علي الأمين: عندما تسقط الحكومة اللبنانية في قبضة حزب الله/عندما يُؤثر اللبنانيون جائحة “كورونا” على جموح السلطة

184

عندما تسقط الحكومة اللبنانية في قبضة حزب الله
علي الأمين/العرب/22 نيسان/2020

عندما يُؤثر اللبنانيون جائحة “كورونا” على جموح السلطة
علي الأمين/نداء الوطن/21 نيسان/2020

عندما تسقط الحكومة اللبنانية في قبضة حزب الله
علي الأمين/العرب/22 نيسان/2020
حزب الله يراهن على أن الجوع والفقر كفيلان بتحويل اللبنانيين إلى قطيع مستسلم، وحكومة حسان دياب واجهته لتطويع المجتمع وتنظيم عملية نهب ما تبقّى لديه.
حكومة تراكم الأزمات
تثبت حكومة الرئيس حسان دياب كل يوم، ومنذ أن تم تكليف رئيسها قبل نحو خمسة شهور، أنّها أداة تتحكم بها السلطة التي قدّمتها للبنانيين على أنها حكومة اختصاصيين مستقلين، ورغم أن الحقيقة غير ذلك، فإن قسما من اللبنانيين تمنّى أن يصدّق هذه المقولة، انطلاقا من أن السلطة الحاكمة يديرها حزب الله ويرعى توازناتها المحلية، وهو صاحب مصلحة في أن يمنع انهيار ما تبقى من الدولة الضعيفة التي يحكمها، وربما سيتضرر من أي انهيار اقتصادي ومعيشي، طالما أن ذلك سيصيب بيئته الحاضنة.
لم تكن انتفاضة 17 أكتوبر التي كانت سبب استقالة الرئيس سعد الحريري من الحكومة، مقتنعة في مجمل تياراتها، بأنّ حكومة الرئيس دياب هي خطوة في طريق الحل، بل أظهرت المواقف التي صدرت وعبّر عنها الشارع المنتفض، رفضاً لهذه الحكومة التي تقاسم حلف “الممانعة” حصص وزرائها، وتنطح بعض أطرافه ليعلن صراحة عن حصصه من دون تهيب أو خجل، بل نشب صراع بين أركانه، قام حزب الله بلجمه بعدما نجح في إقناع أتباعه بما قدّر لهم من حصص.
على هذه الطريقة من التحاصص ووصاية حزب الله، بدأ دياب وحكومته العمل. بالتأكيد لا يتحمل أفراد هذه الحكومة مسؤولية ما وصل إليه لبنان من أزمة اقتصادية حادة، وهي أزمة متناسلة بفعل الفساد الذي استشرى في المؤسسات الرسمية، وفي إدارة الشأن العام، وفاقمها ما يمكن أن يُسمى انهيارا لعلاقات لبنان العربية والدولية، ويعود ذلك كله، إلى غياب مرجعية الدولة بعدما جرى إلحاقها بالدويلة من جهة، وإخضاع لبنان ودمجه بالمحور الإيراني، بما يتعارض مع نظام علاقاته الطبيعية عربيا ودوليا.
يحاول حزب الله من خلال ماكينته الإعلامية الترويج إلى أن ما يجري في لبنان هو نتيجة تحميله “ثمن مقاومته” وهو يعكس محاولة فاشلة للتغطية على رعايته لعملية النهب المنظم للمال العام
لم تلق حكومة حسان دياب ترحيبا عربيا، ولا حظيت بحماسة دولية، والمواقف المعلنة دبلوماسية كما هو حال الموقف الفرنسي الذي أبدى ترحيبا بتشكيل الحكومة، لكن دون أن يسارع لدعوة رئيسها أو استقباله كما كان الحال في السابق، حيث كانت فرنسا من أولى المحطات التي يزورها رئيس الحكومة بعد تشكيل حكومته.
الأزمة كما تبدو لا تتحمل الحكومة الحالية مسؤوليتها، وهذا ما يردده رئيسها وأكثر وزرائها، وإذا ما تمّ تجاوز منهج تأليفها، فإن ذلك لا يعني أنّ حكومة دياب كانت جاهلة بما هي مُقدمة عليه بإرادتها، أي أن الأزمة التي فجّرت “انتفاضة تشرين” كانت جليّة وواضحة، وبالتالي فإنها تعلم أيّ مهمة تتولى وأيّ طريق تسلك، لذا فما يُتوقع منها هو أن تبدأ بالمعالجة.
