المخرج والكاتب يوسف ي. الخوري/أيّها الغالبون: قَدّْكُن قَدّْ شَخْطة، وصَارْ بَدكُن شَحطة

709

أيّها الغالبون: قَدّْكُن قَدّْ “شَخْطة”، وصَارْ بَدكُن “شَحطة”
المخرج والكاتب يوسف ي. الخوري

القاضي “الماروني”: (بصوت مرتفع وبغضب) مينَك إنت تَ تِتْهَجّم عالشيعة؟
أنا: ريّس، أنا ما تهجّمت عالشيعة.

القاضي “الماروني”: (دائمًا بحالته الهستيريّة) ما تكون مفكّرني ما بعرف إقرا شو إنت كاتِب بمقالتك؟

ألعوزُ بالله ريّس، بس يمكن إنت ما قْرِيت… أنا موجِّه مقالتي ضدّ فئة معيّني من الشيعة عَمْ تِتْهَجّم عَ بطركي.

(بهستيريا أقوى) والبطرك مكلّفَك تدافع عنّو؟

هيدا بطركي وأنا حرّ دافع عنّو أو ما دافع عنّو، بس إنت ريّس، عندك تكليف من الشيعة تَ تِحكي معي بهالطريقة؟

إنت ما رح تتربّى إلّا ما تْنَمْلَك لَيلتَيْن بالنظارة…

بدّك تزيدُن “ريّس”، وبحب طمنك إنّو إذا بتِحبِسْني سنتين وتلاتي وأربعا، ما رح إتربّى غير متل ما ربّتني إمي.

(القاضي “الماروني” للمحقّق الشيعي) خِدو شْلَحو بالنظارة…

في الطريق إلى النظارة، قال لي المحقّق الشيعي الذي سبق أن تولّى التحقيق معي:
كان لازم تطرّيها يا إستاذ، شخص مُحترم متل أفضالك ما لازم يتوقّف بالنظارة…

هذا ما حصل يوم تمّ توقيفي على خلفيّة مقالتي “حجمكم شخطة قلم رصاص بيد بطريرك ماروني”، ولم اَستذكره اليوم إثر تجدّد حملة الشيعة الغرباء ضدّ بطريركنا الماروني مار بشارة بطرس الراعي، إلّا للتعبير عن أنّ سخطي لم يعد منحصرًا في هذه الفئة من الشيعة وحدها، بل بات يطال كلّ لبناني سلوكه من سلوك هذا القاضي الذي حوّلني إلى النظارة.

بالأمس، هبّ الغيورون لإدانة الحملة التي يتعرّض لها بطريركنا بسبب شجبه محاولات حزب الله تحويل لبنان الجنوبي إلى “فتح لاند” جديدة. فخامة الرئيس اتّصل وأدان ورفض التطاول على صاحب الغبطة، مذكّرًا بأنّ دستور البلاد يصون حريّة التعبير.

وليد بَيْك تساءَل “عن الجريمة في كلام غبطته”، واستنتج أنّ “النقاش خارج أدبيّات جماعة الممانعة ممنوع”، فيا ليت جنبلاط أدرك هذه الحقيقة يوم كان يُسوّق بعد حرب تموز 2006 لعلاج معضلة حزب الله داخليًّا، وليس تحت البند السابع.

لقاء سيّدة الجبل اِستنكر ودعا اللبنانيين إلى اتّخاذ موقف ممّا يحصل، ثم هدّد بتحرّكات في المناطق في حال لم تتوقّف الحملة، وهو المعروف عنه أنّ لا حيثيّة شعبية خلفه، فبماذا يُهدّد، لا أعرف.

اللجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام اِكتفت ببيان ردّت فيه الكلام المُهين بحقّ البطريرك لمُطلِقيه، فتذكّرت يوم كنا صغارًا وكان أحدهم يشتمنا ونردّ عليه قائلين: “إنشالله الكلام بيقلُب عَ صاحبو”.

الوزير السابق سجعان القزي تمنّى ” لو أدرك المتطاولون على غبطته أنّ مواقفه تصبّ في مصلحتهم…”، فذكّرني بأغنية نجاة الصغيرة “آه لو تعرف يا حبيب قلبي”.

