ندوة اللامركزية الادارية/ايلي القصيفي: إصلاح اللامركزية الادارية الموسعّة: تحدّيات وإمكانات

115

ايلي القصيفي/إصلاح اللامركزية الادارية الموسعّة: تحدّيات وإمكانات
ندوة اللامركزية الادارية /21 شباط 2019

نظّم مركز Politica ندوة تحت عنوان “اللامركزية الادارية” طرح خلالها الاستاذ ايلي القصيفي تاريخ وحاضر اللامركزية في لبنان في تحدّياتها وامكاناتها وشارك في الندوة كلُ من الاستاذ انطوان الخوري طوق (رئيس بلدية بشري سابقاً)، الاستاذ ايلي الحاج، الاستاذ ايلي القصيفي، العميد جورج أبو خاطر (عن التيار الوطني الحر)، الاستاذ حسن داوود، الاستاذ خليل طوبيا، الاستاذة رجينا قنطرة، الاستاذ ريمون معلوف، الاستاذ سامي شمعون، الاستاذ سعد كيوان، السيدة سناء الجاك، الدكتور طانيوس شهوان (رئيس بلدية ادما)، الاستاذ طوبيا عطالله، الاستاذ طوني حبيب، السيد علي ابو دهن، السيدة عليا منصور، الدكتور فارس سعيد، الاستاذ فيصل ابو حسن، الاستاذة لارا سعادة (عن حزب الكتائب اللبنانية)، الاستاذ مياد حيدر.
كلمة الدكتور فارس سعيد في افتتاح الندوة
اللامركزية الادارية بند اصلاحي من بنود وثيقة الوفاق الوطني ينتظرها اللبنانيون بفارغ الصبر على أمل العبور الى دولة أكثر مرونة وأقل بيروقراطية.
ينظر اليها المسيحيون بعين الأمل ويظنّ بعضهم انها ترتكز على فكرة بسيطة:
ندفع الضرائب في صندوق المنطقة؛ ويعاد توزيع الضرائب خدمات على اهل المنطقة.
على طريقة كل واحد يلعب قدّام بيتو!
مارسها الدروز في أبهى صورها خلال تجربة الادارة المدنيّة؛
يأمل الشيعة والسنّة من خلالها إنماء في مناطقهم الريفيّة؛
ولكن منذ اتفاق الطائف دخل على حياتنا عاملان أساسيان:
1-خدمة الانترنت
2-تجربة البلديات وادارة الأموال العامة من خلال سلطات محليّة
والسؤال المطروح
هل حلّت ثورة الاتصالات جزء من الامركزية، أو تجاوزتها من خلال الادارة الالكترونيّة؟
وهل تجربة ادارة الأموال الخاصة من قبل سلطات محليّة تجربة ناجحة؟
يسرّ مركز البحوث و الدراسات politica ان يَستقبل كاتب وصحافي وابن ريف
الاستاذ ايلي قصيفي الذي سيحدثنا عن الامركزية
عن قوانينها
عن رأيه الخاص في ظل خبرته العميقة في هذا المجال
وبعد كلمته سنفتح النقاش مع الاعلاميين وقادة الراي والمشاركين
في نهاية الندوة يتكفّل المركز توزيع مضمون الندوة على الاعلام
الاستاذ ايلي القصيفي/إصلاح اللامركزية الادارية الموسعّة: تحدّيات وإمكانات
منذ توقيع “وثيقة الوفاق الوطني” في العام 1989 دخل مفهوم “اللامركزية” حيّز “الإجماع” في لبنان، بعدما كان يصدر سابقاً عن حيّز “فئوي”، (تعبير الوزير السابق زياد بارود)، في حقبات متعددة من تاريخ الجمهورية اللبنانية ومن منطلقات متنوعة ولأهداف مختلفة.
فقد ورد في وثيقة رسمية لحكومة الرئيس إميل اده في العام 1929 “أن السلطات المركزية تسيطر على معظم الصلاحيات والخدمات، ولسوء الحظ هناك نوع من الضعف في الإدارات الإقليمية، وهذا ما يعود بالسلب ايضا على السلطات المركزية لذلك وجب اعادة النظر بالتقسيمات الإدارية”. (وثائقي اللامركزية الإدارية في لبنان – الإدارة بمحلها).
كذلك شكّلت اللامركزية أحد العناوين الرئيسية للإصلاح السياسي الشامل، التي طرحها كمال جنبلاط في العام 1949 بهدف إقامة “دولة المواطن والمواطنة”. وهو قال في محاضرة في الندوة اللبنانية سنة 1956 إن “لبنان وُجد فعلاً ليكون بلد اللامركزية، ولن ينجح حكم في لبنان سوى حكم اللامركزية”. (محاضرة عن اللامركزية الادارية في رابطة أصدقاء كمال جنبلاط – 2015)
“وقد برزت المطالبة بإصلاح اللامركزية الإدارية في لبنان كعنوان إصلاحي منذ الستينيات، نتيجة الشكوى من تفاوت النمو الإقتصادي والإجتماعي بين المناطق (…)، وخلال سنوات الحرب الأهلية ظهرت مطالب بتبني اللامركزية السياسية عارضها مطلب آخر بتبني اللامركزية الإدارية كحجة لمنع تقسيم لبنان”. (مبادرة المساحة المشتركة 2016 ص. 12)
إلّا أنّ “اتفاق الطائف” نبذ بحسب د. أحمد بيضون “نزوات فدرالية ظهرت في أعوام الحرب” (بيضون 2012 ص 82)، وبتعبير آخر فهو بنصّه على “اعتماد اللامركزية الإدارية الموسّعة”، “أقفل الباب في وجه طروحات اللامركزية السياسية والفدرالية، وإن كان الغموض ما زال يشوب هذه العبارة” (مبادرة ص. 19). إذ يعتبرها البعض “شعارا سياسياً ابتكره اهل الطائف كتسوية بين من كان ينادي باللامركزية السياسية ومن كان ينادي باللامركزية الإدارية خوفا من التقسيم”، بينما يعتبر البعض الآخر أن المقصود منها إعطاء السلطات المحلية قدرا واسعاً من الصلاحيات لإدارة مرافقها” (مبادرة ص. 20). من جهته يرى النائب السباق بطرس حرب، أن هذا البند في “الطائف” هو نتاج تسوية “بين جبهة تريد الفديرالية، وجبهة تريد ان لا يقسم لبنان، (فكانت هذه) الصيغة التي ترضي كافة الأطراف، كأحد أوجه الخروج من الازمة”. (وثائقي اللامركزية الإدارية في لبنان – الإدارة بمحلها).
لكن وبالرغم من نحو ثلاثة عقود على توقيع “وثيقة الوفاق الوطني”، لا يزال إصلاح اللامركزية الإدارية مدرجاً في أجندة الإصلاح السياسي والإداري في لبنان، ولم يقترن بتطبيق تشريعي، على الرغم من بروز عدد من مشاريع واقتراحات القوانين التي طرحت وجرى التداول بها منذ العام 1990. وآخر هذه المشاريع مشروع القانون الذي اعدته لجنة خاصة شُكّلت بقرار صادر عن الرئيس نجيب ميقاتي في العام 2012 بالاتفاق مع الرئيس ميشال سليمان، ووضعت مشروعاً يقع في 147 مادة، تبناه النائب سامي الجميل كإقتراح كما هو، وقدمه إلى المجلس النيابي على شكل اقتراح ما يزال قيد المناقشة منذ 2017. (“لجنة بارود”)
وبذلك تكون اللامركزية الإدارية، قد دخلت حيّز “الخيارات الكبرى، فانضمّت حيناً إلى قافلة البنود الإصلاحية المؤجّلة، وحلّت، أحياناً، ضيفةً على التعابير المستهلكة في لغة الوعود الخشبية”. (زياد بارود 2007).
ما تقدّم يدفع إلى السؤال عن أسباب التأخير في بت إصلاح اللامركزية الإدارية كلّ هذه الفترة؟ فهل المعوقات إدارية تنظيمية بحت متصلة بتحديات مقاربة الواقع التنظيمي الإداري للدولة اللبنانية بما يتناسب مع إصلاح “إستراتيجي” كهذا؟ أم هي سياسية متصلة بتأويلات مفهوم اللامركزية الادارية الموسّعة نفسه لجهة منطلقاته وأهدافه؟ وهل يمكن الأخذ بإصلاح اللامركزية الإدارية وترك الإصلاحات الأخرى في وثيقة الوفاق الوطني؟ هل اللامركزية تيسّر الحد من الفساد الإداري أم العكس؟ وماذا تجرية الإدارات اللامركزية الحالية في لبنان، اي البلديات؟
ثمّ، هل السياق التاريخي الوطني الذي أدى إلى اعتماد إصلاح اللامركزية الإدارية في “الطائف” ما زال نفسه اليوم في لبنان والمنطقة؟ أي بمعنى آخر، هل التوقيت لجهة الأوضاع الراهنة للدولة والمجتمع مناسب لتطبيق هذا الإصلاح؟
هذه الاسئلة-الاشكاليات سنحاول الاجابة عنها في سياق ورقتنا هذه.
التحديّات الإدارية التنظيمية أمام إصلاح اللامركزية الإدارية
على الرغم من أن التداول باللامركزية الإدارية سابق على اتفاق “الطائف”، إلاّ أن النقاش بشأنها بات محدّدا بما نصّ عليه هذا الاتفاق، ويرى د. خالد قباني أنّ “اتفاق الطائف نصّ على اعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة على مستوى الوحدات الإدارية الصغرى ( القضاء وما دون) وذلك لتمكين الجماعات المحلية من إدارة شؤونها الذاتية عن طريق مجالس منتخبة محلياً Autonomie))”. (ورشة عمل في مجلس النواب عن اللامركزية الادارية 2016)
كذلك يعرّف قباني اللامركزية بأنها وجه من وجوه التنظيم إلإداري – والسياسي أحيانا – في الدولة، وتقوم على أربعة مبادئ أساسية مترابطة هي كالآتي: (أ) الاعتراف بوجود مصالح محلية متمايزة عن المصالح الوطنية، (ب) الشخصية المعنوية، (ج) الاستقلال الاداري والمالي، (د) انتخاب مجالس محلية. (مبادرة ص. 18)
إلا أنّه يتبيّن أنّ معظم هذه المبادئ يثير اشكاليات حقيقية في مسار تحقيق اصلاح اللامركزية الادارية، فالمبدأ الأول اي الاعتراف بوجود مصالح محلية متمايزة عن المصالح الوطنية كان أثار موجة اعتراض واستهجان في البرلمان أثناء مناقشة اقتراح قانون لامركزية سابق، اذ اعتبر بعض السياسيين ان هذا التمايز يقود الى بروز نزعات انفصالية لدى بعض الفئات (مبادرة ص. 18، 19). مع العلم أنّ التمييز بين المصلحتين هاتين معترف به اصلا في لبنان باعتبار أن عمل السلطات المحلية اللامركزية، أي البلديات، يخضع للقوانين والدستور.