يعرف كل اللبنانيين أنّ الثّقة باتت مفتقدة بين السلطة والشعب، لأسباب أقلّها الفساد ومحاصصته، وغياب المسؤولية الوطنية تجاه مصالح الدولة بما فيها الشعب والسيادة.
في بيانها الوزاري تحدثت الحكومة عن خطّة اقتصادية ستعدّها، وهي لم تنجزها بعد، لكن ما ينتظره اللبنانيون إلى جانب الخطة، بل قبلها، هو وقف مزاريب الهدر أو النهب، واتخاذ قرارات جريئة على هذا الصعيد، وهي على سبيل المثال لا الحصر، ملف الكهرباء، وملف الاتصالات، والفساد في المؤسسات العامة التي تحوّلت إلى محميات حزبية وفئوية ومصدر من مصادر الفساد والاسترزاق غير المشروع. والأهم ضبط الحدود والمعابر الشرعية التي تشكل أحد أبرز مصادر الفساد، وعنوان غياب السيادة الذي يرعاه حزب الله بذرائع واهية حول المقاومة والحرب على الإرهاب وما إلى ذلك من شعارات طالما كانت تغطية لمافيات التهريب، ولاستخدام الأراضي اللبنانية كمنطلق لمشاريع إقليمية لا ناقة للبنان فيها ولا جمل، بل كرمى لحسابات إيران.
لم تقم حكومة دياب بأي خطوة يُشتمّ منها إرادة أو رغبة في إصلاح ما فسُد، كأن تستعيد الأملاك العامة المصادرة من قبل نافذين، وهي أملاك مصادرة إمّا بوضع اليد، وإما بعقود غير منصفة وتتسم بالغبن. عشرات الأمثلة التي ترمز للفساد وتحتاج إلى قرار حكومي حاسم ليس أكثر، قرار ستجد الحكومة إن أرادت السّير به أنّ الشعب معها وخلفها وسندا لها.
ولكن هذه الحكومة تراكم الأزمات، والتداعيات المالية والاقتصادية والمعيشية حوّلت نحو 70 في المئة من الشعب اللبناني إلى فقراء، عاجزين عن استيعاب انهيار العملة الوطنية، مفتقدين لأيّ أفق، فيما الحكومة ورعاتها يصرّون على إعادة إنتاج السلطة بنفس السياسات السابقة ودون المسّ بنظام المحاصصة، الذي يوفر الحماية لقوى السلطة ونظام الوصاية الذي يتمترس بها ويحميها.
من هنا يمكن فهم لماذا استشرس حزب الله في مواجهة انتفاضة 17 تشرين، التي رسخت حقيقة أن لا قيام للبنان دون حسم حصر حقّ الدولة في احتكار العنف، وهذا ما أدركه حزب الله منذ البداية، فعمل على قمع الانتفاضة بوسائل عدة، من محاولته استنفار عصب مذهبي في وجهها ومحاولة قمعها مباشرة، وعبر محاولة اختراقها عبر مجموعات تابعة له، وفي ما هو أبعد من ذلك، تلقف حزب الله القلق الذي طال أتباعه وشركائه من أحزاب السلطة من هذه الانتفاضة، وأعاد تقديم نفسه كحام لها بشروطه. وهذه الشروط هي تلك التي ترسّخ نفوذه ودويلته وتبقي الدولة مشروعا معلقا.
يعرف كل اللبنانيين أنّ الثّقة باتت مفتقدة بين السلطة والشعب، لأسباب أقلّها الفساد ومحاصصته، وغياب المسؤولية الوطنية تجاه مصالح الدولة بما فيها الشعب والسيادة
حكومة دياب ترعى هذه المعادلة وتلتزم بموجباتها، لذا هي حتى اليوم لم تمسّ بما يخلّ باستمرار قواعد الفساد والمحاصصة، ولا هدّدت نظام المحاصصة الذي انتقل اليوم من مرحلة نهب المال العام، إلى مرحلة سلب المودعين في المصارف، من خلال تجميد الودائع والتمهيد للاقتطاع منها، بعدما تمّ اقتطاع أكثر من نصف الودائع بالعملة الوطنية مع هبوط سعر العملة الوطنية إلى أقلّ من النصف حتى اليوم.
