فارس خشان/ما بعْدَ بعْدَ بعْدَ شويّا/باتت كلمة عميل مثلاً كلّما تلفظت بها أدوات حزب الله تثير السخرية لدرجة يحسبها المراقبون أنّها واحدة من الألفاظ التي يتبادلها الأولاد في أثناء اللهو. ولم يبق لحزب الله أمام هذه المعطيات إلّا الترهيب

267

ما بعْدَ بعْدَ بعْدَ…شويّا
فارس خشان/النهار العربي/09 آب/2021

باتت كلمة “عميل”، مثلاً، كلّما تلفظت بها أدوات “حزب الله”، تثير السخرية لدرجة يحسبها المراقبون أنّها واحدة من الألفاظ التي يتبادلها الأولاد في أثناء اللهو. ولم يبق ل”حزب الله”، أمام هذه المعطيات، إلّا الترهيب.

علّمتنا متابعة تطوّرات جائحة كورونا التي تضرب البشرية برابع موجاتها العاتية، طريقة مهمة لترقّب المخاطر واستشراف التعافي. في ترقّب المخاطر، نتابع النمو في الإصابات.في استشراف التعافي نراقب القمّة. عندما تستقر الاصابات على رقم محدّد، مهما كان مرتفعاً، ترتفع الآمال ببدء مرحلة التعافي. ويمكن اعتماد الطريقة نفسها في التعاطي مع “حزب الله”، فهو منذ نجاحه في فرض العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية وصل الى قمة نفوذه، حيث تجمّد “انتشاره”. واستقرّ مستوى هذا الحزب، حتى نشوب “ثورة ١٧ اكتوبر”، حين اكتشف جيل جديد من اللبنانيين وجهاً كانت تخفيه عليهم وسائل الإعلام: تحكّمه، من خلال الترهيب، بكل تفصيل من تفاصيل القرار اللبناني. ومنذ تلك الأيّام، بدأ “حزب الله” بالضمور، من دون أن يعير كثيرون هذا “الإضمحلال”، حتى مع بدء ظهور تململ واضح في ما يُسمّى “البيئة الحاضنة”، أيّ أهمية تُذكر.

وحاول “حزب الله” أن يستدرك هذا الواقع، بشتى الوسائل، فكان اغتيال المناضل لقمان سليم، وكانت الوعود ب”هبات”الجمهورية الاسلامية في ايران والمال الذي ينتظر الجميع في …الشرق. وعبثاً، سعى “حزب الله” الى أن يرفع عنه كلّ مسؤولية في تفجير مرفأ بيروت الذي أتى عشية الموعد الذي كانت قد حدّدته المحكمة الخاصة بلبنان لإصدار أحكامها في ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بحق مجموعة أمنية تنتمي إليه.

هوّل “حزب الله”وهدّد. هاجم وأخاف. أغرى ووعد. ورفع من منسوب الإتّهام بالعمالة. عزّز وسائل إعلامه وألحق بها مجموعة جديدة. وسّع جيشه الالكتروني وزوّده بتكنولوجيا حديثة. ولكنّ كل ذلك لم ينفع، فبقي مؤشر “الاصابات” ينخفض، الى أن كانت واقعة بلدة شويّا في حاصبيا، حيث فجّر عدد من السكّان، للمرة الاولى، غضبهم بمجموعة قتالية تابعة ل”حزب الله”، كانت تعبر بلدتهم مع راجمتها الصاروخية التي قصفت نقاطاً شاغرة في إسرائيل، عقاباً لها على رد “غير تقليدي”، بعدما جرى “تفليت”لبنان، مجدداً، أمام فصائل فلسطينية “ممانعة”.

إنّ هذا التطوّر غير المسبوق، في تاريخ العلاقة بين “حزب الله” والأهالي، يذكّر البعض بالمرحلة التي تدهورت فيها العلاقة بين الأهالي ومجموعات”منظمة التحرير الفلسطينية”، في زمن “فتح لاند”. ومحورية حدث شويّا تكمن في أنّه يعكس حقيقة المشاعر التي تكنّها غالبية اللبنانيّين تجاه “حزب الله”، وهي بدأت، شيئاً فشيئاً، تنتقل من “المضمر” الى المعلن. ولم يعد “حزب الله”، مهما دبّجت أدواته الدعائية من نظريات وقصص وشعارات، قوة تحريرية في لبنان، بل أضحى “قوة احتلال”، إذ إنّه يتحرّك، وفق المصلحة التي تمليها ايران، وبالتوقيت الذي يناسبها.