كذلك، ثمة أطراف ترفض تمتّع السلطة المحلية أي اللامركزية، بالإستقلال الإداري والمالي. إذ صرّح الرئيس نبيه بري لجريدة “الأخبار” في 2 تشرين الثاني 2017 بالآتي: «لن أقبل أي استقلال مادي أو أمني لهذه المجالس. لقد دفع اللبنانيون ثمناً غالياً لضرب مشروع تقسيم لبنان، ولن يحصل هذا على في قانون اللامركزية الإدارية الذي يهدف أوّلاً لإحقاق الإنماء المتوازن”. كذلك النائب نواف الموسوي وإن كان “متحمسا للامركزية من دون تحفظ”، الا انه اعتبر ان “ثمة نقطة ذات اشكالية (في اقتراح الجميل) وهي انشاء قوة شرطة تكون بمثابة قوة عامة مسلحة، بمثابة جيش”. (اللامركزية الإدارية في لبنان – المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية 2019).
كما أن مسألة انتخاب المجلس المحلي اللامركزي أثارت ولما تزل تثير تباينات وتناقضات، “اذ يستشف من اقتراح مشاريع القوانين السابقة (ما عدا مشروع “لجنة بارود”) أن الطبقة السياسية تتردّد في تقبّل مبدأ الانتخاب، نظراً إلى تفضيلها تعيين موظف لا حصري على رأس مجلس لامركزي منتخب” (مبادرة ص 19). ويشير بارود إلى “اتفاق اللجنة النيابية على إعادة منصب القائمقام الذي ألغاه مشروعه، في وقت يصرّ الوزير قباني والنائب غسان مخيبر يصرّان على أن منصب القائمقام يحفظ دور الدولة المركزية في الأقضية”. (“الأخبار” 2 تشرين الثاني 2017)
هذا الأمر يحيلنا الى “الخلط المتكرر المقصود وغير المقصود بين مفهومي اللاحصرية (déconcentration) واللامركزية (décentralisation). فمثلاً يتكرّر القول ان اللامركزية تساعد على تسهيل المعاملات الادارية وتوفر على المواطن عبء التنقل من مكان سكنه إلى مكان نفوسه، وهذه صفات اللاحصرية”. (مبادرة ص 20). (وهذه مسألة يمكن ان تتولاها الحكومة الالكترونية، فعلى السبيل المثال لا الحصل، اصبح بإمكان أي مواطن أو أي مقيم في الإمارات العربية المتحدة أن ينجز حوالي 190 معاملة، إدارية عبر هاتفه الذكي!!”).
“كما أننا ننشئ محافظة هنا، فنهلل: يا هلا باللامركزية. ونحدث مركزا إقليميا للسجل العدلي هناك، ونهلل أيضا. هذه ليست لا مركزية. هذه لا حصرية”. (بارود ندوة في جامعة الحكمة 2018). فاللاحصرية، تعريفاً، “نوع من المركزية المخففة، حيث تنتقل السلطة من مستوى إداري أعلى إلى آخر أدنى، وهي بمثابة توسيع صلاحيات ممثّلي السلطة المركزية في الأقضية والمحافظات” (مبادرة ص 20).
وقد فاقمت الفقرة المخصّصة للاّمركزية الإدارية في اتفاق “الطائف”، بحسب بارود، “الالتباس القائم بين اللاحصرية واللامركزية عندما قالت بتوسيع دائرتهما معاً”. يضيف: “إذا كان التزاوج بين المنهجين ممكناً في مبدئه، إلاّ أن توسيع دائرتهما معاً يفترض رؤية واضحة لصلاحيات كلّ منهما، فلا ينتهي التوسيع إلى تضاربٍ في الصلاحيات أو تجاذبٍ على النفوذ”. (بارود 2007)
علما ان اللامركزية تفترض، مفهومياً وتطبيقيا، توزيع الصلاحيات الإدارية بين السلطة المركزية، من جهة، والسلطات المحلية من جهة ثانية. وهذا تحد أساسي امام اصلاح اللامركزية الادارية، إذ أنّ التنافس على الصلاحيات يحصل، مثلاً، بين مستويات الوحدات الإدارية اللامركزية في فرنسا على الرغم من تطبيقها اللامركزية منذ العام 1982، كما يشير عالم الجغرافيا الفرنسي ايف لاكوست.
ويشير قباني إلى أنّ “هناك مبدأين أو قاعدتين تحكمان البعد التنظيمي الإداري للامركزية، أولاهما الاستقلال الذاتي للوحدة اللامركزية بإدارة شؤونها الذاتية بنفسها، مع ما يستتبع ذلك من تمتع هذه الهيئات بالشخصية المعنوية والاستقلالين المالي والإداري، وثانيهما احتفاظ السلطة المركزية بحق الرقابة على أعمال الهيئات اللامركزية”.
ويصطدم هذا التنظيم الإداري، وفقه، بمشكلات كثيرة ومعقدة يقتضي حلها، وذلك من خلال اعتماد تقسيمات إدارية مناسبة لأغراض الإدارة المحلية، ومنها: مشكلة تحديد عدد الوحدات الإدارية التي تضمها الدولة وحجمها ( محافظات، أقضية، بلديات)، مشكلة تحديد مستويات الوحدات الإدارية اللامركزية، وهل تتكون من مستوى واحد، مثل البلدية في لبنان أو من عدة مستويات (مجالس محافظات، مجالس أقضية- مجالس بلدية)، كما هو الشأن في فرنسا وبريطانيا، مشكلة تحديد أنسب وضع للعلاقات بين الوحدات، وهل يكون ذلك عموديا وعلى شكل تسلسل هرمي، أم أفقيا، بمعنى المساواة بين الوحدات. (ورشة عمل في مجلس النواب عن اللامركزية الادارية 2016)
معضلة التقسيم الإداري
ليس خافياً أنّ التقسيم الإداري يشكل محورا اساسيا تبنى عليه جميع الجوانب الأخرى المتعلقة باللامركزية، الا ان التحدي يبقى في الأساس معرفة مدى حاجة لبنان إلى تقسيم إداري جديد والهدف المتوخى منه، إضافة إلى المعايير التي على أساسها قد ترسم دوائر إدارية جديدة، خصوصا في ظل غياب المعطيات الرقمية والإحصاءات الكافية على الصعيد الوطني وغياب الدراسات التجريبية حول مختلف جوانب اللامركزية، لاسيما الدراسات على صعيد البنى الصغرى(level micro ) التي من شأنها أن تساهم في تطوير فهم أدق للخصائص الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية للمناطق اللبنانية في سياق إعادة التفكير في الدوائر الإدارية (مبادرة ص 30)> كما تشكّل المعضلة الطائفية والاشكالية الكامنة في مفهومي “الإنصهار الوطني” و”العيش المشترك” إحدى العوائق الأساسية أمام اعادة النظر في التقسيمات الادارية، إذ يلفت بعض الجامعيين إلى أن الكثير من المواقف تجاه اللامركزية في لبنان “تدور حول باطنية طائفية” (مارون كسرواني، في بول سالم وانطوان مسرة ١٩٩٦، ص. ٢٦٦ ). والجدير ذكره أن “لجنة بارود التي اعتمدت القضاء كوحدة لامركزية، اعتمدت تقسيمات لأقضية جديدة في المحافظات الجديدة، لا سيّما عكار والبقاع الشمالي، تتكوّن غالبيتها من لون طائفي أو مذهبي معيّن، كما يقول أكثر من نائب من أعضاء اللجنة. وعلى هذا الأساس، هربت اللجنة من إعادة البحث في التقسيمات الإدارية، واعتمدت التقسيمات الحاليّة كوحدات لامركزية تنشأ فيها مجالس الأقضية”. (“الأخبار” 2 تشرين الثاني 2017)
ضرورة وجود سلطة مركزية قوية
إن من شروط نجاح اصلاح اللامركزية الادارية في لبنان، إصلاح الإدارة العامة المركزية بشكل عام، ووضع روادع تحول دون تقصيرها في عملها على الصعيد المحل اللامركزي؛ أي بكلام آخر فإن نجاح هذا الاصلاح يتطلب وجود سلطة مركزية قوية تقوم بوظائفها الاساسية ( مبادرة ص 26).
وإذا كان نقل الصلاحيات من السلطة المركزية إلى الهيئات اللامركزية ينبغي أن يصاحبه نقل للموارد والضرائب والتمويل وبعض الخدمات، فإنّ اللامركزية تتناقض، بحسب د. طوني عطالله، مع أي توجه يعبر عنه غالباً بالقول: “نحن ندفع الضرائب وغيرنا هو المستفيد!”، إذ أنّ “كل نظام لامركزي هو متلازم مع موجب التضامن الوطني الشامل والإنماء المتوازن ومع خطط تنمية”.
هذا يفترض أن تلعب السلطة المركزية، بحسب عطالله، دورها في إعادة التوازن وتأمين العدالة والمساواة للحؤول دون تركم الفروقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين المناطق والطوائف. لذا فإن مزيدا من اللامركزية تستدعي حضورا أكبر للدولة. إذا منحت الدولة حرية أكبر، يتعين عليها ان تؤمن مساواة أكبر منعا لتضاعف الخلل بين المناطق واللامساواة. ان التوازن يرتبط بقدرة الدولة على ممارسة دور الحكم، والفصل وإعادة التوزيع. (ورشة عمل في مجلس النواب عن اللامركزية الادارية 2016)
تجربة البلديات.. عوائق جدّية
تقوم اللامركزية الادارية الاقليمية في لبنان حاليا على البلديات بموجب قانون البلديات رقم 118 بتاريخ 30 حزيران 1977، كما ان اتحاد البلديات تشكل مستوى واحدا مع البلديات باعتبار انها لا تتمتع بالاستقلال الاداري. (وكانت أول انتخابات بلدية قد جرت في العام 1963 في عهد الرئيس فؤاد شهاب، الا انه في العام 1967 أقر المجلس النيابي قانونا قضي بتمديد ولاية المجالس البلدية وقد استمر الامر على هذا المنوال الى العام 1998).
