منير الربيع/حزب الله يحارب الفساد بالسنيورة: تطويع البلد كله

117

حزب الله يحارب الفساد بالسنيورة: تطويع البلد كله
منير الربيع/المدن/الثلاثاء 26/02/2019

حساب قديم، فتح حزب الله دفاتره، لتصفيته مع رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة. التركيز من قبل النائب حسن فضل الله، الموكل من قبل الحزب بملفات الفساد ومكافحته، على مسألة الأحد عشر ملياراً، يوضح هذا التوجّه.
يضرب الحزبُ الرجلَ السياسي الأكثر خصومة، وثباتاً في مواجهته، وهو من استطاع التصلّب والصمود متحدياً أعتى الحملات لإسقاطه.. وليخاف من تلك الضربة الآخرون. التركيز الآن ينحصر على مرحلة تولي السنّيورة لرئاسة مجلس الوزراء، وتحديداً في فترة غياب أو “اعتكاف” وزراء الثنائي الشيعي، حين كان حزب الله يصف حكومة السنيورة بـ”الحكومة المبتورة”، و”غير الشرعية”. وكان ذلك بالتزامن مع إقفال الرئيس نبيه بري للمجلس النيابي، استكمالاً لتطويق حكومة السنيورة.
قرار سياسي متعمد
قصة الأحد عشر ملياراً معروفة لدى الجميع. في تلك الفترة، كان عمل المجلس النيابي معطلاً، فلجأ السنيورة إلى صرف موازانات الوزارات والإدارات على القاعدة الإثني عشرية، في ظل عدم وجود “موازنة عامة”. وهذا الإجراء لم يكن يجري بموجب قانون صادر عن مجلس النواب.
وحال السنيورة في تلك المرحلة (مع غياب الموازنة العامة) تشبه إلى حدّ بعيد معاناة عاشها وزير المال الحالي، علي حسن خليل، طوال السنوات السابقة، حين كان يخرج معلناً في أكثر من مناسبة، أن الدولة لن تكون قادرة على تسديد رواتب الموظفين. إنما الفارق، أن خليل كان يرفض صرف الأموال من دون قانون صادر عن مجلس النواب. ولذلك، وبمساعدة بري، كانت على عجل تقر تلك القوانين في جلسات “تشريع الضرورة”. هكذا، حمى خليل نفسه بقوانين مجلس النواب. لكن في زمن السنيورة، ما كان متاحاً عقد جلسات للمجلس، بفعل قرار سياسي متعمد. فعمل على صرف موازنات الوزارات والإدارات من تلقاء نفسه، وطبعاً بتوافق سياسي، من أجل توفير رواتب الموظفين مثلاً. هذا ما عرّض السنيورة إلى اتهامات لا تزال تلاحقه حتى اليوم. لكنه عاد بعد انتظام عمل المؤسسات، وعَمِل على تقديم كل الدلائل على وجهة تلك المصاريف.
التحريم الكبير
التصويب على الأحد عشر ملياراً، في الحملة التي افتتحها حزب الله لمكافحة الفساد، أراد منها فضل الله الانطلاق من حسابات مالية في العام 1997، وتجاوزات وقعت في تلك الفترة، حين كان السنيورة وزيراً للمال أيضاً. للإنصاف التاريخي، فإن الحملات التي تعرّض لها السنيورة، لتهشيم صورته في أذهان العامة، هي من أعنف الهجمات التي لم يتعرّض لها سياسي في لبنان، وغير لبنان ربما. وحين يُسأل عن الأمر، يجيب بهدوئه المعهود، بأنه جاهز لفتح كل الدفاتر، وواثق بأن القضاء لن يجد عليه أي ثغرة أو نقطة سوداء. تشبه قصة السنيورة الهجمات التي تعرّض لها مدير عام “هيئة أجيرو” السابق، عبد المنعم يوسف، وأقيل من منصبه بسببها. ليثبت القضاء فيما بعد، براءة يوسف من كل الاتهامات التي وجّهت إليه. الحساب مع السنيورة مختلف، لا تقنياً أو مالياً. هو حساب سياسي بامتياز.
