توفيق شومان: من هنا … تبدأ محاربة الفساد

64

من هنا … تبدأ محاربة الفساد
توفيق شومان/31 آذار/19

لم يبق حزب لبناني لم يتهم حزبا لبنانيا بالفساد ولم يبق لبناني لم يتهم لبنانيا بالفساد.
كأن اللبنانيين في زمن “قوم لوط” نخرهم الفساد والشذوذ، ولم يمن الله عليهم بنبي يخرجهم من أمراضهم وآفاتهم ومعاصيهم.
كأنهم في زمن “طوفان نوح”، إنما بدون نبي ولا سفينة نجاة.
حسنا: ما العمل؟

هذا السؤال، كان أبو الثورة البلشفية، لينين، قد طرحه قبل سقوط نظام القيصر نيقولا الثاني وآل رومانوف في العام 1917، وأثار جدلا مع “الثوري بلا حدود  ليون تروتسكي الذي قتله ستالين خليفة لينين، وقتل الدولة السوفييتية معه.
بعد إسقاط نظام القياصرة الروس، احتار الشيوعيون كيف يبنون اقتصاد دولتهم، ولم يلتفتوا إلى أن النظام الذي أسقطوه، كان أورثهم معالم وبنى اقتصادية حقيقية، ولو استكملوا من حيث ما كان عليه الإقتصاد الروسي قبل البلشفية والستالينية، وأصلحوا ما يجب ويوجب إصلاحه، ما كانوا وصلوا “إلى المحرقة”، كما روى لي دبلوماسيون روس عملوا في أقطار عربية عدة.

سقط النظام القيصري إثر الحرب العالية الأولى، بعدما احتكر آل رومانوف السلطة والثروة وأشاعوا الفساد، وسقط النظام الشيوعي للأسباب نفسها، ولأسباب أخرى، فيما الفساد المؤدلج تحول إلى مدخل لإنتاج “قادة فوق البشر”، مرفهون ومنعمون، وإلى حدود يتم فيها تخصيص بحيرات بشواطئها ومائها وأسماكها لقياديي الحزب الشيوعي إذا أرادوا صيدا وترفيها واستجماما، مثلما يروي ويقول محمد حسنين هيكل في كتابه “بين الصحافة والسياسة”.

كان في الإتحاد السوفياتي حزب حاكم واحد وطائفة واحدة هي طائفة الحزب، فهلكت الدولة وفسدت وانهارت.

في لبنان أحزاب حاكمة وطوائف حاكمة. هو حكم الطوائف الحزبية وحزبيات الطوائف، كل طائفة تشد على حبلها، وكل حزب يشد على غاربه. هنا بيوت الفساد وهنا بيوت الخراب. ولذلك لا يجب الذهاب مع الحالمين والثملين بالأوهام، إلى احتمال اسقاط الفساد ميتا أو مقتولا، ذاك من سابع المستحيلات، مثل “الخل الوفي” أو العنقاء، ولكن:
هل يمكن الحد من الفساد؟
هل يمكن تقليص حجم الفساد؟
نعم يمكن الحد من الفساد وتقليص حجم الفساد.
كيف ذلك؟

من التالي، ومن هذه الأرقام الموثقة وشبه الرسمية، وتعالوا نتمعن بها:
ـ تدفع الدولة اللبنانية 517 مليار ليرة  أي ما يعادل 350 مليون دولار أميركي، منحا مدرسية لموظفين في القطاع العام، يأخذ الموظفون المنح المالية المقررة، ويسجلون أبناءهم في المدارس والجامعات الخاصة.
أي عدل في ذلك؟
أي دولة تفعل ذلك؟
ولماذا على الدولة اللبنانية أن تدفع من جيبها العام للجيوب الخاصة؟
ولماذا لا يذهب هذا المبلغ إلى قطاع التعليم الرسمي، فيجري تطويره بالمبلغ المعلوم وفي سنة معلومة واحدة ولا أكثر؟.

