شارل الياس شرتوني/سياسات النفوذ الشيعية من الحروب الاقليمية الى الحرب الاهلية

190

سياسات النفوذ الشيعية من الحروب الاقليمية الى الحرب الاهلية
شارل الياس شرتوني/26 أيار/2020

*هذا الخطاب المتنامي في الاوساط الشيعية هو المرادف الايديولوجي “لدولة حزب الله” ومؤشر لسياسة انقلابية واضحة المعالم ولا داعي للتبصر في مدلولاتها.

نحن امام مرحلة نزاعية جديدة تقتضي المواجهة مع هذه السياسة الانقلابية في ظل انهيارات بنيوية عميمة انتجتها سياسات النفوذ الشيعية والسنية المتوالية على عقود ثلاثة

ان سياسة الابتزاز والارهاب المعنوي وما يرافقها من خرق مبرح لمفهوم السيادة الدولاتية، واستباحة امن وحقوق وحريات اللبنانيين هي امور مرفوضة ولن تمر، وهي برسم نبيه بري واحمد قبلان وحزب الله…،No pasarán .

****
ان المواقف الصادرة عن مواقع شيعية سياسية ودينية (نبيه بري، احمد قبلان، علي الخطيب…) ليست بمواقف فردية او ظرفية تصدر عن هذا او ذاك من بينها، بل تعبيرا غير موارب عن سياسات وضع اليد المنهجية التي تعتمدها التيارات السياسية الشيعية على غير محور (السيطرة على القرار السياسي والمالي والاقتصادي والاجتماعي والجامعي، وتوظيف الادارات العامة من وزارات وادارات ومعابر حدودية وسفارات في خدمة سياسة توسعية، مدغمة بسياسات ريعية وشبكات زبائنية وسطو على ممتلكات ومشاعات عقارية في مناطق الاختلاط والتماس مع التواجد السكاني المسيحي والسني والدرزي في بيروت والشوف والجنوب والبقاعات وبلاد جبيل، وسياسات الاقتصاد المنحرف والجريمة المنظمة… .)

هذه السياسات لم تكن وليست بمستترة لا باداءاتها ولا بتخريجاتها الكلامية، وتستهدف بشكل مباشر حيثية لبنان الكيانية وشرعية وجوده واسباب نشأته والقواعد الميثاقية التي رافقتها، والمؤسسات الديموقراطية التي طبعت مساره السياسي وحالت دون تحوله الى دولة سلطانية يحكمها متسلط، او الى دولة اسلامية تتعاطى مع غير المسلمين على قاعدة تمييزية (المراجع الفقهية وتفسيراتها والسياسات الاسلامية عبر التاريخ)، او الى عملية اسلمة للمرجعيات الثقافية والحضارية التي تحيل المواريث الحضارية واللغوية السابقة للاسلام الى “جاهلية”(والسور المدنية: سورة المائدة ٥٠/٥ ، سورة الاحزاب ٣٣/٣٣، سورة الفتح ٢٦/٤٨ ، سورة ال عمران ٣/ ١٥٤)، وقامت على قاعدة التمييز المبدئية بين دوائر السلطة واستقلالية المجتمع المدني القانونية والفعلية، والحريات العامة والخاصة لجهة حرية المعتقد، وحرية الضمير، وحرية التربية وحرية المناهج الحياتية، والمبادرة الاقتصادية كما تنص عليها سائر المواد الدستورية، وانفاذ مبادىء السيادة الدولاتية في مختلف تطبيقاتها على مستوى السياسة الداخلية والخارجية.

لقد نشأ الكيان اللبناني غداة تهاوي السلطنة العثمانية (اخر الخلافات الاسلامية) كتعبير عن ارادة الخروج المبرحة عن قواعد التشكل السياسي في الاسلام التاريخي الذي احال غير المسلمين الى الوضعية الذمية وسياسات التوسع الامبريالية (الفتوحات)، فاتت التجربة الوطنية اللبنانية على صغر مداها تعبيرا عن تطلع مساواتي على مستوى التشكل الوطني الذي خرجته الحداثة السياسية مع مفهوم الدولة-الامة (État Nation) كتعبير ارادي عن تطلع تاريخي مساواتي وتعاقدي وميثاقي يتجاوز قواعد الثقافة السياسية الاسلامية التمييزية واللامساوتية
(Asymétrie Contractuelle) التي تحيلنا اليها مفاهيم السماحة الاسلامية، والذمية والعهد. هذا هي مدلولات الكيان اللبناني التأسيسية لجهة اعادة الاعتبار للمواريث الثقافية ما قبل الاسلامية كمرجعيات ثقافية وحضارية ناظمة للذاكرة الثقافية والوطنية، والكيان الوطني الارادي والتعاقدي والمساواتي، والدولة كتعبير دستوري وفعلي عن مبدأ السيادة الوطنية واملاءاتهاالناظمة، واعتماد معايير الديموقراطية التوافقية كهندسة دستورية لواقع التعددية الحضارية والثقافية والسياسية والاجتماعية وما تمليه على المستوى السياسي من اعلانات مبدئية على مستوى الثقافة السياسية المشتركة: لجهة الاعتراف بالتعددية على مختلف تصريفاتها الثقافية والاجتماعية والسياسية، ودولة القانون، والحريات العامة والخاصة والعدالة الاجتماعية، وجدلية الحقوق الفردية والجماعية على اساس اولوية الحقوق الفردية في حال التعارض بين الاثنين، وحماية الارث الايكولوجي الطبيعي والتاريخي والاركيولوجي…،.

