علي الأمين: الممانعة تُفاوض: الأمرُ لي/محمد قواص: حزب الله والترسيم… ترميم الوصاية

105

حزب الله والترسيم: ترميم الوصاية!
محمد قواص/سكاي نيوز/05 تشرين الأول/2020

“الممانعة” تُفاوض: “الأمرُ لي”!
علي الأمين/نداء الوطن/05 تشرين الأول/2020
في زمن تساقط أوراق “التابوهات” اللبنانية والإقليمية، التي لطالما كانت شعارات جوفاء رنانة يتلطى خلفها الزعماء بانتظار اللحظة المناسبة لمحاولة النجاة بأنفسهم، فعلها فريق الممانعة وفي مقدمه “الثنائي الشيعي”، وبدا كمن يقول بصراحة وحماسة شديدتين..”الأمر لنا بموضوع إسرائيل في الحرب كما في التفاوض وما هو ممنوع على الدولة لا ينسحب علينا!”.
توقيت الرئيس نبيه بري الإعلان عن الإتفاق على إطار التفاوض حول ترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان وإسرائيل، لم يكن عفوياً. مقتضى الإقرار بمبدأ الترسيم والإنخراط في المفاوضات، يعني ان الطرفين يلتزمان باحترام ما يتوصلان اليه من خريطة الترسيم، وعدم القيام باي اجراءات او خطوات يدرجها القانون الدولي كفعل عدوان على الطرف الآخر. لبنان ذهب متحمساً الى هذه الخطوة، ومن بوابة بري، وليس اي طرف آخر، كالحكومة اللبنانية، ولا رئيس الجمهورية الذي يوكل اليه الدستور واجب الاشراف والتوقيع على المعاهدات الخارجية.
ويدرك بري الذي تولى ادارة هذا الملف بالتنسيق العضوي مع “حزب الله”، ان هذا المسار المتصل بالعلاقة مع اسرائيل، انتقل من الادارة السورية التي تحكمت بهذا الملف في زمن مقولة وحدة المسارين اللبناني والسوري، الى مرحلة ادارة طهران لهذا الملف منذ ما بعد العام 2005. من هنا لا يمكن فصل موقف بري عن موقف السيد حسن نصرالله، ولا يمكن عزله عن الرعاية الايرانية لهذا الاتفاق.
ولعل من أبرز المخاطر التي يتخللها الذهاب في هذا المسار لبنانياً، يكمن في فهم أسباب الاندفاعة لدى “الثنائي الشيعي” الى توقيت هذا الاعلان اليوم، وليس قبل سنوات، وفي ظروف افضل للبنان؟ ليس مقنعاً القول ان لبنان في ظل الانهيار الذي يعانيه حقق في شروط التفاوض ما لم يستطع تحقيقه قبل خمس سنوات، منطق موازين القوى والسياسة لا يقبل ذلك، وبالتالي فان الأقرب الى المنطق هو قبول لبنان بما هو معروض عليه من واشنطن وربما اسرائيل. المخاطر تكمن هنا في المفاوض اللبناني الذي يذهب نحو التفاوض مع اسرائيل، فيما سيف العقوبات لا يزال مصلتاً، ولامس بري وحلفاء الحزب الممسكين بهذا الملف ومن خلفهم ايران، والذين قايضوا عملية التفاوض بحسابات ضيقة ولأولويات غير لبنانية.
ما يعزز من هذه الفرضية، هو ما قاله مساعد وزير الخارجية ديفيد شنكر”ان لبنان هو من يتمنع عن المباشرة بالتفاوض لانجاز الترسيم البحري”، وهو لم يخف استياءه من “إضاعة الوقت الذي لن يكون لصالح لبنان”. وفي زيارته الأخيرة الى لبنان، رفض شنكر لقاء المسؤولين اللبنانيين واستجاب اخيراً لطلب لقاء من مستشار بري علي حمدان، الذي طمأنه الى ان لبنان على وشك الاعلان عن موافقته على اتفاق الإطار بعدما رفض شنكر “تضييع الوقت” والإنصات لأي شروط او ملاحظات ووضعها في اطار كونها “مماطلة”وأن ما أنجز هو المعروض فإما يوافق لبنان او يرفض.
