المحامي عبد الحميد الاحدب/الرئيس شفيـق الوزان … تبقى في الذاكرة وتبقى مسيرتك مثالاً

250

شفيــق … تبقى في الذاكرة وتبقى مسيرتك مثالاً
المحامي عبد الحميد الاحدب/تموز/23 /2019

مرّت منذ أيام الذكرى العشرين على وفاة الرئيس شفيق الوزان فكانت هذه الكلمات:

ليت الله أَمَدّ بعمر شفيق الوزان، لكان شاهد بأم عينه بيروت التي أحبها واحبته وخدمها وخدمته وحملها في قلبه ثم حملته الى الرئاسة الثالثة… بيروت التي عادت فظلمته واوجعته واقعدته بل حتى قتلته، حين سقطت في قبضة الريف البعثي فلا عادت المدينة حلوة، ولا بقي من الريف اي رونق للبراءة. لو عاش شفيق لكان شاهد بأم عينه بيروت في 14 آذار تفرغ كل المنازل فيها لتنزل الى ساحة الحرية، ولكان سمعها تقول: حرية، سيادة، استقلال… وكان سيغضب من رؤية حزب الله يحلّ محل الريف البعثي.

فضّل شفيق الوزان ان يترك بيروت حين لم تعد بيروته، قرر ان يستقيل منها ويرحل عنها، فالرواية البربرية التي لبستها بيروت لا تناسبه، واثوابها مرقعة ودوره المتسامح المتواضع صار مستحيلاً في هذه البرية، ولكنه كان سيزعل لرؤية بيروت تعود الى حيث كانت!

قرر شفيق الوزان ان يرحل باكراً وقال عند رحيله: سامحوني إذا ضيعت الخطابة، وفضلت ان أنسى اسماء الشوارع التي نستني، وان أنسى كل شيء! شفيق الوزان استقال من هذه الدنيا، لأن دور مهرج السلطان البعثي الريفي الذي نزل الى المدينة، دور المهرج هو دور مستحيل عليه!! وترك الدور لغيره وانصرف!

شفيق الوزان الذي كان يفخر حين أصبح رئيساً للوزراء انه كان ابن فرّان، طلع درجات السلم خطوة خطوة بالجهد والعرق والتعب والصبر والتسامح والتواضع!

إذا كان النجاح هو ثمرة العمل والحظ والموهبة، يلعب فيها أحد هذه العوامل الثلاثة دوراً كبيراً، فان العمل الدؤوب والصبر هو العامل الذي اوصل شفيق الوزان الى حيث وصل، والحظ هو الذي تخلى عنه حين زحف الريف البعثي المحتل على مدننا، وعزة النفس هي التي قضت عليه حين فرضت الوصاية عزلة سياسية عليه وخونته! وهو ابن بيروت الذي طالما اعتز بعروبته.

تعلم شفيق الوزان في المقاصد ثم دخل لدراسة الحقوق في الياسوعية، وكانت اللغة الفرنسية هي الباب الى دراسة الحقوق وقتها، ونجح وتغلب على اللغة الفرنسية التي لا يتحدثها في بيته، وانكبّ على الدراسة، ونجح وصار من أبرز المحامين، ثم دخل الحياة العامة في الهيئة الوطنية مع الدكتور محمد خالد وامين العريسي، وكثير من الذين صنعوا أنفسهم بجهدهم وعرقهم وليس من حسبهم ونسبهم، وكان عبدالله المشنوق ومحيي الدين النصولي يحملان شعلة الاعلام العروبي الاسلامي وقتها!!!

ونجح شفيق الوزان في الهيئة الوطنية ونجحت الهيئة الوطنية به! دخلت الهيئة الوطنية في معركة تخفيض سعر الكهرباء، ونجحت، وكانت معارك بيروت على قدها في ذلك الوقت. وبرز شفيق الوزان والتفت اليه رياض الصلح وصائب سلام الى ان اختار الشاب الطالع السموح المتواضع الانتخابات.