وإلى هذا المسار الإفقاري للمجتمع، يحاول حزب الله من خلال ماكينته الإعلامية الترويج إلى أن ما يجري في لبنان هو نتيجة تحميله “ثمن مقاومته” وهو يعكس محاولة فاشلة للتغطية على رعايته لعملية النهب المنظم للمال العام، بتصوير أن الأزمة هي نتيجة ضغوط خارجية عربية وأميركية، فيما الحقيقة لا تحتاج إلى كثير من الجهد لتظهيرها، وهي أن الفساد والنهب وسوء الإدارة وتهميش الدولة وضرب السيادة، واحدة منها كفيلة بالقضاء على الدولة والمجتمع، فكيف إذا اجتمعت؟
حزب الله يراهن على أن الجوع والفقر كفيلان بتحويل اللبنانيين إلى قطيع مستسلم، وحكومة حسان دياب واجهته لتطويع المجتمع وتنظيم عملية نهب ما تبقّى لديه، غير أن ما لا يدركه حزب الله أو يتعامى عنه، أن التغيير بات مطلبا وجوديا لكل مواطن لبناني.

عندما يُؤثر اللبنانيون جائحة “كورونا” على جموح السلطة
علي الأمين/نداء الوطن/21 نيسان/2020
يَعلق اللبنانيون وسط جائحة كورونا وجنوح السلطة وأدواتها الحكومية التي لا يكبحها كابح، على قاعدة “إثنان أحلاهما مرّ”، حتى باتوا يُؤثرون الجائحة الموقتة مهما استطالت كونها ستحط رحالها ولو بعد حين، مقابل جنوح سلطوي شبق فاقع مستبد مزمن لا قرار له.
ومع هذا كله تُغري جائحة كورونا السلطة بسياسة المزيد من الشيء نفسه، فالمحاصصة لم تزل المحدد للسياسات الحكومية، والمحرك لمشاريع القوانين وإقرارها في مجلس النواب، وحتى القوى الأمنية والعسكرية، ترسم خططها الأمنية والعسكرية، استناداً لمعيار المحاصصة وقواعد الحكم لدى السلطة، التي باتت عارية من كل ما يرمز الى الدولة، ومتفانية في ترسيخ النفوذ الحزبي والفئوي على حساب نفوذ الدولة وسلطتها، اذ لم تغيّر ثورة تشرين في مقاربة ملف الكهرباء، ولم يؤد الانهيار المالي والاقتصادي، الى تبديل ذهنية مقاربة مشاريع القوانين، التي تقوم على تقاسمها، بناء على ما يوفر كل منها مكاسب فئوية او حزبية بالدرجة الأولى، كقانون العفو العام، وقبله قانون النفط الذي جرى رسم مواده على مبدأ المنفعة الفئوية والحزبية. ولا امكن تفكيك مافيا استيراد النفط، ولم يجر المسّ بكل المكاسب غير العادلة وغير المشروعة، تلك التي تتمثل بوضع اليد او استثمار الأملاك العامة على امتداد اراضي الجمهورية اللبنانية.
هذا غيض من فيض، غاية الاشارة اليه، ان اللبنانيين عموماً، امام سياسة المزيد من الشيء نفسه، وهو ما تكشفه الحكومة الحالية يوماً بعد يوم، فهي حكومة لم تظهر انها منسجمة مع ما ادعته في بيانها الوزاري، وفي خطاب رئيسها حسان دياب بعد التكليف وخلال التأليف وغداة نيل حكومته الثقة، انها حكومة مستقلين بعيدة عن الحزبية والفئوية والمحاصصة، لكن ذلك كله لم يظهر شيء منه، بل عكسه تماما، حيث برزت كل الموبقات في مقاربة ملف التعيينات، وفي ملف التشكيلات القضائية، وفي عدم الاقتراب من ملفات الفساد، ولا في استنقاذ المؤسسات العامة على اختلافها من براثن الاحزاب ومافياتها التي تتقاسم الفساد بالعدل والقسطاس.
هذه المعادلة تستقي قوتها من نظام مصالح اقطاب السلطة واحزابها باسم حقوق الطوائف، وتكتسب قوة استمرارها من خلال ما يوفره “حزب الله” من حماية لها، كما جرى خلال انتفاضة 17 تشرين، لقد ادرك “حزب الله” منذ البداية، ومنذ ان خرج اللبنانيون الى الشارع، ان سقوط الحكومة ومعادلات السلطة، هما الخطر الكبير على دوره ونفوذه وتحكمه، لذا كان الأكثر بطشاً بكل الأصوات الحرة والمنتفضة في وجه السلطة، وعمل ليل نهار على انهاء الانتفاضة وخنقها وتفكيكها، من المواجهة المباشرة عبر مجموعات القمع المنظم تحت شعار “شيعة شيعة…” في وسط بيروت وفي مناطق اخرى في البقاع والجنوب، وعبر اختراق الانتفاضة بمجموعات تتلقى تعليماته بغاية ضرب وحدتها وتشتيت قدراتها، واخيراً وليس آخراً، عبر المزيد من احكام القبضة والسيطرة على السلطة من خلال الإتيان بحكومة تسلم مكوناتها وتتماهى مع حقيقة ان الأمين العام لـ “حزب الله” هو الحاكم والوصي والمرجع في قرارات الحكومة بل الدولة على وجه العموم.