يشير د. أنطوان مسرة أن “خبرة المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم، خصوصا في برنامج (الحكمية المحلية: مبادرة ومشاركة ومواطنية في المجال المحلّي) تبيّن أن كل اشكاليات السلطة المركزية هي ذاتها على المستوى المحلي الذي هو غارق في الزبائنية واستقطاب “بيوتات” الزعامات، والعائلية والحزبية على حساب المصالح الحياتية اليومية والمشتركة”. (محاضرة في مقرّ حركة لبنان الرسالة 2018).
من جهته يرى عطالله أنّ “عدم تعميم ثقافة العمل البلدي تشكل أكبر عائق أمام التنمية المحلية وخطورة قصوى، اذ يخشى التحول من مركزية المركز الى لامركزية محلية اقطاعية أكثر طغيانا من مركزية المركز”.
ويشير إلى أن برنامج “الحكمية المحلية” شخّص عوائق العمل البلدي على النحو الآتي: ذهنية الاصطفاف والاستتباع، العلاقات القائمة على نفوذ وليس على قواعد حقوقية، الفردانية والأنانية على حساب الشأن العام والشؤون الحياتية اليومية المشتركة، التراجع في مناهج التربية المدنية، مفهوما الوصاية والرقابة المسبقة التي تشمل للعمل البلدي ستة مستويات هي: رقابة المجلس البلدي، المراقب المالي، المحافظ، وزير الداخلية، ديوان المحاسبة، مجلس شورى الدولة..”. (ورشة عمل في مجلس النواب عن اللامركزية الادارية 2016)
مشكلة النفايات نموذجاً
بتاريخ 10/10/2018 اقر القانون الرقم 80 بعنوان: “الادارة المتكاملة للنفايات الصلبة”، وينصّ في المادة التاسعة منه على الآتي “يجب اعتماد اللامركزية الإدارية في تطبيق الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة”. إلا “ان وزارة البيئة لم تضع بعد استراتيجية وطنية للنفايات تتضمّن الأدوار المركزية واللامركزية والخيارات التقنية المسموح بها أو الممنوع اعتمادها. علما ان مجلس النواب لحظ بضرورة وجودها خلال 6 اشهر من إقرار قانون النفايات”.
“في هذه الاثناء اقترح وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل قانونا معجّلا مكرّرا للاجازة للقطاع الخاص بإنشاء معامل لمعالجة النفايات الصلبة وتحويلها الى طاقة كهربائية وبيعها من مؤسسة كهرباء لبنان، كما اقترح قانون معجّل مكرّر من النائب نعمة افرام للمطالبة بإعفاء البلديات من الديون المتعلقة بادارة النفايات الصلبة التي ترتبت عليها قبل صدور قانون النفايات في ايلول الماضي”. علما ان شركة اندفكو التي يملكها افرام كانت انشأت معملاً لمعالجة النفايات في وادي غسطا بالتعاون مع بلدية غسطا، وقد بدأ العمل به على أساس أن نصف بلديات كسروان الفتوح سيتعامل معه إلا ان وزارتي الداخلية والمال رفضتا وقف اقتطاع أعمال البلديات المتعاملة مع المعمل، بحجة أن سوكلين لديها ديون على هذه البلديات، وبالتالي تخشى البلديات ان تدفع مرتين، مرة للدولة ومرة للمعمل. وفي النهاية توقف المعمل عن العمل. (تقرير للمؤسسة اللبنانية للإرسال 2018)
ويرى الكاتب المتخصص في شؤون البيئة حبيب معلوف، بناء على الاقتراحين المذكورين، أنّ “هناك اتجاهاً لتسريع اتجاهات لامركزية خطيرة، تبدو وكأنها بمثابة اعلان تفليس مشروع الدولة، أو استباق لاعلان انهيارها، وترك كل منطقة أو «دويلة» تقلّع شوكها ايدي ليست ايديها، كأن تحرق نفاياتها بمعامل ومحطات ليست من صنع يديها بالطبع”. ويشير الى أن “اللامركزية التي تعني التشاركية والمزيد من الديمقراطية وتسهيل المعاملات الادارية ليست هي نفسها ديمقراطية المشاريع التي تعني انشاء الدويلات على حساب الدولة. فننتقل من إفلاس الدولة المركزية المنهوبة الى فوضى الدويلات اللامركزية المنتحرة”.
ويسأل: “من لا يعرف أن الجدوى البيئية والاقتصادية للمشاريع الانمائية أكبر في المشاريع الكبيرة منها في المشاريع الصغيرة؟”. ليضيف: “لامركزية معالجة النفايات، لا تعني لامركزية انشاء المحارق، بل تعني خططاً تضمن حسن لامركزية الفرز، مرتبطة بخطط التخفيف المركزية. مما يعني ضرورة وجود استراتيجية تتضمن خططاً متكاملة تحدد الادوار المركزية واللامركزية والمسؤوليات. كما أنه لا معنى للحديث عن لامركزية من دون ربطها ببرامج للإنماء المتكامل (وليس المتوازن على الطريقة الطائفية”. (الأخبار 7 تشرين الثاني 2018)
التحديات السياسية والسياسية الاجتماعية
في الأدبيات العامة للامركزية الإدارية، تقوم اللامركزية، وفق قباني، على “مشاركة المواطن في إدارة الشأن العام، وبالتالي، فهي ترتكز إلى قاعدة ديموقراطية مؤداها مشاركة الأهالي في القرار وفي إدارة شؤونهم الذاتية بأنفسهم من خلال الانتخابات، وقيام الدولة بتعزيز المناخ الديموقراطي في البلاد وتوفير مناخ الحرية الذي يكفل التعبير عن إرادة المواطن وإطلاق قدراته وإمكاناته وملكاته الفكرية والانتاجية”.
الا انه في المجتمعات والدول “التعددية” او “المنقسمة” الشبيهة بلبنان فيبدو ان اللامركزية تعطى وظائف ومعانٍ اخرى وسط انقسام مضمر او علني بشأنها. إذ “يعتبر بعض المعنيين باللامركزية أن هذه الأخيرة ترتبط ارتباطا وثيقا بإدارة المجتمعات التعددية وتأمين المساواة بين المجموعات المختلفة، وبمساهمتها في حماية الأقليات، لأنها تسمح بنوع من الاستقلالية في المناطق التي تمثّل هذه الأقليات أكثرية فيها، وهذا من شأنه أن يشكل نقطة انطلاق نحو الوحدة الوطنية الحقيقية” (روجيه ديب 1993).
من جهته يرى بول سالم أنه “في المجتمعات المنقسمة طائفياً أو إثنياً كما هي الحال في لبنان وسوريا والعراق، فتوصي العلوم السياسية بالنظام التوافقي بدلا من نظام حكم الأغلبية. وترتكز أسس الأنظمة التوافقية على التشارك في السلطة بين المكونات الاساسية للبلاد واللامركزية الموسعة”. كما يرى عطالله ان اللامركزية ملازمة للمجتمعات الشبيهة بلبنان لأسباب عدة منها: ضمان مشاركة واسعة، ومعالجة التجاذبات الطائفية. (“النهار” 27 كانون الأول 2014)
وفي مقابل هذه الآراء تبرز خشية عند البعض من أن “تشكل اللامركزية خطرا على الهوية الوطنية بتعزيز الهويات الفئوية عندما تفرض بعض الأطراف السياسية والطائفية ثقافتها على مناطق نفوذها”. (مبادرة ص 22)
وبالعودة الى اتفاق الطائف، فقد ركن هذا الاخير، بحسب بيضون، إلى الحد الأدنى من التغيير وهو اللامركزية الإدارية، وهذا – في ما يتعدى المعنى الحرفي للعبارة – اختيار سياسي. إذ ان اللامركزية الادارية ليست خالية، وفقه، من مضمرات سياسية بعينها في نظر البعض من دعاتها اللبنانيين. واذا كان بيضون يرى انه ليس صحيحا بالضرورة ان التشدّد في المركزية يعزّز الوحدة السياسية الاجتماعية للدولة. كما لا يصح عكس ذلك في الضرورة. الا انه يرجّح ان البحث في هذه الاسئلة يفضي الى اثبات الصلة ما بين الاصلاحي والاداري والسياسي. وذاك ان ابقاء نظام انتخابي يعزّز وحدة السيطرة للزعامة الطائفية في كل منطقة انما هو ممهد واقعي لوضع هذه الزعامة يدها على الادارة الجهوية واخضاعها لمقاييس مصالحها قبل مقاييس القانون، (بيضون 2012 ص 83) وأضيف، ومقاييس العيش المشترك ايضاً. وهذا يحيلنا الى اصلاحات أساسية أخرى وردت في الطائف متصلة باصلاح اللامركزية الادارية، لاسيما إصلاح قانون الانتخاب وإلغاء الطائفية السياسية. وإذا كان “اتفاق الطائف تمحور حول مسألة أساسية جوهرية، قامت عليها فلسفته وهي العيش المشترك”، بحسب قباني، فهو يلزم بالضرورة النظر الى اصلاحاته هذه من منظور العيش المشترك كمشروع دستوري متكامل لا يمكن الأخذ ببعض بنوده وإسقاط بعضها الآخر. مع العلم ان العديد من الآراء يطرح استنساخ تجربة “الطائف” في بلدان الحروب الاهلية والنزاع على السلطة، على قاعدة أنه “لا بديل من العيش المشترك والتشارك في السلطة”، بحسب سالم.
كذلك، فإن الظروف السياسية الحالية في لبنان والمنطقة تجعل البعض يقارب مسألة اللامركزية بحذر. ويشير قباني في هذا السياق إلى أن “ما جرى ويجري على الساحة الاقليمية، وليس بعيدا عما يجري على الساحة الدولية، من احداث وتطورات أثرت على كيانات الدول ووحدتها السياسية في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط، يثير الهواجس والمخاوف، حول تطبيق اللامركزية الادارية الموسعة في لبنان”. (مؤتمر في جامعة الحكمة 2018)
أمّا مسرّة فيرى أنّ “إقرار اللامركزية، إلا في بعض الجوانب الإنمائية، في وضع حيث لا يحتكر المركز القوّة المنظمة وإدارة السياسة الخارجية، قد يؤدّي إلى مخاطر هيمنات محلية في ظلّ الأوضاع الإقليمية الراهنة وتالياً إلى زعزعة ركائز لبنان الكبير سنة 1920”. (محاضرة في مقرّ حركة لبنان الرسالة 2018).
