شارل الياس شرتوني/اغتيال أنطوان الحايك، المدلولات الخطيرة

225

اغتيال أنطوان الحايك، المدلولات الخطيرة
شارل الياس شرتوني/26 آذار/2020

ان لاغتيال أنطوان الحايك مدلولات خطيرة لا يمكن القفز فوقها في بلد يعيش في حالة انعدام وزن متشعبة ومدغمة بمناخات صحية وسياسية بالغة السوء في مندرجاتها وتردداتها على كل مستويات الحياة العامة والخاصة.

لا بد من تعريف هذا الاغتيال على أنه، بادىء ذي بدء، ارهاب سياسي يحمل في طياته رسائل غير ملتبسة موجهة لأي شخص او جماعة تخالف التوجهات التي تحكم اداء حزب الله في هذه المرحلة، وتؤشر الى تبلور سياق توتاليتاري معطوف على عنف استنسابي يهدف تطويع أي اتجاه مخالف للمنحى السياسي القائم. لقد اندرجت عملية الاغتيال ضمن الاعتبارات التالية:

أ- ان فتح ملف جيش لبنان الجنوبي بعد انقضاء ٢٠ سنة على تفكيكه وما تلاه من إجراءات قانونية استنسابية خارجة عن مرتكزات دولة القانون، قد ادى الى عملية تهجير جماعية، والى تصريف سياسي للاعتبارات القانونية وخارجًا عن أي موضعة لظروف نشاة وعمل هذا الجيش  (1977-2000 )، الذي استحدث على قاعدة الفراغات الأمنية المتنامية التي استهدفت سكان المنطقة الحدودية من المسيحيين، وتململ البلدات الشيعية الناشىء عن تصرفات المنظمات الفلسطينية وملحقاتها اللبنانية وعبثها بأمن السكان المدنيين وحقوقهم وحرياتهم. لقد نشأ جيش لبنان الجنوبي على خط تقاطع الفراغات الأمنية والتهديدات الوجودية التي حكمت حياة سكان القرى الحدودية، وأحوال التسيب الأمني والاستراتيجي الذي بات مصدر تهديد امني مباشر للدولة الاسرائيلية، وهو امر عبرت عنه المنظمات الفلسطينية والتنظيمات اليسارية في لبنان بشكل صاخب مذاك وحتى اليوم.
ان ظروف تفكك الجيش لم تأت نتيجة لتسوية سياسية شاملة، او لفتح ملفات الحرب على أساس تشكيل لجنة حقيقة ومصالحة كما جرى في أفريقيا الجنوبية، او الأرجنتين … ، بل على قاعدة سياسة تصفية حسابات متعددة الاوجه والأطراف مع الأوساط المسيحية بشكل أساسي، وتوليف استنسابي للملفات في الوسط الشيعي.

ان فتح الملف بهذا الوقت المشحون بالمخاوف الوبائية والأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية المتضافرة، ليس بالاداء الانفعالي بل هو فعل هادف يهدف الى تحجيم الحليف المسيحي المتمثل بتيار العماد ميشال عون، وإفهام المسيحيين بانهم قد اصبحوا في وضعية انعدام الوزن، ولا سبيل لديهم سوى التأقلم مع إملاءاتها.
ان مسرحية عامر الفاخوري واغتيال مواطن اعزل يعيش ضمن منطقة نفوذ حزب الله، هو تصرف جبان ودنيء اخلاقيا للتخويف والحط من قدر الحياة الإنسانية لمصلحة سياسية بينة.
هذا تصرف ارهابي معلن في نواياه ونتائجه، ولا حاجة لحزب الله فيه، لا من ناحية سمعته الملطخة بتاريخ مديد من الاغتيالات والعنف السياسي الممحوض قدسية والملازم لأداء الأحزاب التوتاليتارية (البلشفية عموما والفاشية عند القوميين السوريين في لبنان)؛ ولا من ناحية صدقيته السياسية، فإرادة تهجير المسيحيين وإسقاطهم من المعادلات السياسية واستتباعهم لم تعد مستترة، هذا حتى لا نتكلم عن المعادلات الوطنية لانها سقطت بين ١٩٦٥-١٩٧٥.

ب-ان الحسابات الإقليمية لحزب الله قد أصبحت طاغية عنده لحد التعاطي مع المعطى الوطني اللبناني كمتغير تابع، وحيز سياسي واستراتيجي يستعمل على نحو استنسابي ودون أي اكتراث للمترتبات الداخلية، وتأثيراتها على التوازنات البنيوية للاجتماع السياسي اللبناني.
هذا الصلف السياسي دونه مطبات كثيرة سوف تودي عاجلا أم آجلا الى تفلتات أمنية تدخل البلاد في دوامات النزاعات الإقليمية المحيطة على نحو غير قابل للضبط، مع ما يفترض ذلك من تصليب في الممانعات الداخلية، وإعادة توزع خريطة التحالفات الداخلية، وعودة مفاعلات الخارج العديدة الى قلب المعادلات السياسات الداخلية.
ان عمى التسلط الاعتباطي قد اصاب حزب الله في قدرته على التمييز وحفظ البقية المتبقية من حسن التعامل بعيدا عن الاستعمال الرديئ للعنف. ان اغتيال أنطوان الحايك، أيا كانت ادواته وإيحاءاته، هو عمل ينم عن انحطاط سياسي وانساني راسخ، ينسف الرواية المنشئة للكيان اللبناني بقيمها الأخلاقية والتعددية والتوافقية والديموقراطية والمسكونية، وما تستوجبه من اعتدال مبدئي وروح تسوية، واحترام لقدر الآخرين خارجًا عن منطق موازين القوى، وانطلاقا من احترام حقوقهم وحرياتهم السياسية والوجودية.
ان إسقاط هذا البعد القيمي والإرادي الذي لازم الحيثية الكيانية للبنان، لحساب ديكتاتوريات إسلامية، ونزاعات إقليمية متنوعة المصادر ومنعطفة على تداعيات مفتوحة، هو بداية لمرحلة جديدة عبر عنها اغتيال أنطوان الحايك الذي لا يؤذن خيرًا في رداءة مدلولاته ولايبهر احدا.

**الصورة المرفقة هي لسيارة اسعاف الصليب الأحمر وهي تنقل جثة الشهيد والضحية انطوان يوسف الحايك من بلدة المية وميه حيث تم اغتياله من قبل مجموعة ارهابية منظمة ومحترفة.