الكولونيل شربل بركات/الجالية العين ابلية في كندا تودع ابنها مارون الحداد..اليوم عُلّق على خشبة… الذي علّق الأرض على المياه…

88

الجالية العين ابلية في كندا تودع ابنها مارون الحداد..اليوم عُلّق على خشبة… الذي علّق الأرض على المياه…

الكولونيل شربل بركات/10 نيسان/2020

اليوم وفي زمن “القرية العالمية” وحربها الشعواء ضد عدو غير منظور هو، كالخطيئة ربما، يهدد وجود البشرية برمتها ويترك آثاراً قاتلة أينما حل. وكما كان لنا حصة في كل حدث، ها نحن “نتوج” بك مارون “تقدمة” عين إبل على مذبح الانسانية التائهة التي لم تستفق بعد من وهل الضربات المتكررة في كل أنحاء جسدها الهرم…

اليوم وفي ذكرى موت الرب على الصليب الذي نحتفل به في كل عام لكي نحاول تجسيد سر ذلك الصراع المتجدد بين الخير والشر، بين جموح الانسان الطامح للتقدم وواقع الامكانات المحدودة بضعفه، ها نحن نودعك مارون بالدموع والنحيب لغياب القدرة على تغيير الواقع المرير والاعتراف بمحدودية الوسائل التي نمتلك…

اليوم وعين إبل المنتشرة حول العالم تتشارك في صلوات الحزن على فاديها الحبيب وترتل مع الأم الحزينة متأملة بيوم القيامة المجيد، يختطفك الموت من بيننا ونحن المنتظرين بالرجاء والأمل أن تقوم مع الرب يوم الأحد من هذه التجربة الصعبة… والأصعب علينا وانت الذي كنت تشارك الجميع أن لا يقدر أحد منا على المشاركة في وداعك الأخير…

مارون أيها الصديق المحب… أيها الرجل المناضل بكل معنى الرجولة والنضال… لقد كنت من أوائل أبناء جيلنا في خوض مجال العمل والانتاج وكنت أصغر متعهد في مجال عملك الحر يوم كنا لا نزال على مقاعد الدراسة نتباهى إن عملنا بضعة ايام في فصل الصيف. وسافرت إلى الخليج تعمل في حر الصحراء بدون تذمر أو تعب. وجاهدت ونجحت كما كبار المتعهدين متحملا أعباء العائلة بعد موت الوالد بينما كان من في سنك لا يزال ينتظر “الخارجية” من والده.

مارون كم حلمنا ولعبنا وغامرنا سوية ايام فرقة الكشافة ومخيماتها في كل أنحاء لبنان من رحلات السير اليومية في أراضي عين إبل إلى الصالحاني وتسلق الشقيف وأخطاره إلى مخيمات بكاسين والباروك وغيرها… كنت صديقا لكيروز ومساعده في الطليعة وكنت الأقرب إلينا يوم حاول البعض تقسيمنا فرقا لإضعاف تقدم مسيرتنا وقد وضعت عين إبل ومصلحتها فوق كل نظرية وتماسك أبنائها فوق كل شعار. وها أنت تعود إليها وقبل أن يقف صوت المدافع لتفتح مصلحة فيها وتبني العائلة وتدخل معترك الحياة من بابه الواسع مستندا إلى آليات حديثة استقدمتها من الخليج فكنت هنا ايضا من أوائل المغامرين الجديين في مجال الحفر والنقل والبناء وحتى أحيانا في مجال التجارة يوم قطعت الطرق ولم يبق لنا سوى البحر وسيلة نقل…

مارون… كم كانت جميلة الأيام والسهرات التي أمضيناها سوية هنا في كندا يوم بعدنا عن البلدة والأحبة فيها وكم كانت الذكريات تستفيق في كل جلسة ولقاء يغمرنا فيه كرم انطوانيت وسفرتها الغنية واصرارك دوما على أن يكون اللقاء مزينا بكاس يرفع التكليف ويضفي نوعا من الفرح ينعكس حتى على الصغار…

في هذه الفترة وقد بدأنا نحس بتقدم العمر ها نحن نفرح معك بزواج يارا ويمنى في الصيف الماضي ونشارك معك في بعض التحضيرات للعرس لنشعر بتلك الروح الحلوة تتجدد لتعطينا مزيدا من الزخم والاندفاع. وقد كررنا بعدها اللقاءات على فنجان قهوة مع جورج والعديل بهيج ما حرك مجددا تلك الذكريات الحلوة…

في آخر لقاء وكان الكورونا بدأ يضرب في العالم تحدثنا عن أخطاره وقلت لي بأنك مجهز لتفادي انتقاله فعملك على المطار يقع ضمن أكبر دائرة خطر بالنسبة للقادمين من الخارج. ولم يصح لنا أن نلتقي بعدها بالرغم من المحاولة وتفاجأت بعد موت جورج بأنك دخلت المستشفى واعتقدت بأن الله لن يسمح بضربة جديدة وأن هذه التجربة ستكون جزءا من اسبوع الآلام الذي سنعيده ولكنك بالطبع ستتحسن مع قيامة الرب…

عزاؤنا بأنك تركت سمعة طيبة وعائلة يفتخر بها وبأن كل من عرفك أحب تكرار اللقاء ولذا فانك تغادرنا وقد قمت بواجبك على أحسن وجه وسوف تتقدم بكل فخر أمام الرب لأن وزناتك مضاعفة…

سوف يفرح بك الكثيرون من الاحبة وخاصة جورج الذي لا أعلم إن كنت عرفت برحيله أم لا لأنك كنت دخلت المستشفى في يوم رحيله. وسيستقبلك كيروز ومن سبقك من الرفاق بالتأكيد…

تعزيتنا إلى العزيزة أنطوانيت التي ستكون أكثر من يفتقدك وسوف يؤلمها رحيلك بدون شك ودعاؤنا إلى الله أن يساعدها على تخطي هذه المرحلة والاستمرار في رعاية العائلة التي ستكبر بإذن الله فتفرح بالأحفاد يملأون عليها البيت مجددا. تعازينا ايضا للأولاد يارا ويمنى وعائلتيهما وجيمينا التي ستكون العون للوالدة بدون شك في هذه اليام العصيبة. وعمر الذي سيحمل مسؤوليات أكبر منذ اليوم. تعازينا ايضا لأوجيني وأولادها وعائلاتهم وللخال بولس ولاخوة مارون وعائلاتهم في لبنان خاصة حنا وموسى وللعزيز شارل في أميركا ولكل عائلة حداد والعينبليين والأصدقاء هنا وفي كافة اصقاع المعمورة. ونرجو من المسيح الذي سيقوم من بين الأموات أن يرحم شعبه مرة أخرى ويبعد هذه الأخطار التي تضرب البشرية جمعاء فنردد مع المرنمين:

ليقم الله وليتبدد جميع أعدائه… وليفرح المؤمنون بخلاصه… إن الله يفتدي جميع ابنائه…

الله يرحمك يا مارون…