سيمون أبو فاضل/اقتراب النهاية … تصفية المسيحيين على أيدي احزابهم

267

اقتراب النهاية … تصفية المسيحيين على أيدي احزابهم

سيمون أبو فاضل/الكلمة أونلاين/20 آذار/2020

شهدت الحياة السياسية مؤخرا مجموعة مواقف وهجومات عدائية الطابع والمضمون طالت كبار المسؤولين المسيحين في الدولة وكذلك في قطاعات متعددة، وهي بعيدة كل البعد عن ممارسة حق التعبير او المعارضة بهدف الإصلاح لكون ذلك حق طبيعي قبل أن يسمح به النص.

وفي وقت تصنف غير طوائف مسؤوليها “آلهة” وكذلك زعاماتها، فإن الانقضاض كان على الجانب المسيحي، على ما يحصل مؤخرا في اتجاه قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون اثر انتقاده من قبل أقلام موجهة وضباط تميّزوا بالعمالة طيلة تاريخهم العسكري،. وذلك بعد الإفراح عن عمر الفاخوري من قبل رئيس المحكمة العسكرية العميد “الشيعي” حسين عبدالله الذي أطلق سلفه سراح قاتل النقيب الشهيد سامر حنا لكون من يأتي الى هذا المنصب يحظى برضا الثنائي الشيعي.

وسبق الحملة على جوزيف عون حملات على كل من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ورئيس التفتيش المركزي القاضي جورج عطية، ومفوض الحكومة القاضي بيتر جرمانوس الذي بات على تباعد من التيار الوطني الحر والذي أخطاء في ملف سوزان الحاج لكنه يًستهدف من جريدة الأخبار وتعرض لحملة كما مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات من النائب جميل السيد وجريدة الأخبار بعد إطلاق الفاخوري في حين ان قرار إطلاق الأخير كان للقاضي عبدالله، لكن هذا يحصل ليس لشئ سوى انه المطلوب تبيان ان طوائف أخرى تخطئ في الأمور الوطنية فيما من يدور في فلك الثنائي الشيعي لا يغلط ولا يمكن استهدافه منعا لترسيخ هذه السابقة.

يحصل هذا الواقع في ظل وجود رئيس الجمهورية “القوي” ميشال عون في قصر بعبدا، الهادف لتحصيل حقوق المسيحين، بعد أن ساهم اتفاق معراب في انتخابه على قاعدة تطبيق المحاصصة على المسيحيين يومها.

فقد بدا واضحاً بحسب الكلام داخل البيئة المسيحية أن اضطهاد هؤلاء المسؤولين يتم على أيدٍ مسيحية بحيث باتت واضحة معركة التيار الوطني مع كل من رياض سلامة وجوزيف عون، لحسابات خاصة ذات طابع تدميري لمن يشغل هذه المناصب، لمحاولة إقصائها والإتيان ببدائل فاشلة ظهرت في عدة مواقع، تحسباً من أي ارتفاع لأسهمهما الرئاسية، وكان آخرها مظاهرة التيار الوطني الحر امام مصرف لبنان، بعد أن كان العهد قد عمد الى التجديد له كترجمة لثقته به، كما أتت الحملة على قائد الجيش بداية ثورة ١٧ تشرين بهدف حرقه من خلال دفعه لصد الثوار بالعنف مع ما يرتب ذلك من سلبيات دولية على ورقته الرئاسية.

وإذ كان الهدف من الحملة على عطية لعدم انخراطه في فتح ملفات موجهة في عدة بلديات ومؤسسات يتولاها غير عونيين، فإن الثنائي المسيحي لا يتجرّأ على مواجهة الثنائي الشيعي، بحيث ترى أوساط مصرفية بأن محاولة الهيمنة على هذا القطاع من خلال إجراءات قضائية غير قانونية وكذلك ابتكار قوانين، حدت برئيس جمعية المصارف سليم صفير لرفع الصوت منفردا، بطلبه من السياسيين عدم التدخل قاصدا بذلك، السياسيين الذين يريدون تطويع هذا القطاع والغاء دوره على حساب وظيفته المرتبطة بطبيعة النظام اللبناني.