رجال دين، نواب ووزراء سابقون وحاليّون ومستقيلون، صحافيّون ومنظّمات ورابطات وغيرهم، كلّهم اِصطفّوا خلف البطريرك الراعي مستخدمين التعابير نفسها في إدانة المتهجّمين عليه، وكأنّ هناك مَن حدّد لهم سقفًا للكلام يُتيح تأييد مواقف غبطته، لكن لا يسمح بالتطرّق إلى حزب الله وأتباعه الغربان الغرباء الذين يُمعنون في الإساءة إلى لبنان وإلى البطريرك.

تابعتُ حملات التأييد هذه، فما وجدتُ فيها غير الكلام، ومزيدًا من الكلام، ونفس الكلام، كما تقول أغنية داليدا “paroles paroles paroles”.

إلى متى ستظلّون، يا ضعفاء النفوس، تهربون إلى الكلام كي لا تقعوا في تجربة الحقيقة؟
إلى متى ستتلطّون بالتطرّق للعدو الإسرائيلي كلّما أردتم انتقاد حزب الله؟ متى ستجرؤون، وكلامي هنا موجّه للوجهاء المسيحيين، على قول الحقيقة كما هي “نعم تعاملنا وتسلّحنا من إسرائيل وروحوا بَلْطوا البحر”؟

العميل ليس مَن تعامل مع إسرائيل للدفاع عن لبنان، إنّما العميل هو كلّ مَن يصنّف حزب الله وغربانه مكوّنات لبنانية، ويتعامل معها على هذا الأساس، ويرضى بأقلّ من حلّ هذا الحزب ومحاكمة قادته وتحميلهم أثمان كلّ الخراب والويلات التي جرّوها على لبنان وشعبه.

والعميل هو كلّ مَن يصدّق أنّ حزب الله يحمي لبنان ويشكّل توازن رعب مع إسرائيل.

والعميل هو كلّ مَن يصدّق أنّ نصرًا إلهيًّا حقّقه حزب الله في حرب تمّوز 2006.

والعميل هو كلّ مَن يعتبر أنّ حزب الله خارج منظومة الفساد التي أودت بلبنان…

إلى متى ستظلّون تكذبون وتكذبون وتكذبون؟
هي ليست إسرائيل التي تستغلّ وجود حزب الله لتُبقي على دعم الغرب لها، بل هو حزب الله الذي يصوّر لنا إسرائيل بالعدو الطامع كي يُبقي على احتلاله للبنان.

هي ليست إسرائيل التي تخشى الاعتداء على لبنان خوفًا من حزب الله، بل هو حزب الله الذي يجمّد جبهة الجنوب لِكَيلا يبان ضعفه.

هي ليست إسرائيل التي لها أطماع في لبنان، بل هو حزب الله الذي يتحاشى حقيقة أنّ الحدود الوحيدة المرسّمة بين إسرائيل ودولة عربية، هي حدود لبنان.

هي إسرائيل التي تخرق الاتّفاق 1701، وهو حزب الله الذي يلتزم به إلى أقصى الدرجات.

إلى متى ستظلّون تختلقون الأوهام وتُزوّرون الوقائع والتاريخ؟
فلنحسم موضوع الأطماع الإسرائيلية بلبنان، ولننزع عنّا اِتّهامات العمالة السخيفة. لو كانت لإسرائيل أطماع في لبنان لَمَا خرجت من جنوبه عام 2000 تنفيذًا للقرار 425. وما كانت تخلّت عن أربع عشرة قرية لبنانية جنوبيّة اِحتلّتها خلال حرب 1948. وما كان حاييم وايزمان، رئيس الوكالة اليهودية، ليرفض عام 1943 ضمّ جبل عامل اللبناني إلى دولة إسرائيل المزمع على إنشائها. وما كان بن غوريون ليتخلّى عام 1967 نهائيًّا عن فكرة ضمّ أراضي جنوب الليطاني إلى إسرائيل، وقد أكّد هذا الأمر للجنرال “شارل ديغول”.

