ساطع نور الدين/المدن: العونية السياسية في متاهتها

123

العونية السياسية في متاهتها
ساطع نور الدين/المدن/الأربعاء 03 تموز/2019

هو نقيض تام لما كان مأمولاً من المارونية السياسية عشية المئوية الاولى للبنان، التي كان لها الفضل في تأسيسه. وهو نقيض تام لما كان منشوداً من العونية السياسية التي كان يفترض أنها هجمة على الاقطاع السياسي، وعلى أمراء الحرب الاهلية وورثتها.

وهو نقيض تام لما كان متوقعاً من الخارجية اللبنانية أن لا تكل ولا تمل في هذا الظرف بالذات، فتجوب عواصم العالم من أقصاه الى أقصاه، لكي تفهم على الاقل ما يجري في الجوار، في الاقليم..لتكون فكرة ولو بسيطة ، ومعرفة ولو متواضعة، عما يجب القيام به لحماية لبنان، وخدمة مصالحه الوطنية، ولمساعدة حلفائه وأصدقائه.

كانت المارونية السياسية، ولا تزال مدعوةً الى إعادة إنتاج الجمهورية الثانية، لبنان ما بعد التأسيس الاول، كدولة عصرية، تفتح آفاق الاصلاح والتغيير، بدل أن تسدها، وتعد الاجيال الجديدة بالإستقرار والازدهار، بدل ان تحبطها، وتخطو الخطوات الاولى نحو إنهاء الطائفية السياسية، بدل ان ترسخها وتعمق جذورها، وتعيد البلد كله بطوائفه ومذاهبه الى حقبة المتصرفية..من دون الحماية الاجنبية التي كانت متوافرة يومها للمسيحيين اللبنانيين!

كان الرئيس ميشال عون، وسيظل مطالباً بأن يدفع تلك الحالة العونية، التي كان يفترض أن تنتقل من تعبر التيار الى الحزب الماروني الاقوى، لتقديم نموذج مناقض تماما للطبقة السياسية، بدل أن يصبح نسخة كاريكاتورية من رموزها وأحزابها وحركاتها وتنظيماتها وأفكارها، وبدل أن يصبح مطية لتصفية حسابات صغيرة موروثة من الحرب الاهلية، وتحديداً من حروب الجبل ومحورها الاهم، عاليه – سوق الغرب.

وبدل أن يصبح منصة مفتوحة لمرشح رئاسي مبكر ، حديث الولادة في السياسة وفي التاريخ، يستمد قوته من إسم الأسرة، لا من حكمة القيادة. كان الرئيس عون، وسيظل مدعواً الى توسيع مدى رؤيته السياسية خارج حدود البلد، ويمارس صلاحياته بصفته مسؤولاً مباشراً عن السياسة الخارجية اللبنانية، لا مسؤولاً دائماً عن محور تلة ال888، فيطلب من صهره وزير العلاقات الخارجية مع العالم، لا مع الطوائف الاخرى، ألا يهدأ ويستكين، ويمضي أيامه ولياليه في الطائرة، باحثاً عما يفيد لبنان ويصون أمنه ويضمن مستقبله بعيداً عن الزلازل التي تضرب العالم العربي.

كان مرتقباً من الرئيس عون أن يكلف صهره بأن يجعل زيارة دمشق وظيفته الاسبوعية، وأن يضع على رأس جدول أعماله معالجة ملف النازحين، ومطالبة نظام الرئيس بشار الاسد، كرمى للود المتبادل، أن يقدم أقصى التسهيلات وأن يوجه أعلى النداءات من أجل عودتهم الى ديارهم، وأن يلغي على الاقل فكرة اللوائح  المسبقة التي يطلبها لأسماء الراغبين بالعودة، أو على الاقل أن يستثني النساء والاطفال من تلك اللوائح، وأن يفتح الطرقات الى قراهم وبيوتهم ومزارعهم. الاستمرار في توجيه الاتهام الى الدول الكبرى والمؤسسات الدولية بأنها تمنع عودتهم لتحرم الاسد من أصواتهم الانتخابية في ربيع العام 2021، لا يكسب لبنان سوى المزيد من السخرية.

زيارة دمشق الاسبوعية من قبل باسيل وحده دون سواه، ضرورة ملحة أيضاً، للاطلاع الدوري المباشر والعلني من كبار المسؤولين السوريين على جميع عناصر الازمة السورية، والخطط والافكار الداخلية والخارجية التي تطرح لإدارتها. وهذا ليس شأناً تفصيلياً، يدرج في سياق الصراعات المحلية اللبنانية، او يخضع لها، كما لا يحسب في مسار إعادة تأهيل نظام الاسد ، المشكوك به أصلاً من قبل الروس تحديداً.

أنها مصلحة وطنية لبنانية تسمو على كل ما عداها من مواقف وعواطف. بدلا من زيارة الكحالة وكفرمتى، كان من المنطقي ان يكون باسيل في طهران، في معدل شهري، يسأل عما يجري في مواجهة الحصار الاميركي، عن الخطوات السياسية والعسكرية وحتى الامنية المعتمدة من قبل القيادة الايرانية، وعن مستقبل الصراع مع السعودية والامارات والبحرين، وطبعا عن الرؤية الايرانية الخاصة بلبنان، بإعتباره واحداً من أهم منصاتهم الصاروخية.

ليس المطلوب من وزير الخارجية اللبنانية أن يعود بأسرار الدولة الايرانية، بل على الأقل ان يسمع ما لدى الايرانيين من أفكار وآراء يريدون إيصالها الى اللبنانيين.

بدلا من الاعتكاف في قصر بسترس، كان يفترض بوزير خارجية لبنان، أن تكون لديه مواعيد عمل في أنقره وموسكو وباريس ومسقط وبكين ولندن وحتى بغداد، وربما واشنطن نفسها. تلك هي وظيفة الخارجية اللبنانية في هذه المرحلة، وتلك هي رسالة العونية السياسية التي كانت تعلي من شأن الدولة ومؤسساتها لكنها تفرغها وتحطمها واحدة تلو الاخرى.

هي مسؤولية الرئيس عون الأهم، إذا لم يعد قادراً على ضبط صهره، وتأجيل ترشحه لرئاسة الجمهورية.