بمثابة خاتمة
من نافل القول إن “للامركزية الادارية مزايا قيّمة ومن ذلك ما يتصّل بالديموقراطية وهو تعزيز مشاركة المواطنين في التصرف بشؤونهم المحلية”، (بيضون 2012 ص 84) الا ان هذا الاصلاح يجبه في لبنان تحديات عظيمة ليس اقلّها أهمية اصلاح الادارة العامة المركزية اصلاحاً حقيقياً، وقيام سلطة مركزية قوية تقوم بوظائفها الاساسية كاحتكار القوة المنظمة وحفظ سيادة القانون والمساواة بين المواطنين على كامل أراضيها.. فضلا عن ان “هذا الإصلاح لا بدّ أن يترافق مع اعتماد خطة إنمائية موحدة شاملة للبلاد قادرة على تطوير المناطق اللبنانية وتنميتها اقتصاديا واجتماعيا بما يحقق الإنماء المتوازن، وبالتالي العدالة”، وفق قباني.
وتحقيق هذه المسائل ليس هيّنا في ظل الاختلالات الأساسية في الدولة والمجتمع التي يعيشها لبنان فضلاً عن محيطه القريب والبعيد. فحتى لو اقرّ قانون اللامركزية في الهيئة العامة لمجلس النواب هذا العام كما يؤكد النائب جورج عدوان، فإنه من المستبعد جدا ان يحقق ذلك، الاصلاح المأمول. إذ ان اقرار التشريعات الاصلاحية على اهميتها غير كاف ان هو لم يقترن، بحسب مسرة، مع البحث في تطبيقها وحظوظ هذا التطبيق وكلفته وعوائقه وشروطه، وهذه كلها امور بالغة التعقيد في ما يخص اصلاح اللامركزية الادارية في لبنان!
النقاش
د سعيد
شكراً استاذ قصيفي على عرضكم، سأدير النقاش بعد اذنكم، وأبدأ بالقول انه منذ الاستقلال في العام 1943 كان هناك قناعة وربما كانت قريبة من الحقيقة، أن الانماء في لبنان كان ملحقاً بالأرجحية السياسية. على سبيل المثال نفذت طريق الدورة- جونية في العام 1963. يقال ان من كان يسلك طريق الدورة- جونية في ذلك الوقت يصل بتسعة دقائق، وفي منطقة كسروان اي في المنطقة ذات الارجحية السياسية التي كان يمثلها الرئيس فؤاد شهاب بُني مرفأ وثكنة للجيش اللبناني وربط الجبل بالساحل وبني مركز تزلج ومركز سياحي، وكانت الشكوى من الجانب الاسلامي بشكل عام ان الحرمان كان يطال المناطق المسلمة. كان الريف المسلم السنّي (وفقاً لنظرة كانت تقترب بقوة من الحقيقة) يشكّل فقط وقوداً للجيش بعناصره ومسلمي الارياف الشيعية وخاصة في منطقة البقاع كانوا يعيشون حالة من الحرمان الكبيرة. اندلعت الحرب الأهلية لأسباب داخلية- بالطبع عامل وجود منظمة التحرير الفلسطيني ومحاولة وضع اليد على البلد كان مؤثراً اساسياً في الحرب وغيرها من العوامل الخارجية، لكن الأسباب الداخلية كانت ايضاً مؤثّرة اساسية. فالمسيحيون كانوا يتكلمون عن الحرية بمعنى نهائية الكيان اللبناني والمسلمون كانوا يتكلمون عن العدالة اي لا يمكن ان يكون هناك مواطن تهتمّ به الدولة المركزية ويلحقه الانماء وآخر محروم من هذا الاهتمام. في سبيل التماثل- أوتوستراد بيروت صيدا نفّذ في العام 1994- اي انتظرنا الحرب الأهلية و120 الف قتيل وقدوم الشيخ رفيق الحريري لرئاسة حكومة لبنان كي ينفذ هذا الاوتوستراد. هذه الفوارق وهذا الواقع المسمّى “إنماء يتبع الارجحية السياسية” أدّى إلى أن نفكر بشيء، وعن حقّ، اسمه “الانماء المتوازن” ولا يمكن الحصول على الانماء المتوازن أو تحرير الانماء من الارجحيات السياسية إلا من خلال لامركزية هذا الانماء ولا مركزية ادارية تستطيع أن تؤمّن إذا كانت ادارتها عادلة وصائبة الانماء المطلوب لكل المناطق بغض النظر عن الارجحيات السياسية المركزية التي هي اليوم مع هذا الفريق وغداً مع فريقٍ آخر. هذا هو العامل الأساس الذي قامت على اساسه الحرب. اليوم مع تطور احداث المنطقة واتجاه الأمور نحو الانقسامات، وخاصة مع تطور الاحداث في سوريا كبُرت الهواجس لدى بعض الطوائف في لبنان واصبح الكلام عن اللامركزية الادارية يصل إلى حدّ الانفصال، بمعنى أن المنطقة كانت في قناعة البعض ذاهبة باتجاه إنشاء كرد-ستان وعلوي-ستان وشيعي-ستان ويهود-ستان ودروز-ستان فلربما يمكن أن ننشئ مسيحي-ستان أو شيعي-ستان في لبنان أيضاً. فبالتالي كثيرٌ من الكلام الذي يتطرّق إلى اللامركزية الادارية كان في واجهته يتكلّم عن اللامركزية وفي باطنه شيء آخر. أحببنا أن نطرح كل هذه الأمور للنقاش، ونحن فريق يعتبر أن بند اللامركزية الادارية هو بند اصلاحي أساسي مدروس في اتفاق الطائف يجب أن يطبّق في لبنان لأن هذه اللامركزية تعطي للدولة اللبنانية وجهاً حديثاً وتقلّل من البيروقراطية وتؤدّي إلى أن يكون هناك مشاركة أكبر من المجتمع الأهلي في صياغة واتخاذ القرار الانمائي للمجتمع. طبعاً المحاذير السياسية عديدة والهواجس لدى الطوائف أكبر، علينا ان نحرر هذه اللامركزية من هواجس الطوائف ومن التعقيدات السياسية وأن نجعل من اللامركزية الادارية، بدل ان تكون مطلباً لطائفة تريد خدمة لأنه لديها تخوّف على مصيرها، مطلباً وطنياً للوصول إلى إدارة مرنة تستطيع أن تخدم مصلحة المواطن قبل أي شيء آخر. اريد ايضاً الترحيب بممثلي الاحزاب وممثلي المجتمع الأهلي الذين أرادوا المشاركة في هذه الندوة وخاصة مع وجود رؤساء بلديات مارسوا ويمارسون الشأن البلدي الدكتور طانيوس شهوان رئيس بلدية أدما والاستاذ انطوان الخوري طوق رئيس بلدية بشري سابقاً ولديهم خبرة التعامل مع اتحاد البلديات كما خبرة العمل البلدي.
العميد جورج ابو خاطر
قُدّم مشروع اللامركزية الادارية إلى مجلس النواب، أين أصبح وهل هناك تطوّر في هذا الملف؟ تطرق الاستاذ القصيفي لنقاط محددة ولم يكن الطرح متكاملاً، وهل تطرّق اتفاق الطائف لموضوع اللامركزية الادارية بالتفصيل؟
د سعيد
العميد ابو خاطر من التيار الوطني مشارك معنا اليوم وأظن ان التيار في صدد طرح ومناقشة الموضوع. الكلام للاستاذة لارا لأنها مستشارة النائب سامي الجميل الذي قدّم مشروع القانون وانا اكيد أنها عملت بنفسها عليه. كلا الطائف لم يدخل في التفاصيل اول مرة طرح الموضوع بالتفصيل كان في العام 99 من قبل الوزير ميشال المر الذي كان وقتها وزيراً للداخلية. وكان القانون يقترح انتخاب مجالس بلدية واختيارية ومجالس اقضية اي مجالس البلدية تنتخب مجالس اقضية التي بدورها تنتخب مجالس محافظات، بالاضافة إلى الانتخابات المركزية اي يصبح في لبنان حوالي خمسة او ستة آلاف منتخَب محلّي وهذا ما كان سيؤدي إلى خلافات (من يجلس في الصف الامامي في الكنيسة من يضع شريطة من يتنافس مع ابن عمه- اي كان الامر على طريقة الوزير المر نفسه) كان مشروع قانون استرضائي شعبوي وليس بالفعل قانون يمكن تطبيقه.
