الدكتورة رندا ماروني/الشيطان الأكبر وصغار الشياطين

267

الشيطان الأكبر وصغار الشياطين
الدكتورة رندا ماروني/19 آب/18

لقد ظهر الشيطان الأكبر كمصطلح سياسي أطلق في العام 1979، إشارة إلى الولايات المتحدة الأميركية أثناء ثورة الخميني، وتعددت مواقعه، حتى شملت المملكة العربية السعودية، فماذا تعني عبارة الشيطان الأكبر بالنسبة إلى مطلقيه؟ ومن هم الشياطين حسب بعض المجتهدين؟
كان لا بد من الإشارة إلى بعض المفاهيم التي تروج إستنادا إلى بعض التفاسير التي تنعكس مباشرة على وضعنا الحالي، وعلى السياسة العامة اللبنانية.

إن عبارة الشيطان الأكبر تدل على عدو ناعم خارجي، لماذا ناعم؟ يتعدد العدو الخارجي باعتبار أساليب العداء إلى نوعين:
الأول: العدو الناعم وهو الذي يحاول أن يحرف الإنسان، لا بالقهر والإكراه، بل بتغيير صورته الإدراكية، مما يؤدي إلى تغيير ميوله، وبالتالي سلوكه، وقد أطلق على هذا العدو مصطلح الشيطان.

أما الثاني: فهو العدو الذي يحاول أن يحرف الإنسان بالقهر أو الإكراه من خلال حروب عسكرية أو أمنية أو إقتصادية وما شابه ذلك وقد يمارس هذا الأمر إضافة إلى حربه الناعمة، فيكون في الوقت ذاته عدوا صلبا وناعما، كما حال المملكة العربية السعودية حاليا بالنسبة لإيران.

شخص الإمام الخميني منذ بداية حركته الثورية حدد أعداء الأمة وأرشد إلى أساليب هؤلاء الناعمة، وفي هذا الإطار سمى أميركا الشيطان الأكبر، واصفا حربها الناعمة بقوله: على شبابنا أن يعلم أن أميركا لا تدخل الميدان بالسلاح إنما بالقلم.

أما العدو الصلب حين يتجاوز حدوده، ويتعدى على المسلمين، فلا بد من مواجهته، ويكون مقدار عداوته بحسب مقدار إعتدائه، فهو حينما يتعدى ويحتل الأرض يكون عدوا وجوديا، وحينما يستعبد الإنسان ويميز بين الناس عنصريا يكون عدوا إنسانياً، وحينما يتعدى في السياسة يكون عدوا سياسيا.

ومواجهة العدو المعتدي باحتلال الأرض تكون من خلال طرده، ومواجهة العدو المستعبد للإنسان بمقاطعته المطلقة طالما هو يستعبده ويميزه عنصريا، أما مواجهة العدو السياسي هو بمواجهته في السياسة وسائر العناوين التي يتعدى بها، وتبقى المواجهة طالما بقيت تلك الممارسات العدوانية، فإذا تبدلت السياسة، يبقى العدو عدوا لكن التعامل مع ذلك التبدل بحسب مقداره. أما من هم الشياطين الأعداء، فهم الكافرون والمنافقون الذين يعتبروا بمثابة الأعداء الناعمون.

هذه التحديدات للعدو والشياطين تنطلق من إعتبارات وتفسيرات تدعي ركائزها ومنطلقاتها الدينية، ومهما كانت صدقية هذه التفسيرات أو عدمها، هي مناقضة لمفاهيم الدولة الحديثة، في تحديد أعدائها وفي تحديد خياراتها السياسية وحتى في البناء السياسي المتكامل إنطلاقا من الإرادة الشعبية التي يعبر عنها بالإنتخابات وصولا إلى إتخاذ القرارات، وهذا الصراع الدائر اليوم في لبنان بين منطق الدولة ومنطق اللادولة. إنطلاقا من هذه المفاهيم العابرة للحدود، يتم خرق البنى الوطنية الغير مكتملة أصلا، فمفهوم الدولة الأمة مفهوم حديث نسبيا ظهر مع ظهور الدولة الحديثة، ولاحقا للثورات كالثورة الفرنسية والأميركية، وظهرت الدولة كيان مستقل عن الإعتبارات العقائدية والعنصرية، وسيادة دولة القانون على الجميع إبتداءا من الرأس، وسيادة منطق المسائلة والمحاسبة.

