فارس خشّان/حزب الله ورئيس الحكومة المكلّف

321

حزب الله ورئيس الحكومة المكلّف
فارس خشّان/الحرة/20 كانون الأول/2019

قبل اندلاع ثورة 17 أكتوبر وفي خضمها، دأب الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله على شنّ هجومات على من ينسبون الحكومة اللبنانية إلى حزبه، معتبرا أن من يفعلون ذلك إنما يهدفون إلى الإضرار بمصلحة لبنان من خلال تحفيز مقاطعته ومحاصرته والتحريض لشنّ عدوان عليه، وتاليا على القضاء التحرك ضد هؤلاء. ومنذ استقالة الحكومة، على وقع التظاهرات المناهضة للطبقة السياسية، حرص نصرالله، وتجنّبا أيضا لنسب أي حكومة جديدة إلى حزبه، على تقديم اقتراح يقوم على مخرجين: حكومة تضم سياسيين واختصاصيين جامعة تكون إمّا برئاسة سعد الحريري وإمّا برئاسة شخصية يسمّيها الحريري.

وتحت هذا السقف “ناور” الرئيس سعد الحريري، محاولا التوفيق بين حاجة “حزب الله” إلى بقائه على رأس الحكومة اللبنانية، من جهة وبين متطلبات المرحلة المعقدة ماليا واقتصاديا واجتماعيا وإقليميا ودوليا التي تقتضي إخراج اللاعبين السياسيين من الحكومة حتى “تولّد الثقة الداخلية وتجذب المساعدات الخارجية”، من جهة أخرى. أحبط “حزب الله” خطة الحريري هذه ولكنه لم يُطح به، فقرر إبقاء باب المفاوضات مفتوحا معه، لمرحلة ما بعد التكليف، حيث سيكون الحريري ضعيفا، بسبب عدد الأصوات المتوقع أن يحصل عليها، وبسبب انهيار التسوية التي كانت قد جمعته قبل سنوات مع “التيار الوطني الحر” لإيصال العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية.

ولكن الحريري لم يتمكّن من الاستمرار عندما اتخذ حزب “القوات اللبنانية” قرارا بعدم تسميته في الاستشارات النيابية الملزمة ليشكل الحكومة العتيدة، لأنه بسحب هذا الغطاء، سيجد نفسه، أضعف مما يجب، في مفاوضات تشكيل الحكومة، فاعتذر عن عدم خوضه “سباق” التكليف فاسحا في المجال أمام عبور حسّان دياب، الاسم الذي اصطفاه “حزب الله” وحليفه “التيار الوطني الحر”، ليدخل إلى نادي رؤساء الحكومة في لبنان. عبور دياب هذا كان سهلا، فـ”حزب الله” يسيطر على الفريق السياسي المتحالف معه، وهو يتمتع بغالبية برلمانية واضحة، بفعل نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، في حين أن الفريق الذي يزعم مواجهة الحزب هو فريق مهشّم ومقسّم ومتنازع. “القوات اللبنانية” في مكان و”تيار المستقبل” في مكان ثان و”الحزب التقدمي الاشتراكي” في مكان ثالث و”حزب الكتائب اللبنانية” في مكان رابع والمستقلون في…”خبر كان”. وهكذا أصبح حسّان دياب، الرجل الذي ستدمغ على صورته راية “حزب الله”، مهما حاول أن ينفي هو و”حزب الله” هذه الصلة الوجودية، رئيسا مكلّفا تشكيل الحكومة المفترض أن تخلف حكومة سعد الحريري المكلّفة تصريف الأعمال.

ولكن هل يشكّل ذلك فتحا عظيما لـ”حزب الله”؟
لنعد بالزمن قليلا إلى الوراء.