الاستاذة لارا سعادة
انا محامية ومستشارة النائب سامي الجميل للشؤون القانونية وانا اطروحتي للماجستير كانت بعنوان “اللامركزية الادارية في لبنان وشروط تطبيقها”. سأقدم بطريقة سريعة مشاريع القوانين التي قدّمت لأصل في نهاية الامر إلى المشروع المقدّم حالياً في مجلس النواب وانا متابعة بشكل اسبوعي لكل التطورات في اللجان النيابية. طرحت اللامركزية الادارية كما جاء في كلمة الاستاذ قصيفي في وثيقة الوفاق الوطني لكن لم تطرح ضمن الدستور. اتت اللامركزية ضمن اتفاق الطائف بند من بنود الاصلاحات وتحديداً تحت عنوان اللامركزية الادارية، وتحت هذا العنوان خمس نقاط: اول نقطة انه يجب ان تكون الدولة اللبنانية موحّدة ذات سلطة قوية، ثانياً توسيع صلاحيات القائممقامين والمحافظين تسهيلاً لخدمة المواطنين، ثالثاً اعادة النظر بالتقسيم الاداري وبالتالي لا يبقى على التقسيم الذي كان في ذلك الوقت، لأنه كما نعلم استحدثت محافظات جديدة منذ ذلك الوقت، رابعاً اعتماد اللامركزية الادارية الموسعة وحددوا على مستوى الوحدات الادارية الصغرى وما دون أي على مستوى القضاء وما دون واضافوا تحديداً انتخاب مجلس لكل قضاء يرأسه القائممقام الذي هو معيّن. هذا ما جاء في وثيقة الطائف، خامساً اعتماد خطة انمائية موحدة وشاملة للبلاد لتطوير كل المناطق اللبنانية. مع اعتماد وثيقة الطائف وادخالها ضمن الدستور اللبناني لم يدخل هذا البند ضمن الدستور، وبالتالي ما نزال دولة مركزية بدستورنا، لكن لدينا بعض اللامركزية في النظام البلدي حيث يتم انتخاب مجالس بلدية، وهذا يسمى “لامركزية درجة أولى” وهناك درجات متعددة. بعد ذلك تم اقتراح قانون سمي “قانون اللامركزية” قدّمه النائب أوغست باخوس في 1995، بعدها قدّم الوزير ميشال المر، عندما كان وزيراً للداخلية، اقتراح قانون في 1998 وكما شرح الدكتور سعيد طرح هذا القانون انتخاب حوالى سبعة آلاف منتخّب مع تضارب في الصلاحيات ضمن هذا الاقتراح. بعد هذا الاقتراح تقدّم النائب روبير غانم كرئيس للجنة الادارة والعدل باقتراح قانون ثالث لكن المشكلة في هذا الاقتراح كانت وبعكس اقتراح ميشال المر، بأنه اتجه الى تعيين الاعضاء وليس انتخابهم وخلط بين اللاحصرية واللامركزية. لحد وصول النائب سامي الجميل الى مجلس النواب في 2009، وحيث كانت اللامركزية اولوية لدى النائب الجميل، تقدّم باقتراح قانون للبلديات لإلغاء الرقابة المسبقة على البلديات لتستطيع القيام بدورها الذي تكلّم عنه الدكتور سعيد بكلمته. بعد ذلك طلب من النائب سمير الجسر، الذي كان مترئساً للجنة الدفاع والبلديات، وضع كل الاقتراحات التي طرحت اللامركزية على جدول اعمال المجلس لنقاشها بحيث لا يمكن ان تبقى في جوارير المجلس دون معالجة، وطالب باجتماع اسبوعي لمناقشة هذه الاقتراحات للوصول إلى حل بموضوع اللامركزية. وبناء على هذا الطلب شكّلت لجنة كانت تجتمع كل يوم خميس. وبعد درس الاقتراحات تبين لهم انه هناك تناقض واضح لذللك بدأوا العمل من جديد بوضع الأسس والبناء على ذلك – فبدأوا بالصياغة، فتوافقوا على الانتخاب ووضعوا الضوابط (مسبقة ولاحقة) بحثوا عملية التمويل وتناقشوا في الاستقلالية المالية والمعنوية في كيفية عمل المجالس المحلية واتفقوا ان تكون اللامركزية على صعيدين لا اكثر اي البلديات وفوقها مستوى واحد – أو القضاء او المحافظة. بعد الاتفاق على هذه المبادئ بدأ البحث في تفاصيل عمل البلديات لتسهيل عملها في خدمة المواطنين واقر اقتراح النائب سامي الجميل من جهة الانتخاب والتمويل والرقابة وتفعيل المحاكم المحلية. عند الانتقال الى المستوى الاعلى اي القائممقام والسلطات اللاحصرية في المناطق كنّا قد وصلنا الى الاستحقاق الانتخابي في مرحلة 2013 والمشاكل التي رافقت تلك المرحلة من تمديد وقانون انتخاب وغيره فتوقف عمل اللجنة. خلال فترة الفراغ الرئاسي شكّلت لجنة حوار برئاسة الرئيس نبيه بري للتباحث في الانتخابات وانتخاب الرئيس ومجلس الشيوخ ومن ضمن المواضيع كانت اللامركزية الادارية. وفي موضوع اللامركزية الادارية كان هناك اقتراح لوضع اقتراحات القوانين للدرس فعارض النائب الجميل الامر وشرح ان اللجنة التي ترأسها الوزير بارود توصّلت إلى حلول متقدّمة لا يجب ان نتناساها ووضعت الأسس الصحيحة وانا سأوقّع هذا الاقتراح واقدّمه كمشروع قانون على المجلس النيابي لمتابعته في اللجنة الفرعية وهذا ما حصل. في هذا الوقت كنا في حزب الكتائب نعمل على اقتراح قانون آخر لأنه كان لدينا بعض الملاحظات على اقتراح الوزير زياد بارود. وهذا ما حصل في المجلس النيابي بعد تقديم الاقتراح شكّلت لجنة نيابية للامركزية ومن ضمنها النائب الان عون وكل الكتل السياسية. وأكمل النقاش وما زال مستمراً بعد الانتخابات النيابية الاخيرة العمل ما زال مستمراً ولم يتوقف. حالياً تم الاتفاق على المستوى الاول اي البلديات والمستوى الثاني القضاء كما جاء في اقتراح الوزير بارود لعدم اضاعة الوقت في التقسيمات والديموغرافيا واذا احتجنا إلى تعديل فيتم خلال العمل لاحقاً. اليوم النقطة العالقة هي التمويل، فهناك اليوم الصندوق البلدي المستقل والصندوق اللامركزي المستقل. التمويل يتم على الشكل التالي، بعد تحصيل المستحقات يتم تحويل 40% إلى الصندوق البلدي و60% الى الصندوق المركزي (الدولة المركزية بحاجة لتغطية مستحقات عديدة) وتتوزع المبالغ على المستوى المحلي بحسب الجباية والتوزيع السكاني وعدد المسجّلين وحسب حاجة المنطقة للإنماء (اذا كانت المنطقة غير قادرة على تأمين موارد كافية لتغطية متطلباتها تعطى مبالغ اضافية لتأمين التوازن بين المناطق). هذا ما يناقش اليوم، أي عملية التكافؤ كي لا يكون هناك خلل في التوزيع وتكون عملية الانماء متوازية بين المناطق. متى ينتهي النقاش لا أدري ممكن خلال سنة. هذا قانون اطار ولا يدخل في التفاصيل. وكما في كل دول العالم يوضع الاطار ومن ضمنه عدة قوانين. مثلاً يجب ان يتم تحديد صلاحيات المجالس، ما هي الصلاحيات التي ستُنقل من مجلس الانماء والاعمار إلى المجلس البلدي ما يعني عملياً تعديل القانون المنظِّم لمجلس الانماء والاعمار، كما قانون التنظيم المُدني وكما للمياه والكهرباء والمناقصات العمومية واطار اتحاد البلديات هل يجب ان يبقى او يلغى، ؟ ما يعني ان هناك قوانين كثيرة يجب ان تعدّل لتتلاءم مع قانون اللامركزية الادارية الجديد. وما يعني ايضاً انه حتى لو أقرّ قانون اللامركزية اليوم فهو لن يطبق قبل ان تتعدّل القوانين المتعلّقة، فهذه مرحلة انتقالية يمكن ان تمتدّ لسنوات لبناء قدرات الاشخاص التي ستعمل في هذه الأطُر ولتأمين التمويل ولتتأقلم الناس على فكرة اللامركزية الادارية، وفي بعض الدول امتدّت هذه الفترة الانتقالية لعشرة او خمسة عشر سنة.
سأتوقف هنا كي افسح المجال للمداخلات وأعود لابدي ملاحظاتي على ما تقدّمتم به في بداية الندوة.
د سعيد
شكراً لارا سعادة على هذا العرض. سأضيف شيئاً قبل ان اعطي الحديث. في العام 2004 أنشئت محافظة عكار وفصلت عن محافظة الشمال (صحّح التاريخ من قبل العميد ابو خاطر العام 2003) وأنشئت ايضاً محافظة بعلبك الهرمل، الفكرة كانت اقامت وحدة ادارية سنّية مقابل وحدة ادارية شيعية عندها عرض النائب نعمة الله ابي نصر وغيره بالسؤال اين الوحدة الادارية المارونية وانشئت دائرة كسوان- جبيل وبالتالي كل المقاربات لفكرة اللامركزية لم تكن لمعالجة تسهيل حياة المواطن وتأمين الخدمات وجعل الدولة اقل بيروقراطية بل كانت المقاربات تهدف إلى خلق ملاجئ لكل طائفة، بعكس الفكرة المكوّنة للبنان، وتُنشأ لكل طائفة نيابة عامة قضائية وبيئية وسريّة درك خاصة ومركز ميكانيك ودورة اقتصادية مستقلة.
خليل طوبيا
ملاحظتي على القانون الذي يطرح اليوم وبالاخص في اللجنة التي يترأسها النائب جورج عدوان هو وكما تفضّل الدكتور سعيد أن كل طائفة تعمل على خلق وحدة مستقلة لنفسها. برأيي انه يجب أن ننظر إلى لبنان بشكل عامودي وليس بشكلٍ أفقي، بمعنى أنه لدينا في لبنان ثلاثة عواميد للاقتصاد وهم الساحل الوسط والبقاع، وعلى هذه العواميد (وحدات اقتصادية) يمكن بناء اقتصاد ذكي بدل النموذج الأفقي الذي يطرح اليوم في المجلس النيابي. برأيي انه لا ربح للبنان في النموذج المطروح حالياً.
د سعيد
للتوضيح، اي ما تطرحه يعني: القطاع الذي يمتد من بشري إلى جزين، حيث يزرع التفاح وحيث متر الأرض سعره بين 30و50 دولار اميركي، هذا القطاع يشكّل كوحدة ادارية لأن مصالح هذا القطاع الزراعية والاجتماعية مشتركة.
خليل طوبيا
صحيح وهو ما طرحه الوزير خالد قباني بداية لتوحيد المصالح المحلية.
د سعيد
كما ان الساحل قطاع آخر والبقاع قطاع مستقل. اي بدل ان تقسّم الوحدات على أسس طائفية تقسّم على أسس مصالح مشتركة بين الطوائف والمناطق.
المحامية لارا سعادة
النقاش في هذا القسم مؤجّل لتلافي الاشكال الذي يمكن ان ينجم عن أي نموذج للتقسيم أفضل. ونحن لدينا بعض الملاحظات على اقتراح الوزير بارود.
