الكولونيل شربل بركات/ماذا وراء الخطوة التي أقدم عليها الرئيس بري بالنسبة لترسيم الحدود؟

391

ماذا وراء الخطوة التي أقدم عليها الرئيس بري بالنسبة لترسيم الحدود؟
الكولونيل شربل بركات/05 تشرين الأول/2020

إن مطالب اللبنانيين يجب أن تتمحور حول تنفيذ القرارات الدولية بكل جوانبها، حتى ولو اضطر ذلك وضع تطبيق هذه القرارات تحت البند السابع لقانون الأمم المتحدة وفرض سيطرة القوات الدولية على البلاد ومداخلها البرية والبحرية، وخضوع الجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى لقيادة هذه القوات، والعمل على خطة تنفيذ مرحلية تقوم على انشاء مناطق منزوعة السلاح، حيث أمكن، ومن ثم اضافة مناطق أخرى شيئا فشيئا للتوصل إلى تخليص البلاد من كل بؤر السلاح. بعدها يتم، وباشراف الأمم المتحدة، اعادة انتخاب مجلس نواب جديد ورئيس جديد للبلاد وتنظيم الادارة وتخليصها من رواسب الفاسدين، ومن ثم فتح أبواب الحوار حول كافة المسائل المتعلقة بتوزيع السلطات وتنظيم العمل الديمقراطي اذا كان هناك حاجة لذلك.

****
الرئيس بري، الذي كان يعتبر حتى قيامه بمنع تشكيل حكومة أديب الأسبوع الماضي، وجها مقبولا سياسيا للثنائي الشيعي كونه يشغل منصب رئيس مجلس النواب اللبناني منذ أكثر من ربع قرن، قام مؤخرا بتسهيل موضوع ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل. وهو موضوع حساس جدا في الوقت الحالي. وذلك من أجل تحسين صورته دوليا. فلبنان الذي يجتاز مرحلة صعبة جدا من الناحية الاقتصادية يحتاج لأن يعطي أملا للمجتمع الدولي بموضوع الثروات النفطية أو الغازية التي من الممكن ان تتوفر في مياهه الأقليمية. ما قد يسمح بخلاصه من الافلاس الذي وصل إلى أشده حيث تدهورت الليرة مقابل الدولار بشكل كبير، بينما نمت في أوساط الشعب ظاهرة عدم الثقة بالحكم الذي أظهر فسادا غير مسبوق أفقر الناس وعطّل العجلة الاقتصادية في البلد لدرجة لم يسبق لها مثيل.

وقد كان لتشبص الثنائي الشيعي، وخاصة حزبالا بالسيطرة على الحكم واستدراجه للعقوبات الاميركية وحماية كل أنواع الفساد والتهرب الضريبي، لا بل التهريب العلني للبضائع المدعومة إلى سوريا بدون أي احراج، وقعه بين الناس ما فتح عيونهم على أن هذه المنظومة المتحكّمة بالبلاد تسعى لمصادرة القرار وافراغ السلطة من المسؤولية عن رفاهية المواطنين، وحصر دورها فقط بالتسابق على السرقة ونهب المال العام من جهة، وتنفيذ مآرب المحتل الايراني في افقار البلد كمقدمة للسيطرة الكاملة عليه من جهة ثانية، كما يجري من قبل الملالي في إيران. وما موضوع التفجير الذي حصل في المرفأ إلا جزءً من الخطة الإيرانية لتهجير المعارضين واكمال سيطرتهم على البلاد.

أما موضوع السلاح، فهو الأهم في تصرفات الحزب. وقد كان التخفي وراء مقولة محاربة اسرائيل، وكل مسألة “العدو الصهيوني” وألاعيبه، أعطى هذا الحزب حق الاحتفاظ بسلاحه بعد اتفاق الطائف الذي حصر السلاح بيد الدولة وطالب بحل جميع المليشيات. ولكن، وكما أصبح الكل يعلم، كان للسوريين المسيطرين على البلاد يومها مشاريع خاصة. فقد أبقوا على سلاح الحزب لكي يؤمنوا وجود حليف لبناني مسلح على الأرض، إذا ما فرض عليهم الخروج من لبنان، يسهم في استمرار تنفيذ خططهم ومنع قيام دولة ناجحة تؤثر بدون شك على الشعب السوري للمطالبة بحقوقه بتغيير النظام القمعي الذي يتحكّم بالبلاد والعباد بقبضة حديدية تحت ذريعة محاربة “العدو”. وكان المجتمع الدولي استدرك هذه النقطة وطالب، يوم أصدر قرار مجلس الأمن 1559 الذي تضمن انسحاب السوريين، بتجريد المليشيات والمخيمات وكافة البؤر من سلاحها منعا لخلق هذا الوضع. ولكن قصر نظر السنيورة وجنبلاط، اللذين تبرعا باقناع الاوروبيين ترك تلك النقطة لكي تحل داخليا، سمح لهذا الحزب، ليس فقط الابقاء على سلاحه، انما الانقلاب على كل انجازات اللبنانيين في توحيد مطالبهم حول استعادة القرار وتأمين الاستقرار. ومن ثم خرقت هذه الوحدة باتفاق مار مخايل.

