شارل الياس شرتوني/عملية المرفأ الارهابية ونشوء دولة الارهاب والجريمة

77

عملية المرفأ الارهابية ونشوء دولة الارهاب والجريمة
شارل الياس شرتوني/05 آب/2021

إن مجرد مشاهدة التظاهرة الضخمة التي توافدت الى منطقة المرفأ وجوارها، ورصد المشاركين فيها، كفيل بانبائنا حول ما صارت إليه أحوالنا في هذه البلاد. هؤلاء المشاركين هم عينهم الذي شاركوا بتظاهرات ثورة الارز في ٢٠٠٥، وثورة ١٧ تشرين الاول ٢٠١٩، مع الفارق الأساسي، هذه المرة، أنهم كانوا غالبية ضحايا مجزرة ٤ آب التي ذبحتهم في بيوتهم، وأماكن عملهم، ومستشفياتهم، واحيائهم، وجامعات ومدارس أولادهم …،.هؤلاء هم اللبنانيون الذي صنعوا ما صار اليه لبنان بفضل علمهم، ومهنيتهم، ومدنيتهم، وحسهم الوطني، واحترامهم للقيم السياسية والمدنية الديموقراطية والليبرالية التي جعلت من بلادهم استثناءا، في منطقة سادتها الديكتاتوريات والتوتاليتاريات على مدى المئوية التي أنقضت على نهاية النموذج السلطاني والخلافي لحساب مفهوم الدولة الوطنية. هذه التظاهرة كانت تعبيرا ذات زخم فريد يعبر عن المخاوف الوجودية أمام الطابع الارهابي والبوليسي الذي تتخذه الحياة السياسية، ومداخلة الدولة اللبنانية بعد سيطرة الفاشيات الشيعية واطباقها على كل الأجهزة وروافع العمل العام في البلاد. مجزرة المرفأ تدخل كما سابقاتها من الاعمال الارهابية، وأعمال الاغتيالات والجريمة المنظمة ضمن السياق الذي توسلته الفاشيات الشيعية مدخلا للديناميكية الانقلابية التي نعيش ضمن مخاضاتها.

إن عملية تفخيخ ونسف العمل الاستقصائي والقضائي، ما هو الا الرديف المباشر لوضع اليد على مفاصل الحياة العامة، وتفكيك أوصال الدولة والكيان الوطني على حد سواء، وما يؤولان إليه من استنتاجات حول الغموض الدائم الذي يظلل الاعمال الارهابية والاجرامية في لبنان. لقد آن الأوان لقول الحقائق دون الكذب الذي يلف أدبيات الاستقامة السياسية (Political Correctness),والمجاملات السياسية القاتلة في بلادنا، نحن أمام انقلاب سياسي يهدف الى تغيير معالم البلاد السياسية والانسانية والقيمية والبنيوية كما ظهرته الاغتيالات المتلاحقة التي تتوجت مع العملية الارهابية التي اتخذت مرفأ بيروت مسرحا لها. لا امكانية لفهم هذا العمل الارهابي بمعزل عن سياسة التدمير المنهجي للكيان اللبناني وخياراته السياسية والانسانية الملازمة، وما أنتجه من ذخر اجتماعي واقتصادي وإنساني أمن دخول لبنان الى الحداثة بكل تجلياتها الفكرية والانسانية والمؤسساتية. إن أية محاولة لتبني قراءة اختزالية لهذه العملية الارهابية هو جزء من عملية التضليل التي تحكم المناخات السياسية والعامة التي فرضتها الفاشيات الشيعية وشركاؤها الانتهازيون في الأوساط الاوليغارشية. لقد ظهرت هذه التظاهرة للمرة الالف واقع الطلاق الناجز بين المجتمع المدني والدوائر السلطوية التي يتحكم بمفاصلها الائتلاف الاوليغارشي المتآلف مع املاءات سياسة النفوذ الشيعية على قاعدة تبادل المصالح على تدرج موضوعاتها. لقد انتظمت لعبة التأليف الحكومي منذ زمن بعيد ضمن آلية تبادل المصالح، فمن حكومة حسان دياب التابعة، الى مسرحيات التأليف بين الحريري والميقاتي والدمية الرئاسية في بعبدا، تترسخ عملية وضع اليد على البلاد، بفعل التواطاءات المصلحية بين الفاشيات والمافيات الشيعية وأترابها داخل النادي الاوليغارشي السني، ومواليها في الاوساط المسيحية (ميشال عون وصهره، ايلي الفرزلي، كريم بقرادوني واصناؤهم).

لا سبيل عمليا للخروج من هذه المعادلات الانقلابية المتحركة خارجا عن عملية التدويل السياسي للأزمة بعد تدويل الشؤون الاستراتيجية من خلال قرارات الامم المتحدة (١٥٥٩،١٧٠١،١٦٨٠) ومفاوضات الغاز والنفط، والمالية ( المفاوضات مع صندوق النقد والصناديق المانحة)، والاقتصادية والانمائية بواسطة الشراكات الدولية والثنائية مع الدول والانتشار اللبناني (البنك الدولي، البنك الاوروپي للانماء، الولايات المتحدة الاميركية، فرنسا، المانيا، كندا، استراليا، الدول الاسكندناڤية)، والملفات القضائية( المحكمة من أجل لبنان، الدعاوى المالية المقامة دوليا ضد المصارف اللبنانية من قبل اللبنانيين الذي تم السطو على ايداعاتهم دون أي موجب قانوني…، إحالة انفجار المرفأ الپروتو-نووي الى محكمة الجنايات الدولية). لقد آن أوان رأب الانفصامات القائمة بين الحيزات السياسية والقانونية والمالية، والامنية، والاقتصادية والاجتماعية، والتعاطي معها كملفات متداخلة، ووضع حد لعملية تدمير السياق الديموقراطي وما يفترضه من تواصل بنيوي بين المجتمع المدني والدوائر السلطوية، وهذا لن يتم الا في ظل إعادة نظر شاملة بالبنيات السياسية القائمة، من خلال تحكيم الأمم المتحدة تحت الفصل السابع، من أجل وضع حد للاختلالات في موازين القوى القائمة، وتأمين الشروط الموضوعية لحوار متكافىء بين كل الأطراف، إن كان ذلك ممكنا بعدما وصلت الأمور الى ما نحن عليه. وإلا فسيناريوهات الفوضى المدمرة على خط التواصل مع منطقة فاقدة لنقاط ارتكازها الجغرافية السياسية والمعنوية، كفيلة بادخالنا في المتاهات الصراعية والخيارات المفتوحة، وباب جهنم كبير ويتسع للجميع