا لمشاريع اعادة الاعمار ، وما ادت اليه من تركز لسياسات ريعية وحيازية، وتثبيت للانشطارات الطوائفية والطبقية والمدنية والمدنية-الريفية، والمحاصصات بين اطرافها واوصيائهم الاقليميين. ان التفاهمات الاوليغارشية التي تبلورت من خلال استخدام خبراء ماليين واداريين واجهزة قضائية وأمنية، قد ادت الى تكوين مراكز قوى داخل الادارات العامة تابعة للاوليغارشيات وتعمل لحسابها، وتنظم اختلافاتها وتصوغ تفاهمتها على نحو متحرك، الامر الذي اسقط مفهوم الخير العام، وحول الوزارات والادارات العامة الى مقاطعات سلطوية، والموارد العامة الى مسالب تتقاسمها فيما بينها، مع كل ما يرافق ذلك من تناتشات وحروب مواقع وتحكيمات وتسويات مرحلية.

تفهمنا هذه الصيغ الادارية والعلائقية كيفية نهب الموارد العامة من خلال آلية الديون البغيضة، وعلى قاعدة مخالفات قانونية واتيكية لجهة عدم انفاذ مبدأ تعارض المصالح، واستعمال المعلومات المهنية ( délit d’initié ), وتحويل المؤسسات العامة الى مصادر لترفيد ثروات الاوليغارشيات ومحسوبياتها وسياساتها الانقلابية، وتوظيف النظام المصرفي بخدمة الاوليغارشيات من خلال مشاريع اعادة الاعمار الوهميةوالمشبوهة والمضخمة الكلفة، وبناء على تصريفات طبقية ومذهبية خارجة عن اية مقاربة تداخلية لمسائل الانماء. ان نهب اموال اللبنانيين العامة ( المشاريع العامة والادارة العامة المنتفخة والزبائنية ) والخاصة ( النظام المصرفي وسياسة الاكتتاب بسندات الخزينة من قبل الصناديق الانتهازية ) هو عمل ارادي ذات اهداف سياسية انقلابية وترددات مباشرة على توازنات البلاد البنيوية، واجرامية من خلال سياسات استباحة الاموال العامة من اجل ترفيد الثروات الاوليغارشية، عملت على بلورة آلياته سياسات النفوذ الشيعية والسنية والدرزية ومواليها في الاوساط المسيحية.

ان حالة المراوحة التي نعيشها من خلال سقوط حكومة سعد الحريري، والاتيان بحكومة حسان دياب من قبل حزب الله، واعادة تكليف الحريري مهمة تشكيل الحكومة وفشله في مواجهة ممانعات امل وحزب الله، وتبعية ميشال عون السياسية لسلطة الوصاية التي اتت به وتحركه، ليسوا بالامر العارض، بل جزء من سياسة تحكم استنسابية من اجل تدمير الكيان المعنوي والدستوري للدولة اللبنانية، وترسيخ الاختلالات السياسية، واشاعة مناخات التخويف والابتزاز، والدفع بواقع الانهيارات المعممة، التي سوف تمهد الطريق لسياسة انقلابية ناجزة. ان اختلاف نظام القيم المبدئي مع هذه الفاشية والمافيات المتحالفة والمتآلفة مع مصالحها، والتهديدات الوجودية التي باتت تشكلها حيال بقية اللبنانيين، وتأثيراتها على الواقع الجيوپوليتيكي، وانكشافها على نزاعاته القائمة والمتأهبة على غير محور، تحتم تدويل الازمات اللبنانية، وتطبيق الفصل السابع بكل مندرجاته السياسية والامنية، كمقدمة منشئة وملزمة من اجل بلورة سياق تفاوضي حول مستقبل الكيان الوطني والدولاتي اللبناني، وحؤولا دون الحرب الاهلية، وعودة لبنان الى دائرة الانفجارات الاقليمية المفتوحة.

ان سياسة التدويل الواجبة في مجال ادارة النزاعات اللبنانية وتسوياتها ، تستوجب فصلا يقضي باستعادة الاموال العامة من خلال التحقيق الجنائي المالي الشامل، ومصادرة الاموال المنهوبة من خلال سياسات العقوبات الدولية. الفصول الجيو-سياسية، والسياسية والمالية اساسية في ارساء توازنات بنيوية جديدة غير قابلة للتحقق في ظل السياسات الانقلابية الحاضرة واملاءاتها.