وفي الانتخابات لعب الحظ دوره لاول مرة في نجاحه، الى جانب عمله وكفاءته، فبعد هزيمة 1967 اختار الرئيس شارل حلو ان يضغط للوائح ائتلافية في الانتخابات النيابية، وتجمع اقطاب بيروت المتنافسين عادة في لائحة واحدة وبقي الوزان خارج لائحة الجبابرة، ولكن الناخب في الديمقراطية لا يحب ان يقرر المرشحون شيئاً عنه ومكانه، فمارس الناخب البيروتي حق الاعتراض، وإذا بالمرشح المنفرد شفيق الوزان يخرق لائحة الجبابرة ويفوز من خارج اللائحة…

ومن النيابة الى وزارة العدل الى استقالة حكومة رشيد كرامي، الى المقاومة الفلسطينية، الى اتفاق القاهرة.. كانت شخصية شفيق الوزان تتميز عن كل ما عداها في السياسة الاسلامية اللبنانية بالتسامح الفاقع والتواضع الملفت وطول البال! وكان ذلك هو مصدر قوة له ولم يكن يوماً سبباً لضعفه.

فلم يكره ولا حسد الوزان احداً في حياته ولا كرهه أحد ولكن الحساد كانوا كثيرين. كان قريباً من المسيحيين دون ان يفقد مكانه في المجتمع السياسي الاسلامي، وبعيداً عن الزعران الذين ترعرعوا في ذلك الزمن السيء عندما كان يجري تحرير فلسطين من جونيه وعيون السيمان، كان بعيداً عن زعران ذلك الزمان دون ان يناصبهم العداء! عرف كيف يتقي شرهم!

ووجد فيه الياس سركيس رفيقاً، وفهم كل واحد منهما دقة وضع الآخر، في زمن كانت فيه الدولة اشاعة اكثر منها حقيقة، ولكنها بقيت الامل والجسر لعودة لبنان الى وحدته، ولم يحاول ان يحقق بطولات على ظهر الياس سركيس ولا حاول الياس سركيس ان يحقق بطولات على ظهره.

وكان الاجتياح الاسرائيلي وكان بشير الجميل، ثم امين الجميل، ولعل تسامحه مع امين الجميل وصل حداً لم يقبل له به حتى أحب اصدقائه، ومع ذلك بقي شفيق الوزان هو المتسامح المتواضع وقوته في تسامحه مع الجميع، في وقت كانت حرب الجميع على الجميع. كان رفيقاً للجميع ورفيقاً بهم! كان يتأمل اكياس الرمل ودمعة في عينه تحترق، وامامه اللافتات التي تتحدث عن “الوطن الواحد” و “الشعب الواحد”!!!

كانت الشعارات كلها من طبشور، وبقي قوياً بتسامحه وتواضعه ومحبة الناس له ومحبته الصادقة للناس وتواضعه مع الناس، فلما جاء امين الجميل الى الرئاسة في لحظة تخلٍ، واعترض صائب سلام على عودة العسكر الشهابيين، لم يكن هناك بديل عن العودة الى السموح المتواضع الرفيق المحب: شفيق الوزان!!!

وكانت 17 أيار التي سيصعب كثيراً على سوريا الحصول على مثلها اليوم، 17 نيسان التي صوّت عليها كل النواب ثم رجع من رجع، ولحس توقيعه من لحس، وطلعت الفلة بشفيق الوزان. استطاع امين الجميل ان يخرج كما تخرج الشعرة من العجينة، ولكن البلد ضاع امام العواصف والطمع والاهواء البعثية المرتدية ثوب العروبة والتحرير، وردة الفعل المسيحية التي لم تترك للاعتدال مكاناً، وبقي امين الجميل ربي السترة ومن الباب الى الشباك المهم اللقب! وتخلت الدول الكبرى التي كانت عند انتخاب بشير الجميل غارقة فوق رأسها في المسألة اللبنانية، تخلت عن الهمّ اللبناني وعن لبنان ولم يبق في الميدان سوى “حديدان” والعسكر والمخابرات!