أما العرقلة في مسألة ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل، فقد كانت من أجل كسب الوقت ومنع الاستقرار، ومن ثم اعطاء الحزب الإيراني بابا لخربطة الأمور يوم يتطلب الموقف في المنطقة ذلك. وهذا ما جرى في 2006 يوم كانت الدول الأوروبية تسعى لفرض عقوبات على إيران بسبب المفاعلات النووية. فقد قام هذا الحزب يومها بعملية اختطاف الجنود من داخل الحدود الاسرائيلية ما نتج عنه حرب “لو كنت أعلم” وكل المآسي التي خلفتها.

اليوم وبالرغم من اعلان الرئيس بري عن قبوله بالمبادئ في المحادثات بين لبنان واسرائيل، فإن الطريق إلى نهاية المحادثات لا تزال طويلة ويعترضها الكثير من الألغام التي سيزرعها الحزب بطلب من إيران عندما تدعو الحاجة. من هنا فإن التفاؤل المفرط عند اللبنانيين بأن الأمور ذاهبة إلى الحلول، هو في غير محله، طالما لم يسلّم الحزب سلاحه ويلتزم المساواة مع كل اللبنانيين. وطالما اعتبر نفسه وصيا على لبنان، وله وحده حق تقرير المصير، وحق شن الحروب، وحق فتح واغلاق الملفات وتحديد الاصدقاء من الاعداء.

حزبالا هذا وسلاحه المفروض عليه هو ما يمنع لبنان من التخلص من كل الآفات، وعلى رأسها مجموعة الفاسدين، لأنه لا يمكن وجود أي حل عملي لتحسين الادارة وتنظيم البلاد ومحاكمة الفاسدين بوجود من يتسلط بسلاحه على رقاب اللبنانيين، مسؤولين كانوا أو عاديين. وإن تصرف المليشيات وسيطرتها على الشارع وقدرتها على التحكم بكل موارد الدولة، هو سيف لا يمكن أن يستهان به ولا يسمح لا بالعدالة ولا بحكم القانون. ومن جهة أخرى فقد قام هذا الحزب مؤخرا باستدعاء زعيم منظمة حماس الارهابية اسماعيل هنية واستقباله في المخيمات الفلسطينية التي لا تزال تحتفظ بسلاحها. ثم أطلق العنان لجماعة التخريب السنية الجاهزة والتي تعمل تحت اسم “داعش” المفبرك لكي يفهم اللبنانيين بأن سلاحه معد لحمايتهم وأنه إن هم طالبوه بتسليمه يجب أن ينتظروا قيام جماعات أخرى مثل المخيمات الفلسطينية أو المجموعات السنية المتطرفة بالتخريب، وهي جاهزة للمبادرة. وهذا ما سوف يطلقون عليه اسم “حرب أهلية” كما فعلوا في سوريا سابقا حيث هجروا السكان الآمنين بواسطة لعبة “الشبيحة” و”داعش” التي سمحت لإيران وأدواتها ومن ضمنها النظام الأسدي بتخريب البلاد وتهجير سكانها.

لذا فإن مطالب اللبنانيين يجب أن تتمحور حول تنفيذ القرارات الدولية بكل جوانبها، حتى ولو اضطر ذلك وضع تطبيق هذه القرارات تحت البند السابع لقانون الأمم المتحدة وفرض سيطرة القوات الدولية على البلاد ومداخلها البرية والبحرية، وخضوع الجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى لقيادة هذه القوات، والعمل على خطة تنفيذ مرحلية تقوم على انشاء مناطق منزوعة السلاح، حيث أمكن، ومن ثم اضافة مناطق أخرى شيئا فشيئا للتوصل إلى تخليص البلاد من كل بؤر السلاح. بعدها يتم، وباشراف الأمم المتحدة، اعادة انتخاب مجلس نواب جديد ورئيس جديد للبلاد وتنظيم الادارة وتخليصها من رواسب الفاسدين، ومن ثم فتح أبواب الحوار حول كافة المسائل المتعلقة بتوزيع السلطات وتنظيم العمل الديمقراطي اذا كان هناك حاجة لذلك.

خطوة بدء التفاوض مع اسرائيل حول ترسيم الحدود هي جزء بسيط من المشكلة اللبنانية، وهي ولو أنها لن تؤثر في المسيرة الكبرى لخلاص لبنان من مشاكله السياسية والاقتصادية والتنظيمية، إلا أنها قد تشكل نقطة إيجابية لصالح العلاقات الدولية بين الجيران، إذا ما سلمت النوايا. فهل لدى من يدّعي الدفاع عن مصلحة الطائفة الشيعية النية الايجابية لتوفير أجواء آمنة للجنوب؟ وهل باستطاعة الرئيس بري أن يعمل بدون وصاية حزبالا وهو التابع للحرس الثوري؟ أم أنها مناورة جديدة يحتاجها بعض اللاعبين الكبار في الأوضاع المتقلبة الحالية والتي قد تحدد مسار بعضها نتائج الانتخابات الأمريكية وتصرّف القوى الإقليمية والدولية ومستقبل العلاقات السلمية في المنطقة؟