د. رندا ماروني/ملائكة الحياة في لوحة الموت

303

ملائكة الحياة في لوحة الموت
د. رندا ماروني/04 آب/2021

عندما ترتفع ملائكة الحياة متعانقة في لوحة موت كاشفة هوية أميرها، أمير الموت، تخط رسمة خالدة، تتصاعد في الهواء تطرق أبواب السماء تصرخ من فوق، هذا هو القاتل، أنظروه متجسدا في جحيم نيتراته في دنائة أعماله في سفالة أسفاله، إنه الشيطان بعينه، إنه خط الموت عدو الحياة وعدو نبض قلب لبنان وعدو نبض بيروت الصاخب المفعم بالفرح والبهاء والفخر.

الفخر بتاريخ زاخر بالمجد زاخر بالتقدم والثقافة والانتصار بالحياة، نعم لقد رسموا لنا الطريق، لقد رسموا لنا الحق والحقيقة بأرواحهم الطاهرة، وكأنهم جندوا خصيصا لهذه المهمة لفضح أكبر عملية سرقة بالتاريخ، سرقة وطن وتغيير هوية شعب، بكافة الوسائل الترغيبية والترهيبية، المرئية والغير مرئية، بالفرض أو بالأدلجة التلقينية المزورة والمزورة للأيديولوجيا اللبنانية الصرف.

إنه الرابع من آب يوم إعلان الملائكة لحقيقة المزورين على الملئ، وبالرغم من تعثر التحقيق حتى اليوم إلا أن حقيقة ما جرى ينتظر من يجرؤ على إعلانه فقط، فهل سيستطيع القضاء آداء مهامه أم سيرضخ لإرادة ومواربة الطغمة الحاكمة؟

فمع طلب المحقق العدلي في قضية مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، رفع الحصانات النيابية ترافق ذلك من الطغمة الحاكمة بطرح عريضة لتحويل التحقيق إلى مجلس محاكمة الرؤساء والوزراء المشلول أصلا بهدف لفلفة التحقيق وغسل يديها من دماء الأبرياء، إلا أن هذه المواجهة ليست بالبساطة التي يتصرف بها هؤلاء خاصة عندما يطرحون موضوع تعديل الدستور كشرط مسبق لخضوع المتسدعين للإستجواب العدلي، وهم على يقين بأن تعديل الدستور ليس بالأمر السهل، حيث هناك خطوات صعبة يجب إتباعها.

فتعديل الدستور يحتاج للثلثين، كما يحتاج لموافقة مجلس الوزراء، إضافة إلى أن هذا الطرح عليه إنتظار أن يصبح مجلس النواب في دورة عادية، ويتقدم بهذا الطرح تواقيع لعشرة نواب على إقتراح تعديل المادة أربعون، والمادة سبعون وواحد وسبعون، والمادة ثمانون من الدستور اللبناني، وهذه الصعوبة من شأنها زيادة الأمور تعقيدا، مما يستوجب الابتعاد عن هذا الطرح والعمل على رفع الحصانة عن الأسماء المطلوبة للتحقيق فقط أمام المجلس العدلي.

فالحصانة منحت في الدستور، ولكنها ليست مطلقة، وليست ذريعة لعدم المثول أمام القضاء، وهذا ما أكدته، فبالنسبة للنواب الذين تم استدعاهم من القاضي بيطار، وهم ثلاثة وزراء سابقين ونواب حاليين، وتسري عليهم فقط أحكام المادة أربعون من الدستور التي تنص على ما يلي: “لا يجوز أثناء دور الانعقاد إتخاذ إجراءات جزائية نحو أي عضو من أعضاء المجلس أو إلقاء القبض عليه إذا إقترف جرما جزائيا إلا بإذن المجلس ما خلا حالة التلبس بالجريمة”،  أي الجرم المشهود.

وبما أن القاضي بيطار قد عمل على إستدعائهم خارج دور الإنعقاد، وأساسا ليس هناك من أي إجراء جزائي بحقهم فليس من داع لطلب رفع الحصانة من الاساس من قبل القاضي بيطار.

أما بالنسبة لمحاكمة الرؤساء والوزارء تنص المادة سبعون من الدستور اللبناني على ما يلي: ” لمجلس النواب أن يتهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بإرتكابهم الخيانة العظمى أو بإخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم ولا يجوز أن يصدر الإتهام إلا بغالبية الثلثين من مجموع أعضاء المجلس، ويحدد قانون خاص شروط مسؤولية رئيس مجلس الوزراء والوزراء الحقوقية”.

إن حق مجلس النواب في أن يتهم لا ينفي حق القضاء العدلي في أن يتهم ويحاكم خاصة وأن نص المادة ٧٠ لا يتضمن أي حصر لهذه المهمة أي “الإتهام” بمجلس النواب، كما أن المادة الثامنة والعشرون من الدستور اللبناني اجازت الجمع بين النيابة ووظيفة الوزارة حيث نصت على ما يلي:” يجوز الجمع بين النيابة ووظيفة الوزارة، أما الوزراء فيجوز إنتقاؤهم من أعضاء المجلس النيابي أو من أشخاص خارجين عنه أو كليهما”، كما أنه لطالما كان مجلس الوزراء صورة مصغرة عن المجلس النيابي وانعاكسا للقوى المتحكمة فيه، فكيف للجلاد ان يصبح حاكما وحكما خاصة في جريمة موصوفة كجريمة المرفأ، وقد وضع بيان منظمة العفو الدولية الأصبع على الجرح حين اتهم السلطات اللبنانية في أنها أمضت السنة المنصرمة وهي تعرقل بوقاحة بحث الضحايا عن الحقيقة والعدالة لحماية نفسها من التحقيق مما يقتضي على مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الإصغاء لدعوة المنكوبين ووضع آلية تحقيق على وجه السرعة لتحديد ما إذا كان تصرف الدولة تسبب أو ساهم بحدوث الوفيات غير المشروعة والخطوات المطلوب إتخاذها لضمان تقديم سبل إنصاف فعال الضحايا.

واقع في واد وزمرة حاكمة همها في واد آخر حتى اليوم، ولكن لن يمر الرابع من آب ذكرى إنفجار مرفأ بيروت مرور الكرام حيث سترتعد عقولكم وترتجف قلوبكم وستربط ألسنتكم وستعلق مشانقكم حتى ولو بعد حين لترتفع ملائكة الحياة وتمطركم غضبا أيها الرعاة

ملائكة الحياة
في لوحة خالدة
إطارها موت
مضامينها رائدة
ملامحها ترسم
وعود واعدة
بكشف مستور
لفعل مرذول
ولقلوب حاقدة
تضمر شرا
ترذل حرا
بنار جهنم
أفكارها بائدة
من زمن الخنوع
وعهد العبيد
ودهور الذل
تستعيده جاسدة
لنيترات الجحيم
وملك الموت
بشعوذات زاهدة
عشق الجمال
نور الكمال
والافراح العائدة
ولتجمد عقلها
في قاع ملوث
في المياه الراكدة
ملائكة الحياة
في لوحة خالدة
إطارها الموت
مضامينها رائدة