الكولونيل شربل بركات/الفرس وعلاقاتهم التاريخية بلبنان

376
Image processed by CodeCarvings Piczard ### FREE Community Edition ### on 2019-02-02 20:42:48Z | | ÿÿÿÿÿo° xÿ

الفرس وعلاقاتهم التاريخية بلبنان
الكولونيل شربل بركات/31 آذار/2020

نعيش اليوم حالة من التقارب بين الفرس الإيرانيين وجزء من اللبنانيين، الذين يرون بالمد الفارسي عملية طبيعية تحجّم المد العربي، الذي عاد مع انتهاء الامبراطورية العثمانية، بالرغم من نشؤ الدول المستقلة في المنطقة، والتي أعطت مجالا أكبر لتطوير الحس الوطني بين شعوبها، وقد كانت حكمت طويلا في ظل الامبراطوريات الكبرى؛ أكانت فرعونية أو حثية، أشورية أو فارسية، يونانية أو رومانية، عربية أو عثمانية. وكانت حاجة السكان للاستقرار تدفعهم دوما إلى القبول بحكم القوى الكبرى في المنطقة، طالما قبلت هذه القوى بالضرائب المدفوعة مقابل الأمن والاستقرار.

ولكن وعلى ممر الأزمنة كانت العلاقة مع القوى الكبرى هذه تسوء، خاصة عندما تظهر قوة جديدة منافسة تقلّص من استقرار وأمن المجموعات السكانية فتتخلخل العلاقة. وما حاولت الدول الخارجة من الحرب العالمية الأولى تعميمه للحصول على سلام فعلي على مستوى العالم يومها، كان باعطاء المجموعات الحضارية المتجانسة نوعا من الحكم الذاتي في مساحات جغرافية تعتبر مدى حيوي كاف لكي تتنظم هذه المجموعات وتعبّر عن تطلعاتها في ادارة شؤونها، من ثم تزيد من التعاون فيما بينها، ما يجرّ إلى استقرار أكبر يمنع العودة إلى الحروب.

والعلاقة مع الفرس التي بدأت بتوسّع “قورش” العظيم غربا ومحاولة اعطاء شعوب المنطقة الأمان بالسماح بعودة كل المسبيين ايام الحكم البابلي إلى بلادهم، ومن ثم اقامة نوع من العلاقة المتوازنة بين شعوبها جعلت اللبنانيين يتعاطفون مع خلفاء “قورش” منذ “قمبيز”، لا بل يساهمون بحروب هذا الأخير في مصر بتقديمهم اسطولا بحريا أعطاه تفوقا على المصريين. ولكنه لما أراد التوجه إلى قرطاجة رفضوا مساعدته ما دعاه إلى العدول عن مشروعه.

وقد بقيت العلاقات مقبولة، بالرغم من تغيير الفرس لنظام التعامل مع شعوب المنطقة وفرضهم الحكم المركزي، الذي يدير الأقاليم بواسطة نائب ملك فارسي في كل أقليم بدل الحكم المحلي، ما أوصل صيدا إلى مواجهة مع ارتحشستا الثالث، يوم ثار عليه نائب الملك الفارسي وأيده الصيدونيون. فما كان من هذا الملك إلا أن هاجم صيدا بجيش قوامه 300 ألف رجل إضافة إلى عشرة آلاف من المرتزقة اليونانيين. ولما حاول أهالي المدينة التفاوض، قام ارتحشستا بقتل كل أعضاء الوفد المفاوض. وهذا العنف والتعالي في التعامل مع الآخرين جعل المدينة تغلق أبوابها بوجهه وتقاتل حتى النهاية. وعندما وصل هذا الملك إلى أبواب المدينة قام الأهالي باحراقها بمن فيها لمنعه من التلذذ بالنصر(يقال بأن عدد السكان الذين احترقوا داخل المدينة بلغ 40 ألف).

