الدكتورة رندا ماروني/ثورة من فوق ثورة من تحت أو صواعق ملونة

322

ثورة من فوق ثورة من تحت أو صواعق ملونة
الدكتورة رندا ماروني/14 تشرين الأول/18

إنه عصر المطالب التغييرية، وكيف لا والكل ينادي بها، مع فارق إنه يريد تغييرا ولكن متناسقا مع ما يناسبه، فأطراف السلطة الملونة تريد التغيير، وبعض الجمعيات والجماعات من خارج السلطة الغير موحدة في تشخيص الحلول تريد التغيير. تصدح الأصوات هنا وهناك، وتطلق المعارك وترافق بدراسات متناقضة حول ما يجوز وما لا يجوز، وتستعمل إزدواجية المعايير، فتارة تستعين بالدستور إذا حلا لها، وساعة أخرى تتناساه.

أسلوب مزدوج يمارس من قبل الجميع دون إستثناء، فإذا بالمواطن العادي يتخبط بين سيل من الأحاجيج لا يدري من منهم ينطق حقاً فهو غير خبير بالتفاصيل الدستورية والقانونية والحقوقية، وغير خبير بتفاصيل القوانين الإنتخابية، يريد فقط أن يواصل عيشه بشكل طبيعي في بلد طبيعي. هذا الحق الذي سلب منه ويريد إستعادته، يريد إستعادة زمام القرار، قد يصح أنه لا يدرك في بعض الزوايا بالتفاصيل، ولكنه بات يدرك أن الكل مشارك في مصادرة قراره ومبتغاه بطريقة أو بأخرى.

التغيير اليوم من فوق، أي ثورة سلطة وثورة إصلاحية لمصلحة الشعب، صعب المنال على الرغم من كل الوعود والتصاريح البراقة، فالتغيير له معطيات وظروف غير متوفرة في الواقع اللبناني نتيجة للتعددية الزعماتية، فليس هناك من زعيم بشخصه يستطيع إحداث واقع تغييري ثوري يصب في مصلحة الدولة والمواطن وذلك للقدرة المحدودة التي يتمتع بها إن لم يكن على صعيد الطائفة فعلى الصعيد الوطني ككل، وفي سبب آخر وفي أغلب الظروف والحالات، اللعبة الزعماتية مصالحها في ذاتها وفي إعادة إنتاج نفسها.

إن النظام الزعماتي العائلي القبلي ينفر من التغيير، ويوصد الباب أمام القارعين الجدد لأبواب التغيير، فهو نظام مغلق على طبقة سياسية معينة، موصد الأبواب أمام شباب المستقبل والمثقفين، ومفتوح بسهولة لظاهرة الفساد، حيث لا يمكن محاسبة أحد لأحد.إن الإصلاح والتغيير، هو بالدرجة الأولى قيام دولة القانون، وهذا دونه عقبات كثيرة في لبنان، فدولة القانون هو في الدرجة الأولى تطبيق القانون على الجميع داخل الدولة إبتداء من الرأس ومكافحة الفساد، هو عملية دائمة وليست موسمية أو إستنسابية، إذ في دولة القانون من النصوص ما يكفل محاسبة أي مسؤول كان. فمقياس الديمقراطية يكمن في قدرة هذه الدولة على محاسبة المسؤولين وفي إنصياع الدولة للقانون، وهذا هو الفارق بين عالم متقدم وعالم متخلف، فالديمقراطية ليست بوضع الدساتير والنصوص، فقط بل بقدرة النظام على محاسبة آفة الفساد، وبهذا فإن لبنان ما زال واقفا على أبواب الديمقراطية ولم يستطع بعد الدخول إليها، وإن الشعارات والوعود الشعبوية المطروحة من البعض هي حتى واقع حالنا اليوم ليست بأكثر من حبر على ورق، وتدخل في عدة عمل إنتحال صفة أبطال منقذون، فالبطل الوحيد في الدول الحديثة هو القانون الذي يعلو الجميع.

فحتى لو شهد تاريخ لبنان في أوقات معينة خروج عن قواعد اللعبة الطائفية إلا إنه سريعا ما أعيد إليها ولم يثمر هذا الخروج إصلاحا سياسيا كما كانت تصبو إليه الشهابية، فتجربة الإصلاح الإداري في عهد الرئيس شارل حلو وصرف موظفين ليكونوا عبرة لم تدم طويلا ولم تنتج إصلاحا سياسيا، كما أن حكومة الشباب الخارجة عن الإصطفاف السياسي في مطلع عهد سليمان فرنجية، التي إستمرت بصعوبة حتى إنتخابات 1972 كانت فاصل مؤقت في مسيرة النظام ، إلا أنها لم تكن لتجسد تغيير أو ثورة بل كانت لتوفير بديل مقبول للشهابية بالإضافة إلى كره الرئيس لكافة أنواع الأحزاب يمينا ويسارا، إلا أنها فتحت بابا بعد إنقضاء عشرين عاما على وجود المجلس النيابي نفسه، على وجوب تأليف حكومات من خارج المجلس خصوصا بعد إنقضاء الحرب وظهور أطراف جدد على الساحة، إلا إنه في مطلق الأحوال فإن الحالات التقليدية راسخة في النظام اللبناني كما أن المستجدون أتوا ليلعبوا نفس الأدوار في الانخراط بالتقليد ومنع التحول والإصلاح السياسي.

