إيلي الحاج/ستكون وحيداً وأحياناً خائفاً

89

ستكون وحيداً وأحياناً خائفاً
إيلي الحاج/نقلاً عن موقع المقاومة اللبنانية/28 كانون الثاني/2020

عندما قررتُ أن لا أكون زلمة أحد كنت عارفاً بأن هناك ثمناً وسوف أدفعه.
قلت لكل خيار في الحياة ثمن، لكنّ هذا الشعور الجميل بالحرية يستحق.
والواقع أني لا أؤيد المكث عند الموقف نفسه طوال حياة الإنسان.
ولا أزال أؤيد في المبدأ أن تكون لكل شاب وصبية تجربة حزبية، بشرط أن يعاملوا رئيس الحزب- أي حزب، كما يعاملون أهلهم أحياناً.
برفض ومعاندة عندما يصطدمون بقرار لا يقنعهم أو سلوك لا يرضي نظرتهم المثالية.
بمعنى ألّا يعتبروا رئيس حزبهم كإله لا يخطئ ، أو نصفَ إله، كما يحصل.
رغم ذلك، لا بد من إقرار:
يكتسب الحزبيّ، إذا كان مثقفاً إلى حد ما، قدرة على قراءة الأحداث مختلفة عن الباقين.
قدرة تعود قوتها إلى أنها تنطلق “مِن الأرض”.
وأرجو أن أكون أحسنت التعبير.
لهذا السبب في عملي الصحافي وفي الصالونات أميز بسهولة بين من كان حزبياً وبين من لم يعِش هذه التجربة، وسواءَ أكان الحزب الذي ينتمي إليه يوافق تطلعاتي وميولي السياسية في عقيدته، أم يناقضها تماماً.
أي بلاد بلا أحزاب سياسية لا تستقيم فيها حياة الإنسان، بما هي اكتمال لمقومات سعيه إلى السعادة.
سعيه الشخصي كفرد، وسعي الدولة أيضاً معه.
ولكن الاكتمال هذا يقتضي أن تكون الأحزاب ديموقراطية فعلاً،
وليست تنظيمات حديدية أو ملكيات عائلية أو مالية.
ديموقراطية تعني التزام احترام الاختلاف في الرأي عندما يقع اختلاف،
وتداول للسلطة، ومرونة في التعامل داخل الحزب،
وأيضاً بين الحزب وبيئته وسائر الأحزاب والأفكار في البلاد والعالم.
على الحزب أن يساعد المحازبين في أن يكونوا أفضل،
ثقافةً وانفتاحاً وديموقراطية، فوق أنه يقنعهم بقضية تستحق أن يعطوها من جهدهم وتعبهم وتفكيرهم
وأي حزب يطبق مبدأ “من ليس معنا، على العمياني، ومن لا يميل معنا إذا ملنا ذات اليمين أو ذات اليسار، فهو ضدنا”، فعاجلاً أو آجلاً ستروح عليه.
الحزب ليس مصالح فحسب.
وحسابات لكراسي ونيابات ومواقع وسلطة.
رغم أن هذا العمل التقليدي للأحزاب السياسية في كل العالم.
إنه مدرسة أخلاق وبيئة حرية أيضاً.
هكذا يجب أن يكون.
إذا لم تكن كل هذه المعطيات متوافرة وأكيدة، تبقى أفضّل العودة إلى نيتشه:
“على الفرد أن يقاسي دوماً ليبقى حراً من هيمنة المجتمع، ستكون وحيداً وأحياناً خائفاً، لكن الثمن ليس غالياً لقاء أن تمتلك نفسك”.