المخرج يوسف ي. الخوري/”إلى السلاح يا مواطنون”، هي العبارة السحريّة التي حوّلت، بدقائق قليلة، فقراء فرنسا والمغلوب على أمرهم، من أناس خانعين خاضعين، إلى ثوّارٍ يُحرّرون بلادهم من ظلم الطغاة ليُضْحوا النموذج الملهم لكل ثوّار العالم بعد العام 1789

539

“إلى السلاح يا مواطنون”، هي العبارة السحريّة التي حوّلت، بدقائق قليلة، فقراء فرنسا والمغلوب على أمرهم، من أناس خانعين خاضعين، إلى ثوّارٍ يُحرّرون بلادهم من ظلم الطغاة ليُضْحوا النموذج الملهم لكل ثوّار العالم بعد العام 1789.

المخرج يوسف ي. الخوري/29 آب/2020

أواسط القرن العشرين، إستُلْهِمَت، من مآسي الشعوب المقهورة، شرعةُ حقوق الإنسان، وأنشئ مجلسُ الأمن والأممُ المتّحدة على إفتراض أن يُساعدوا المقهورين في الأرض ويُوفِّروا لهم هناءة العيش من دون عنف وسلاح. بيد أنّ صوت السلاح ظلّ طاغيًا، وحقوق الإنسان غالبًا ما تكون غير فاعلة، والأمم المتّحدة مسيّسة بحقّ “الفيتو”.

الفقر، الجوع، كذبُ الحكّام ومراوغاتهم، قمع الحريّات، إنحطاط الفكر، إنحلال الأخلاق، هي دوافع أساسيّة لحمل السلاح، لا سيّما حين يعتقد الحاكمون، كعندنا، أنّ السماء تُمطر بينما الشعب يبصَقُ في وجوههم، وأنّ المنظّمات الدوليّة لا تتحرّك إلّا بعد أن يستشري الفساد ويتمّ اللجوء إلى السلاح وتُهدر الدماء.

تُشير المعطيات إلى أنّ أسلحة غير شرعية لأطراف غير حزب الله ستظهر، وستتسبّب بإهراق دماء!

السلاح الفردي المتفلّت تسبّب ويتسبّب بـ: تصفيات جسديّة، عمليات خطف، إشكالات مختلفة يتخلّلها إطلاق نار، إشتباكات مع الوحدات الأمنيّة خلال المداهمات والمطاردات…

السلاح الفلسطيني: لم يجرِ بعد نزعه من المخيّمات بالرغم من الإتّفاق على هذه الخطوة منذ إتفاق الطائف، وبالرغم من شملها في القرارين الدوليَيْن 1559 و1701.

السلاح الشيعي: لم يُطبّق عليه إتفاق الطائف، ولم يخضع للقرارين 1559 و1701، وهو موزّع في أكثر من نصف لبنان بين حركة أمل وحزب الله.

السلاح السنّي: يتعزّز أكثر فأكثر ويومًا بعد يوم، وأقرب دليل على ذلك هو الأسلحة المتوسّطة والخفيفة التي خرج بها عرب خلدة أخيرًا لمقاتلة حزب الله.

السلاحان الدرزي والمسيحي تحت التصرّف وقت الحاجة إليهما، والكل يتذكّر ظهور السلاح الدرزي في قبر شمون منذ حوالي السنة، والسلاح المسيحي في عين الرمانة يوم 6 حزيران 2020.

أين الجيش اللبناني والأجهزة الأمنيّة من واقع السلاح؟! أهم ينتظرون مزيدًا من هدر الدماء ليتدخّلوا؟ وما هي مصلحتهم ليغضّوا النظر عن السلاح في كلّ مرّة يظهر فيها؟ أَصَرَفنا الأموال الهائلة، ولا نزال، على المؤسسة العسكريّة لتقفَ عاجزة أمام السلاح؟! أم بنينا جيشًا في الظاهر هو وطني، لكن في عمق تكوينه هو طائفي مُعرّض في كل لحظة للإنقسام كما حصل في العام 1975؟

السلاح هنا. الدولة المفكّكة هنا. بيروت المدمّرة هنا. زعماء الحرب أنفسهم هنا. لكن بـ “كرافاتات” باهظة الثمن. فبعد إتفاق الطائف خلعوا عنهم بدلات القتال، وخرجوا من خلف متاريسهم ليُمترسوا في مواجهة بعضهم البعض على مائدة الحكم، وعلى ما تبدو الحال اليوم، لا ينقصهم سوى خلع الـ “كرافاتات” ليعودوا إلى السلاح الذي يُجيدون إستخدامه جيّدًا كما يُجيدون حماية بعضهم البعض داخل الحكم!

