أحمد عبد العزيز الجارالله/السياسة: بنادق فصائل الابتزاز أضاعت فلسطين وقضيتها

66

بنادق فصائل الابتزاز أضاعت فلسطين وقضيتها
أحمد عبد العزيز الجارالله/السياسة/02 تموز/2019

لم يعد مستغرباً رفض الفلسطينيين أي مبادرات لحل قضيتهم، فالفصائل التي تمثلهم اعتادت أسلوب الابتزاز السياسي والمتاجرة بالقضية من أجل المال لا أكثر، وهي المسؤولة عن تحويل هذه القضية العربية إلى خلاف فلسطيني – إسرائيلي، لأنها أدخلتها في دهاليز المساومات بطريقة بشعة، وبدلاً من أن تتحمل مسؤوليتها الوطنية في التصدي للاحتلال راحت تؤجر بندقيتها لتصفية حسابات الأنظمة العربية بين بعضها بعضاً.

منذ إعلان المؤتمر اليهودي الأول في “بازل” عام 1897، وبدء ثيودور هرتزل تنفيذ مقررات ذاك المؤتمر، لم يبادر الفلسطينيون، خصوصاً النخبة منهم، إلى تأسيس حالة وطنية للتصدي لذلك المشروع، وبدلاً من أن يأخذ العرب بنصيحة المغفور له الملك عبدالعزيز، رحمه الله، بعدم إرسال الجيوش في عام 1948 إلى فلسطين، ودعم أهلها بالمال والسلاح، واستخدام الأسلوب الصهيوني نفسه في الحرب، سارعت تلك الأنظمة إلى إرسال الجيوش التي تستخدم السلاح البريطاني والفرنسي المحكوم بضوابط استخدام من الدولتين المستعمرتين آنذاك، فكانت فضيحة السلاح والذخيرة الفاسدين التي شكلت الحجة الأساس في انقلاب الضباط الأحرار على الملك فاروق، لتتحول بعدها التجربة المصرية مساراً للانقلابات في العالم العربي، وكلها ثورات اتخذت من فلسطين شعاراً لها لضمان تأييد الشعوب العربية التي كانت تحركها عواطفها.

بنى اليهود نظريتهم على أساس ديني بحت، سواء أكان من خلال القول إنهم يعودون إلى الأرض التي وعدهم الله بها، وبناء هيكل سليمان في القدس، أو حديثهم عن المظلومية التاريخية واستعطاف نسبة لا بأس بها من دول العالم، وهو ما تمثل في الاعترافات المتسارعة بالدولة الوليدة فور طرحها في الامم المتحدة، فيما العرب لم تكن لهم أي ستراتيجية، ولا قدرة للفلسطينيين على تشكيل قوة سياسية وعسكرية، بل للأسف أن بعض المتمولين والإقطاعيين الفلسطينيين، يومذاك، تعاملوا مع القضية على أنها مصدر ربح لهم، فباعوا مساحات كبيرة من الأرض إلى الوكالة اليهودية، لينفقوا أموالهم على اللهو، في ملاهي بيروت أو العواصم الغربية.

الأساس الخطأ الذي بنيت عليه الرؤية الفلسطينية للتعامل مع هذه القضية الوطنية تسبب في توسيع الاحتلال سيطرته على كامل فلسطين، بل إن تلك الفصائل مهدت الطريق لتطبيق نظرية رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ليفي أشكول الذي قال: “نخوض كل عشر سنوات حرباً مع العرب، وبدلا من أن يطالبوا بتحرير فلسطين سيطالبون بالأرض التي احتلت، وهكذا ينسون فلسطين”، فعلت الفصائل ذلك من حيث تدري أو لا تدري، فكانت تساعد إسرائيل على تحقيق أهدافها.

فهي أشعلت الحرب الأهلية في الأردن من خلال سعيها إلى إسقاط النظام في عام 1970، بما عرف يومها بـ ” أيلول الأسود “، كما تدخلت في لبنان وغذت حربه الأهلية، وارتكبت الجرائم الإرهابية في عدد من الدول العربية، لا سيما الخليجية، متهمة كل من يقف ضدها بالعمالة للصهيونية والامبريالية والرجعية، وغيرها من الاتهامات التي تحولت لأزمة في مواقف تلك الفصائل.

لم يستفد الفلسطينيون من تجارب الشعوب الأخرى، خصوصا الفيتناميين، الذين قاتلوا الفرنسيين إلى أن دفعوهم للانسحاب من أرضهم، وكذلك ألحقوا أكبر هزيمة بالولايات المتحدة الأميركية التي اندحرت في عام 1975، والمفارقة أنه بينما كان قادة المقاومة الفيتنامية مجهولين، ولم يكشف عنهم إلا في مفاوضات السلام في باريس عام 1974، وبرز أحدهم، وهو الزعيم هوشي منه، فإن قادة الفصائل الفلسطينية كانوا يركزون على الأضواء الإعلامية، ويخوضون معاركهم من الفنادق وليس الخنادق، ويطالبون الدول بالسعي إلى تحرير أرضهم، كأن يطلبوا من ابن سعود أن يدفع بالسعوديين إلى قتال الإسرائيليين، وكذلك ابن صباح وحكام الإمارات، فيما هم يستمتعون بأموال العرب، كما هي الحال اليوم مع “حماس” التي يقيم قادتها في قصور وفنادق قطر، وينفقون بسخاء على متعهم من أموال إيران التي أسلموا لها قيادهم.

طرحت الكثير من المبادرات للحل منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي، وفي كل مرة كان الرفض يأتي من الجانب الفلسطيني، واليوم حين تطرح خطة سلام تحفظ لهم حقوقهم، وتشكل بداية لحل قضيتهم نراهم يجتمعون على رفضها، لأن ذلك سيفقدهم مصدر ابتزاز الدول العربية التي تدفع اليوم غالياً ثمن هذه القضية.