أنا لا أذكّر بهذه الحقائق دفاعًا عن نوايا إسرائيل، بل أذكرها لأقول إنّ تخلّي إسرائيل عن أيّ أطماع في لبنان، يعود الفضل فيه للمسيحيين، وتحديدًا للموارنة بقيادة بطريركَيْن تاريخيّين هما الياس الحويّك وأنطون عريضة، إذ لم يتفاعلوا مع الطرح الإسرائيلي بقيام دولة قوميّة مسيحيّة شمال إسرائيل.

وبما أنّ ما أوردناه يؤكّد أنّ عداوة البعض لإسرائيل هي فعل شعبويّ وكلاميّ ليس أكثر، فيكون اتّهام أيّ لبناني بالعمالة لإسرائيل باطل.

فلنَعتِق أنفسنا كمسيحيين من عقدة العمالة لإسرائيل، أوّلًا، للحقائق والوقائع التاريخيّة المدرجة أعلاه.
وثانيًا، لأنّ إسرائيل اِكتفت عام 1982 بإبلاغنا بأنّها ستجتاح لبنان، ولم تستأذننا أو تناقش الأمر معنا.
وثالثًا، لأنّنا أثناء الاجتياح، لم نتآمر على فريق لبناني واحد مع الإسرائيليين، بل جلّ ما كنا نصبو إليه هو التخلّص من الاحتلالين الفلسطيني والسوري لأرضنا. أين الضرر في تطلّعنا هذا؟
أَوَليس اللبنانيون محكومين بالجيو-سياسة التي فَرَضَت عليهم، خلال كلّ تاريخهم، أن يأتيهم محتلّ ليخلّصهم من محتلّ سبقه؟
أليس هذا ما حصل عندما أخرج الإسكندر المقدوني الفرس من بلادنا (333 ق.م.)؟
وعندما خلّصنا “بتغران” ملك أرمينيا من السلاقسة (83 ق.م.)؟
وعندما أخرج الرومان الملك “بتغران” (69 ق.م.)؟
وعندما جاءت الفتوحات الإسلامية وأنهت حكم الروم (640 م.)؟
ثمّ وصولًا إلى وقوع أرضنا تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانيّة التي طردها الفرنسيّون والإنكليز عام 1920؟…

بناءً على كلّ ما سبق،
فيا أيّها المفتي الجعفري أحمد قبلان، اِحترم نفسك كي نحترمك. كفّ عن تضليل اللبنانيين بحُكمك على النوايا وبتزييفك الحقائق. فقرار الحرب والسلم نريده بيد حكومة بلادنا وجيش بلادنا مهما كانا ضعيفين. دعنا نخسر عن طريقهما أمام إسرائيل، ولا نريد أن نربح عن طريق أمثالك ممّن يتوهّمون أنّهم الغالبون.
أمّا بالنسبة لاتّفاقيّة الهدنة (1949) التي استخدمتها مدخلًا لتنقضّ على بطريركنا لأنّه يُطالب باحترامها، فأذكّرك بأنّ هذه الاتّفاقيّة قائمة، واللبنانيون تمسّكوا بها في وثيقة الوفاق الوطني بعد الحرب، فراجع المادة “ثالثًا” الفقرة “ب” من هذه الوثيقة وأعِرنا صمتك.
ويا سيّد حسن، آنَ الأوان لتُدرك، أنت وغربانك، أنّ اتّهامك الآخرين بالعمالة لم يعد يُجديك نفعًا، فنحن تصالحنا مع أنفسنا بخصوص علاقتنا مع إسرائيل، لكن أنتم، هل ستجدون مَن سيشفي نفوسكم من عقدة عجزكم عن تحرير فلسطين، وعقدة استقوائكم بالكلام ورفع الصوت؟ وعسى، يا سيّد حسن، ألّا تُبرهن الأيام أنّك لا تمانع إنشاء كيان شيعي مستقلّ في الجنوب لخدمة إسرائيل ولإنهاء كيان لبنان الكبير، مقدّمًا بذلك للكيان الصهيوني ما عجز عن أخذه من الموارنة.