وكان بري اعلن غداة انفجار 4 آب عن انجاز اتفاق الاطار، ولا يمكن فصل هذا الاعلان في توقيته عن تداعيات الانفجار نفسه، كما كان الاعلان عن الاتفاق في توقيته الاحتفالي وقبل مجيء شنكر الى بيروت غير مفصول عن الرسائل التي اطلقها رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو من على منبر الامم المتحدة ضد لبنان ولا سيما في ملف مخازن الاسلحة بين المدنيين، والمسبوق بالتفجير الغامض في بلدة عين قانا في اقليم التفاح. حلقات متصلة خلاصتها ان لبنان يذهب نحو الترسيم في ظرف عام لا يحسد عليه، بعدما كان قادراً ان ينجز هذه المهمة في ظرف سياسي ووطني وإقتصادي أفضل.
في المقابل فإن ما يغري إسرائيل وربما واشنطن، ان الثنائية الشيعية هي من يفاوض وهذا يوفر للإسرائيليين ضمانة لأي اتفاق في حال تم إنجازه. لكنه في المقابل هو رسالة غير مرضية نحو الداخل اللبناني، انطلاقاً من ان الأطراف الاساسية الممسكة بزمام السلطة والتي تتحمل المسؤولية الكبرى تجاه الأزمة المالية والسياسية، هي من تسابقت من اجل انجاز اتفاق الترسيم، وهي في ذلك تؤكد مجدداً المزيد من الليونة والاستجابة لمطالب الخارج، فيما لا تزال مصرة على التشدد تجاه مطلب الاصلاح وحلّ الأزمات الداخلية، كما فعلت مع المبادرة الفرنسية.

حزب الله والترسيم: ترميم الوصاية!
محمد قواص/سكاي نيوز/05 تشرين الأول/2020
“حزب الله” يلتزم الصمت بخصوص مفاوضات ترسيم الحدود
في سبتمبر الماضي، زار مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شنكر لبنان.
ما كُتب عن الزيارة قبل حدوثها توقع أن يبحث شينكر مع المسؤولين اللبنانيين ملف ترسيم الحدود اللبنانية الإسرائيلية المكلف بمتابعته عن كثب.
قبل أسابيع من الزيارة أبلغ رئيس مجلس النواب اللبناني (زعيم حركة أمل) نبيه بري جريدة النهار اللبنانية أن مفاوضات ترسيم الحدود باتت “في خواتيمها”، بما أوحى أن الدبلوماسي الأميركي الكبير قادم لتفعيل تلك الخواتيم. لكنه لم يفعل. رفض شينكر لقاء المسؤولين اللبنانيين. جال في لبنان وكأن لا حكم ولا حكام فيه، وأعلن أنه لن يلتقي إلا بشخصيات من المجتمع المدني المعارضة للمنظومة السياسية في البلد.
نقلت إحدى هذه الشخصيات أن شينكر شنّ هجوماً لاذعاً ضد بري على نحو لم يفهم الحاضرون معناه وصداه إلا بعد أن غادر الرجل البلد عائدا إلى بلاده.
من واشنطن جاء معنى غضب شنكر. اتخذت إدارة الرئيس دونالد ترامب إجراء لافتا بقرارها فرض عقوبات على المساعد السياسي لبري، الوزير علي حسن خليل، إضافة إلى الوزير يوسف فنيانوس المقرب من الزعيم الماروني الشمالي سليمان فرنجية. فهم بري رسالة واشنطن جيداً، وفهم حزب الله أن واشنطن ذاهبة إلى تجاوز المحرمات في استهداف حلفاء الحزب من الشيعة وغير الشيعة على السواء.
في الأول من الشهر الجاري أعلن بري التوصل إلى اتفاق إطار لبدء المفاوضات حول ترسيم الحدود اللبنانية الإسرائيلية بحرا وبراً. قدم الرجل الأمر بصفته نزاعاً تقنيا بين دولتين يتم حله عبر الخبراء والقانونيين والعسكر من الجهتين، على أن يبرم بعد ذلك اتفاق بين لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية ورعاية الأمم المتحدة.