لقد وعد الرئيس الجديد الشعب اللبناني بالتغيير والإصلاح فور تسلمه، وكان قد وعد سابقا المسيحيين باسترجاع حقوقهم، وعلى خلفية هذه الحجة تعطلت الإنتخابات الرئاسية لأكثر من سنتين، ولكن في الواقع إن الوعود شي والواقع شي آخر تماما، فالتغيير يحتاج إلى دولة قانون ومحاسبة إبتداء من الرأس، وهذا غير متوافر في المستقبل المنظور. أما بالنسبة لاسترجاع حقوق المسيحيين فهي تندرج في حقوق المواطنة وفي القدرة على التغيير والمحاسبة المسلوبة من قبل الفريق الحاكم، وهذا ما ترجم من خلال قوانين الإنتخابات المدروسة بدقة لإستمرار عملية السلب.

أما الثورة التحتية التي تنطلق من قواعد الشعب والمثقفين والتي تهدف للإصلاح السياسي فهي غير مؤهلة حتى الساعة للعب دور ريادي، بالرغم من الحالة المذرية التي يعيشها المواطن والتي من المفروض أن تدفع في هذا الإتجاه، فإختلاف القراءات والتشخيصات لطبيعة النظام، والإقتراحات المتباينة للحلول تضفي صفة التشرذم واللاتماسك والتنوع في الخطط والمطالب، وانطلاقا من هذا التشرذم لم تستطع حتى اليوم أن تشكل قوة ضاغطة دافعة بشكل كاف للتغيير والإصلاح، فتأتي تحركاتها هزيلة غير مؤثرة في صميم اللعبة السياسية.

أما إذا أرادت أن تكون أكثر فعالية وتأثيرا فعليها أن توحد صفوفها، وتعيد النظر في قراءاتها وأهدافها وتنظيم تحركاتها، وأن تضع أهداف واقعية قابلة للتنفيذ تنطلق من الواقع اللبناني، وعليها بالدرجة الأولى أن يكون لديها نظرة موحدة لشكل الدولة وتحديد المفاهيم المختلف عليها والتي تدور في فلك سيادة الدولة والحرية والاستقلال وعلاقات لبنان بالخارج ورؤية واضحة حول شروط تأسيس الأحزاب ودورها في الحياة السياسية وقوانين تنظيمها، كلها حتى اليوم مواضيع خلافية تشكل تشتتا في القواعد الشعبية وضعفا في الضغط الفعال بإتجاه التغيير، فإذا لم يتحقق هذا التوافق السياسي في القواعد الشعبية اللبنانية حول دور الوطن والهوية، سيبقى أي تحرك تغييري محدود التأثير، وكل الضغوط ستذهب أدراج الرياح، وسيبقى الإختلاف في الرؤيا السياسية عاملا اساسيا، ينعكس ضعفا ضاغطا على كل الميادين الأخرى أكانت إقتصادية معيشية أو غيرها وسنبقى رهينة للعبة المحاصصة.
ثورة من فوق
ثورة من تحت
أم صواعق ملونة
تصعق العقول لبرهة
بوعود مزينة
ثم ترتد أدراجها
مثقلة الهموم
خائرة القوى واهنة
فتنعي واقعا
وتنفث السموم
بأعيرة مدوزنة
كبرج بابل
تشامخ وكبرياء
وبلابل المنابر
بالأدضاد مدندنة
بلبل الله ألسنتهم
فتفرقت أحرف الفهم
وكل نبرته في
الصياح مسلطنة
تحاضر تناور
تفجر المواقف
فتعلو صعودا
وترطموا ساكنة
كلهم فهيم
وينطق حكمة
والإختلافات في
قاموسهم مخونة
لا صلة وصل
لا تواصل بغير
ما يبغيه الملقن
مصالح مكاسب
وحدها مبتغاة
في أقصى ما يمكن
في الجيوب مخزنة
لا أمل لا طائل فيهم
أما في التحت
فالهمم نائمة
لا تضامن لا إتساق
مطالب متضاربة
لا تنظيم
لا قوة مقوننة
إنه فشل فاقع
فلا ثورة من فوق
ولا ثورة من تحت
بل صواعق ملونة
تصعق العقول لبرهة
بوعود مزينة.