وقد قدّمت شويّا نموذجاً مهماً للغاية عمّا ستكون عليه ردّات فعل غالبية اللبنانيّين، إنْ أقحم “حزب الله” بلاد الأرز في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، بعدما كان قد تولّى، بسياساته وخياراته وتبعيته،الدفع بلبنان إلى الجحيم، بالإشتراك مع التركيبة السياسية التي اعتمدها، أقلّه منذ نجاحه في فرض عون رئيساً للجمهورية. ولعلّ ما كَتَب على “حزب الله” أن يبدأ مساره الانحداري، هو تماماً ما سبق أن اعتمده للوصول الى القمة.

لقد اختار زعامات، بعدما أخضعها بالترهيب هنا وبالترغيب هناك، لاحتواء اللبنانيين جميعهم، بعدما جرى تقسيمهم الى مجموعات طائفية. ظنّ أنّ هؤلاء يمكن ان يلعبوا، في السياسة، الأدوار التي تلعبها ميليشيا “سرايا المقاومة” في الأمن.
ولكن سرعان ما اكتشف اللبنانيون هذه الحيلة، فتهاوى تأثير الزعماء عليهم.

صحيح أنّ الزعامات لم تفقد كامل جمهورها، ولكنّ الصحيح أكثر أنّ هؤلاء الزعماء، في كلّ ما يخص “حزب الله”، فقدوا قدرتهم القيادية، بنسبة كبيرة.

إنّ اللبنانيين عموماً وجماهير هؤلاء الزعماء خصوصاً، يدركون أنّ قياداتهم، في كل ما يختص بموضوع “حزب الله”، هم في حالة خضوع وليس في حالة اقتناع، أي أنّ كلّ ما يفعلونه أو ينطقون به، في موضوع “حزب الله”، هو “خبث سياسي” وليس “خياراً وطنياً”. وعليه، فإنّ غالبية اللبنانيين، في موضوع “حزب الله”، ابتعدوا عن القيادات، وتمترسوا وراء قناعة كبيرة بأنّ هذا الحزب هو عبء لا بدّ من التصدّي له، بشتى الوسائل التي يملكها الضعفاء المقهورون في مواجهة الطغاة الأقوياء. وتعرف القيادات السياسية اللبنانية هذه الحقيقة، فهي، في مراحل عدم الخوف على المكاسب، تفرح كثيراً بمهاجمة “حزب الله” لها، لأنّها تدرك أنّ هذا يحمي وضعيتها الشعبية.

وليس من باب العبث أنّ بعض “المشككين” يعتبرون أنّ “حزب الله” يتآمر لمصلحة كل شخصية سياسية، عندما يشتمها أو يهاجمها أو ينتقدها. ولا تقتصر علامات تراجع “حزب الله” على هذه النقاط السياسية، بل تتعدّاها إلى المفاهيم الوطنية، إذ إنّ اللبنانيين، وبعد طول تحسّس من التخوين، لم يعودوا يأبهون لذلك، حتى باتت كلمة “عميل”، مثلاً، كلّما تلفظت بها أدوات “حزب الله”، تثير السخرية لدرجة يحسبها المراقبون أنّها واحدة من الألفاظ التي يتبادلها الأولاد في أثناء اللهو. ولم يبق ل”حزب الله”، أمام هذه المعطيات، إلّا الترهيب.

صحيح أنّ الترهيب أداة مؤثّرة جداً، لكنّه، في ظل تفلّت اللبنانيين من زعمائهم، من جهة أولى وتحرّرهم من وسائل الإعلام التقليدية، من جهة ثانية وتطوير مفاهيمهم الوطنية، من جهة ثالثة، لم يعد تأثيره حاسماً وتحوّل الى دليل يضاف إلى آلاف الأدلة على أنّ “حزب الله” ولبنان نقيضان.

إنّ ما حصل في شويّا، مهما حاولت، لاحقاً، القيادات المحلية والسياسية فعله لاحتواء تداعياته، يعكس بأمانة ما يعتمل في نفوس غالبية اللبنانيين، ولهذا فإنّه يمكن اعتباره “عمود النار” الذي سيسترشد به الباحثون عن وطن وعن حرية وعن…الحياة.