د طانيوس شهوان
شكراً ايلي قصيفي على الاسهاب المقتضب في تقديم الموضوع. للأمانة المنهجية في ما يتعلّق بموضوع اللامركزية أول مقاربة للامركزية حصلت في عهد الرئيس شهاب. فكان اول من أدخل مركزية الحكومة باتجاه اللاحصرية التي لامست اللامركزية الارادية، ومعروف انه في عهد الرئيس شهاب تأسس اكبر عدد من البلديات في لبنان وذهب بالاتجاه الذي تكلم عنه استاذ طوبيا اي اللامركزية القطاعية الأمر له علاقة بانكفاء الدولة بالاقتصاد عن منطق السوق واعطاء امكانية اكبر للقوى المكونة في المجتمع والقطاع واعطاء حرية اكبر للقطاع للمساهمة بشكل اكبر وهو أمر معروف عالمياً اي كلّما انكفأت الدولة واعطت حرية للقطاع الخاص نجح الأخير. ثانياً ومنهجياً، قبل اقتراح الشيخ سامي وبين مشروع روبير غانم والشيخ سامي كان هناك محاولة أكثر جدية برأيي حيث فتح المجال للنقاش والتداول والتفكير في موضوع اللامركزية الادارية بين القطاعات والقوى الناشطة والتي توصّلت إلى قانون ولنا جميعاً ملاحظات عليه. في المضمون، انا لدي ملاحظة على مفهوم اشكالية التسمية – “اللامركزية الادارية الموسعة” – الأمر الذي برأيي ايضاً هو تسووي بين القوى السياسية للحظة سياسية محددة لشدة ما تحمل هذا الموضوع لتأويلات ايجابية او سلبية بالنظر لآراء المجموعات السياسية، وبرأيي عندما نقول لامركزية ادرية موسعة نقصد لاحصرية وبذلك نقوم بتشويه هذا المفهوم ولو كان هدفنا تضمين المعنى اشراك المجموعات والقطاعات المحلية في صياغة القرارات التي لها علاقة بحياتهم ومستقبلهم. للذهاب إلى المفهوم الحقيقي الذي هو مفهوم اشراك الآخرين، اشراك أكبر للقوى المحلية بمفهوم السلطة برأيي ان العنوان الأصحّ هو “اللامركزية الانمائية الموسعة” وهنا يمكن ان نكون نتّجه باتجاه المفهوم الذي تكلم عنه الاستاذ طوبيا اي اللامركزية القطاعية، وهنا ايضاً هناك اشكالية اخرى تعرض نفسها، وهي اشكالية اختصار اللامركزية بإعادة تشكيل الصلاحيات. والتي تُفهم وكأننا بصدد اعطاء صلاحيات السلطة المركزية لمواقع سلطة أخرى وهذا غير صحيح، بل الاصح أننا بصدد تعزيز مفهوم السلطة المحلية بإعطاء صلاحيات اضافية تسمح لها بإدارة سليمة تنسجم مع تطلعات الناس التي قامت بانتخابها. هناك ايضاً اشكالية في المعنى الـتأسيسي. في العالم هناك نوعان في تجارب الانظمة السياسية إلى حد ما، هناك مفهوم تكوين الدولة مع المواطن وتكوين الدولة مع المجموعات المكونة لها. الدول التي قامت على مفهوم تكوين الدولة من المجموعات وليس مجموعة مواطنين اتجهت نحو مفهوم لامركزي لأنه اعتُبر ان اللامركزية هي الحل لإشكالية مفهوم المجموعات communautaire. المشكلة في لبنان هي انه هناك التباس دائم، فنحن نفكر أحياناً ان اللامركزية الادارية قائمة على علاقة الدولة مع المواطن وأحياناً اخرى أنها مشروع قائم على علاقة بين الدولة والمجموعات المكونة. وهذا ما تفضّل به الدكتور سعيد بشكل كاريكاتوري، ان عكار هي وحدة سنّية، جبل لبنان وحدة مارونية والجنوب وحدة شيعية… وهذه هي الاشكالية التي تؤدّي الى الالتباس والصدام الحاصل. برأيي ان المقاربة التي قام بها المجمع البطريركي الماروني المتصلة بالدولة المدنية تكلمت عن ثلاثة دوائر: دائرة الفرد ودائرة المجموعة ودائرة الدولة، واعتقد ان هذه الفكرة التي أتت في نص “السياسة” لم تأخذ حقها من التفكير والتطوير اللازمين كما نفعل الآن.
د سعيد
اعتقد ان ما تقدم به دكتور طانيوس مهم واريد قبل ان اعطي الكلام للاستاذ انطوان الخوري طوق ان اضيف بأن للبنان تجربة خاصة، غير تجربة الدولة مع الفرد او الدولة مع المجموعة. في لبنان عشنا بمرحلة اللادولة خلال الحرب الأهلية. فأوجد المواطن لنفسه في تلك الفترة مولد كهرباء وبئر ماء ومحطة راديو وهاتف لاسلكي في سيارته وحاول كل مواطن أن ينشئ لنفسه دولة خاصة بمعزلٍ عن المركزية واللامركزية، وهذه التجربة بقيت في اللاوعي السياسي لدى المواطن وهو يحاول الإبقاء عليها. لكن هناك تناقض في المفهوم العام اليوم في لبنان وهي انه هناك نظرتان للبنان. هناك نظرة تعتبر لبنان ملجأ وبذلك تعتبر انه يجب تنظيم هذا الملجأ ليكون “ملاجئ” لمكونات هذا البلد – ملجأ للسنة في الشمال ملجأ للشيعة في بعلبك-الهرمل وملجأ للموارنة في جبيل- كسروان – وهناك من قال لنا في العام 1996 أن “لبنان – وطن الرسالة”. فإذاً علينا التحديد، أو لبنان ملجأ وعلينا ترتيبه لتحويله إلى ملاجئ متعددة (سنّي، شيعي، ماروني…) وكل طائفة تنظم لنفسها بشكل مستقل دورة اقتصادية واعلامية و..؛ أو ناخذ بعين الاعتبار خصوصيات الطوائف، ومن لا يفعل ذلك يكون لا يرى ماذا يحدث في العالم وليس فقط في لبنان، لكن في الوقت ذاته نعزز مشاركة المواطن في ادارة الشأن العام. ومن هنا أهمية اللامركزية الادارية لتبقى في معناها الاداري والتسهيلي لحياة المواطن.
انطوان الخوري طوق
سأتكلم عن خبرتي. أقرب شيء للامركزية اليوم هو Libanpost والخدمات التي يؤمنّها توضح اهمية اللامركزية وهل هي جيدة ام لا. قبل الحرب كنّا نشكو من مركزية الدولة القوية بعد الحرب أصبحت المركزية أقوى وتخصصت في مناطق معزولة عن بعضها. ما يلفت نظري في التجربة البلدية، التجارب البلدية أو المجالس المحلية او حتى تشكيل الحكومات لا تتمّ على معايير انمائية. فعندما تحصل الانتخابات البلدية هي لا تحصل على أسس انمائية بل تتمّ على اسس حزبية وسياسية، ولا مرة يتم تقديم برامج انمائية وحتى برامج بلدية وفي تشكيل الحكومات لا نجد الشخص المناسب في اختصاصه في الوزارة المناسبة وحتى لو حصل ذلك نعتبره انجازاً وللأسف لا ينجح لأن المعيار ليس معياراً انمائياً. ما نعاني منه في البلديات أولاً هو موضوع الفساد وبالأخص ان اليوم كل الفاسدين يتكلمون بمحاربة الفساد، هناك فسادٌ هائل. واكتملت دورة الفساد بتسليم شأن البلديات للقوى الأمنية فأصبح امر تسوية المخالفات لدى المواطنين يتم من خلال ضباط القوى الأمنية بصندوق وسكي او بعلبة سيكار، من أعلى الهرم إلى أدناه. واليوم بعد تشكيل الحكومة تنامت الفضائح حول مئات ملايين الدولارات التي جناها بعض الوزراء بتواقيعهم. فتسليم شأن البلديات للقوى الأمنية أدّى إلى تنامي الفساد واصبحت كل معاملة تمر بوزارة الداخلية، وعندما تتعدى كلفة المعاملة مبلغ الـ 20 مليون ليرة يصبح حلّها حكماً عبر القائممقام وهنا ايضاً نتكلّم عن الفساد فتتنامى ثروته بشكل واضح، وبعد هذا المنصب يطمح الأخير بمنصب محافظ أو نائب او وزير. الامر الآخر البيروقراطية في وزارة الداخلية، من خبرتي اقول: ارسلت طلب لتعديل مادة في النظام الداخلي إلى الوزارة حيث بقيت هناك جواب لمدة سنتين وعندما أتى الردّ كانت أوضاع البلدية قد تغيّرت ولم اعد بحاجة لهذا التعديل، إضافة إلى ان الدولة المركزية تأكل أموال البلديات وإضافة إلى ان ثروات بلديات بيروت وطرابلس مثلاً لا تقارن بميزانيات بلديات أخرى لا تملك كلفة استئجار حفارة لحفر طريق صغير او فتح مجرور وهناك غياب للتفتيش فلا رقابة إلا في حال الشكوى. وحتى في مشكلة النفايات أرى ان المشكلة الطائفية تشكّل عائقاً لكي يتمّ توزيع الثروات بشكل تتساوى فيه المناطق الغنية بالمناطق المحتاجة. والمشكلة الأهم انه لا يوجد سياسات عامة وكل شخص يأتي يعطي طابعه للمؤسسة التي يستلمها كالانقلابات في البلدان العربية ورئيس البلدية بصلاحياته كملك مطلق وهذا امر غير سليم.