اذ يرفض صفير يتابع هؤلاء بان يكون شاهدا على ضرب وتطويق هذا القطاع زمن عهده الميمون، في حين يواجه سلامة وحيدا الحملة الموجهة ضده اذ ويبدو واضحا بأن جريدة الأخبار لا تتوقف عن مواجهة هذه المواقع تحت عدة اعتبارات.

حيث طالب الوزير السابق يوسف سلامة عبر خطوة واضحة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بوقف حملة هذه الصحيفة على المواقع المسيحية في الدولة، سيما وان دراسات نشرت سابقا اجرتها احدى المؤسسات الرهبانية دلت بان هذه الجريدة تتعرض بشكل مكثف للمسيحيين وشؤونهم اكثر من اي فريق آخر وبأسلوب مذهبي حاقد، في حين ان مالكها إبراهيم الأمين يصنف شيوعي الهوى وغير مذهبي ومن رواد حب الحياة ولوازمها.

فالذي شجّع على هذه الحملة هو عودة تبادل الحملات بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، بحيث اتهامات التيار للقوات اللبنانية بماضي الحرب تظهر المسيحيين وكأنهم وحدهم من ارتكب اخطأ في حين ان قوى أخرى ارتكبت جرائم بحق الإنسانية تجاه المسيحين، لكن التيار لا يجرؤ على الكلام عنها نظرا لحسابات رئاسية لدى رئيسه النائب جبران باسيل ويفضّل ان يرضي حلفاءه بالحملة على القوات ورئيسها سمير جعجع.

وفي المقابل، يركّز جعجع في حملته ضد الفساد على التيار الوطني دون غيره رغم وجود اخطاء، ولا يستطرد في اتجاه اخطاء او ممارسات أرتكبها الثنائي الشيعي، فهو لا يجد في هذا المحور أية اخطاء شائنة باستثناء كلام نائبه جورج عدوان عن صفقات الجمارك من دون تحديد المسؤوليات، بحيث تظهر حملة القوات بأن الفريق المسيحي فقط هو الفاسد، وذلك مراعاة للثنائي الشيعي لحسابات رئاسية.

الى ذلك، فان ما يشجع الحملة على المناصب المسيحية هو تحول التيار الوطني الحر نحو مواجهة هذه المناصب الفاعلة في الدولة، في مقابل سكوت القوات اللبنانية عن دورها، وتحول حزب الكتاىب اللبنانية نحو ملفات لا تتشابه مع فلسفة وجوده ودوره حاضرا ومستقبلا، وفي ظل حركة محدودة لتيار المردة على وقع تناغم مع خطوات الثنائي الشيعي.

اذا القوى المسيحية معطلة، فالقرار ليس لدى الرىيس القوي على ما دلت أزمة التعاطي مع صندوق النقد الدولي حيث تجاوب عون مع مطلب الثنائي وتراجع عن قرار التعاطي مع هذه المؤسسة الدولية، قبل ان يعبر حزب الله بالقطارة عن موافقته ليأتي موقف عون ملحقا بتوجه الحزب متى دقت الساعة.

اذ تبين حتى حينه للأوساط المسيحية بان هذه الأحزاب القابضة على حياتهم فشلت في لعب دور استراتيجي، إنمائي وحماية قطاعاتهم كما يحصل في الملف المصرفي بشقيه مصرف لبنان والمصارف المفترض عليها أيضا ان تعيد هي النظر بكيفية تعاطيها مع بيئتها.

فقد بدت الأحزاب بانها لا تقدم أية مبادرات إنسانية او اجتماعية الى بيئتها على غرار ما يقدم عليه الزعيم الدرزي وليد جنبلاط دون الكلام عن هوية أمواله ومصادرها، لكون الأحزاب هذه تمتلك المقدرات ذاتها وحصلت عليها كما هو حصل على معظمها.

فأموال المسيحيين زمن الحروب والثورات و”الظواهر” تبقى دين على هذه القيادات لهذا الشعب، كما هي ممتلكات الكنيسة التي حصلت عليها زمن العثمانيين بعد ان جمعتها لعدة عوامل، توزعت بين وضعها أمانة لدى الكنيسة، ام تهربا من “الميرة” العثمانية، ام لان مواطن مؤمن او سازج كتب أملاكه للدير عبر راهب ام كاهن لأبعاد المرض والشر عن عائلته كما تم إقناعه.