هذه المراجعة المقتضبة للحيثيات الوطنية والسياسية المنشئة للكيان الوطني والدولاتي اساسية في مجال تحديد معالم النقاش السياسي، لجهة ضبط المفاهيم والاشكاليات والحؤول دون الشطط في الطروحات، والمواقف الاعتباطية وايجاد تبريرات ايديولوجية متسكعة لحجب ارادات سيطرة صريحة وغير مواربة.

ان المغالطات التاريخية، وعدم فهم طبيعة التكون الوطني والدولاتي، وتزوير المفاهيم الديموقراطية التي تستهدف الشرعية الوطنية والحيثيات الديموقراطية للحكم في لبنان التي تضمنتها مواقف بري وقبلان والخطيب ليست بالامر المستجد، فهي تكملة لتعارضات رافقت الوطن اللبناني منذ نشأته، الامر الذي حدا بجورج نقاش الى الدفع بمقولته الشهيرة “نفيان لا يصنعان أمة”، وادت الى حالة عدم الاستقرار البنيوية التي تفجرت على وقعها النزاعات الاهلية المتوالية منذ البدايات.

ان مساءلة الشرعية الوطنية اللبنانية واعتبارها كيانا فرضته المعادلات السياسية الدولية آنذاك، ونسبة كل الاشكاليات النزاعية لهذا الكيان الوطني، واعتبار المرحلة الميثاقية التأسيسية للحياة الوطنية خطاء تكوينيا، هو تعبير عن ارادة سيطرة تتعمد اغماط الجدليات السياسية والاجتماعية التي تأسست معها الحياة العامة في لبنان على قواعد ميثاقية ودستورية وسياسية تداخلية، وخارجا عن الاسقاطات الايديولوجية التي دفعت بها ثنائية الامة العربية والاسلامية والدولة الوطنية، وما نشأ عنها من تشريع للمداخلات الخارجية.

هذا الخطاب المتنامي في الاوساط الشيعية هو المرادف الايديولوجي “لدولة حزب الله” ومؤشر لسياسة انقلابية واضحة المعالم ولا داعي للتبصر في مدلولاتها.

تندرج سياسات النفوذ الشيعية الحاضرة ضمن سياق متصل مع النزاعات الاهلية السابقة لجهة نسف الشرعية الوطنية، والغاء مفهوم السيادة الدولاتية، وتحويل المدى الوطني اللبناني الى قاعدة استراتيجية لسياسة النفوذ الشيعية التي تقودها إيران في المنطقة، واستعمال مرافق الدولة معينا في خدمة السياسات الريعية والزبائنية لمراكز القوى الشيعية وحلفائها المصلحيين داخل جمهورية الطائف التي نسفت اداءاتها الحيثيات السيادية والديموقراطية للدولة اللبنانية، وحولتها الى متغير تابع لسياسات النفوذ على خط تقاطعاتها الاقليمية والداخلية.

نحن امام مرحلة نزاعية جديدة تقتضي المواجهة مع هذه السياسة الانقلابية في ظل انهيارات بنيوية عميمة انتجتها سياسات النفوذ الشيعية والسنية المتوالية على عقود ثلاثة، باتت تستلزم عقدا تأسيسيًا جديدا لان البنية الحاضرة للاجتماع السياسي اللبناني تتطلب مراجعات اساسية تطال الهندسة الدستورية وآليات الحوكمة، من اجل فصل العمل التدبيري والمهني للحكم عن سياسات النفوذ على تنوع تصريفاتها، والحؤول دون سياسة السيطرة الشيعية المتأهبة، ودخول لبنان دائرة النزاعات الاقليمية المفتوحة.

ان سياسة الابتزاز والارهاب المعنوي وما يرافقها من خرق مبرح لمفهوم السيادة الدولاتية، واستباحة امن وحقوق وحريات اللبنانيين هي امور مرفوضة ولن تمر، وهي برسم نبيه بري واحمد قبلان وحزب الله…،No pasarán .