ـ تدفع الدولة اللبنانية ما يقارب 250 مليار ليرة، أي ما يقارب 160 مليون دولار، لإستئجار مبان حكومية، والسؤال هنا: من يشد الدولة اللبنانية “على رقبتها”، ويمنعها من بناء مبانيها ومؤسساتها وعماراتها، فتريح البلاد ومن بقي في البلاد ومن يعجز عن مغادرة البلاد، من إرهاق في الإنفاق ومن أنفاق الهدر والتبذير والإسراف؟.

ـ تدفع الدولة اللبنانية، ما يقارب 195 مليار ليرة، أي ما يتعدى 120 مليون دولار، أعباء صيانة ومحروقات ل 12 ألف سيارة حكومية، تجول وتصول في الطرقات والأزقة والمناطق من دون حسيب ورقيب.
لماذا 12 ألف سيارة حكومية؟
لماذا 195مليار ليرة ؟
من لديه يقين الإجابة حتى يقول اللبنانيون: عند جهينة الخبراليقين؟

ـ في لبنان ما يقارب مائة ألف بئر ارتوازي، تستنزف الثروة المائية اللبنانية، ولا تجبي الدولة من أصحابها رسوما ولا من يحزنون، وفي أقل التقديرات يمكن إدخال 250 مليون دولار إلى الخزينة العامة، لو مدت الدولة قبضتها أو بعض قبضتها إلى “الماء العام” الذي لا يقل أهمية عن المال العام.

في جردة سريعة، تدخل الى مالية الدولة هذه الأرقام:
ـ 350 مليون دولار منح مدرسية.
ـ 160 مليون دولار أعباء استئجار مبان حكومية.
ـ 120مليون دولار محروقات وصيانة 12 ألف سيارة حكومية.
ـ 250 مليون دولار رسوم آبار ارتوازية.

نحن يا كرام القوم أمام توفير حوالي مليار دولار سنويا، مليار دولار يمكن أن نضمها إلى التالي:
ـ 2 مليار دولار أعباء سنوية لسد عجز قطاع الكهرباء.
ـ 4 مليار دولار حجم التهرب الضريبي، ويقال أكثرمن ذلك، ولكن دعونا عند هذا الرقم.
ما الحصيلة ؟
وما المجموع؟
الحصيلة والمجموع: ما يقارب 7 مليارات دولار.
لن نأتي إلى أرقام أخرى فتلك لها أحاديث أخرى وصفحات أخرى.

هل أعدنا قراءة الرقم؟ 7 مليارات دولار يمكن أن تدخل الى خزينة الدولة سنويا.
هذا الرقم حتى يربحه اللبنانيون ليس بحاجة إلى تصحيح الإقتصاد اللبناني.
ذاك حديث آخر.
هذا الرقم بحاجة إلى تصحيح الدولة اللبنانية.
هذا الرقم ليس بحاجة إلى عقل اقتصادي كبير مثل آدم سميث وكتابه “ثروة الأمم” أو بول ساميلسون وكتابه “أسسس التحليل الاقتصادي”، أو كارل ماركس وكتابه “رأس المال”.

هذا الرقم بحاجة إلى عقول سياسية حاسمة. عقول حاسمة وصارمة تأخذ قرارت عاجلة ومستعجلة، تأخذ قرارت وتنفذ، تنفذ بلا هوادة وتقول:
هذا القطاع العام قطاع عام ليس لحزب أو لطائفة أولزعيم ومتزعم أو لحاكم متحكم أو لسلطان متسلط.
هذا قطاع عام.
وهذا مال عام.
وهذا ماء عام .
وهذه سيارات عامة.
وهذه أملاك عامة .

هذا القطاع العام لا يعني أنه مشاع لمن هب ودب، ولمن استسلح واستقوى، ولمن استزعم أو استزلم . هذا القطاع العام للدولة، هنا الدولة، يا أهلا بالدولة.
عشتم وعاش لبنان