وظل البلد يحترق، الى ان كان الطائف!
وجمع الطائف مما هبّ ودبّ ثم تحوّل وحوّل لبنان الى مستعمرة تديرها “شقيقة” أين منها المستعمرات الافريقية التي حكمها دي دي امين دا دا وبوكاسا! ووقف شفيق الوزان يتأمل المشهد ويرى نفسه مقصياً، وهو الذي كان رمز التسامح والمحبة والوفاء والتواضع، صبّ الريف البعثي عليه اللعنات وأشنع التهم. وإذا دراويشه في لبنان، يتكاثرون كما الذباب على الحلوى، وإذا مدائح دينية بالبعث وحشيش يخدر، كأن بيروت جنّت! ورفض شفيق الثوب الذي لبسه الآخرون، ورفض تعاليمهم: مين ما اخذ امي صار عمي! والايد اللي ما فيك ليها بوسها ودعي عليها بالكسر.

ورأى المرتزقة يتكاثرون وابواب بيت المال تفتح على مصراعيها…
وكان سموحاً متواضعاً طيباً محباً، لم يبصق فوق وجههم، ولا فوق وجه المخابرات، انزوى يعضّ على جرحه، وهو يرى “الحرية” صارت جريمة و”الاستقلال” صار خيانة و”السيادة” اصبحت تعاملاً مع العدو الاسرائيلي! ورأى الجزمة ورأى الكرباح ورأى ذل بيروت، ورأى الناس وقد أصبحوا خيولاً تركبها العقائد والمخابرات “الشقيقة”، لا شمس ولا قمر!

مات شفيق الوزان وهو يحمل في حنجرته المحبة والتواضع والبساطة الذين ضاعوا في بيروت، ورفض ان يتخلى عن نفسه ولم يمكنهم ان يصادروه ولا قَبِل ان يمثل الدور الذي مثله كل المرتزقة الآخرين الذين وقفوا على المسرح السياسي خمسة عشر عاماً!

لم تقوَ المخابرات والعقائد من آكلة لحوم البشر على العصفور الذي كان في قلبه…

شفيق، كنت أشرفهم، كلهم تساقطوا كالدمى بنار الحقد والارتزاق والعمالة، شفيق ذكراك تزهر هذه الأيام في ضمائرنا!

طريق الوطنية الحقة والحرية والسيادة والاستقلال والتسامح والمحبة والتواضع بَدَأْتَها كلها انتَ، وانت قد صَدَقْتَ وجميعهم هزموا، ووحدك انتصرت!

شفيق دخل الغرفة ليرتاح، واليوم يصحو مع طلوع الشمس. ما زال شفيق الوزان هنا، يتمشى في شوارع بيروت ويجلس في ظل قيم الحرية ويزور الطريق الجديدة والبسطة والجميزة والاشرفية، ويسقي ازهار الشرفات، ويصلي الجمعة والعيدين، ويقضي للناس الخدمات، ما زال هنا في فرح الناس وحزنهم، من قال ان شفيق قد مات؟

هو موجود فينا، في ازهار اوانينا، مرسوم فوق نجوم الصيف وفوق رمال شواطئ بيروت، موجود في اوراق المصاحف، في صلواتنا!!
شفيق نام ومع اسراب الطير ذكراه.

*****************
دولة الرئيس شفيق الوزان
25 تشرين الأول 1980
(1925-1999)
رئيسا للوزراء:
1-من 25/10/1980 الى 07/10/1982 في عهد فخامة الرئيس الياس سركيس
2-من 07/10/1982 الى 30/04/1984 في عهد فخامة الرئيس امين الجميل
وزيرا:
1-وزير البريد والبرق والهاتف- وزير العدل: 15/01/1969 – 25/11/1969 في حكومة رشيد كرامي في عهد فخامة الرئيس شارل حلو
2-وزير الداخلية: 25/10/1980 – 07/10/1982 في حكومته في عهد فخامة الرئيس الياس سركيس
3-وزير الداخلية: 07/10/1982 – 30/04/1984 في حكومته في عهد فخامة الرئيس امين الجميل
نائبا عن بيروت:
1- في الدور التشريعي الثاني عشر من 1968 الى 1972