راجح الخوري: حمّى «كورونا» تضرب الإنسانية؟/الموت بالكورونا والموت بالجوع

95

حمّى «كورونا» تضرب الإنسانية؟!
راجح الخوري/الشرق الأوسط/28 آذار/2020

الموت بالكورونا والموت بالجوع
راجح الخوري /النهار/28 آذار/2020
ذاهبون تواً الى المجاعة، ولكن ليتذكر معظم المسؤولين اولاً، والذين نهبوا البلد وسرقوه ثانياً، ان الشعب اللبناني الذي بدأ يلجأ الى الإنتحار شنقاً، مثلاً كناجي الفليطي الذي عزّت عليه الحياة وهو يعجز عن شراء منقوشة لإبنته، او داني ابو حيدر الذي عجز عن إعالة عائلته، أو علي الحسين وجلال الزمتر من بطرماز، وقبلهم وبعدهم كثيرون ومنهم قبل يومين سائق التاكسي الذي اشعل النار بسيارته وإنقذ في اللحظة الأخيرة. ليتذكر المسؤولون ان عليهم الآن، سحب الذين نهبوا البلد من رقابهم، من أسرتهم، ومن أحضان عائلاتهم، حتى ولو كان بين هولاء عدد كبير من الذين تولوا المسؤولية، ووضعهم في السجون، وفرض إعادة ما سرقوه فوراً، تماماً كما حصل في ماليزيا وفي غيرها، لأن الأزمة الاقتصادية التي وضعت نصف اللبنانيين تحت خط الفقر تذبح الناس وجاء الكورونا ليزيد من مآسيهم وعذاباتهم. ليتذكروا جميعاً ان الخيارات ضاقت بكثيرين من اللبنانيين واليأس أطبق على الجوعى والمهددين بالجوع، وليتذكروا تحديداً انه لن يكون هناك فرق بين ان يموت المرء بالوباء او بالإنتحار، وأنه امام هذين الخيارين سيختار الكثيرون ان يجعلوا من موتهم فواتير يسددها الذين أفقروهم وسرقوهم وجوّعوهم، ليتذكروا ان ليس من قوة ستحميهم عندما سيشتعل جنون الشعب بين الموت بالكورونا والموت بالجوع !
لقد أكل هذه الدولة طاقم سياسي مصّ دم الشعب وجعل من الدين العام مئة مليار وراكم ملياراته المسروقة في الخارج. اكل هؤلاء عافية الوطن وجعلوا القطاع العام وحشاً يلتهم كل العافية الاقتصادية التي صنعها القطاع الخاص، ووصلت بهم الفظاظة الى درجة قرع طبول الشعبوية التافهة والمجنونة حتى وصلنا أخيراً وليس آخراً مثلاً، الى إقرار سلسلة الرتب والرواتب التي لا يعرف أحد من المسؤولين حتى الآن تكاليفها، بعدما تبيّن انها قد تتجاوز ضعف ما حسبوه، وهم لا يعرفون من أين سيأتون لها بالمداخيل، ولكنهم يواصلون الصراخ الكاذب والخادع أنهم ضد زيادة الضرائب والرسوم على الشعب الذي جرموا لحمه عن عظمه اصلاً. ليتذكروا أنه عندما تتعدد الأسباب، سيتختار الكثيرون من هذا الشعب المنهوب، الموت بالنار الحارقة كل من حكمهم وسرقهم! لقد دهمتنا الديون الهائلة ثم الكورونا القاتلة وليس في الخزينة المسروقة قرشاً، ونحن لا نريد لا مساعدة من البنك الدولي والإستكبار العالمي، ولن نحصل على فلس من الخليجيين الذين دأبنا على شتمهم وتخوينهم زوراً وبهتاناً، ولا من الأوروبيين الذي قالوا لنا وجهاً لوجه انتم بلد غير قابل للإصلاح ومجموعات من الفاسدين والمخادعين . حتى المليارات الثمانية التي يرسلها أبناؤنا سنوياً من الخارج مهددة بالضياع لأن الدولة سرقت ودائعهم في البنوك، فماذا تبقى للدولة من بطولات: الإمتناع الآن عن دفع ديون الدولة، عظيم، ولكن من اين المال لشراء الخبز والمأكولات والأدوية للناس؟
من محاولة سرقة وقحة لودائع اللبنانيين، بتجميد نسبة منها وتسديدها بالليرة التي انخفضت الى حدود 3000 في مقابل الدولار الواحد، الى الحديث عن “الكابيتال كونترول” وهو مجرد مقامرة بأموال المواطنين، ومحاولة سخيفة للهروب من “الكات هير”، وصولا الى عملية ” HEAD CUT”، سيهرع الشعب الجائع إليها … حذار!

