جهاد الزين/القيادة الرجعية الشيعية لكل الرجعيات الدرزية السنية المسيحية

91

القيادة الرجعية الشيعية لكل الرجعيات الدرزية السنية المسيحية
جهاد الزين/النهار/28 كانون الثاني/2020

هناك جهات عديدة ضد الثورة المدنية الجارية، عند الدروز والسنّة والمسيحيين، جهات قوية لكنْ يضبط سلوكَها الإحراجُ فتحاول أن تمتنع عن فجاجة قمعية من هنا أو هناك.
…لكن القوة التي تبدو الضاربة ضد الثورة وسلميتها هي عند الشيعة.
ما هذه النهاية الوخيمة معنويًا التي آلت إليها بيئة طائفة كانت مختبر كل تحوّل وتغيير؟ ما يسمّى الثنائي الشيعي صار مسؤولاً عن تحويل الشيعة إلى قوة رجعية بالمعنى العميق الشامل للكلمة، ولكي أكون دقيقاً هي القوة القائدة لكل القوى الرجعية الأخرى المسيطرة على النظام السياسي.
تعريف القوة الرجعية هنا بسيط: الدفاع عن نظام الفساد في لحظة وصل فيها هذا النظام في لبنان إلى انكشاف كاشف لم يعد ممكنا استمراره ولكن المأزق أنه لم يعد ممكناً تغييره؟
ربما يختلف معي كثيرون من الجيل الجديد حول تشخيص المأزق ويرفضون الاستسلام لفكرة عدم القدرة على التغيير.
أنا من جيل مسكون بتجربته الرهيبة 15عاماً من الحرب الأهلية نتيجة التناقض بين الحاجة للتغيير وعدم القدرة على التغيير.
لكن عام 1975 مختلف عن العام 2019 عندما بدأت الثورة المدنية في ‪17 تشرين الأول‬ وعن عام 2020 الجاري والجاريتين معه الأزمة والثورة.
عام 1975 كان هناك عامل مذهل التعقيد هو العامل الفلسطيني لأنه داخلي وخارجي معا جعل الانقسام الطائفي معادلة لم يكن ممكناً تلافيها في لبنان.
فسقطت الفكرة الإصلاحية أمام الفكرة الكيانية، ودخل الجميع في آتون صراع طائفي لا ورقة توت على هيكله.
اليوم أين هو الخطر الخارجي على الكيان؟
طبعاً هناك ظاهرة، البعض يعتبرها سرطانية، اسمها النفوذ الإيراني، وهو غير ديموغرافي كما كان النفوذ الفلسطيني، ولكنه أصعب من زاوية أخرى هي كونه يتماهى بنيوياً مع قوى لبنانية صارت قادرة على فرض هذا التماهي على الطائفة الأكبر عدديا في لبنان أو إحدى الطائفتين الإثنتين الأكبر.
نشأت في مرحلة ما بعد الحرب حالات آلت إليها الميليشيات “السابقة” تختصرها السمات التالية:
– بيروقراطية كسولة تعتاش على ريع دولة زبائنية آيلة إلى الإفلاس.
– ميليشيات زواريب قمعية في المدن تعتاش بدورها على فائض الرواتب الكسولة.
-عدم القدرة على الاستغناء عن حضور متواصل في كل الحكومات منذ أكثر من ثلاثة عقود: نهم دائم للسلطة التي تغطّي الفعالية الميليشياوية.
– حساسية حيال أي تغيير يسيِّرها تحجّرٌ بل تخلّفٌ دينيٌّ طقوساً واجتهادات.
كل سمة من هذه السمات سنجد لها عند الشيعة اللبنانيين أسبابها في إطار أوسع هو موجات المحافظة الدينية التي اجتاحت العالم المسلم.
إفلاس الدولة يخلق وضعاً مستجدا قد يهدد بخلخلة القاعدة الدولتية التي استندت إليها الحالات الميليشياوية المنتقلة إلى فترة السلم الأهلي.
علينا أن لا ننسى أن العنصر النافر حاليا هو المكون الشيعي السياسي، النافر، لكن الأزمة الأصلية هي أزمة النظام الطائفي برمته أي مسؤولية كل الطائفيّات السياسية الشيعية السنية والدرزية والمسيحية.
فالأزمة التي أوصلت بسبب طبيعة علاقات هذا النظام إلى إفلاس الدولة وما استتبعه من وضع يد المصارف على ودائع اللبنانيين وهي الخطوة المخيفة التي من الصعب بعدها أن يستعيد النظام المصرفي لا فقط ثقةَ اللبنانيين بل ثقة العرب والعالم أيضاً٠
هذه الأزمة هي صنيعة علاقات نظام طائفي لم يعد صالحاً للعمل والحكم.
صحيح أن الوضع اللبناني يتشابه مع دول العالم الثالث في الحوكمة الفاشلة لكن له سماته الخاصة التي تجعله متفرداً.
وحدهم الفرنسيون ينضح من تصريحاتهم وكتاباتهم عن لبنان ذلك الحرص التأسيسي على استمرارية الدولة بالمعنى الذي أرادوه لها قبل مائة عام.
ملفنا، الملف اللبناني هو بين أيديهم الآن. لكن مصيرنا هو بين أيدي الأميركيين والإيرانيين.