الصحافي ايلي الحاج
لدى ملاحظة، قبل الحديث عن اللامركزية الادارية كنا في الحرب نتكلم عن اللامركزية السياسية، كان تنازلاً كبيراً الهبوط بالمطالبة من اللامركزية السياسية إلى اللامركزية الادارية والتنموية إلى أن اصبحنا بالتفاصيل لنتكلّم عن صلاحيات البلديات لتوسيعها، وحتى هنا توسيع الصلاحيات تتمّ لدى البعض بالأمر الواقع دون استئذان الآخرين. اليوم كنت متوجهاً من مطار بيروت إلى بيروت، لاحظت وكأنه صدفة أن جميع العاملات في موقف المطار محجّبات على الطريقة الخمينية بعدها تطالعك من جديد آرمة “جادة الامام الخميني”، وبعدها على جسر بعلو ناطحة سحاب صور “القادة الشهداء”، وبالقرب من هذا صورة عملاقة للرئيس نبيه بري وكأنك في حسينية لا اكثر ولا اقل. ما الذي يحصل، هذه بلدية برج البراجنة وهم يعبرون بحرية عن ما يرونه مناسباً لهم، ويقولون انه في مكانٍ آخر ترى لوحة “جادة الملك سليمان” و”كليمونصو” و”غورو” و”كوري”، لكن برأيي المميّز هنا ان هذه واجهة البلد ويجب ان تكون للجميع اتصور أن هناك أمر واقع يُفرض علينا – المطار في نطاق صلاحياتنا “عجبكن عجبكن ما عجبكن نحنا منعمل يلي بدّنا”. وهذا “اللبنان” الذي يأتيني من الخارج لا يشبهني، أنا يشبهني مثلاً “مطار بيار الجميل” في حامات أو شارع “البابا فرنسيس”. لا نستطيع المتابعة بهذا الشكل، هناك ليس محاولة غزو بل عملية هيمنة ثقافية وردّ على الآخرين وأنا اتكلّم بالسياسة، كما النائب نواف الموسوي ردّ على النائب نديم الجميل ان “خلص سكوت بكفّي قعود” هناك أمر واقع. انا أريد كمواطن لبناني يتمسّك بحريته من هذه اللامركزية ان تكون سلاحاً بيدي ادافع بها عن ثقافتي ليس كمسيحي بل كانسان يتمسّك بنمط ونظرة معينة للحياة من كل الطوائف فانا يشبهني الشيعي او الدرزي الذي استطيع الجلوس والتكلم بحرية معه فليس لدي مشكلة عندما يشبهني. وهناك نمط آخر من الناس، في فنيدق مثلاً، فقد مرّ الأمر وكأنه طبيعي إذا كانت هذه اللامركزية حسنا، غذاً مثلاً بلدية غوسطا تعلن أنه ممنوع على المحجبات دخول البلدة- ما رأيهم بهذا. هل نحن ما زلنا نعيش في بلد واحد عندما تسكت عن ظواهر كهذه؟ (طانيوس شهوان – العقيبة منعت نزول المحجبات إلى الشاطئ.) حسنا هذا تحصيل حاصل يعني! انا اتكلم بالسياسة نحن نتعرض تحت ستار تمسك “حزب الله” وأطناب “حزب الله” بمركزية الدولة كي تصبح الدولة تحت سيطرته، وإذا استطعنا أن ننقذ ما استطعنا نكون أنقذنا شيئاً من وجهنا الثقافي وإلا هم يفرضون نفسهم علينا.
د سعيد
مع تقديري لما تتطرّق اليه ايلي الحاج اليوم وهذا امر بالغ الاهمية وهو يعكس وجهة نظر كثير من الناس. بغض النظر عما تطرق له ايلي اليوم، اذا قرر فريق من اللبنانيين فرض غلبة سياسة ثقافية واجتماعية على الآخرين ردّ فعل الآخرين يكون بطبيعة الحال الانفصال. هذا شيء عشناه وليس بجديد، واليوم نعيشه بصورة هيمنة فريق وطائفة وحزب على البلد وتؤدي هذه الهيمنة في اللاوعي لدينا إلى القول حاولنا محاربتهم لم ننجح حاولنا مساكنتهم ولم نستطع لنرى اذا كان بالإمكان الانفصال! أو لمن لا يريد الانفصال يقول لنحاول ان ندبر الامر بما هو مستطاع. وهنا طبعا كل فريق يحاول ان يبرز ميّزاته: الفريق المسيحي مثلاً يقول نحن جلبنا إلى لبنان Les Frères Maristes وعينطورة ومهرجانات بعلبك و…، الفريق السنّي يقول نحن جلبنا مع الرئيس رفيق الحريري الاستثمارات من الخليج واعادة الاعمار والبنى التحتية ولم نوسّخ ايدينا بالحرب الاهلية و…، والفريق الجديد اليوم يقول لنا أنه لولا وجوده لكان الارهاب وصل إلى جونية واغتصب نساءنا ولولا وجوده لكان أرييل شارون ما زال في بيروت وبالتالي انا يحقّ لي. موضوع أن فريقاً أعطى لبنان أكثر ما أعطى الآخر فإذاً يحقّ له أن يحاول يفرض وجهة نظر أو غلبة على كل اللبنانيين يولّد دائما شعوراً بالرغبة بالانفصال اذا ما أبدينا قدرة على التعايش أو المساكنة أو مواجهة هذا الوضع. وهذا مفهوم، اي وجهة نظر ايلي الحاج الموجودة لدى الكثير من الناس اليوم وفي مراحل سابقة. فسابقاً في مرحلة الميثاق الوطني مع الثنائية المارونية السنية، غالبية الناس الذي اعتبروا ان لا مكان لهم في هذه الثنائية وكانت صفوف اليسار اللبناني مليئة بالشباب الشيعي المثقف الذي أوجد منظمة العمل الشيوعي وكان في صفوف منظمة التحرير وشارك أو ساهم من جهته في الحرب الأهلية؛ النخبة الدرزية التي كان يمثّلها كمال جنبلاط المتعلّمة والمثقفة والتي كانت تقول مثلاً أنه مهما حصّلت من شهادات طموحي في هذا البلد ينتهي عند وزارة الداخلية بينما آخرون بدون شهادة بكالوريا يمكن أن يصلوا إلى رئاسة الجمهورية أو وزراء خارجية أو… برأيي نحن نعيش آخر ايام “العصفوريات” المتنقّلة ولا اعرف إلى اين سنصل. لكن لا يجب أن نذهب إلى حدّ ابراز رغبتنا بالانفصال عن الواقع اللبناني. اللامركزية الادارية طُرحت كبند من بنود اتفاق الطائف ليس بشكل تراجع عن اللامركزية السياسية وعوّضنا باللامركزية الادارية، بمعنى أنه كنّا نريد أن نطبّق “الادارة المدنية” التي طبّقها وليد جنبلاط في الجبل في كل لبنان لكن عدنا وتراجعنا. لسبب واحد لأنه حتى الفدرالية، وفي كل الدول التي تطبّق الفدرالية فهي تتوحّد على ثلاثة امور الدفاع والسياسية المالية والسياسة الخارجية بينما نحن في لبنان مختلفون على السياسة الخارجية والسياسية المالية وعلى الدفاع. أي ليس هناك حتى منطق للذهاب إلى الفدرالية. (انطوان الخوري طوق – نحن نعيش فدرالية طوائف!). هذه ليست فدرالية طوائف هذه مساكنة فقط.
الاستاذة رجينا قنطرة
بعد استماعي إلى كلمة الاستاذ القصيفي وكل المداخلات فهمت، وصححوا لي اذا كنت على خطأ، أن المبادئ المتفق عليها بخصوص اللامركزية الادارية واقتراح القانون المقدّم من النائب سامي الجميل وهو اليوم يناقش في مجلس النواب، والمشروع الذي درسه الوزير بارود والذي هو معتمد نوعاً ما سيصبّوا اذا ما نجحوا جميعاً في لامركزية جزئياً ادارية وجزئياً مالية، اي تنقسم الاموال بين صندوق المجالس المحلية المنتخبة وبين صندوق الدولة المركزي وحتى ادارياً هناك امور مسموح للمجالس البتّ فيها وأخرى غير مسموح ، صحيح ام غير صحيح؟ وأريد أن اعرف ما هي الافادة الاقتصادية للبنان؟ وهل سنستطيع من خلال هذا القانون أن نحمي حقوقنا الفردية والاجتماعية والسياسية؟ هل أمنياً سيكون هناك تحسّن؟ ما الذي سيصبح افضل على صعيد لبنان بعد كل هذا الوقت في دراسة قوانين اللامركزية الادارية؟
لارا سعادة
سأستفيد من ما تقدّم لأضع الملاحظات التي كانت لدي. بداية وفقط للتوضيح لم يعد هناك مشاريع، فالنائب سامي الجميل تبنّى مشروع الوزير بارود، وهناك مشروع قانون واحد يدرس اليوم. فيما يخص الافادة، الاسباب الموجبة لللامركزية الادارية او حسنات اللامركزية الادارية هي على صعيدين: على صعيد الفرد المواطن وعلى صعيد العلاقة بين الطوائف او المجموعات الدينية المكونة لهذا البلد. بدايةً مجرّد انه يتمّ انتخاب هذه المجالس وليس تعيينها نكون قد تخطينا أول حاجز او مشكلة، وسأعطي مثالاً: هناك حفرة في الطريق امام منزلي واريد اصلاحها. اليوم عليّ أولاً أن أذهب إلى الزعيم في المنطقة التي انا متواجد فيها كي يتواسط لي لدى الجهة المخوّلة (وزارة الاشغال او مجلس الانماء والاعمار او…) وحسناً لو كان لديه علاقة جيدة لدى هذه الجهة! وبعدها أذهب إلى هذه الجهة (الوزير مثلاً). هنا إذا كان الوزير من ميلي السياسي يُحل الموضوع وتُمضى المعاملة أما اذا لم يكن من ميلي السياسي فلا مجال لتمرير المعاملة. هذا المثال يمكن تطبيقه على كل المجالات- المدارس والمستشفيات وغيره من الخدمات. وهذا الأمر اليوم يشكّل تشنّج في المجتمع. فما الذي نستفيد منه اذا ما طبّقنا اللامركزية. عند انتقال هذه الخدمة من الوزير المعيّن (وهنا لا أستطيع محاسبة الوزير لأن لديه مرجعية حزبية هي التي عيّنته وليس لدي القدرة على المحاسبة – أي الشعب ليس لديه قدرة المحاسبة او حتى النائب ليس لديه قدرة على المحاسبة بسبب طريقة تشكيل الحكومة اليوم ولا حتى القضاء لديه القدرة على المحاسبة) إلى المجلس المنتخب تصبح العلاقة بين المواطن وهذا المجلس كعلاقة المواطن مع النائب (والخدمات ليست من صلاحيات النائب اصلاً) أي يصبح هناك محاسبة. والمجلس المنتخب يصبح ملزِماً لتقديم كل هذه الخدمات لأنه مستفيد من اعادة انتخابه أو يمكن محاسبته. (مداخلة – او ينتظر ست سنوات للمحاسبة). لا ليس هناك ضرورة لانتظار فترة ست سنوات، لأنه في اطار اللامركزية الادارية ستُخلق محاكم ادارية تعالج كل المشاكل التي يمكن ان تواجه المواطن. ثانياً، اهمية انتخاب مجلس محلي تكمن في ان هذا المجلس هو من نفس المنطقة وعلى علم بتفاصيل احتياجات منطقته، الحالة التي هي غير موجودة اليوم بوزير معيّن مثلاً يريد اطلاق مشروع في منطقة ليست منطقته. فالمجلس على علم باحتياجات منطقته اذا كانت سياحية او زراعية او صناعية. وهنا لدي ملاحظة على ما ورد في نص اتفاق الطائف من ان الاستراتيجية يجب ان تكون موحدة للإنماء لأن كل منطقة لها خصوصياتها.