حمّى «كورونا» تضرب الإنسانية؟!
راجح الخوري/الشرق الأوسط/28 آذار/2020

سقطت ردهات الأسهم في دول العالم، هناك الآن بورصة جديدة، بورصة «كورونا» التي تجدها في كل وسيلة إعلامية، تقدم أرقاماً متتابعة وتقيم عدادات مرعبة لعدد المصابين والموتى والناجين، وكل ذلك فيما يشبه حرباً عالمية رابعة، لم تكن الدول ولا الحضارة الإنسانية ولا التقدُّم العلمي ولا التنافس في المختبرات قد حسبت أنها ستدهم العالم بهذا الشكل الفاجع والمخيف!
شهران على ظهور ذلك الوباء غير المرئي في ووهان الصينية كانا كافيين حتى الآن لتحويل معظم منازل العالم، كما سبق أن كتبتُ هنا، سجناً أو كهفاً ليس فيه سوى الانتظار والعجز والذهول والذعر والهول، أين ذهب كل هذا الضجيج الذي كان يسيطر على هذا الكوكب؟ لماذا هذا اليأس المتزايد والخوف؟ والسؤال الأهم: لماذا يبدو أن هذا العالم ينقلب رأساً على عقب في كل شيء تقريباً؟!
سبق للطبيعة أن أخضعت الإنسانية لدروس وبائية كثيرة حصدت من الضحايا عشرات أضعاف ما قد يحصده وحش «كوفيد – 19»، لكن الإنسان تمكّن دائماً من الانتصار في النهاية، وهو ما يجعل العالم كله معلقاً بأمل خيط الخلاص، عبر حقنة دواء أو حبة علاج، تعيد الدنيا إلى رشدها، وتجدد رجاءها وطموحها، وتنهي ذعرها المتزايد!
كان الانتصار العلمي والإنساني سلسلة متلاحقة عمّقت الثقة، وهي الثقة التي يحلم بها العالم، رغم سرعة اجتياح «كورونا» للكوكب، أولم نتمكن من القضاء على الطاعون، والجدري، والكوليرا، والتيفوئيد، والحصبة، وشلل الأطفال، والسعال الديكي؟! ثم… أولم نتغلب على الفيروسات المنتقلة إلينا من الحيوانات، مثل هانتا، وسارس، وميرس، وإيبولا، وإنفلونزا الخنازير، وإنفلونزا الطيور، إلى أن واجهنا الإيدز الذي تفلّت لينتشر عالمياً؟!
لكننا الآن، في كهوفنا المنزلية، وبعدما قال رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، لمواطنيه قبل يومين: «الزموا بيوتكم»، صار واضحاً أن ثلث سكان العالم في الحجر المنزلي، أي 2.6 مليار شخص من أصل 7.8 مليار نسمة، بحسب الأمم المتحدة.
لكن جائحة «كورونا» لا تقتل البشر فحسب، بل تستطيع أيضاً إلحاق الشلل القاتل بالحركة الإنسانية في 175 دولة، حتى يوم الأربعاء، ولحركة الشلل هنا بورصتها الكارثية على صعيد الاقتصاد والتعليم والثقافة والتجارة أيضاً، وقبل أن نقرأ مثلاً أن سياسة الإغلاق الكامل وإعلان الطوارئ شلّا الحركة الدولية في العالم، وحتى إنهما حوّلا مطارات كثيرة سجوناً لمسافرين عالقين فيها، ولطلبة يتضورون جوعاً بعيداً من بلدانهم، وهؤلاء بالخصوص من لبنان، قبل هذا تعالوا إلى الأرقام المعلنة يوم الخميس الماضي:
منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، «اليونيسكو»، أعلنت أن أكثر من 850 مليون تلميذ في العالم يبقون في بيوتهم بلا مدارس، طبعاً الحديث عن التدريس عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون ليس كافياً، لكنه في بلدان كثيرة، مثل لبنان وعدد كبير من الدول العربية، سيُترك طلاب الأرياف، حيث تنعدم هذه الوسائل، من دون تعليم، وهذا تأسيس واضح لمشكلات وفوارق اجتماعية حقيقية إذا طال الأمر.
المجلس العالمي للسفر والسياحة يتحدث عن خطر يهدد سبعين مليون وظيفة، ماذا عن كل وظائف شركات العالم ومصانعه ومصارفه وغيرها؟! شركات الطيران أعلنت عن خسائر تتجاوز 260 مليار دولار قبل يومين، ويقول خبراء «مورغان ستانلي» إنهم يتوقعون، حتى الآن، أي خلال شهرين من الإغلاق الاقتصادي، انكماشاً بمعدل سنوي يتجاوز 30 في المائة في الولايات المتحدة، وأن معدّل البطالة يمكن أن يقفز إلى 13 في المائة.
