شارل الياس شرتوني/حكومة الظلال غير الوارفة

99

حكومة الظلال غير الوارفة
شارل الياس شرتوني/25 كانون الثاني/2020

” يخرجون عظام ملوك يهوذا وعظام رؤسائه وعظام الكهنة وعظام الأنبياء وعظام سكان أورشليم من قبورهم. ويبسطونها للشمس والقمر ولكل جنود السموات التي أحبوها والتي عبدوها والتي ساروا وراءها والتي استشاروها والتي سجدوا لها. لا تجمع ولا تدفن، بل تكون دمنة على وجه الأرض. ويختار الموت على الحياة عند كل البقية الباقية… سفر ارميا ٣/٨

ان أسوأ ما في المناخ السياسي الناشىء بعد تأليف الحكومة هو ظلالها وما تشير اليه من اختلالات سياسية تعيدنا الى ما عاشه لبنان في ظل الاحتلال السوري، سواء لجهة الإملاءات السياسية الداخلية، واصطناع النخب السياسية، واحتجاز لبنان على خطوط تقاطع سياسات النفوذ الاقليمية، وتحويل الدولة اللبنانية الى كيان صوري تستعمله مراكز النفوذ موطئا لإنفاذ سياساتها وتصريف مصالحها.

تعاني التشكيلة الحكومية القائمة من تسكعات خبرناها زمن الاحتلال السوري:

-1/فقدان القوام السياسي والمعنوي لمعظم الوزراء المعينين وتبعيتهم لمراكز القوى التي أتت بهم، وفي احسن الأحوال انتهازية البعض الآخر؛

-2/الطابع التقني للوزارة نسبي، وعدم معرفة معظم الوزراء بحيثيات السياسات العامة يفسر الإشكاليات الناشئة حول إقرار الموازنة، وعدم تماسك تقسيم العمل الوزاري؛

-٣/وصاية حزب الله طاغية الى حد يفقد الوزارة صدقيتها ويحيلنا الى سيناريو العزلة الدولية ومحاور النفوذ الآسرة وتردداتها على مستوى التواصل مع المؤسسات الدولية والدولة المانحة التي تشكل الملجأ الوحيد من اجل الخروج من واقع الانهيار المالي النافذ؛

-4/لا يبدو ان القرار السياسي المهيمن على المسار الحكومي الناشىء بصدد عملية اصلاحية جذرية تستوجبها السياسات العامة، وهذا امر سوف يعيق ان لم نقل يطيح بامكانية الحصول على القروض الميسرة والطويلة الأمد؛

-5/سياسة حزب الله وملحقاته تأخذ منحى واضحا باتجاه الحجر السياسي، وتكريس العزلة الدولية، واعتماد سياسة البلف عبر الخروج من آليات المجتمع الدولي باتجاه بدائل مضادة تذكر بما آلت اليه الأوضاع في ايران وفنزويلا، وتحويل الاقتصاد اللبناني من اقتصاد ريعي دمر التوزانات المالية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية في البلاد، الى اقتصاد دول الرعاع القائم على أعمال اقتصادية غير سوية تندرج في خانة الجريمة المنظمة والاقتصاد الرديف.

ان كلام حسن نصرالله حول المحور الإيراني -الروسي-الصيني، هو جموح خيالي ينسج من خلاله تبريرات لسياسة وضع اليد المباشرة على القرار السياسي في البلاد وعطفه على سياسة النفوذ الايرانية المتهاوية دوليًا واقليميا والفاقدة الشرعية داخليا، والدور الموكل اليه فيها.

ان سياسات القمع التي تديرها ايران في العراق، والتي تلوح تباشيرها في لبنان من خلال سياسة القمع غير المتبصرة، وزج لبنان في أتون الصراع المعلن بين الإسلاميين السنة والإسلاميين الشيعة، لن تساعد في استقرار البلاد كشرط منشىء لأي سياسة اصلاحية تراكمية تحتاج اليها البلاد.

ان غياب قراءة الظلال التي ترافق الحكومة الجديدة هو خطأ ليس فقط منهجيا بل سياسيًا، نظرًا لتجاهله المضامين الانقلابية غير المعلنة وتأثيراتها على بلاد دخلت منذ التسعينات زمن التبدلات البنيوية التي تستهدف تغيير هويتها بمكوناتها الجيوبوليتيكية وخياراتها الثقافية والسياسية الليبرالية والديموقراطية، وتوازناتها الديموغرافية وجغرافيتها الإنسانية، وها نحن أمام مرحلة جديدة في عملية التصفية تتمفصل على قاعدة استحداث تبديل جيوبوليتيكي، وتدمير منهجي لسبل إصلاح مرتكزات الاقتصاد اللبناني الذي دمرته السياسات الريعية والزبانية التي انتهجتها سياسات النفوذ السنية والشيعية، منذ بدايات جمهورية الطائف، على وقع التبعيات لسياسات النفوذ الاقليمية المتحركة (سوريا، السعودية، قطر ، ايران ، تركيا) وانطلاقا من تفكيك أوصال الدولة اللبنانية وارساء واقع السيادة المحدودة والاستنسابية، وتحويل لبنان الى امتداد نزاعي رديف ليس الا.

ان سياسة أخذ لبنان رهينة لحساب إنقاذ ركائز سياسة النفوذ الايرانية في الشرق الأدنى، واستطراد سياسة العنف المعتمدة في العراق وسحبها باتجاه لبنان، لن تجدي نفعًا في مجال احتواء تدعيم سياسات النفوذ الايرانية بقدر ما هي سوف توسع رقعة الفوضى والعنف العدمي في منطقة فقدت نقاط ارتكازها المعنوية والجيوبوليتكية، فلا “الإسلام هو الحل”، ولا الصيغ الجيوبوليتيكية التي اعتمدت خلال المئوية المنصرمة اثبتت قدرتها على الحياة، والأيديولوجيات القومية والاشتراكية لا تعدو كونها لغوا وتوريات كلامية لا طائل تحتها وديكتاتوريات عنيفة وبذيئة، واما “العياذ بالله من الشيطان الرجيم” فليس له من معنى بعد اليوم بعد ان افرغ العنف السياسي في الإسلام المعاصر كل بعد روحي وتسام وحوله الى اداة تتوسلها العدميات على تنوع مصادرها، فلم يعد في هذه المنطقة من اله سوى الموت.