ولكن بالرغم من هذا الفصل المأساوي بقي للفرس سيطرة على البلاد. وبقي هناك نوع من التعاون مع المدن الأخرى. ومع مرور الزمن عادت صيدا لتعمر وعاد الاسطول الفارسي يعتمد على خبرة بنيها. وهكذا في أوج توسع النفوذ الفارسي صوب بلاد اليونان أيام “داريوس الثالث”، حيث وصلت سيادتهم من حدود البلقان، بما فيها بعض المدن اليونانية شمالا، إلى شواطئ شبه الجزيرة العربية حتى اليمن جنوبا، ومن أفغانستان والهند شرقا إلى مصر غربا، كان قائد الأسطول ابن صيدا يجلس إلى يمين الملك ويعتبر الأعلى في تسلسل القادة في جيش الأمبراطور. وبعد سقوط الامبراطورية الفارسية بيد “الاسكندر المقدوني” وسيطرته على كامل البلاد، من الهند إلى اليونان ومصر وآسيا الصغرى، أي كامل ما كان يسمى الأمبراطورية الفارسية، انتهى دور الفرس ليعود شيئا فشيئا في أواخر حكم اليونانيين مع البارتيين. ويستمر مع دخول الرومانيين الذين لم يهتموا كثيرا للسيطرة على بلاد فارس. ما ترك المجال لعودة نوع من السلطة للفرس على البلاد التي تقع إلى الشرق من بلاد ما بين النهرين صعودا إلى حدود ارمينيا وحتى البحر الأسود أحيانا.

وفي زمن السلالة الساسانية التي حكمت بلاد الفرس (من 224م إلى 651م) والتي ورثت دولة البارثيين (247 ق.م. إلى 224 م) حاول ملوكها التقدم باتجاه الساحل السوري. وكان أولهم “كسرى الأول” الذي وصل إلى انطاكيا (سنة 541م) في غزوة لم تدم طويلا وكان جانب من السور الخارجي للمدينة قد تهدم في زلزال (سنة 524م) ما سهل الدخول إلى المدينة ونهبها، وهذا ما فتح شهية الفرس للسيطرة على المدن الغنية في شمال سوريا والعراق. أما “كسرى الثاني” حفيده فقد اضطر إلى الهرب إلى سوريا أمام “بهرام” الملك ولكنه عاد بمساعدة الأمبراطور البيزنطي “موريس” ليحكم بلاد فارس.

وعندما انقلب “فوقا” على “موريس” وقتله، هاجم “كسرى” سوريا بحجة الانتقام لصديقه المخلوع. ولكنه احتل هذه المرة انطاكيا ومن ثم دمشق واورشليم. ولم يدخل لبنان إلا بعد ثلاث سنوات، استقدم خلالها سكانا جبليين من جهات ارمينيا، يقال بأنهم من قبائل المُرد (مرداييتي)، واسكنهم حول الممرات الجبلية ليضمن مرور جيشه نحو الساحل. و يقال بأنه أثناء احتلال اورشليم قتل حوالي 90 الف من سكانها، وأخذ خشبة الصليب المقدس إلى عاصمته المدائن. ومن ثم وصل إلى مصر وعاد فحاصر القسطنطينية بمساعدة السلاف.

وقد عظمت ثقته بنفسه فدعى الامبراطور البيزنطي خادمه، لا بل تجرأ على الآهه في رسالة بعثها إليه يقول: “من كسرى أعظم الآلهة وسيد الأرض كلها إلى هرقل عبده الذليل؛ تقول انك تعتمد على الهك فلماذا لم ينقذ أورشليم من يدي”؟ وقد قام هرقل بعد تدريب جيشه مدة سنتين، لا بمهاجمته حول اسوار القسطنطينية، بل بالابحار في البحر الأسود والتوجه من ارمينيا إلى عقر داره، مسقط راس “زرداشت”، حيث هدم هيكل النار الأبدية. ومن ثم كسره في موقعة بالقرب من نينوى (سنة 627م). فقام ابن “كسرى” “كافاد” بالانقلاب على والده والتوقيع على اتفاقية مع هرقل أعاد فيها الصليب المقدس، وأطلق الأسرى، وأعاد القبائل التي كان اسكنها والده في لبنان إلى مواطنها الأصلية.