ما هي المشاكل التي تواجه المواطن اليوم؟ زحمة السير، كلفة المعيشة المرتفعة، فرص العمل مفقودة.. إذا ما طبّقنا اللامركزية الادارية ما الذي سيتغيّر؟ ستتغيّر الدورة الاقتصادية حكماً لأن هناك برنامج تطوير اقتصادي محلّي وسيلحظ النمو القطاعات في هذه المنطقة أي سنخلق فرص عمل جديدة للشباب في منطقتهم وبالتالي استقرّوا في منطقتهم ما يعني التخفيف من زحمة السير تلقائياً لعدم ضرورة التنقّل وبقاءهم في منطقتهم سيكون له مردود على انخفاض في اسعار الإيجارات والعقارات عموماً، ومردود على تخفيض كلفة المعيشة لأن كلفة المعيشة في المناطق اقل منها في المدن والعاصمة. وبالتالي ستخلق دورة اقتصادية مستقلة في المناطق تساعد على رفع المستوى الاقتصادي العام في البلاد. لن يكون هناك مشكلة قروض اسكان لأن الكلفة تكون قد تدنّت ولا حاجة للقروض. هذا على صعيد الفرد، أي حرّر المواطن من حاجته إلى الوساطة لحل مشاكله الخاصة او المحيطة به، أمّنت له الخدمات من مدارس مستشفيات وغيره من الخدمات. على صعيد العلاقة مع المجموعات، لم يعد هناك اتهامات متبادلة بين المجموعات عن المسؤولية عن تأمين الخدمات لأن المجموعة نفسها مسؤولة عن تأمين خدماتها لمجتمعها ما يعني التخفيف من التشنّج بين المكونات في البلاد. وحتى لو حصل تأخير في تشكيل الحكومة العمل في المجلس المحلي المنتخب لا يتوقف ما يعني أن الدورة الاقتصادية لا تتوقف أي ان الحياة اليومية لا تتوقف.
العميد جورج ابو خاطر
لست بوارد الدفاع عن الاجهزة الامنية، لكنني خدمت في مديرية المخابرات قبل الطائف وبعده. قبل الطائف كانت المديرية فعالة، عندما كنّا نواجه مشكلة كان يتم التبليغ عنها لجهة محددة من أجل حلّها وكانت تُحلّ (في القضاء او من خلال جهد معيّن، كان هناك أخطاء بالطبع). بعد الطائف اصبحت مديرية المخابرات كوكالة رويتر، يعني ان المشكلة يجب ابلاغها لمجلس النواب ومجلس الوزراء ورئيس الجمهورية ورئيس الاركان وقائد الجيش ما يعني ان المشكلة اصبحت معلومة من الجميع ولم يعد هناك امكانية لحلها، اما بالنسبة للسرقة فالجيش ليس باستطاعته السرقة لأنه بثكناته وليس في الشارع مع المواطن. اما بالنسبة للقوى الامنية الاخرى فهم مع المدنيين وضباط هذه القوى هي بالطبع من هذا الشعب. برأيي انه علينا أولاً نزع الطائفية من النفوس لكي نستطيع أن ننجح في تطبيق أي مشروع، اللامركزية او غيرها!
د سعيد
مشاكل العالم – الاحتباس الحريري والدكتاتورية الالكترونية والاقتصاد لا تحلّ أذا ما عاد المواطن ليصبح قومي الماني او قومي فرنسي او بريطاني، تحل فقط من خلال توحيد الجهد عالمياً من أجل إيجاد حل. استطيع القول وضميري مرتاح أنه هناك اهتمامات وطنية لا تحل إلا إذا بقيت مركزية، لا يمكن وضع قانون سير للمسيحيين وآخر للمسلمين وقانون بناء للمسيحيين وآخر للمسلمين وحتى أزمة النفايات في 2014، عندما أسمع الناس يتكلّمون عن اللامركزية حتى حدود الفصل! يعني المتن كسروان جبيل – كل قضاء موازنة اتحاد بلدياته لا تقل عن 10 مليون دولار، أفقر واحد قضاء جبيل 10 مليون، كسروان 20 والمتن 40- ولديهم أراضي ومشاعات وخبرات ولم يستطيعوا القول: انفصلنا وهذا هو حلّ لمشكلة النفايات في منطقتنا. بكل بساطة لأن هناك أمور وطنية تتطلّب حلولاً وطنية وهناك أمور محلية يمكن حلّها محلّياً. فلتكن اللامركزية لحل الأمور المحلّية والأمور البلدية ولتبقَ الأمور الوطنية في عهدة الدولة المركزية.
طوبيا عطالله
حول ما تطرّق إليه الاستاذ طوق عن رئاسة البلدية وحول كيفية محاسبة الناس للبلديات. برأيي يجب اعتماد النسبية في انتخابات المجلس البلدي كي يكون هناك معارضة داخل المجلس لمحاسبة رئيس البلدية.
د سعيد
النسبية في البلديات سوف تشلّ عمل المجالس لأنها ستكون مجبورة للذهاب إلى التوافقية.
د طانيوس شهوان
في ما يتعلّق بصلاحيات رئيس البلدية، ليس صحيحاً ان رئيس البلدية مطلق الصلاحيات. فالمواد 173 و174 و175 تجعل من رئيس البلدية معقّب معاملات. فهو بطبيعة القانون مكبّل. النقطة الثانية، السلطة تقاس بالمال اي القدرة على التحكّم بالصرف. يعني مدير المخابرات لديه صندوق اسود يستطيع استخدامه دون محاسبة ما الذي يجعل له سلطة غير محدودة.، بينما رئيس البلدية لديه سلطة صرف 3 مليون ليرة فقط (هذا بالقانون إذا ما أردنا مخالفة القانون موضوع آخر) ما يعني أن سلطته محددة بهذا المبلغ، ولا اريد الدخول في ما الذي يقام به من اجل الالتفاف على القانون. المجلس البلدي يحق له صرف مبلغ 20 مليون، وما بين 20 و80 مليون على المجلس الذهاب إلى القائممقام، وما بين 80 و150 مليون إلى المحافظ وما فوق إلى وزارة الداخلية او ديوان المحاسبة. ما يعني أن البلدية ( كل البلديات) محدد سقف سلطة صرفها بغير بلدية بيروت لأن لديها قانون خاص. كما هناك قانون مالي لمحاسبة الصرف، ولكن لا احد يستدعيها وهي لا تعمل من تلقاء نفسها لذلك هناك محاسبة موجودة ويمكن ممارستها المشكلة ثقافة المحاسبة غير موجودة. النقطة الأخيرة وهي نقطة لم يتطرّق لها أحد، هي الاصلاح السياسي ،أنه لا يمكن أن نطبّق اللامركزية ن الادارية بدون قانون أحزاب وعلى أي أساس يتم الترشّح لمناصب 1014 بلدية في لبنان؟ فالنظام الحزبي يجبر تنظيم برامج انتخابية، والخبرة في العالم تؤكّد على ضرورة تنظيم العمل السياسي في قانون. كما أن عدد البلديات في لبنان يجب تخفيضه إلى المئة وهو كافٍ لكن لم يتطرّق للموضوع الوزير بارود ولا احد يجرؤ على المساس به لأنه يمسّ بخصوصيات المناطق وهو أمر سياسي بامتياز. ولأنهي اعطي مثلاً بهذا الخصوص، باريس وضواحيها 12 الف كلم مربع أي اكبر من لبنان، مقسّمة إلى 30 دائرة ما يعني انها مدارة محلياً من قبل 30 مجلس منتخب. في كسروان 54 بلدية، منها 12 بلدية لديها امكانية ان يكون لها رأس مال يسمح بالاستثمار، الباقي للمشاكل فقط. والأموال التي تستفيد منها هذه البلديات من صندوق البلديات المستقل توزّع بطريقة “لامركزية” ومقسّمة طائفياً وبحسب قوة الامر الواقع.
لارا سعادة
انا اوافق على تخفيف عدد البلديات وهذا امر ملحوظ في المشروع الجديد فالمشاريع الكبيرة تكون عادة مشتركة كالنقل المشترك والمستشفى والمدرسة الخ. من ناحية اخرى حتى البلدان الوحدوية كفرنسا وتونس اعتمدت اللامركزية الادارية، وليس فقط البلدان التي يوجد فيها تعددية بسبب المردود الاقتصادي والانماء، كما يجب أن لا نخلط بين الفدرالية واللامركزية، وانا برأيي في لبنان لا يمكن تطبيق الفدرالية لأنها تتطلب وجود تركيز مناطقي لمجموعة معينة في منطقة معينة concentration territoriale الأمر الذي أصبح غير موجودة في لبنان بسبب التشابك في المناطق. وبخصوص القوانين، نفس القوانين تطبّق على كل المناطق دون تمييز الجديد هو أن من يقوم بتطبيق القانون من خلال القيام بالمشاريع هو المجلس البلدي وليس الوزارة، والجديد ان هذه المنطقة تصبح باستطاعتها وضع أولوياتها بشكل واضح وموضوع النفايات كما أكبر دليل كما شرح الدكتور سعيد. اليوم البلديات ليس لديها المال لتنفيذ مشروع النفايات على سبيل المثال لأنها لا تعرف ما هو المبلغ في صدوق البلديات الذي يستحق لها. ولهذا ليس باستطاعة البلدية التخطيط لأنه لا تعرف ما هي الموازنة المخصصة لها والامر الثاني أنه هناك ديون تقتطع من البلديات تذهب إلى الصندوق المركزي. كما ان هناك اليوم مشكلة تواقيع (بيروقراطية) تصل إلى مئة توقيع على كل معاملة (دراسة المركز اللبناني للدراسات). كما انه هناك مشكلة قدرات البلديات ففي غالبية الاوقات عضو البلدية ليس لديه اي خبرة في العمل البلدي وفي ادارة المال، للمرة الأولى المعهد المالي لسمير قصير بدأ دورات تدريبية لأعضاء البلديات على كيفية ادارة الاموال البلدية. يكمن اعتماد النسبية في الانتخابات البلدية على شكل ان تعطي اللائحة الفائزة نسبة 51% من اعضاء البلدية ليكون لها امكانية اتخاذ القرار للعمل ويتمثّل الباقون في المجلس للمحاسبة.
د سعيد
ختاماً أريد أن اشكر الجميع على مشاركتهم وبالطبع اللاستاذ ايلي القصيفي على عرضه. يمكنكم التواصل مع الاستاذ طوني حبيب الذي سيضع لاحقاً بتصرفكم جميع النصوص والمداخلات بعد تحضيرها لأخذ رأيكم وموافقتكم على نشر ما