عقل العويط: رسالة صريحة جدًّا إلى دولة رئيس الحكومة المكلّف الدكتور حسّان دياب

155

رسالة صريحة جدًّا إلى دولة رئيس الحكومة المكلّف الدكتور حسّان دياب
عقل العويط/النهار/20 كانون الأول/2019

جانب الدكتور حسّان دياب المحترم،
لقد فوجئتُ بظهور اسمكَ في بورصة المداولات الرسميّة، عشيّة الاستشارات الملزمة التي أجراها رئيس الجمهوريّة، أمس الخميس، 19 كانون الأوّل 2019.
فوجئتُ، ليس لأنّي لا أتابع، وعن كثبٍ، الوقائع والأحداث السياسيّة والوطنيّة، وخلفيّاتها. وليس لأنّكَ شخصٌ “نكرة”. حاشا. أكرّر بالثلاث: حاشا.
ولأنّي فوجئتُ ببروز اسمكَ، وباستدعائكَ بعد المشاورات، ثمّ بتكليفكَ، يجب أنْ تسمح لي، باعتباري مواطنًا، وباعتباري كاتبًا منهمًّا بالشأن الثقافيّ – الفكريّ – الوطنيّ، بالتعبير عن الغرابة المريبة والمشكِّكة، التي تحيط بهذا الشأن.
ذلك أنّ التداول، في المطلق، باسمٍ مرشّحٍ – أيّ مرشّحٍ – لهذا المنصب الخطير، في هذا الظرف الخطير، لا يجوز أنْ يكتنفه أيّ التباسٍ أو غموضٍ أو إسقاطٍ، أو سوى ذلك من الأوصاف التي إنْ دلّت على شيءٍ، فهي تدلّ على الشكّ المشروع أوّلًا، وعلى ركوب مركبٍ قيميٍّ وأخلاقيٍّ غير مقبولٍ البتّة في تعاطي الشأن العامّ.
إنّ قبولكَ بعدم الشفافيّة في هذه الممارسة، وبعدم الوضوح، أو سكوتكَ عليهما، إنْ دلّ على شيْ إضافيٍّ، لكنْ أساسيّ، وجوهريّ، فإنّه ربّما يدلّ على الخشية، على الخوف، وعلى الرغبة في إسقاط الأمر إسقاطًا، لإرباك – لا (فحسب) أطراف هذه الطبقة السياسيّة القائمة على التسويات المهينة، وعلى المحاصصات وتبادل المنافع والخدمات والفساد – بل (خصوصًا) لإرباك الثورة – الانتفاضة، التي تنتمي غالبية الثوّار المنتفضين فيها إلى أهل النبل العلنيّ والصراحة والشفافيّة المطلقة العارية من كلّ التباسٍ أو ريبّةٍ أو شكّ.
عندما استمعتُ إلى تصريحكَ المكتوب، لدى خروجكَ من اجتماع التكليف في القصر الجمهوريّ، استوقفني، أكثر من سواه، مقطعٌ محدّدٌ، ضاعف ريبتي من طريقتكَ “الليليّة” في دخول هذا المعترك، بل ريبتي من الطريقة كلّها – من الأوّل إلى الأخير – التي “أُسقِط” فيها تداولُ اسمكَ في البورصة السياسيّة.
لقد قلتَ بالحرف الواحد ما يأتي:
“أيّها اللبنانيّون، إنّني ومن موقعي كمستقلّ، أتوجه اليكم بصدقٍ وشفافيّة، أنتم الذين عبّرتم عن غضبكم ووجعكم، لأؤكّد أنّ انتفاضتكم أعادت تصويب الحياة السياسيّة في لبنان، وأنّكم تنبضون بالحياة ولا تستسلمون لليأس، وأنّكم أنتم مصدر السلطات فعلًا لا قولًا. على مدى 64 يومًا، استمعتُ إلى أصواتكم التي تعبّر عن وجعٍ مزمن، وغضبٍ من الحال التي وصلنا إليها، وخصوصًا من استفحال الفساد. وكنتُ أشعر أنّ انتفاضتكم تمثّلني كما تمثّل كلّ الذين يرغبون بقيام دولةٍ حقيقيّةٍ في لبنان، دولة العدالة والقانون الذي يُطبَّق على الجميع. هذه الأصوات يجب أن تبقى جرس إنذار بأنّ اللبنانيّين لن يسمحوا بعد اليوم بالعودة إلى ما قبل 17 تشرين الأوّل، وبأنّ الدولة هي ملك الشعب، وبأنّ بناء المستقبل لا يكون إلّا بالتفاعل مع مطالب الشعب”.
سؤالي إليكَ، يا دولة الرئيس المكلّف، أضعه أمامكَ بدون مواربة، وبلا التباس، على الطريقة المنهجيّة الخالية من العواطف الجيّاشة والوجدانيّات، التي ينبغي للدكاترة والأساتذة الجامعيّين وأهل العلم عمومًا أنْ يتّبعوها في ممارستهم لاختصاصاتهم.