ولكن المدن التي دخلها الفرس أنهكها النهب والضرائب، خاصة دمشق وجوارها. ولم تستوي الأمور فيها لأن الادارة البيزنطية كانت تفتقد للأموال فلم تخفف الضرائب، ولا هي أخذت بعين الاعتبار مآسي الناس تحت الاحتلال الفارسي. ولذا فعندما جاء العرب لم يقاومهم السكان المحليون، بينما اعتقد القادة العسكريون بأنها إحدى الغزوات العابرة كغزوة “ماوية” زوجة “امرؤ القيس” (المعروفة بماء السماء)، وهي من ملوك الحيرة (المناذرة)، وكانت قد قامت بغزوتها في ايام الامبراطور الروماني “فالنس” (364 – 379) ووصلت إلى حدود مصر. ولكنها عادت باتفاق مع الرومان. وقد جرى بعدها الكثير من هذه الغزوات الأقل توسعا. وبدت كأنها حروب بين العرب “الغساسنة” الموالين للروم و”المناذرة” الموالين للفرس. ولكنها هذه المرة لم تقف لا بل أكملت بالتقدم. وعندما دخلت دمشق احتضنها السكان المحليين لقلة متطلباتها ومن ثم قاموا هم بتنظيم الادارة فيها.

ولكن هذه القوة الخارجة من الصحراء العربية والتي كان قوامها في الأغلب من الفرسان أكملت هجوماتها باتجاه “المدائن” عاصمة الفرس. وقضت على امبراطوريتهم. لا بل أنهت الديانة الزرادشتية. فتحولت ايران وما تبع لها إلى الاسلام منهية كل أحلام السيطرة الفارسية واعادة تحقيق حلم الامبراطورية. كما فتحت مصر وشمال افريقيا حتى وصلت إلى جبل طارق، الذي عبرته لتحتل اسبانيا وتهدد جنوب فرنسا جاعلة البحر المتوسط ،الذي كان بحيرة رومانية، يتحول في شرقه وغربه وجنوبه إلى بحيرة عربية تتبع للخليفة الذي يسكن دمشق.

ولكن في لبنان، حيث كانت الحامية المحلية، أو ما يسمى بجيش فينيقيا، وهي مجموعات الفرسان المحليين المنطمين والذين كانوا يمنعون قبائل البدو من مهاجمة المدن الساحلية. وكانوا تصدوا سابقا لغزوة “ماوية” استمروا بالمحافطة على ما استطاعوا من البلاد. ومنعوا القوى الغازية من الدخول إليها. وقد بقيت الجبال بيد الحامية اللبنانية هذه. ولم تكن المدن الساحلية التي عانت من سلسلة الزلازل التي ضربتها في سنوات (551م) وما بعدها، وخاصة بيروت وجبيل والبترون وطرابلس وصيدا وصور، قد عادت إلى عزها.

ومع ذلك منع هؤلاء الفرسان أي قوة من التقدم نحو الممرات الجبيلية. وعندما توقف الهجوم العربي ووقع البيزنطيون هدنة معهم. استقدم العرب بعض القبائل من أنحاء العراق اليوم واسكنوهم على السواحل لحمايتها من الأسطول البيزنطي. فقام البيزنطيون باعادة ارسال بعض الفرق العسكرية من فرسان المُرد، كما فعل كسرى قبلهم، ولكن هذه المرة لدعم القوى المحلية في جبال لبنان.

فتعاونوا معا وارهقوا قوى الاحتلال. ما اضطر “معاوية” على توقيع هدنة خاصة لوقف هذه الهجمات وهي التي تكلم عنها كل المؤرخون العرب. ويوم تولى “يوستينانس” (الأخرم) الحكم وهو ابن 16 سنة وكان “عبد الملك بن مروان” الخليفة، اتفقا على سحب هؤلاء الفرسان من جبال لبنان لوقف انشطتهم العسكرية ضد العرب، مقابل دفع عبد الملك لفدية اسبوعية “ليوستينيانس” أكبر من التي كان اتفق على دفعها ايام الخليفة “معاوية”.

وهكذا فقد سحب “يوستينيانس” هذا 12 ألف فارس من هؤلاء وأعادهم إلى بلادهم. ولم يبقى سوى الجندية المحلية التي لم يعجبها هذا الأمر. فسمح الخليفة للقوات الامبراطورية بالتوجه إلى لبنان للقضاء عليها. وكان “يوستنيانس” قد تبع بدعة المشيئة الواحدة التي رفضها رهبان مارون. فعملت القوى الامبراطورية على هدم ديرهم في جهات حماه وتشتيت الرهبان الذين التجأوا إلى جبال لبنان وقاوموا مع القوى المحلية جيش الأمبراطور بقيادة “يوحنا مارون”. من هنا بدى وكأن سكان جبل لبنان قد قاوموا بقواهم الخاصة القوتين الدوليتين الأعظم في المنطقة واستطاعوا الصمود.

