د. حارث سليمان/نحنا الناس وشجر الشوارع … الناس هم الناس راسخون هنا قبل العصابة باقون قبل العصابة وبعد ترحيلها

94

نحنا الناس وشجر الشوارع … الناس هم الناس راسخون هنا قبل العصابة باقون قبل العصابة وبعد ترحيلها.
د. حارث سليمان/11 آب/2021

في الرابع من شهر آب ٢٠٢١ نزل في وسط بيروت، عشرات الآلاف من الناس يعلنون غضبهم، من تفجير عاصمتهم، واصرارهم على محاسبة المسؤولين عن الجريمة، ومن أجل احقاق العدالة وانصاف الضحايا. وتركزت مطالبُهُم برَفْع حصاناتِ مسؤولين سياسيين وأمنيين، أشار إليهم المحقق العدلي، كمشتبه بهم بجريمة التسبب بالقتل أو الاهمال الذي يتسبب بالقتل القصدي، حَدَثَ هذا، بعد أن قام وزراءٌ تدور شبهاتٌ حولَ دورهِم في تفجير المرفأ، باللجوء الى طلب تنحية القاضي صوان، بذريعة الارتياب المشروع والشك بحياديته، كونه متضررٌ من انفجار المرفأ والكارثةِ التي نَتَجَتْ عنه، وأدى هذا الارتياب الى قبول النيابة العامة التمييزية بتنحيته.

خرج الناسُ يطلبون دولةً وقضاءً يُنَفِّذُ القانونَ ويلتزمُ تطبيقَ نُصوصِه، فيما وقف أصحابُ السلطة، في وجه الناس يلوّون عنق القانون، ويتنكَّرون للقضاء المؤهل لتطبيق أحكامه!

كما حدث ذلك، بعد خروج السيد نصرالله الى الاعلام ومطالبته المحقِّق العدلي بإنهاء التحقيق واعلان نتائجه، كحادث نتج عن إهمال أو سوء إدارة، لا عن تفجير عسكري، او عمل حربي مقصود، وبعد قيام وزير في الحكومة المستقيلة بتوجيه كتاب رسمي، يحمل الطلب ذاته، وقد تبنى كلا الموقفين ذريعة تَمْكين الضحايا، من قبض تعويضات خسائرهم، من شركات التأمين التي يمكن ان تعوّضَ حادثا عرضيا ولا تغطي خسائر عمل حربي أو نزاع قتالي.

الناسُ لم تُغْرِها رشوةُ التعويض وأموال التأمين، بل أرادت تطبيقَ القانون ونيلَ العدالة وتطبيق المساءلة!
كما حدث بعد قيام نائب رئيس المجلس النيابي بتسطير عريضة نيابية، تُحيلُ جريمةَ المرفأ، للمجلس الأعلى لمحاكمة الوزراء والرؤساء، وذلك بهدف كفِّ يدِ القضاء العدلي، عن ملاحقة أصحاب الحصانات، من وزراء ونواب وصولا الى حماية رؤساء الأجهزة الأمنية، من أي مساءلة او محاسبة، بعد أنْ رفضَ رؤساؤُهم إعطاءَ المحقق الأذونات بملاحقتهم!
حاصرت الناس بيوت حاجبي الاذونات وأنهكت شاغليها، ثم لعنت مُوَقّعي العريضة، في كل وسيلة إعلامية، او مناسبة وطنية، وحوّلَت العريضةَ النيابيةَ الى لائحة عار، يخجل من وقعها من مشاركته بها، وأجبرت أعضاء كُثِرٍ من منتسبيها على سحب تواقيعهم والاعتذار العلني عن إثم توقيعها؛ الناس أقوى من أصحاب السلطة وأحرص منهم على الدولة والقانون!

‏وشهدنا بعد المظاهرة كيف انبرى السيد نصرالله، الى شيطنة التحقيق في أعنف هجوم، على القاضي بيطار، والى اعتبار التحقيق مسيسا ويسعى لخدمة شركات التأمين! وهو هجوم لا شيء يبرره الا جزع النظام المهيمن وخوفه من الناس وتنكره للقانون واستكباره أمام أحكام القضاء وإحقاق العدالة!!

قبل ذلك بأيام قليلة، قام شاب في منطقة خلدة في ضاحية بيروت، بقتل قاتل اخيه، الذي كان طفلا يوم تم اهراق دمه، وذلك بعد مرور سنة من مطالبة اهل الطفل بالعدالة، وبتسليم قاتله المعروف هوية وانتماء سياسيا، الى سلطات الدولة لينال عقوبته حسب القانون… وتمتع قاتل الطفل طوال المدة الفاصلة بين فعله الجرمي ومقتله كضحية ثأرية، بحماية حزب الله ، وضمانة عدم اعتقاله من قبل الأجهزة الأمنية على مدى سنة كاملة…

مرة جديدة يطالب الناس بالعدالة وحين تتخلى السلطة عن أحقاقها، يتولى الناس إحقاق عدالتهم، بديلا لعدالة مفقودة أهدرتها دولة منقوصة!

ولم تكد تمر أيام على الحادثتين، حتى قام أهالي قرية جنوبية في شويا، من قرى اقليم العرقوب، بمصادرة راجمة صواريخ كانت تقوم بإطلاق صواريخها نحو العدو الصهيوني، لا بقصد إنزال خسائر في صفوفه، كما أعلن حزب الله نفسه، بل بقصد إبلاغ رسالة ملتهبة، في مفاوضات اقليمية ودولية، تجري بين دول الغرب وإيران وتدخل اسرائيل طرفا مشاغبا بها.