ان الذي يحصل حاليا هو استمرار هجرة المسيحيين وشعورهم بالخيبة المشجعة لمغادرة البلاد بعد ان تبين بان وجودهم في السلطة لا يحمل اي ضمانة، بل زاد الخلافات في ظل غياب اي مشروع حزبي اجتماعي او أنماىي يشجع على البقا ء، خصوصا ان قادة الأحزاب لا تفكر الا بكيفية تامين الرفاهية لابنا ء العاىلة الإقطاعية على حساب المسيحين الذين صدقوا مواقفهم وشعاراتهم ولم يتعلموا منها بعد.

ثم انه من خارج التمثيل النيابي لاحزاب انتجتها عفوية بعض الناخبين، فان التعيينات المسيحية السابقة كالقضائية والدبلوماسية مع اخرين زرعوا في الإدارة، لم يحمل وجودهم كما عدد من الوزراء قيمة إضافية بل عرف عنهم بانهم إزلاما لا يتمتعون بالكفاءة التي تعطي مثالا عن المسؤول المتفوق والذي يشكل عبرة لغير موظفين.

والمفارقة بان الإجراءات المصرفية من قبل وزير المالية غازي وزني تصبح مقبولة وبغطاء وطني مسيحي، لكن أية خطوات مثيلة من قبل سلامة او صفير تتطلب تحريك القضاء وانقضاض الثنائي الشيعي بتعاون مسيحي.

وتدخل هنا خطوة رفض التعيينات آلتي أعدها رىيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود من قبل العهد ووزراءه لتضع رصيد هذا القاضي ومنصبه على المحك لينضم الى جبهة المتلقين لإطلاق النار المسيحي من قبل أهل البيت وفق ادا ء مسيحي رسمي وحزبي يضع عبود الى جانب سلامة وجوزيف عون .

فهجرة المسيحين التاريخية هو واقع مختلف عن مسار تهجيرهم الذي بدأ منذ العام ١٩٨٨ ويستكمل حاليا تحت أنظار الكنيسة والأحزاب دون أية عملية استدراك من خلال مبادرات تحمل “احساساً” انسانيا وهم بذلك يقتربون من نهاية وجودهم في لبنان، او مبادرات اذ لا تزال الأحزاب وقادتها بعيدين قصدا عن محاكاتهم عمليا هموم مناصريهم لان بعضهم يعتبرهم “قطيعه”، ولن يستيقظ يوما نظراً لقدرته في تضليلهم.

ان انكفاء التيار الوطني الحر من الدخول على خط قضية الفاخوري من زاوية كونه مواطن لبناني قبل ان يتحول ملفه الى مطلب اميركي محاطاً بتهديدات بفرض عقوبات هو امر يندرج في خانة تطبيق اتفاق مار مخايل وكذلك دخول الأحزاب المسيحية الأخرى على خط هذا الملف اضافة الى التيار مفترض ان يتم التعاطي معه من زاوية احترام القضاء الذي لم يجد مبرراً قانونياً لابقائه موقوفاً عملاً بسقوط جرمه بمرور الزمن، وكذلك شطب وثيقته الامنية.

فعدم الدخول على خط ملف الفاخوري تحت اي عنوان من جانب الأحزاب المسيحية كالقوات والكتائب والمردة، ولا سيما التيار الوطني، يعتبر تراجعاً وتخلياً عن الدور، كما ان عدم التفاعل مع حزب الله لمناقشة هذا الملف يحمل تقصيراً لأنه يحمل مفاعيل سلبية تجاه مسيحيي الجنوب المفترض طمأنتهم وعدم التهويل عليهم معنويا وبشكل داىم واظهارهم وحدهم المتعاملين مع العدو الاسرائيلي بعد ان تعامل عدد كبير من ابناء الطائفة الشيعية مع العدو الاسرائيلي وبعضهم اضحى خبيرا ًعسكرياً ومدرباً في صفوف الثنائي اثر عفو طاىفي عنهم تضمنت
المعادلة زمن الاحتلال السوري توزيع الأدوار فكانت المقاومة للشيعة والاقتصاد لحزب الله والأمن للقوات السورية، اذ بعد انسحاب القوات السورية منذ العام ٢٠٠٥  وإقصاء المستقبل ودوره الاقتصادي والمالي باتت ملفات المقاومة والاقتصاد والمال في يد الثنائي الشيعي .. فأي دور للمسيحيين في معادلة الحكم والبقاء …؟؟؟