شارل الياس شرتوني/البديل عن المراوحة، حكومة مدنية مرادفة

71

البديل عن المراوحة، حكومة مدنية مرادفة
شارل الياس شرتوني/02 كانون الأول/2019

اول سؤال يتبادر إلى مراقب الحدث اللبناني الفارق في تاريخ البلاد الحديث، هو دخول الثورة االمواطنية في مرحلة الركود وفقدان الدفع الذي حملها حتى الساعة، وعودة اللعبة السياسية الاوليغارشية إلى حبكتها المألوفة، التي تقوم على اعادة توزع روافع العمل السياسي بين أركانها وكأن شيئًا لم يكن.ان الخطأ الأساسي الذي ارتكبته الحراكات المدنية المعارضة -التي نسفت شرعية الاداء السياسي القائم في البلاد وظهرته على حقيقته: نهب البلاد من قبل اوليغارشيات سياسية حكمت من خلال وكالات إقليمية متنوعة ( سورية، سعودية ، إيرانية … )-، هو عدم بنائها لروافع سياسية بديلة عملية تمكنها من منازعة الطبقة السياسية بشكل مباشر، والخروج من دائرة إحكاماتها واصول لعبتها. المؤلم في المشهد الحاضر، هو واقع الحراكات المدنية المحبط والمنتظر لنتائج التحكيم القائم بين المصالح الاوليغارشية، وإعادة تركيب المتغيرات السياسية على اساس المعادلات المألوفة في وقت تتخبط فيه البلاد في أزمات مالية وحياتية مميتة. لا بد من تحديد معالم لاستراتيجية خروج على واقع الاقفالات المتجددة تقوم على المحاور التالية:

أ- لا عودة إلى المعادلات السياسية البائدة هذا مع العلم ان الاوليغارشيات السياسية على تناقضاتها الداخلية ملتئمة حول صيانة مصالحها المالية والسياسية وتأمين ديمومتها، وهذا ما يفسر تأقلمها مع سياسة الاستثناء السيادي التي يعتمدها حزب الله. تنطلق التسوية مع حزب الله من مبدأ تآلف المصالح وخارجًا عن أية اعتبارات سيادية أو سياسية تقيم شأنًا للخير العام أو للكيان المعنوي والفعلي للدولة اللبنانية. ان أية تسوية تعيدنا إلى إطار التسويات المصلحية بين أطراف الاوليغارشيات الحاكمة هي متابعة للنهج الذي اوصلنا إلى تفكك أوصال الدولة اللبنانية.علينا ان نعي ان سوء النية الذي يحكم اداء الاوليغارشيات الحاكمة هو إرادي ولا مجال لتعطيله الا من خلال موازين قوى مرادفة. أما مسألة التعاطي مع حزب الله فهي تضع السلم الأهلي على المحك كما اختبرناها في الأسابيع الماضية، ولا سبيل لاحتواء هذا المسار النزاعي الا من خلال استجلاء المصالح الظرفية المشتركة، خاصة لجهة حماية السلم الأهلي، وبعض الإصلاحات الحكومية وانتظار التسويات الإقليمية.

ب- لا بد من فتح ملفات الفساد العميم الذي يحكم الحياة العامة بكل مفاصلها: مفهوم العمل العام ودولة القانون والاداء الإجمالي للمؤسسات العامة. نحن أمام واقع الترادف العملي والذهني بين العمل العام واستباحة الحقوق العامة والخاصة، واستعمال المؤسسات العامة مداخل مشرعة للإثراء غير المشروع، وهنا مكمن الخطورة التي تطبع الانحراف السلوكي وتجعل منه سبيلًا من سبل كسب العيش.لا مستقبل للثورة المواطنية ما لم تفكك المنظومة الذهنية والسلوكية والبنيوية التي أسست للفساد. تفترض مواجهة منظومة الفساد وضع استراتيجية مواجهة تنطلق من الخارج باتجاه الداخل من خلال عمل رصد استثمارات وتوظيفات الاوليغارشيات المستترة والظاهرة دوليًا، وتكوين ملفات المقاضاة، والاعتماد على المحاكم الأوروبية والاميركية من اجل ربط النزاعات وتحديد الآليات القانونية على المستوى الإجرائي. هذا يتطلب تشكيل لجنة دولية تبني مداخلاتها على خطوط تقاطع المنظمات الدولية غير الحكومية، والأمم المتحدة والمحاكم المحلية، أما القضاء اللبناني فيأتي من ضمن السياقات الإجرائية المعتمدة نظرًا لفقدان استقلاليته وتبعيته للطبقة السياسية والفساد المعمم في أوساطه.

ج- لا بد من حماية السلم الأهلي من قبل فاعلي المجتمع الأهلي كما تظهر من خلال حركات الأمهات، وحماية استقلالية الجيش المعنوية والعملانية، وألتظلل بالفصل السابع من قانون الأمم المتحدة لتحصين البلاد تجاه واقع الفراغات المديدة وحالة انعدام الوزن التي تعيشها. لا مجال لبناء أي سياق سلمي في ظل فراغات أمنية مطبعة والتعايش مع ما تنتجه من انحراف سلوكي وهمجية ظهرتها اداءات ارهاب الرعاع والفاشيات المتأهبة ( زعران حركة أمل والحزب القومي السوري، وسياسة القمع الاستنسابية لحزب الله).

د- لا إمكانية للتعايش بين واقع عدم الاستقرار البنيوي الذي تحيلنا اليه سياسة حزب الله على تنوع محاورها الإقليمية والداخلية والدولية، وإعادة بناء حياة اقتصادية متماسكة، تحمي قدرة البلاد على استعادة مبادرتها، وتحفز حركة الاستثمارات، وإيجاد فرص العمل، والقدرة على صياغة سياسات اجتماعية وتربوية وصحية وبيئية فاعلة. ان التلازم بين الاستقرار الأمني والإصلاح السياسي والنهوض الاقتصادي والاجتماعي هو من المسلمات البدهية إذا ما اردنا نهوضا فعليا ومساعدة عملية من المؤسسات الدولية، لن تتحقق بعد اليوم بغياب التزام مبدئي وسياسات اصلاحية متوازية.

ه- ان تشكيل حكومة مدنية مرادفة هو سبيل يجب اعتباره على نحو جدي من اجل بلورة الطروحات البديلة، والتأكيد على عدم إمكانية العودة إلى الوراء، وانخراط الهيئات المدنية في التحضير لعمل حكومي ينعقد حول محاور ثلاث:

ا- استرداد الأموال العامة وعمل المقاضاة؛

٢- برنامج النهوض المالي والاقتصادي والاجتماعي؛

٣-التحضير لانتخابات نيابية مبكرة.

ان حال المراوحة قد طال أمده وادخل الحراكات المدنية في حالة تاكلية تلعب لصالح سياسة المراهنة على استنزاف الديناميكية المدنية وإعادة اللعبة القائمة برموزها وحركتها المعهودة.