لكن «مشنقة كورونا» لا تتربص بالاقتصادات الكبرى وحدها، ففي بلدان كثيرة تستطيع أن تجلب الموت من دون الإصابة بالفيروس، كما فعل مثلاً قبل يومين سائق تاكسي في بيروت، عندما أشعل النار في سيارته وهو داخلها، اعتراضاً على مخالفة حررها رجال الأمن ضده، لأنه يخالف قرار منع التجول، لكنهم أنقذوه في اللحظة الأخيرة، وهو الفقير الذي عليه إطعام ستة أولاد، ولكن هذه حالة من آلاف الحالات المماثلة في لبنان وغيره، التي تطبق على أعناق الفقراء، فإن لم يموتوا بالوباء ماتوا من الجوع أو القهر!
تتناقل وكالات العالم أخباراً مثيرة عن تسلل وباء «كورونا» إلى العتبات العالية؛ أولم يخضع دونالد ترمب للفحص هو ونائبه مايك بنس وزوجة الأخير، أولم تُصب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، وولي العهد البريطاني الأمير تشارلز، بعد اجتماعه الخاطف مع أمير موناكو ألبير الذي أُصيب أيضاً بالوباء؟! ولكن هذا لا شيء قياساً بالهول الذي تحدثت عنه المقابر الجماعية في ووهان، ثم ذاك الموت الغزير الذي أغرق إيطاليا وإسبانيا وإيران.
وإذا كان من الصادم والمخيف أن تتحدث دول عظمى مثل أميركا، بعد الصين، عن نقص مهول في الأقنعة وأجهزة التنفُّس والأجهزة الطبية اللازمة، فماذا عن الدول الفقيرة؟! أوليس من المرعب أن نقرأ أخبار الموت بالوباء في إيطاليا مثلاً، حيث لم تعد تتسع المقابر ولا محارق الجثث، ويكفي قسوة أسطورية أن يقول غين ديل باريو، الممرض في مستشفى مدريد المكتظ بالمرضى إنهم يتراكمون في الممرات، وحتى في الملاعب المقفلة وقد حُوّلت مستشفيات على عجل: «كثيرون من زملائي يجهشون في البكاء، لأن الناس يتوفون وحيدين دون أن يتمكنوا من رؤية عائلاتهم الغارقة في الانتحاب بعيداً، بينما يذهب الضحايا إلى التراب أو إلى المحارق وحيدين أيضاً».
فعلاً، يا للهول، عندما تنهار منظومة الحياة الحضرية تقريباً، وعندما يصبح غزو القمر وريادة الفضاء، ومطارات ومحطات القطارات والساحات، وجامعات العالم وضجيج كرة القدم وروعة الأوركسترات، لا شيء أمام عودة الأنانية المتوحشة وبأشكال مختلفة عند كثير من الناس المذعورين في العالم.
وإذا كان مفهوماً أن نتوقف عن المصافحة والعناق والاقتراب لضرورات الوقاية، فمن غير المفهوم مثلاً أن تحاول بعض المستشفيات عدم استقبال المصابين حرصاً على مرضاها الآخرين، وربما على السمعة، لكن المخيف أكثر أن يستيقظ وحش الإنسانية والفردية عند الكثيرين، وهنا ما الفرق مثلاً بين سكان بناية في لبنان، أو أي بلد آخر، يتصدون للصليب الأحمر، لمنعه مثلاً من إعادة مريض شُفي من الوباء إلى منزله، خوفاً على أرواحهم، وبين أن تقرأ تصريحاً للأميركي المدعو ديفيد ستون، وهو صاحب متجر أسلحة في أوكلاهوما، يقول لوكالة الصحافة الفرنسية: «لقد سجلنا مبيعات للسلاح بنسبة تجاوزت 800 في المائة، ولكأننا عدنا إلى زمن الكاوبوي، فالناس حتى في دول أخرى يتهافتون على شراء الأسلحة، خوفاً من أن تتحول عاصفة (كورونا) والانغلاق المتزايد، أزمة اجتماعية حياتية لحماية النفس من صديق الأمس، وربما من الأخ، وربما من أجل رغيف خبز»!
وكل الأمل أن يتوصل السباق الدولي بين أكثر من خمسين مختبراً، إلى اكتشاف سريع لدواء لا يعالج وباء «كورونا» فحسب، بل يعيد كوكب الأرض إلى رشده، وينقذه من العودة إلى التوحُّش في الكهوف!