أما الفرس، الذين لم يقبلوا بالهزيمة التي منيوا بها، فقد حاولوا العمل من داخل الدولة الحديثة واستغلال بعض الثغرات فيها لاعادة سيطرتهم. وهكذا عندما حدث الانقلاب على الأمويين واستلام العباسيين الحكم، كان لهؤلاء اليد الطولى ومن ثم النفوذ. وإذ لم تكن الدولة الاسلامية متشددة في مجال الادارة فقد تمكن بعض الولاة من انشاء ادارات محلية ناجحة. وشيئا فشيئا خفت سيطرة العرب على شؤون الدولة وعاد الفرس للعب الدور الاساسي في الخلافة بواسطة الدولة البويهية (932م – 1056م) والتي ورثها فيما بعد السلاجقة الاتراك.

وهكذا عاد حلم الدولة الفارسية إلى الأفول، خاصة بتوالي هجمات التتر والمغول والاتراك وغيرهم، وتشرزم البلاد والقوى التي حكمتها، إلى زمن قيام الدولة الصفوية (1501م – 1763م) التي اتخذت المذهب الشيعي وحاولت فرضه لكي تتميز عن القوى الأخرى في المنطقة. وبالتالي حاربت العثمانيين وأعادت شيئا من وحدة البلاد بمساعدة من الأنكليز ومن ثم الروس. وقد انتهت هذه الدولة إلى دولة ايران التي حكمها “الشاه رضا بهلوي” وبقيت إيران التي نعرفها اليوم والتي يحكمها الأئمة بعد ثورة الامام “الخميني” على الشاه واستلام الحكم ومقدرات البلاد (سنة 1979م).

كان الشاه الذي نعم بمداخيل النفط وبحماية الغرب له للوقوف بوجه المد الشيوعي يحلم باعادة مجد الفرس. وهكذا فقد طور القوات المسلحة والأجهزة الأمنية في البلاد وقبض على السلطة بشكل جعله يشبه إلى حد بعيد ملوك الفرس في العهود الغابرة. وكانت مشاريعه تصب في اعادة أمجاد الامبراطورية الفارسية. ويوم اقام احتفالات “برسيبوليس” التي تذكر “بقورش” العظيم، قوبل بانتقادات كبيرة من قبل الرئيس الفرنسي يومها “جورج بومبيدو”، الذي اعترض على هذا البذخ بينما الشعب الإيراني يعيش بحالة من الفقر. ولكن سرعان ما قام الملالي باستغلال ثورة الشعب التي مُنع الشاه من ضربها في المهد. وإذا بها تسيطر على البلاد فيهرب الشاه ليموت في المنفى في مصر. ويعلن “الخميني” تصدير الثورة الاسلامية لتحرير شعوب المنطقة واعادة أمجاد الامبراطورية الفارسية.

من هنا نفهم تمدد الثورة في دول المحيط؛ أولا صوب العراق الذي حاول رئيسه “صدام حسين” الوقوف بوجه هذا التمدد، خاصة وأن الشيعة في العراق يشكلون أكثر من 60% من الشعب، ويمكن اللعب على عواطفهم المذهبية. فكانت الحرب بين الدولتين التي قبل “الخميني” بتوقيفها بعد الخسائر الفادحة التي مني بها. وفي نفس الوقت حاول “الخميني” اللعب على شعور المسلمين باعلانه يوم القدس وبانشائه فيلق القدس من الحرس الثوري الذي سيعمل على تدريب وتحضير كل الامكانات لتحرير القدس. ومن هذه استغلال الحرب اللبنانية وانشاء فريق من الحرس الثوري، مؤلف من شيعة لبنان، بموافقة الرئيس السوري “حافظ الاسد”، الذي يتنافس مع زميله البعثي الرئيس العراقي “صدام حسين”. ويعتبر بأن الطائفة العلوية التي ينتهمي إليها أقرب إلى الشيعة منها إلى السنة الذين أذلوها على مدى التاريخ.

