شادي علاء الدين/إليسا وزياد الرحباني: الوضوح السياسي والتفاؤل في مواجهة «كوليكتيف» العزلة والترهل

129

إليسا وزياد الرحباني: الوضوح السياسي والتفاؤل في مواجهة «كوليكتيف» العزلة والترهل
شادي علاء الدين/جنوبية/28 كانون الأول/18

يخرج مراقب أحوال البلاد وشؤونها بملاحظة لا تخلو من البداهة تقول إن الترهل بات سمة تغلب على كل ما يجري فيه من فن وسياسة واقتصاد وخطاب وعلاقات، ولكن هذا الترهل متفاخر، مغرور ومتبجح وعلى قدر كبير من الوقاحة والابتذال.

ولعل ما يختصر هذه الصفات جميعها هو حاجته الدائمة الى أبطال يمنحونه شرعية توحي بأنه النقيض التام لما هو عليه.

يقدم مجال السياسة العديد من الوجوه القادرة على احتلال منصب بطولة الترهل، ولكن يبدو أن المجال الفني قد كرس مؤخرا زياد الرحباني كبطل لا ينافس في هذا المجال، مع توالي ظهوراته التلفزيونية التي يحرص فيها على إطلاق جملة آراء ومواقف في السياسة، والفن، الأخلاق وطرق العيش، تكشف في طبيعتها وطريقة عرضها أن هذا الرجل تحول إلى نسخة رديئة من نفسه، ولم يعد قادراً حتى على استنساخ سماجته نفسها، فكيف الحال إذا ما حاول أن يقدم ما كان قد بلي من كثرة الاستهلاك وما لم يعد مستساغا ومقبولا وكأنه بضاعة طازجة وجديدة.

إطلالته الأخيرة مع هشام حداد في برنامج “لهون وبس” كانت استكمالا لعملية نفي الذاكرة المرتبطة به، وتعميقا لمسار اللغو الذي يصر على السير فيه وتحويله إلى صورة نهائية يسكن فيها، معتديا بذلك على نفسه وعلى علاقتنا معه ومع تراثه وموسيقاه، خصوصا مع إعلانه أنه راغب في التلحين لراغب علامة وغيره من النجوم الذين طالما سخر منهم ومن أعمالهم، بحجة أنهم لديهم إنتاج وأنه “بصراحة” محتاج إلى الإنتاج.

وكذلك طغى جو العزلة على ما يقدمه من موسيقى وغناء فلماذا سنكون مضطرين إلى سماع أغنية “بلا ولا شي” بصوت لارا رين ولا يكون سامي حواط حاضرا ونسمعها بصوته الذي لم تشتهر وتعرف إلا من خلال أدائه، و الجواب هو أن الرحباني اختار في سياق حرصه على تبني منطق الترهل العام على تأثيث هذا الترهل بالعزلة، والتنكر للصداقات والعلاقات وكل الذين ساهموا في صناعة أمجاده، أو كانوا هم صناعها ولكنهم ارتضوا البقاء خارج المشهد .

هكذا وضعنا زياد أمام بؤس قاس، بدا فيه في لحظة وكأنه يقلد مناخ برنامج “لول” الذي كان يقدمه ضيفه هشام حداد الذي شاء أن يجعل من موافقة زياد على غنائه السخيف لأغنية “شو هالأيام اللي وصلنالا” عنوانا على التصاقه بهذه المرحلة وحرصه على أن يكون أحد علاماتها البازرة، وكأن هناك عملية إعدام تجري يسقط فيها سامي حواط ويغيب ذكر زياد أبو عبسي الذي توفي مؤخرا، ويحل مكانهما هشام حداد ولارا رين.

من ناحية أخرى وفي موازاة حلقة زياد الرحباني كان مارسيل غانم يستضيف في برنامجه “صار الوقت” الفنانة إليسا في خيار أثار استغراب الكثيرين نظرا لطبيعة البرنامج السياسية البحتة.

انتظر الجميع أن يكون خيار إليسا مقارعة لحلقة زياد ضمن العنوان نفسه، أي مقارعة الترهل بالترهل ومحاربة الخواء بالخواء. خيبت إليسا آمال الجميع وكشفت عن قدرة على صناعة خطاب سياسي واضح المعالم، يعبر عن نفسه بقدر كبير من الجرأة والصدق،السلاسة والعفوية.

وكان لافتا أن إليسا حرصت أن تؤكد أنها لا ترتدي ثوب المحلل السياسي ولكنها تقوم بدورها كفنانة منخرطة في السياسة من بوابة كونها شأنا عاما، ولم تبحث في اجاباتها عن السياسة الصحيحة أو ما يجب أن يقال، ولكنها عبّرت عن رأيها واضعة إياه في محل فتح باب النقاش والتحاور، وليس كما يتم التعامل مع كلام زياد الرحباني في السياسة بوصفه بنية عميقة تحتوي على طبقات عديدة وسميكة، لا بد من بذل الجهود الحثيثة لتفكيكها وفهمها.

أطلقت إليسا كلاما جريئا حين اعتبرت أن وصول العماد عون إلى سدة الرئاسة بمثابة الهزيمة، وحين ربطت اغتيال الحريري بتفجير البلاد وإدخالها في مسار انحداري نشهد عليه حاليا، كما أكدت أن عهد العماد عون فشل وأعربت عن أنها لا ترغب في أن ترى الوزير جبران باسيل رئيسا في يوم من الأيام، وعن ترحيبها بعلاقات لبنانية سورية تقوم على الندية، وهاجمت نظرة حزب الله إلى مفهوم الشهادة، في إشارة إلى حربه في سوريا، معتبرة أن الشهادة لا تكون إلا على أرض الوطن.

نجحت إليسا في أن تقدم رؤية سياسية، كما حرصت من خلال اختيارها إطلاق تسجيل تؤدي فيه أغنية الراحلة الكبيرة صباح “بكرة بتشرق شمس العيد”، أن تقدم للجمهور رؤية تفاؤلية وتشاركية مغايرة لما يروج له زياد الرحباني في حزبه “الكوليكتيف” الذي يبشر به، والذي توحي مواقفه وسلوكياته أنه سيكون متحفا للعزلة والترهل.