محمد أبي سمرا/المدن: نصرالله في خطبة النّشوة والإشراق المهدوي

88

نصرالله في خطبة النّشوة والإشراق المهدوي
محمد أبي سمرا /المدن/17 آب/2019

“موسم وداع الدنيا والخوف” (عن الذكرى 13 للنصر الإلهي)، “رحلة عينيك من الجنوب إلى القدس” (في مواكبة بثّ كليب تلفزيوني يظهر فيه السيد حسن نصرالله)، “عربة الرب” (عنوان عمل مسرحي في وادي الحجير)، “أنت في كل زمان، وأنت الزمان والمكان” (في مواكبة كليب تلفزيوني آخر، يظهر فيه عماد مغنية)، “رجال الله” (أي مقاتلو “حزب الله” في شريط تلفزيوني ثالث عنوانه “مربع الصمود”، ويروي بعضاً من “وقائع” حرب تموز 2006، حسب رؤيا “حزب الله”)، و”هو هنا كالعباس/حليفُ الفتح/حليفُ النصر/إذا ظهر هلّلت قلوبٌ وهلكت قلوب/خمينيون ولن نخضع/لبيك يا ابن فاطمة/لبيك نصرالله)…

وظهر السيد حسن نصرالله على صفحة الشاشة العملاقة المنصوبة عالياً في صدر “مربع المواجهة والصمود” بين بنت جبيل وعيترون ومارون الراس وعيناتا، ليروي من مخبئه السري في مربّعه الأمني بضاحية بيروت الجنوبية، على الأرجح، قصة حرب تموز/آب 2006، رواية مهدوية متجددة. وهو رواها على مقام جديد لمريديه وأتباعه الذين انتظروا ظهوره على الشاشة في ذاك المربع الجنوبي الحدودي إياه: حشدٌ من جمهوره، يتقدمه أركان حزبه ونوابه، وسواهم من مقدمي وممثلي “حلف الممانعة” اللبنانيين والإقليميين، إلى ممثلين لقيادة الجيش اللبناني… فبلّغهم رؤياه المتجددة لتلك الحرب، ولنصره فيها، ليس على إسرائيل التي “لم تكن سوى أداة تنفيذية”، بل “لا تريد الحرب”، وخاضتها “بقرار أميركي، وهدف ومشروع” أميركيين، لإقامة “شرق أوسط كبير وجديد”، فانجلت الحرب عن “نصر إلهي” لـ “محور المقاومة” الذي تمدد من لبنان إلى فلسطين، فسوريا والعراق واليمن، وصولاً إلى إيران.

لا منّة لأحد علينا
وعدّد السيد نصرالله في خطبته الدواعي والأهداف الأميركية لتلك الحرب، على النحو التالي: سحق المقاومة في لبنان، إسقاط نظام بشار الأسد المقاوم في سوريا، تثبيت الاحتلال الأميركي في العراق، عزل إيران تمهيداً لإسقاط نظامها، وصولاً إلى هيمنة أميركية على منطقتنا.

أما سبب توقف الحرب الوحيد، بحسبه، فليس الضغوط الدولية ولا العربية والإقليمية على إسرائيل، بل إدراك قيادة الحرب الأميركية والإسرائيلية أن حربها على المقاومة لنزع سلاحها واجتثاثها، قد فشلت في تحقيق هدفها، وستؤدي الى “كارثة عظيمة في إسرائيل” في حال استمرارها. وما دفع المقاومة إلى الاستجابة لإيقاف الحرب، فدواعٍ “سياسية وأخلاقية”، ومداراةٍ لإرادة الناس في لبنان.

وبيت قصيد السيد نصرالله في هذه الرواية، هو: “لا يمنّنا أحدٌ على أنه أوقف الحرب علينا”، و”ما كنا نملكه آنذاك من (مقدرات وسلاح) لا يقاس بما نملكه الآن”، و”النصر صنعه إيمانكم وعملكم وصبركم”، وصنعه “حزب الله وحركة أمل، وكل الأحزاب الداعمة للمقاومة”. ثم ابتسم السيد نصرالله قائلاً: “لم تكن هناك وحدة وطنية في لبنان في حرب تموز 2006”. بل كان هنالك “موقف سياسي متقدم مثّله رئيس الجمهورية اللبنانية إميل لحود، ورئيس مجلس النواب نبيه بري”. وعابراً انتبه في هذا السياق إلى موقف العماد ميشال عون أثناء الحرب، فأشار إلى ما قاله عون في ذكراها الـ 13: “إذا حصلت حرب تموز جديدة، سننتصر من جديد”.

