أحمد عبد العزيز الجارالله/الأردوغانية بين أضغاث أحلام عبدالحميد وواقعية أتاتورك

55

الأردوغانية بين أضغاث أحلام عبدالحميد وواقعية أتاتورك

أحمد عبد العزيز الجارالله/السياسة/السبت 12 تشرين الأول 2019

المُراقب للسِّياسة التركية طوال السنوات الثماني الماضية يرى تغييراً شاملاً فيها إلى حد الانغماس في قضايا المنطقة، بعدما أيقنت السلطة الحاكمة أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي مجرد سراب لا أكثر، وبالتالي فإن العودة إلى الحلم الإمبراطوري هو الخيار الوحيد لحزب العدالة والتنمية الذي يستند إلى خلفية إيديولوجية إسلامية من صناعة جماعة «الإخوان».

على هذا الأساس يُنظر إلى مجمل التطورات التي شهدتها كل من سورية والعراق بفعل التدخل التركي، المباشر تارة، وغير المباشر مرات عدة، إلى أن وضعت الحقيقة أمام أنقرة أن مشروع الهيمنة الجديد لا يمكن تحققه من خلال جماعة «الإخوان» عربياً، بعد الانتكاسات التي منيت بها في عدد من الدول، وإن سورية التي حولتها تركيا ساحة خلفية لها بدعم الجماعات المتطرفة وتسهيل دخول المقاتلين الأجانب إليها، لم تعد هي تلك التي أخذت الحماسة شرائح من شعبها تحت شعار الثورة، والتي يمكن أن تحقق هدفها في الإفساح بالمجال للاتراك بالتوغل إلى عمق العالم العربي.

اليوم تبرز حقيقة على صانع القرار التركي التنبه لها، وهي أن غزو دولة عربية، حتى لو كانت هناك خلافات سياسية معها، ليس مقبولاً عربياً، ولا حتى إسلامياً، وأممياً أيضاً، لأن موازين القوى تتغير بفعل التبدلات الحاصلة عالمياً، والاستناد إلى جماعات سياسية محلية لا يمنح الغازي مشروعية التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

في هذا الشأن على أنقرة النظر إلى التجربة الإيرانية المستمرة منذ 40 عاماً، والفشل الذي منيت به طوال العقود الأربعة، وعدم القدرة على التوسع، حتى باستخدام الأوراق والعصي الطائفية في عدد من الدول العربية، لأن مشروعها في أساسه قام على سلسلة من العيوب القاتلة، فإذا كانت إيران استفادت من هشاشة الوضع اللبناني، واستطاعت عبر «حزب الله» الإمساك بقرار ذلك البلد، إلا أنها فشلت في تحقيق أهدافها، بل عملت على وضع لبنان في محجر الرقابة الدولية، بعدما دمرت اقتصاده ودفعته إلى الانهيار، بدليل سلسلة الأزمات التي تتوالد كالفطر حالياً.

وفي العراق لم يكن المشروع الإيراني أفضل حالاً، بل على العكس أثبتت الانتفاضة الشعبية الأخيرة أن النقمة ليست على الطبقة السياسية الحاكمة فقط، بل على إيران أيضاً، وتغلغلها في مفاصل الدولة، أما في اليمن فتلك قصة يجب على كل عاقل النظر إليها بروية، كي يعرف إلى أين أوصل التدخل الإيراني الشعب اليمني، إذ رغم المليارات التي أنفقتها طهران على تعزيز نفوذها فيه، وجعله ممراً إلى المملكة العربية السعودية بهدف السيطرة على الأماكن الإسلامية المقدسة، لإكساب ذلك التوسع الشرعية الدينية، منيت بالفشل.

إيران طوال أربعين عاماً، حاولت تحقيق شعارها المثبت في دستورها الجديد، أي تصدير الثورة، غير أنها فشلت في البحرين التي تعتبر من الدول الصغيرة بعدد السكان، ولم تستطع عصاباتها العميلة تغيير المزاج الشعبي المؤيد لآل خليفة، وكذلك فشلت في السعودية والإمارات والكويت، ولا تزال العائلات الحاكمة تتمتع بتأييد شعبي كبير، والتفاف وطني حولها.

استنادا إلى هذه الحقائق، هل يتصور صانع القرار التركي قدرته على نجاح مشروعه التوسعي، فإذا كانت إيران فشلت طوال أربعين عاماً، وتحولت جراء ذلك دولة معزولة، منبوذة من كل دول العالم، ولم تفدها المليارات التي أنفقتها على عصاباتها في الإقليم، فهل ستتغير الصورة لأن التركي يستند إلى جماعة سياسية سنية، أقصد «الإخوان» في فرض مشروعه؟

حلم الإمبراطورية الذي يحرك القيادة التركية الحالية، وتدخلها الدموي في سورية، والمجازر التي ترتكبها فيها اليوم، لن تلغي، أيضاً، الحقوق الكردية المعترف بها من غالبية دول العالم، لذا نسأل: لماذا هذا التحرك العسكري ضد الاكراد في سورية، وعددهم لا يتجاوز ثلاثة ملايين نسمة، بينما هم في تركيا 17 مليونا، وإذا تحرك هؤلاء فمن الممكن أن يفرضوا استقلالهم على الدولة، فهل يعتقد قادة أنقرة أن قمع الأكراد السوريين سيفشل المطالبات الكردية بوطن قومي لهم؟

هذا الانفصام في الشخصية السياسية التركية لا يختلف عما هو قائم إيرانيا، غير أن الاثنين يشبهان في المآلات نهاية السلطنة العثمانية التي وصفت آخر أيامها بالرجل المريض، رغم أنها كانت إمبراطورية تسيطر على أجزاء كبيرة من العالمين، العربي والإسلامي، إلا أنها انتهت إلى التفكك، ويبدو حالياً أن حزب العدالة والتنمية يقود تركيا إلى ان تصبح الرجل المريض، لأن قادته لم يقرأوا تاريخهم جيدا، كي يعرفوا كيف تبخرت أحلام السلطان عبدالحميد لأنه لم يأخذ بالوقائع التي كانت موجودة في ذلك الحين.

يبقى السُّؤال: هل سيُكرر رجب طيب أردوغان خطأ عبدالحميد، أم أنه سيستفيق في اللحظة الاخيرة ويعود إلى استكمال مسيرة مصطفى كمال أتاتورك؟