يفتح الحزب دفتر الحساب القديم مع السنيورة، ليس بالإستناد إلى اتهامات سيقت بحقه، بعد حرب تموز 2006، سواء بالعمالة أو الارتهان أو ما شابه، والتي لم تنجح في زعزعة الرجل الذي حوصر في السراي الحكومي، وبقي على صبره وصموده، وصولاً إلى القرارين الشهيرين في 5 أيار 2008. بعدها كان الفيتو واضحاً، ويبلغّ حدّ “التحريم الكبير” من عودة السنيورة إلى رئاسة الحكومة. البوابة الجديدة اليوم لتصفية الحساب تستند على مكافحة الفساد والأوضاع المالية. وهذا عنوان لرسائل متعددة، يُستهدف السنيورة من خلاله، كما يُستهدف أطراف آخرون، يريد لهم حزب الله أن يستمروا في تقديم فروض الطاعة، وعدم السماح لهم بأي تغريد خارج السرب.
التطويق والتحكم
سيحقق حزب الله الكثير من النقاط السياسية في ملف مكافحة الفساد. يستهدف خصومه كما حلفائه في الآن عينه. وكأنه يقول للجميع، إن من يحاول اللعب “خارج الصحن” المرسوم وفوق السقف المحدد، سيكون مصيره كمصير السنيورة. هي معركة تخويف الخصوم والحلفاء، عبر استهداف السنيورة أولاً. ويستند الحزب في معركته هذه إلى حسابات كثيرة. أولها، أن السنيورة لم يعد نائباً وليس لديه حصانة نيابية. وثانيها، التغييب المتعمّد للسنيورة عن الساحة السياسية، في ظلّ فقدان الودّ من قبل رئيسة كتلة المستقبل النيابية بهية الحريري، وفي ظل ضعف الرئيس سعد الحريري وحاجته المستمرة للبقاء رئيساً للحكومة.
ولا تنفصل فصول معركة مكافحة الفساد، عن حدثين ليسا هامشيين ولا عابرين، وقعا في الأسبوع الفائت. الأول، قبول الطعن في المجلس الدستوري وإبطال نيابة ديما جمالي. والثاني، تصرّف رئيس الجمهورية ميشال عون على طاولة مجلس الوزراء. الهدف واضح، وهو الاستمرار في تخويف الحريري وتطويقه، وتخويفه، عبر إثارة ملفات الفساد المتعلقة بالمحسوبين على تياره السياسي، في مرحلة سابقة. وقد تتطور لتشمل المرحلة الحالية، التي قد تطاله شخصياً، بحال لم يبق على التزاماته. وهذا يعني التحكم به، وانتهاز أي فرصة لتسجيل النقاط عليه، في داخل بيئته، لصالح خصومه.
اختزان المناعة
يعرف حزب الله أنه بمجرّد التلويح بملفات الفساد، سيدفع مختلف القوى إلى تقديم فروض الطاعة السياسية، كما أنها حملة ستكسبه المزيد من الشعبية، تزامناً مع النشاط اللافت الذي بدأه وزير الصحة، جميل جبق، بـ”فتوحاته” الإنسانية في عكار مثلاً. وليس بعيداً عن كل هذا، قرار الحزب بمعاقبة النائب نواف الموسوي، على خلفية موقف أطلقه، مستفزاً شريحة مسيحية واسعة. هذه النقاط كلها تؤشر إلى أن الحزب سيعمل على كسب المزيد من الشرعية الشعبية، في صفوف البيئات الأخرى، والتي كانت على خصومة معه. كما ستكسبه ولاءات جديدة في السياسة، تحصّنه داخلياً، وتمكّنه من اختزان مناعة سياسية وطنية كبيرة، في مواجهة أي أخطار محدقة، من العقوبات المالية الأميركية، إلى التصنيف الأخير الذي قد يتعرّض له في بريطانيا، وما بينهما أي تهديدات إسرائيلية.