قبل اندلاع ثورة 17 أكتوبر، كان كثيرون، في الداخل والخارج، يأخذون على سعد الحريري وسمير جعجع ووليد جنبلاط أنهم يوفرون، بوجودهم في الحكومة، غطاء لسيطرة “حزب الله” على البلاد. وكان جعجع وجنبلاط يعتبران أن خروجهما من الحكومة في ظل استمرار الحريري على رأسها، لا معنى له، لأنهما سيعجزان عن تشكيل معارضة فاعلة في ظل انعدام شريك سنّي قوي. وسمحت هذه “الشراكة” لوزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، بعدما استمع إلى مبرراتها في خلوات عقدها مع الحريري ومسؤولين لبنانيين آخرين، إلى القول في نيويورك، في مؤتمر على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة، إن “لبنان دولة عميلة لإيران”. ولم تبتعد المملكة العربية السعودية، وهي أهم مساعد مالي ـ اقتصادي للبنان، كثيرا عن التوصيف الأميركي، بل كانت قد سبقتها إليه، وتعاطت مع “بلاد الأرز” على هذه القاعدة، وكان غيابها عن الاجتماع الذي عقدته “المجموعة الدولية لدعم لبنان” في باريس مدوّيا، على الرغم من أن بيانه كان في شقه السياسي موجّها ضد توريط “حزب الله” للبنان في الأزمات الإقليمية.

وحاولت الرياض إسقاط هذه الشراكة في وقت سابق، عندما أجبرت الحريري على تقديم استقالته من رئاسة الحكومة، ولكنها عادت ففشلت بذلك، بسبب الأسلوب الفظ الذي اتبعته وجر عليها غضبا لبنانيا وعربيا ودوليا. المهم، أن ما كان يطمح إليه كثيرون في الداخل والخارج، حصل حاليا فخرج سعد الحريري من “الشراكة” وخرج معه كل من جنبلاط وجعجع. وهذا يعني أن هيمنة “حزب الله”، الذي نال يوم الخميس الأخير “شهادة” جديدة بامتهان الإرهاب من ألمانيا، الركن الأساسي في “الاتحاد الأوروبي”، على لبنان أصبحت مكشوفة كليا، وعليه، والحالة هذه، أن يتدبّر وحلفاؤه والتابعون له، الخروج من الهاوية العميقة.

ولأن أكتاف “حزب الله” ليست عريضة لا خليجيا ولا دوليا، فإنه يستحيل أن ينجح في هذه المهمة، فإيران، راعية الحزب، على الرغم من ثرواتها الطبيعية وإنتاجاتها المحلية، تتخبط في الهاوية المالية ـ الاقتصادية ـ الاجتماعية، مثلها مثل فنزويلا العائمة عل النفط.

وإذا أضفنا أن “حزب الله” يدرك عواقب نسب أي حكومة إليه، فهو سيكون، مع حكومة يترأسها حسّان دياب، في وضع معقّد للغاية. وبناء عليه، ما هي السيناريوهات التي يمكن أن يعتمدها، لاحقا؟

ثمة من يعتقد بأنه سيعيد جذب الرئيس سعد الحريري إلى المعادلة، وبشروط الحزب السياسية المعلنة سابقا، بعد أن يفرض الهدوء على الشارع، من خلال مواصلة مساعيه الناشطة لإنهاء الثورة، بالترهيب والترغيب.

فـ”حزب الله” الذي يدرك كلفة حسان دياب عليه، سواء على مستوى الامتعاض السني أم على مستوى إحياء معارضة كان قد ارتاح من عبئها لسنوات، أم على مستوى التعاون الخليجي ـ الدولي الذي يحتاجه لبنان أكثر من أي وقت مضى، قد يُضحي به، عندما تنضج الظروف، بعد أن يكون قد منحه لقبا لمدى الحياة، مثل اللقب الذي سبق وحمله حتى وفاته الرئيس أمين الحافظ الذي لم يستطع، في العام 1973، الذهاب إلى جلسة الثقة، على وقع رفض طائفته له.

وفي حال، لم ينجح هذا المسار، فإن الحزب، بالتعاون مع رئيس الجمهورية ميشال عون، سوف يلجأ إلى التغطية على الكوارث بدخان ينبعث من حدّة الملاحقات القضائية، ومن التدابير التي ستخضع لها المصارف، ومن المعتقلات التي ستفتح على مصراعيها.

والتدبير الأخير، ليس “آخر دواء” بل “بداية الداء”.