وقد بينت صور الحادثة والشرائط المصورة لها، وقائع ثابتة وناطقة أولها أنَّ الراجمةَ لم تكن فارغة أنهت قصفها وأنَّها في طريق عودتها الى قاعدتها، فقد كانت تحتوي على ١١ صاروخ يكفي لاطلاقها، تسديدا وتحديدا للزوايا والاتجاه وأمر الاطلاق، الأمر الثاني أنَّها كانت في وضعية الوقوف في ساحة البلدة وليست في وضعية التنقل والسير، فجرى اعتراضها ومن ثم ايقافها، وأن قطع الطريق عليها بسيارة من سيارات اهل القرية، كان لمنع هروبها بعد المشكلة وليس قبلها، ولم يكن اعتراض الراجمة والاستيلاء عليها عملا لمجموعة منظمة او فئة سياسية او منظمة حزبية، بل أن اهل القرية والناس فيها، حاولوا حماية بيوتهم من آثار الرد الاسرائيلي على قصف صاروخي ينطلق من قرب منازلهم ويعرضهم لخطر الدمار حين يتحقق رد العدو على مكان اطلاقها.

مرة أخرى، يواجه الناس منطق حزب الله، والسلطة التي يديرها، ويقفون في وجهه مطالبين بالالتزام بما تعهدت به دولة لبنان حسب القانون الدولي ومندرجات قرار مجلس الامن ١٧٠١ الذي قبل به حزب الله، ومرة جديدة يطالب الناس جيش هذه السلطة بالتزام تعهداتها القانونية والدولية، وتسلم الراجمة وطاقمها الى الجيش اللبناني ليقوم بتنفيذ القانون لا بخرقه وبالتصرف طبقا لمنطق الدولة التي تستحق اسمها.

لا يقيم اصحاب السلطة وامراء منظومة الفشل والفساد والارتهان للخارج اي اعتبار للقانون، سواء كان القانون لبنانيا او دوليا، لا يحترمون الدستور حتى ولو اقسموا على السهر على حسن تنفيذه، لا يلتزمون باية مواثيق او تعهدات سياسية، لا أمام رئيس فرنسي، ولا أمام منظمات اقليمية ودولية، لا يعيبهم افتضاح أمر كذبهم وعري نفاقهم، لا يخافون الله بل يتاجرون باسمه ويسخّرون ايمان الناس بالخالق لاخضاعهم لتعليماتهم وليس لهدايتهم الى صلاح احوالهم، لا يخضعون لأي نوع من أنواع المساءلة، لا يتمتعون بأي حياء او خجل، لا يظهرون أي التزام بمعايير أخلاقية، او عواطف انسانية، يستبيحون القضاء ويسخرونه لخدمة مصالحهم ويحركونه لتبادل نكاياتهم، ويرسلونه الى كوما العجز والاهمال في كل قضية تطال قضايا الناس وحقوقهم، فبعد اكبر سرقة موصوفة في التاريخ لودائع الناس ( ١٢٠ مليار $) لم يساءل أي بنك؟ لم يعلن افلاس احد من شلة المصارف، رغم توقفها جميعها عن الدفع، وتحويل المودعين من اغنياء أصحاب مال، الى متسولين في أرتال الإنتظار على أبوابها، لم يُسجَنْ أيُ فاسدٍ في أية وزارة، ولا في وزارة الطاقة التي هدرت مئة مليار دولار على مر العهود، لم يُعتمدْ في مجلس النواب أيُّ قانونٍ أو تشريع لتقييد الرساميل، رغم ان الرساميل قد جرى الاستيلاء عليها دون أيِّ حياء او خجل!!! لم ينقطع سيل التهريب الى سورية وغيرها، من السلع المدعومة،في عملية مبرمجة للاستيلاء المزدوج على ما تبقى من إحتياط مصرف لبنان، بحجة دعم الإستهلاك، ولم يتوقف هدر رسوم الدولة وعائداتها الجمركية على المستوردات، من خلال الاقتصاد الأسود الذي يتحكم به نافذون في السلطة بقيادة حزب الله.
هم أعداءُ الناس والخارجون عن القانون والدستور، المرتكبون لكل إثم وطني، وفساد موصوف، والمتنكرون للعدالة والمتهربون من المساءلة والقصاص، بحماية الحزب وسلاحه، المعطّلون لأي مبادرة أو حل، يُفرجُ عن شعب لبنان، الذي أصبح رهينة مخطوفه، وفدية الافراج عنه نجاح ايران في مفاوضات ملفها النووي مع الغرب!. فالغرب وفق سلوك السلطة ومراهناتها، هو اكثر انسانية ورأفة بشعب لبنان من أمراء منظومته السياسية!

الناس تنحاز للقانون والدستور والعدالة والدولة، والمنظومة انكشفت كعصابة تمارس الجريمة كل انواع الجريمة، الناس ينتصرون للقانون وأحكامه، لبعض اشراف القضاء وشجعانه.

الناس في الشوارع والساحات على مفارق الجوع والغضب، في صفوف الذل والانتظار، في قلوبهم عزم الثأر للكرامة، الناس على ابواب المستشفيات والصيدليات يحملون المرض والالم، لكنهم يكتنزون الرجاء والامل.
الناس هم الناس راسخون هنا قبل العصابة باقون قبل العصابة وبعد ترحيلها.