تدمير الألوية تلفزيونياً
وهنا روى السيد نصرالله أن القادة العسكريين الإسرائيليين استماتوا لتحقيق ولو نصر رمزي: الوصول في حملتهم العسكرية البرية الفاشلة إلى بنت جبيل، أي إلى المكان الذي ألقى فيه خطبة “التحرير” في العام 2000. وذلك ليقف قائد عسكري إسرائيلي ويلقي على طريقة نصرالله خطبة في ذلك المكان، ليكذّب العقيدة العسكرية الاستراتيجية التي أطلقها السيد نصرالله: “إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت”. وفات خطيب المقاومة التلفزيوني أن شعاره هذا الذي سمّاه عقيدة عسكرية استراتيجية أرعبت إسرائيل، إنما أطلقه في واحدة من خطبه التي تلت “تحرير” العام 2000.

وبادر نصرالله إلى مخاطبة الإسرائيليين قائلاً: “إذا حاولتم اليوم الدخول إلى لبنان، ستحضرون بثاً (تلفزيونياً) مباشراً لتدمير ألويتكم. وحزب الله الذي حاولتم سحقه في 2006، تحول قوة إقليمية، ووضعنا نظاماً مبدعاً للدفاع عن أرضنا”. ومحور المقاومة وجبهتها ممتدان اليوم من لبنان إلى فلسطين والعراق واليمن وسوريا التي “صمدت في الحرب الكونية عليها”. والمحور إياه هو الذي يمنع، بقوته وانتصاراته، الحروب التي تريدها أميركا وحلفاؤها: السعودية وسواها من دول الخليج وإسرائيل، لأنهم خسروا حروبهم في المنطقة. وتوازن الرعب الذي صنعه “حزب الله” مع إسرائيل، هو الذي يجنب لبنان والمنطقة الحروب اليوم.

خطبة النشوة
تبدو رواية السيد حسن نصرالله عن حرب تموز، في خطبة زهوه ونشوته وإشراقته التلفزيونية، روايةً مهدوية، تُكمل ما بثّه تلفزيونه، “المنار”، من أشرطة وكليبات وعبارات، تمهيداً لخطبته. والمقصود بالمهدوية هنا هو الاختلاط الرؤيوي بين العالم الدنيوي بوعد ظهور المهدي الذي “يملأ الأرض عدلاً، بعدما ملئت جوراً”. ويبدو أن “الوعد الصادق” تحقق في حرب تموز 2006 وما بعدها: العراق استكمل خرابه وحروبه الأهلية، وهو مهدد في كل لحظة بالوقوف مجدداً على شفيرها. وها هو لبنان يسير وئيداً نحو دولته الممزقة الفاشلة. وحروب بشار الأسد “المقاوِمة” على الشعب السوري دمرت سوريا تدميراً منهجياً لا قيامة لها منه في عقود مقبلة. وفلسطين في الضفة وغزة في حال موت سريري. واليمن غارق في حروب أهلية – قبلية متناسلة. وإيران، بيضة القبان التي تقود محور المقاومة وتموله، غارقة في عقوبات اقتصادية دولية وحصار دولي، وتتخبط عبثاً للخروج منهما.

لكن هذا كله لا حساب له في الرؤيا المهدوية، لا، لا بل إنه في قلب هذه الرؤيا التي ينظر أهلها إلى العالم الدنيوي من العالم الأخروي، ويعيشون في انتظار تحقق الرؤيا القيامية: العالم الدنيوي في حال انبعاث أبدي من الدمار و”الخراب الجميل”، كما في الرؤيا الأدونيسية التي لا تكتمل إلا بالدم: “ماحياً كل حكمةٍ/هذي ناريَ/لم يبقَ آيةٌ/دمي الآية”، أو بتوازن الرعب الحربي الموهوم سبيلاً إلى العيش بسلام وطمأنينة، بلغة السيد نصرالله في إشراقته المنتشية الأخيرة.

رحم الله مؤسس الديكتاتوريات العربية العسكرية، جمال عبد الناصر، الذي تساءل متعجِّباً بعد حرب السويس عام 1956: كيف ننتصر في حرب دولية شُنّت علينا، ولا نقوى على إدارة مستشفى قصر العيني في القاهرة؟!