إذا الهجوم الفارسي تركز حول اعادة ترسيخ الوجود الإيراني في المنطقة كمقدمة لمد السيطرة على الأقاليم التي كانت يوما تتبع الامبراطورية الفارسية أيام توسعها. فكامل شواطيء الخليج الفارسي من جهتيه يجب أن تكون جزءا من هذه الامبراطورية، والتي لا تزال الأقليات الشيعية تسكنها؛ من العراق إلى الكويت والبحرين وشرق السعودية (منطقة القطيف) نزولا حتى عمان وانتهاء باليمن الذي سيطر عليه الفرس مرتين؛ ايام الدولة الأخمينية، وايام الدولة الساسانية، حيث استعان بهم اليمنيون لطرد قوات الحبشة التي كانت تسيطر على اليمن. ولذا فان الفرس يعتبرون الحوثيين من بقايا الحامية الفارسية التي اقامت في اليمن قبل الاسلام. كما يعتقد البعض بأن شيعة لبنان يجب أن يكونوا جزء من بقايا قوات فارسية جاءت لمحاربة الصليبيين، ولو تحت قيادة المماليك، مع أن هؤلاء في الأغلب يعتبرون بأنهم لبنانيون يرجعون إلى قبيلة عاملة وتاريخيا يقول ابن الأثير بأن عاملة من عماليق وقد ورد اسم “عاملاتو ونصيرو وعبيرو” في سجلات تل العمارنة أي زمن رعمسيس الثاني (حوالي 1300ق.م.).

ولكن ما يربط الشيعة اللبنانيين وخاصة ابناء جبل عامل بايران بدأ مع الدولة الصفوية حيث استقدم “الشاه اسماعيل” بعض علماء جبل عامل لكي يقوي الشيعة الأثني عشرية التي أراد اتباعها في ايران. ولم يكن هناك الكثير من المراجع المكتوبة لدعم هذا المبدأ فاضطر لطلب المساعدة من الأئمة العامليين الشيعة، الذين وفروا له الكثير من هذا الدعم، وعلى راسهم “الكركي” الذي يعتبر من أوائل المهاجرين إلى إيران، وقد كان له شأن كبير عند “الشاه اسماعيل” وتبوأ أعلى المناصب. و”الحر العاملي” الذي يعتبر أحد أهم العلماء على الاطلاق وقد تبوأ منصب شيخ الاسلام وقاضي القضاة وغيرهم الكثير من هؤلاء العلماء.

التقارب مع شيعة لبنان ليس فقط لبناء راس جسر ايراني على شاطيء البحر المتوسط ولتفعيل واجهة مقاومة اسرائيل عدو العرب أقله اعلاميا، ولكن أيضا لاستعمال الانتشار اللبناني الكبير والواسع حول العالم لزرع بعض الخلايا التي قد تخدم التوسع الفارسي في زمن القرية العالمية. من هنا أهمية أن يبقى لحزب الله، وهو الفرقة من الحرس الثوري التي تهيمن على شيعة لبنان لا بل على السلطة في البلاد بشكل أو بآخر، مشاريعه وسياساته المستقلة والخاصة التي تؤمن مصالح دولة الولي الفقيه من خلال التدريب لكل من له اصول عربية والمعلومات والعلاقات والتغذية المالية من كافة الجاليات المنتشرة حول العالم.

موضوع العلاقة اليوم بين بعض اللبنانيين وخاصة الشيعة منهم وإيران ليس موضوعا عابرا ولا هو موضوع نقاش فلسفي أو أيديولوجي يندرج تحت خانة حرية الراي أنه جزء اساسي من الخطة الاستراتيجية الفارسية لأعادة أمجاد الامبراطورية وفرض سيطرتها على المنطقة التي تملك الكثير من الموارد إن من ناحية الطاقة التي تعتبر المحرك الأول لمصالح الشعوب اليوم أو من ناحية الموقع الجغرافي على ممرات بين القوى الكبرى بين الصين وروسيا وأوروبا وأفريقيا. فكل المفاتيح والممرات المائية والبرية سوف تسيطر عليها قوى الامبراطورية. ومن هنا سياسة بناء القدرات النووية التي يراد منها أن تكون درع الامبراطورية في اي مشكلة مع العالم مستقبلا. ولذا فإن القتال الشرس الذي يقوم به كل التوابع له مبرراته ولا يمكن أن يهمد بسبب مصلحة وطنية ضيقة أو نزوة تحررية من يد الماكينة الامبراطورية الجديدة.