على هذا المنوال مشت الحكومة، مسلّمة ومستسلمة لهذه المعادلة، بما يعني المزيد من عزلة لبنان وتأزمه، عزلة عربية بالدرجة الأولى، وغربية متنامية، تخرقها اهتمامات تتصل بالأمن الاقليمي واللاجئين، من قبل بعض الجهات الدولية.
جائحة كورونا وان كانت وفّرت للسلطة والحكومة فرصة من الراحة مع انكفاء التحركات الشعبية والمطلبية في الشارع، الا انها ساهمت بكشف المزيد من الهشاشة الاقتصادية والمالية والصحية، بطبيعة الحال، وفاقمت الأزمة المعيشية، ومع ذلك ايضا المزيد من الشيء نفسه، الذي رسخ في الوعي العام، ان السلطة تحاول اعادة انتاج نفسها من دون ان تتوافر لديها اي فرص لانتشال لبنان من بئر هي من حفرته ورمى الدولة بمؤسساتها وشعبها في غياهبه، وبدأت اخيراً كتعبير عن الافلاس السياسي، خلق عدوّ وهمي خارجي، لتحمّله كل تبعات السياسات التي انتهجتها. فبعد ان ترسخت معادلة الاستقرار على الحدود اللبنانية، على قاعدة الهدوء المقدس لاسرائيل، والعمليات الامنية المدروسة في سوريا ضد الميليشيات الايرانية، بات حديث الممانعة هذه الايام، عن هجوم سياسي اطلقته السفيرة الاميركية في بيروت ضد الحكومة، تزامن مع تصريحات للسفيرة الاميركية جددت فيها الموقف الاميركي من سياستها تجاه لبنان، لم يحمل جديداً.
لعل اكثر ما يزعج الممانعة واحزابها انها وهي ازاء انكشافها امام جمهورها واللبنانيين عموماً، باتت تستجدي اي تسوية مع الخارج، تسوية تحفظ سلطتها ولو كان الطرف الآخر هو “الشيطان الأكبر” لا بل انها تبدو مستاءة الى حدّ الحيرة والإرباك، حيال عدم مسارعة احد من الدول “الاستكبارية” سواء كانت عربية او غربية على الشد من أزر خصوم الممانعة واعدائها، فحتى عملية اخراج أو رمي بعض القوى من التمثيل الحكومي، لم تغر أحداً من اطراف الخارج، بل تراكض هؤلاء ممن كانوا في جبهة 14 اذار، الى نيل الرضى من حزب الممانعة وقائده حسن نصرالله، ولم يسمعوه ما كان يتوقعه ويحبذه من كلام مسيء او مستفز، بل حرصوا على مراضاته، مكتفين بالتصويب على “بي الكل” وصهره وعلى الموظف برتبة رئيس حكومة.
ما لا تريده الممانعة بحزبها القائد ومجموعاتها اللبنانية، ان تصدق انها هي الحاكم والمتحكم، وأن أحداً لن ينازعها على سلطانها في هذا البلد، اما محاولة افتعال خصم اسمه حاكم مصرف لبنان، فهو أمر سيؤدي الى تفاقم خسائرها، فرياض سلامة مهما قيل في ادارته وسياسته وهو صحيح، ما كان ليتم لولا أنه لم يكن يستجيب لمطالب “حزب الله” ومعاوني الأمين العام في الرئاسات الثلاث في الحكومة السابقة والحالية.
التخبط والإفلاس والإفقار هي عناوين الحكومة وراعيها، والأنكى في مسار سلطة الممانعة، ان يمسي اي صراخ شعبي من آفة الفقر والبطالة والجوع، هو فعل مؤامراتي، وهذا عنوان الافلاس بل قمته ان تتحول تلك الجماهير التي سمتها ابجديات الممانعة بالكادحين والمحرومين والمستضعفين، الى فئات شعبية متآمرة وخائنة، في لحظة رفع الصوت ضد الفاسد والسارق ولحظة الصراخ من شدة العوز، ولحظة المطالبة بإسقاط حكم الفاسد.