وأنا أضع هذا السؤال أمامكَ، على طريقة الصدق الشفّاف غير المسبوق الذي أشرتَ إليه بنفسكَ، والذي يتعامل فيه الثوّار المنتفضون مع أهل الطبقة السياسيّة مطلقًا، ومع أهل الحكم جميعهم، ومع جماعات التسوية الرئاسيّة المتفجّرة على السواء.
هاك سؤالي، وهو سؤال الأسئلة:
أين كنتَ من الثورة ومن الثوّار، طوال أيّام الثورة هذه؟
هل صدر عنكَ، أو لكَ، خلال فترة الـ64 يومًا التي أشرتَ إليها في خطابكَ المكتوب، موقفٌ أو تصريحٌ في هذا الشأن؟
هل شاركتَ في اعتصامٍ، أو في تظاهرةٍ، أو في احتجاجٍ، أو دخلتَ في نقاشٍ مع هؤلاء الثوّار؟
كان ينبغي لكَ، يا دولة الرئيس المكلّف، باعتباركَ رجل علمٍ واختصاصٍ وإدارة، أنْ تخاطب هؤلاء، ونحن اللبنانيين جميعًا، لا بدغدغة المشاعر، ولا بالإعراب عن التعاطف، بل بما يهدّئ – بمقاربات العقل والعلم والاختصاص والإدارة – روع الشارع الثائر.
وأنتَ لم تفعل ذلك البتّة، علنًا جهارًا، على ما أعتقد.
لكنّي أتدارك القول، تاركَا لاحتمال عدم اطّلاعي الشخصيّ، وعدم اطّلاع الثوّار، فسحةً للتراجع عن مثل هذا الاستنتاج في حال عدم دقّته.
بل ربّما تكون فعلتَ شيئًا من ذلك، مع طلّابكَ، في الجامعة، ومع الأساتذة. وفي محيطك.
ليس من شيمي أنْ أرهق ذمّتي باستنتاجٍ غير دقيقٍ محتمل.
ثمّ قلتَ للبنانيّين واللبنانيّات إنّك رجلٌ مستقلّ.
لا يحقّ لي أنْ أشكّك في النيّة. البتّة.
لكنْ يحقّ لي أنْ أسألكَ هذا السؤال المزدوج: لقد “استدعاك” فريقٌ سياسيٌّ ما، في هذه السلطة، وسألكَ أنْ تضطلع بهذه المسؤوليّة. فكيف ستقنع الفريق السياسيّ الذي في الضفّة الثانية، أنّك لن تكون منحازًا إلى “وليّ النعمة السياسيّة” هذه؟ وكيف – على مستوى الثورة والثوّار المنتفضين – ستقنع هؤلاء بأنَكَ مستقلّ، وبأنّك – مثلًا – لن تكون رأس حربة الأداة القمعيّة التي تغتال هذه الحركة التاريخيّة غير المسبوقة في لبنان الاستقلاليّ، وأنّكَ لن تكمّ صرخات الثوّار وأصحاب الأفكار والآراء والمواقف والممارسات والأقلام الحرّة؟
دولة الرئيس المكلّف،
كان ينبغي لي أنْ أعود إلى الأرشيف الإعلاميّ، لأطّلع بدقّةٍ على تجربتكَ في العمل الوزاريّ، خلال اضطلاعكَ بمهمّة وزارة التربية، شؤونها والشجون، في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، من 13 حزيران 2011 إلى 22 آذار 2014.
ثمّ قلتُ في نفسي إنّ ذلك لا يكفي. يجب أنْ أطّلع على المجلّد الذي أصدرتَه، “ملخِّصًا” فيه تجربتكَ الوزاريّة، وإنجازاتكَ التربويّة، بما يربو على ألف صفحة. وقد أمضيتُ ليلَ أمس متبحّرًا في المجلّد المذكور، الذي “استعرتُهُ” من زميلٍ لي في الأكاديميا الجامعيّة، باعتباري أنا أيضًا، شخصًا أكاديميًا، جامعيًّا، واختصاصيًّا، ومستقلًّا – مستقلًّا، صح – لكنْ على طريقة “على عينكَ يا تاجر”، و”على رؤوس الأشهاد”.
في مقدوركَ، يا صاحب الاختصاص، أنْ تستنتج تمامًا رأيي الإداريّ والاختصاصيّ في المجلّد هذا.
كلمة أخيرة:
باحترامٍ عظيم، وبصدقٍ شفّافٍ أعظم، أقول للأستاذ الذي أنتَ: مكانكَ وموقعكَ في الجامعة، أشرف من كلّ الأمكنة والمواقع، يا دولة الرئيس المكلّف. عدْ إليه، إكرامًا للبنان!