ومفهوم الأمة كما مفهوم الدولة تم إستيرادها بالشكل دون المضمون، فالدولة والأمة والقومية هي عبارات ومفاهيم حديثة ملازمة لفصل الدين عن الدولة، أما ما حدث فعلا في واقعنا العربي فلقد إستوردنا مفهوم الدولة دون القانون الوضعي، وإستوردنا الأمة والقومية وربطناها، بالدين، أي أبناء أمتي وقوميتي هم أبناء ديني ومذهبي، وحددنا المخالفين بالشياطين الكافرين والشياطين المنافقين.

وانطلاقا من نفس المعايير الموضوعة، التي تقيس العدو ، وتحدد الشياطين، وفي مواجهة الواضعين، إذا ما تم تحليلها إنطلاقا من الواقع السياسي الحالي للبنان، لبنان هذا البلد الرسالة، التعددي، مرتع الحرية منذ القدم، مستقبل المظلومين والمضطهدين، نرى ما هو محدد لتفسير صفة الأعداء يمارس في لبنان، من العداء الناعم وحتى الصلب منه. فالقانون الوضعي ينتهك في لبنان من المستقوين والمتعاملين والمستفيدين، وكم من المحاولات ترتكب لتغيير الصورة الإدراكية عن لبنان وتاريخه وتشويه نضاله في سبيل الحرية، وكم من المحاولات التدجينية الترغيبيبة والترهيبية لتغيير المعتقدات الوطنية اللبنانية، أليس هذا بحسب المفسرين يسمى بالإرهاب الناعم أو العداء الناعم.

إن مواجهة هذا العداء على المستوى الإجتماعي هو في العمل على نشر الوعي الإجتماعي، فكل من يعيش على هذه الأرض مصلحته أولا وأخيرا في الدفاع عن مصالحها، فهي أمته الوحيدة ولا من أمة أخرى، وإذا أصابتها المصائب فهو المصاب أولا، ولن يجد له أمة بديلة مهما علت الشعارات
كما إن هذا الطوق الملفوف حول لبنان، وإستهدافه في مصيره ووجوده السياسي وإقتصاده يستوجب جهوزية تامة من أبناء الأمة اللبنانية للتصدي له بكل ما أوتي من قوة، والإعداد الأقصى لمواجهته بكافة السبل.

هذا العداء الذي يتربص بلبنان وحسب التوصيف هو معتبر عداءا وجوديا، على اللبنانيين إزالته، وعداءا عنصريا خارج عن طبيعة اللبنانيين التعددية، وعداءا سياسيا يستهدف بنية الأمة اللبنانية.

فلا يا سادة إعذرونا، فنحن لسنا بداعشيين ولا بكافرين، نحن أبناء القداسة، نحن لبنانيين، ومن واجبنا الدفاع عن الأمة اللبنانية، فمن يأكل من خيرات هذه الأرض ويرميها بحجر فهي براء منه.
الشيطان الأكبر
وصغار الشياطين
قصص تروى
تسطر فصولا
تملأ دواوين
أفكارهم تسوق مبادئا
وهي لن تكون حتى
في تبصير الفناجين
شواذ يدعي القاعدة
وأضحوا في
الكذبة مؤمنين
يكفرون يخونون
يصرعون الآلهة
يقتلون بإسم الدين
وكم من الجرائم
ترتكب بإسمك
يا فلسطين
يبغونك طرفا
وإلا فأنت
من المتهمين
فعليك أن تحمل لقبا
وإلا لقبين ممتعين
فإما أن تكون
داعشيا وخائنا
أو أنت لا محالة
من الكافرين
ومع كل تلك الألقاب
ما لك إلا الله العلي المعين
فالشيطان الأكبر موجود
وهناك صغار الشياطين.