ربّ سائلٍ متفائِلٍ يسأل بسذاجة: “ما حاجة الزعماء للعودة إلى السلاح طالما في يدهم كلّ شيء؟” لهذا السائل أقول: “لم يعد في يدهم شيء إلّا السلاح!” فهم لم يُحسنوا إدارة الدولة. الخزينة أفرغوها، وسرقوا، بالتكافل والتضامن مع سلطة البلاد المالية، أموالَ الناس وهرّبوها! وهم، بعدما صرخ الشعب في وُجوههم “كلّن يعني كلّن”، ولم يعد لديهم ما يتقاسمونه، عادوا إلى طبيعتهم الأصليّة كذَنَب الكلب الذي وضعوه في قارورة أربعين سنة ليستوي ولم يستوِ، عادوا إلى لغّاتهم الميليشياويّة، خالعين جلودهم، مجدّدين إياها، كالحيّات! لكن، مرّة جديدة، نسأل: أين الجيش لا يقطع الطريق عليهم قبل أن يصلوا إلى السلاح؟!

أبّان حرب الـ 1975، وحين كانت الأبواب توصد أمام كل الحلول، كنّا نُدرك أن شيئًا كبيرًا سيحصل لتُفرَج. هل الحال هي كذلك اليوم؟ هل الحلّ سيأتي من خلال استخدام السلاح في الداخل؟

نعم، السلاح المتفلّت الخارج عن سلطة الدولة سيُعطي فرجًا، لكن لطغمة الميليشياويين وليس للشعب، إذ سيُتاح لهؤلاء الإمساك مجدّدًا بزمام الناس المقهورين، بقوّة السلاح والبلطجة، وبحجّة الدفاع عن أمن مجتمعٍ لبنانيٍّ ما، بوجه مجتمع لبنانيٍّ آخر…

وعليه،
ما مصير “كلّن يعني كلّن”؟ هل انتهى الحلم تحت الراية اللبنانيّة في الساحات؟ أم إنّه لم يعد من خيار أمام المواطنين الثوّار سوى الدعوة إلى السلاح؟

لا! لا، لا، لا، وثمّ لا! لا حاجة إلى السلاح في وجه السلاح، بل أنا أقول للثوّار في هذه المرحلة: “Tenez vos chevaux” أي ما ترجمته مجازيًّا “اهدأوا”! لا تتأثّروا بالأغبياء الذين يسألون على شاشات التلفزة: “أين الثورة؟” أو بالأغبياء الذين يعتقدون أنّ الثورة انتهت!

اعلموا أنّ الثورة كانت ستكون اليوم في أحسن أحوالها، لو لم تتدمّر عاصمتها بيروت.

وفي أسوأ الأحوال، تبقى حال الثورة أفضل من حال الحكّام. فهؤلاء الحكّام يعرفون جيدًا أنّهم عاجزون عن إخراج لبنان ممّا هو فيه، وهم يتمنّون أن تنجح الثورة بطردهم من الحكم، كي يأتي السقوط الكبير عن طريقها وليس بأيديهم.

لذا،
لم يعد من دور للثوّار في المرحلة الراهنة، سوى أن يتفرّجوا على انهيار طغمات الحاكمين في لبنان، سواء من خلال جرّهم البلاد إلى اقتتال مذهبي في ما بينهم، أو عن طريق تغاضي المجتمع الغربي عن منحهم رافعة دولية تُنقذهم من الفوضى التي أوقعوا أنفسهم فيها!

في كلتي الحالتين، لن ينتقل لبنان إلى مرحلة الاستقرار بعد الانهيار إلّا بتدخل دولي.

من هنا، هدف الثورة الرئيسي يجب أن يتركّز الآن، على منع الزعماء الحاليّين الفاشلين من أن يبقوا في الحكم بعد التغيير، وعلى الثوّار بالانتظار، أن يُبقوا “النار والعا”، وأن يستعدّوا للبنان جديد يتمتّع شعبه بالحريّة والإخاء والمساواة، ومتحرّر من أيّ سلاح غير شرعي مهما صغُرت ترساناته.

وللتذكير،
– لا حكومات جديدة منبثقة عن الكتل النيابية الحاليّة.

– عدم الانجرار وراء خديعة الانتخابات المبكرة، لأنّ شيئًا لن يتغيّر في النتائج، طالما لم تتخلّى عن سلاحها الجهّات التي تملك أسلحة غير شرعية، وعلى رأسها حزب الله.

– عدم القبول بأيّ انتخابات نيابيّة بحسب القانون المسخ الحالي، وعدم البحث في أيّ قانون عصري جديد قبل الانتهاء من تسلّط السلاح.

– التوجّه نهائيًّا نحو العصيان المدني لإحراج السلطة الحاكمة، وللفتِ انتباه المجتمع الدولي إلى التباين القائم بين الشعب والحكام، كي لا يأتينا من الخارج بعد اليوم مَن يقول “إن هؤلاء الحكّام منتخبون ديموقراطيًّا”.

– يجب الضغط بشتّى الوسائل لمنع أعضاء المجلس النيابي الحالي من الترشّح لولاية جديدة.

– لا يقوم حياد، ولا تنتصر ثورة، ولا يولد امل، إلّا بتنفيذ القرارات الدوليّة والمطالبة علنًا بسحب كل سلاح غير شرعي من لبنان.

فلتركّز الثورة على الثوابت أعلاه، ولن يتأخّر الوقت ليفهم الممتنعون عن قبول الحقيقة أن الثورة فعلت فعلتها وداست من العُلَا نكرانهم.

في اليوم السادس عشر بعد الثلاثمائة لانبعاث طائر الفينيق.