لم يتحدث بري عن “العدو الإسرائيلي”، تحدث عن دولة معترف بها دوليا ستفاوض دولة أخرى معترف بها دوليا تحت سقف دولة لطالما وصفتها إيران وحزبها في لبنان بـ “الشيطان الأكبر” ومنظمة أممية تمثل المجتمع الدولي الذي لطالما سخر أمين عام ذلك الحزب منه ومن منظمته وقراراتها ومحكمتها. وقد أتت استجابة الثنائي الشيعي لضغوط واشنطن وعقوباتها بعد أقل من 10 أشهر (يناير الماضي) على إعلان نصر الله من بيروت معركة كل تيار المقاومة لطرد القوات الأميركية من المنطقة.
تخلى حزب الله وحليفه عن ملف ترسيم الحدود. وافق الثنائي على وضع الحجر الأساسي لرحلة التطبيع مع إسرائيل. تخلى الثنائي عن الملف مسلما إياه إلى رئيس الجمهورية ميشال عون بصفته المخول وفق الدستور بالاشراف على المعاهدات الدولية.
في أواخر ديسمبر 2017 فاجأ جبران باسيل، صهر عون ورئيس التيار الوطني الحر وحليف حزب الله، ومن على شاشة قناة الميادين القريبة من الحزب، فاجأ الرأي العام اللبناني بتصريحات لافته. سُئل حول ما إذا كان التطبيع بات واقعا، فأجاب أن “ليس لدينا قضية إيديولوجية ولسنا رافضين لوجود إسرائيل التي من حقها أن تعيش بأمان (…) لكن نريد لكل الشعوب أن تعيش بأمان وتعترف بعضها ببعض”.
جاء كلام حليف حزب الله وولده المدلل قبل حوالي ثلاث سنوات من إبرام الإمارات والبحرين اتفاق سلام مع إسرائيل. وفيما راج لدى الدولتين أن روحية الاتفاقيتين هدفهما إشعار إسرائيل بأن العرب منفتحون على السلام وأن الأمر سيشجع إسرائيل على الاندفاع إلى السلام، سبق حليف حزب الله أبو ظبي والمنامة في الكلام عن الامان والاعتراف المتبادل. وفيما ربطت الإمارات الاتفاق بقرار إسرائيل وقف الضم في الضفة الغربية وأكدت مع البحرين تمسكهما بحقوق الشعب الفلسطيني، فإن باسيل لم يشترط ذلك ولا ربط موقفه وموقف لبنان بمواقف الآخرين.
في منتصف أغسطس الماضي، أي بعد أسبوعين على كارثة مرفأ بيروت، وفي عزّ الضغوط الفرنسية الدولية على منظومة الحكم في لبنان، سألت قناة BFM الفرنسية الإخبارية الرئيس العون في مقابلة أجريت معه في قصر بعبدا حول ما إذا كان لبنان مستعدا لصنع السلام مع إسرائيل. لم يظهر أن السؤال كان مباغتا، لا بل كان واضحا أنه من جملة الأسئلة المتفق عليها. أجاب عون باللغة الفرنسية قائلا: “لدينا مشاكل مع إسرائيل وعلينا حلها أولا”.
منذ الوصاية السورية المتوازية والملحقة بالوصاية الإيرانية درج ساسة الممانعة على ترداد أن لبنان سيكون “آخر من يوقع معاهدة سلم مع إسرائيل”. وقد كان مفهوما أن يقال عقائديا ومبدئيا أن البلد لن يوقع أبدا سلاما مع إسرائيل، أما أن يقال أنه سيكون آخر من يفعل ذلك ففي الأمر تسليم بوضاعة البلد وتبعيته وغياب سيادته وتغييب مصالحه. وفيما تتضارب التكهنات حول لائحة الدول العربية المرشحة لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، يأتي الإعلان من بيروت عن مفاوضات لترسيم الحدود بمثابة اعتراف لبناني إيراني بأن لإسرائيل “الحق في الوجود”، وفق تعبير باسيل، وأن لبنان سيكون مساهما في ترسيم وتأكيد أحد أضلاع حدودها. شيء لم تفعله الإمارات والبحرين. يثبت حزب الله من جديد أنه مهيمن على البلد وعلى قراره وأن تواطؤه في موضوع ترسيم حدودي بنكهة التطبيع يهدف إلى التجديد لتلك الهيمنة، فيما بقية الفرقاء في لبنان، خصوصا المعارضين للحزب، صمٌ بكمٌ لا يتكلمون.