شارل الياس شرتوني: حزب الله، حكومة اللون الواحد والسيناريو الڤنزويلي

154

حزب الله، حكومة اللون الواحد والسيناريو الڤنزويلي
شارل الياس شرتوني/18 كانون الثاني/2020

ينطلق حسان دياب في عمله الحكومي من اثقال لعبة سياسية اكبر منه ولا علاقة له بها، تحمل في طياتها ابعادا واشكاليات ونزاعات لا قدرة له على احتمالها أو التعاطي معها، بحكم المعادلات الآسرة والشروط المقيدة التي أتى بها.

ان مجرد استعراض اشكاليات التأليف الوزاري كفيل بانبائنا عن الإملاءات والمحددات المفروضة على عملية التشكيل التي تنأى عن المد الاصلاحي الذي دفعت به الحراكات المدنية، والتي تنعقد حول أولويات حزب الله السياسية والاستراتيجية.

ضف الى ذلك ان الوزراء-الخبراء المقترحين هم إما تحت وصاية سياسات النفوذ المتعاقدة (غازي وزني، ريمون غجر، رمزي مشرفية)، ولا يمتلكون الحد المطلوب من الاستقلالية المعنوية التي تمكنهم من الحركة ضمن حيز حيوي، ومواجهة إملاءات مراكز القوى الناظمة للعبة السياسية.

العائق الأساسي هو وضع يد حزب الله على القرار السياسي في البلاد وإدخالنا في نفق الخيارات الاحادية والآسرة لجهة التموضع الجيو-بوليتيكي (الخط الإيراني ودوائره)، وانتظام السياسات العامة على وقع أولويات سياسة نفوذه، وحماية اداءاته الاقتصادية غير السوية داخليا ودوليا، والمصادر الريعية للتحالف الذي اقامه، وما سوف يستتبع ذلك من ممانعات دولية وعزل وعقوبات، معطوفة على ادارته للسياسة الانقلابية الايرانية اقليميا بعد مقتل قاسم سليماني، واللعب بالنار لجهة تهديد الأمن الوطني الاسرائيلي واستدراج البلاد الى نزاعات تدميرية تنعقد على خط تقاطع الشرق الأوسط والشرق الأدنى.

هذا يعني بكلام آخر عودة مقولة اليسار التوتاليتاري التي دمرت لبنان تدريجا منذ أواسط الستينات وحتى يومنا هذا، لبنان ليس الا بموقع بديل لتصريف النزاعات الاقليمية (بيروت هانوي العرب) على وقع القرقعة الايديولوجية الفارغة والمضللة.

ان أسوأ ما في الديناميكية السياسية الحاضرة هو ظلالاتها، إبقاؤنا مسرح ظلال لصراعات مفتوحة ومتحولة على نحو مستمر، وتبا لحق اللبنانيين بالسلام والسيادة والأولويات الإصلاحية والحياتية (مبدأ تناسل الأزمات كما وصفه وضاح شرارة).

أما الأخطر فهو ادغام هذه الأثقال السياسية بواقع مالي واقتصادي ادى الى افلاس البلاد بعد انقضاء ثلاثين سنة من سياسات النهب المبرحة لأموال اعادة الإعمار، وآليات المديونية المشبوهة، وسياسات الهندسة المالية غير المرتبطة بخطة النهوض الاقتصادي والإنمائي المتداخل، وأيديولوجيات البلف الاقتصادي التي اعتمدها رفيق الحريري والنهج الذي استخلفه، وأخيرًا لا آخرا تنازل حكومة تصريف الأعمال، عملًا بمبدأ استمرارية السلطات، عن حقها (لصالح جمعية المصارف) في إقرار سياسة رشيدة لإدارة الودائع المصرفية، والحؤول دون هروب الرساميل الكبيرة بالمليارات، وتحميل المودعين الصغار اعباء ضبط المداولات والتحويلات والسيولة والملاءة المالية، وإدارة مسألة الدين العام، وضرب العمل الاقتصادي من خلال القيود المصرفية، وتفعيل انهيارات المؤسسات الاستشفائية والتربوية، وإعدام الثقة بالنظام المصرفي وتردداته الداخلية، وعلى مستوى تحويلات الاغتراب اللبناني والمستثمرين الدوليين، والإستنكاف الإرادي عن التواصل مع المؤسسات الدولية (صندوق النقد الدولي، البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، وآليات باريس المتعاقبة)، الأمر الذي حدا المؤسسات الدولية التساؤل عن هذا الاداء غير المسؤول ومدلولاته وتداعياته الكارثية على بلاد تنهار على عدد الساعات والأيام.

ان تقاطع المصالح بين سياسة نفوذ حزب الله ومصالح الاوليغارشيات على اختلافاتها قائم على إضعاف الكيان الدستوري للدولة وإبقائها متغيرا تابعًا لسياسات النفوذ.

ان الاعطاب التكوينية لهذه الحكومة ليست بخافية على أي تبصر نقدي ولن تذهب بعيدا في حال تشكيلها، فهي لن تكون الا شكلا من أشكال التمدد النزاعي القاتل.