شارل الياس شرتوني/الانقلاب، سياسة التوتر الاستنسابي والتفكيك المنهجي للكيان اللبناني

81

الانقلاب، سياسة التوتر الاستنسابي والتفكيك المنهجي للكيان اللبناني
شارل الياس شرتوني/11 آب/2021

يبدو أن مبدأ “تناسل الأزمات” الذي وضعه وضاح شرارة لتفسير سياسة الأزمات المفتوحة التي اعتمدها حزب الله أساسًا في إستراتيجيته الانقلابية على تعدد محاورها، قد دخل في مرحلة جديدة هي مرحلة التعطيل الكلي للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تمهيدا لانهيارات بنيوية تنال من قدرة البلد على النهوض، وتؤدي الى تبدلات سريعة الوتيرة على كل المستويات. إن سياسة القمع التي اعتمدها مع حليفه الشيعي حيال الحراكات المدنية، وافتعال الأزمات الامنية على نحو متواتر على الحدود الجنوبية، والأزمات الحكومية المديدة، واداء حكومة حسان دياب القاصرة والمتواطئة، ومسرحيات تشكيل الحكومة مع سعد الحريري ونجيب ميقاتي، كافية للتدليل على نفاذ الانهيارات السياسية والمؤسسية تحت وطأة استراتيجية التآكل التي اعتمدتها الفاشيات الشيعية. نحن أمام سياسة هدم مثابرة لحيثيات الكيان اللبناني الوطنية والدولتية، كما أفصحت عنها صحيفة كيهان الإيرانية، التي أعتبرت ان لبنان ١٩٢٠ انتهى لحساب الكيان السياسي الناشىء بقيادة حزب الله، وتصريح جورج قرم الذي يبرر سياسة وضع يد حزب الله على البلاد على خط اعادة التكوين الجيوسياسية الاستوائية بين لبنان وسوريا والعراق. هذا يملي علينا بالتالي عدم اضاعة الوقت في نقاشات جانبية حول التأليف الحكومي، لإن ما يجري قد همش بشكل أساسي الإشكاليات السياسية الداخلية والمؤسسية لحساب سياسة انقلابية واضحة المعالم.

– تندرج الأزمة الامنية، التي دفع بها حزب الله على الحدود الجنوبية، ضمن سياق التأزيم المفتعل الذي يستهدف تغييب مسألة انفجار المرفأ واطفاء مفاعيلها القضائية والسياسية، وتهميش أولوية التأليف الوزاري وبدء المعالجة الفعلية للأزمات المالية والاقتصادية-الاجتماعية والبيئية المتراكمة بالتعاون مع المؤسسات الدولية والدولتية، وترسيخ اجواء القلق واليأس والحث على الهجرة مقدمة لسياسة وضع اليد على البلاد. إن التلطي وراء تعثر المفاوضات الاقليمية بين إيران والولايات وأعمال الإرهاب واستهداف السلم الاهلي في كل من العراق ولبنان، لا تفسر وحدها طبيعة أداء حزب الله ومواليه المصممين على قضم الكيان الوطني والدولتي على حد سواء. إن المواجهة التي تبديها الحراكات السياسية والمدنية قد فاجأت حزب الله وحلفائة دون أن تثنيه، ولكن ثباتها في المواجهة يشكل أساسًا لديناميكية مضادة تستدعي تحصينا دوليًا يحول دون التداعي المضطرد لموازين القوى، ويساعد على استعادة سيادة البلد والتأكيد على شرعيته، والتأسيس لحوار جدي يعيد للبلاد حيثياتها الكيانية والدولتية.

– إن واقع الجمود الاقتصادي الذي تفرضه الأزمات المالية المديدة قد اصبح قاتلًا لأنه يصيب قدرة البلاد على النهوض دون إصلاحات هيكيلية في القطاع المصرفي لجهة إعادة النظر بتقسيم العمل فيه وإعادة رسملته وضبط معاييره المهنية والاتيكية، وتنظيم علاقته مع البنك المركزي انطلاقا من تحديد الوظائف والرباطات الخاصة بكل منهم، ومن علاقة المبادلات المالية بالاقتصاد الفعلي والأولويات الانمائية، وتوسيع قاعدة الاستثمارات القطاعية والإقليمية، واعادة النظر بقانون النقد والتسليف، واستعادة الأموال المهربة، وإنفاذ قرار التحقيق الجنائي الشامل وفتح المقاضاة على أساسها أمام المحاكم اللبنانية والدولية، ومصادرة الأموال المنهوبة من خلال المقررات والقوانين العقابية في اوروپا والولايات المتحدة الاميركية. إن التعطيل المتعمد والمستتر وراء حجج واهية تعود الى المحاصصات الاوليغارشية، هو فعل إرادي يستهدف الذخر الاجتماعي الذي بنته البلاد على مدى مئة سنة، وتوازناتها المالية والاقتصادية الكلية، كأفضل سبيل من أجل دفع ديناميكية الانهيارات، وتغيير معادلات الاجتماع السياسي في لبنان على خط توسيع الفراغات الاقليمية، والتأسيس لانتظامات جيو-پوليتيكية تمليها سياسة النفوذ الشيعية التي تديرها إيران في منطقة الشرق الأدنى، وتردداتها في البلدان السنية، وعلى مستوى تعزيز الحركات الاسلامية المتطرفة.

إن سقوط المنظومة الحاكمة التي يديرها التحالف الشيعي، على مستوى الرئاسات الثلاث، هو شرط مسبق من أجل استئصال لبنان من هذه الكماشة الخانقة، والتمهيد لاصلاحات هيكلية سياسية وعامة، وإخراجه من قبضة المداخلات الخارجية التي حولته الى مداد لنزاعات بديلة كما حولت المنطقة بأسرها. إن المواجهة مع منظومة النفوذ القائمة تتراوح بين التصدي لخياراتها الاقليمية، ومواجهة سياسة “الأزمات المتناسلة” المنعقدة على خطوط الداخل والخارج، وتفكيك الاقفالات الاوليغارشية التي تأسست مع بدايات الطائف، والحلف الموضوعي بين أطرافها وأركان الفاشية الشيعية على مستوى سياسات النهب المنهجي وتحويل لبنان الى ملاذ للجريمة المنظمة وتبييض الأموال .إن كل الهراء الكلامي الصادر عن الفاشيات الشيعية لا يعدو كونه تغطية هزيلة لاداء انقلابي متعدد الروافع والاهداف، وعلى اللبنانيين أن يقيموا الفصل واضحًا بين أهدافه الانقلابية وادعاءاته الكاذبة وواقع سياسات التوريط النزاعي المجاني، والهيمنة الاعتباطية على القرار السياسي، والارهاب المتنقل، وضرورة انهاء واقع هذه الاستثناءات السيادية وتردداتها المدمرة داخليًا وإقليميًا على حد سواء.لا تعايش مع سياسات المنظومة الانقلابية الشيعية، تحت طائلة العيش في ظل الواقع الارهابي وتطبيعه في الداخل، والدخول في متاهات النزاعات الاقليمية على تنوع محاورها وأقطابها. هذا سؤال محوري لا بد من ان يجيب عنه الشيعة في لبنان، إذا ما اردنا سلاما ومستقبلًا في بلادنا.