فيديو وتقرير مفصل عن حفل اطلاق كتاب “علاقة البطريركية المارونية بالمملكة السعودية” الذي أقيم اليوم بكركي برئاسة البطريرك الراعي مع رزمة من التقارير والتعليقات ذات الصلة

161

فيديو وتقرير مفصل عن حفل اطلاق كتاب “علاقة البطريركية المارونية بالمملكة السعودية” الذي أقيم اليوم بكركي برئاسة البطريرك الراعي مع رزمة من التقارير والتعليقات ذات الصلة

الراعي في حفل اطلاق كتاب علاقة البطريركية المارونية بالمملكة السعودية: تتخطى المحاور إلى محور جامع هو الشراكة المسيحية الإسلامية بخاري: نجدد الشراكة والأخوة تحت مظلة عروبية جامعة
الخميس 08 تموز 2021
وطنية – اقيم في الصرح البطريركي في بكركي احتفال لمناسبة صدور كتاب “علاقة البطريركية المارونية بالمملكة العربية السعودية” للآباتي انطوان ضو الانطوني، برعاية البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وحضور سفير خادم الحرمين الشريفين في لبنان وليد بخاري.
كما حضر الاحتفال، الذي دعا اليه الرئيس العام للرهبانية الانطونية المارونية الآباتي مارون ابو جودة، مدير المراسم في القصر الجمهوري نبيل شديد ممثلا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الرئيسان امين الجميل وميشال سليمان، الرئيس فؤاد السنيورة، نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي، الوزيران في حكومة تصريف الاعمال: الداخلية محمد فهمي والاعلام الدكتورة منال عبد الصمد نجد، السفير البابوي المونسينيور جوزيف سبيتاري، وفد من حزب “القوات اللبنانية” برئاسة النائبة ستريدا جعجع، النائب هادي ابو الحسن ممثلا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والنائب تيمور جنبلاط، قائد الجيش العماد جوزيف عون، المدير العام لامن الدولة اللواء انطوان صليبا، ووزراء ونواب حاليون وسابقون وحشد من الفاعليات السياسية والعسكرية والنقابية والدينية والديبلوماسية.
في بداية الاحتفال القيت كلمات لكل من: الآباتي ابو جودة والآباتي ضو والزميل نوفل ضو، تناولت العلاقات المتينة مع المملكة العربية السعودية والزيارة التاريخية للبطريرك الراعي الى السعودية.
بخاري
بعدها كانت كلمة السفير بخاري، الذي قال: “نجتمع اليوم في مناسبة جامعة للفكر والثقافة، مناسبة تجسد مسيرة تاريخية لعمق العلاقة بين المملكة العربية السعودية والبطريركية المارونية والتي تمثل ضمانة حقيقية للحفاظ على لبنان الرسالة، لبنان الحر والسيد المستقل”.
اضاف: “أيها الحضور الكريم، بسم الله الذي خلق البشر جميعا ودعاهم للعيش كإخوة لينشروا قيم الخير والمحبة والسلام، سلام على مئوية الشراكة والأخوة، فرب السلام نفسه يعطيكم السلام.
وتابع: “من صرح المحبة نطلق نداء السماء للأرض ونجدد العهد والوعد بدور المملكة العربية السعودية بنشر ثقافة السلام ومد جسور الوسطية والاعتدال وتعزيز سبل التعايش وحفظ كرامة الإنسان. ولأننا دعاة سلم وسلام، فإن مستقبلنا في هذا الشرق هو السلام، بعيدا كل البعد عن التعصب والطائفية والتطرف أيا كان مصدره وذريعته. ويطيب لي أن نستذكر معا ما قاله البابا فرنسيس في “يوم الصلاة من أجل لبنان”: “إن لبنان هو مشروع سلام رسالته هي أن يكون أرض تسامح وتعددية وواحة أخوة تلتقي فيها الأديان والطوائف المختلفة”. ولذلك، وانطلاقا من مرجعية بكركي التاريخية وأهمية الدور الوطني والجامع لغبطة الكاردينال الراعي نوصي بالمحافظة على التنوع والعيش المشترك الذي أرسى أسسه إتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية وعلى السلم الأهلي”.
وقال: “أيها الحفل الكريم، من هذه الشرفة نأمل من الأفرقاء السياسيين أن يغلبوا المصلحة اللبنانية العليا لمواجهة التحديات التي يعيشها لبنان، ومن بينها محاولة البعض العبث بالعلاقة الوثيقة بين لبنان وعمقه العربي وإدخاله في محاور أخرى تتنافى مع مقدمة الدستور اللبناني والتي تنص وبوضوح تام، على أن “لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، عربي الهوية والانتماء حيث لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”. لا شرعية لخطاب الفتنة والتقسيم والشرذمة، لا شرعية لخطاب يقفز فوق هوية لبنان العربي”.
اضاف: “كما أود هنا اقتباس قول للشيخ العلامة محمد مهدي شمس الدين، رحمه الله، حينما جسد أمثولة المكون العربي بقوله: “في منطقتنا العربية ـ الإسلامية، لا توجد أقليات مسلمة ولا توجد أقليات مسيحية، بل توجد أكثريتان كبيرتان، إحداهما هي الأكثرية العربية التي تضم مسلمين وغير مسلمين، والأخرى هي الأكثرية المسلمة التي تضم عربا وغير عرب”. فلا شرعية لمفهوم الأقلية أمام هوية مسيحية – إسلامية عربية جامعة.
وتابع: “يا شهود لبنان الرسالة، يشكل العمق العربي ركيزة أساسية في رؤية السعودية 2030 الهادفة إلى تعزيز الانتماء لهوية ثقافية معاصرة ترسم آفاق المستقبل أمام “عولمة العروبة” التي تتسع للجميع وتزخر بقبول الآخر والتفاعل والتكامل معه. وانطلاقا من رمزية المناسبة والمكان تجدد المملكة اليوم الشراكة والأخوة تحت مظلة عروبية جامعة ركائزها الاعتدال، الحوار، المحبة والسلام. كما تؤكد المملكة أنها لا تسمح بالمساس بالهوية الوطنية اللبنانية ولا المساس بنسيج العروبة تحت أي ذريعة كانت، فالمسيحي كما المسلم مكون أساسي ومكون وازن في هذه الهوية المشرقية العربية الأصيلة”.
وختم بخاري كلامه: “صاحب الغبطة، إجتمعنا اليوم في هذا الصرح العريق للاحتفاء بالذكرى المئوية لعلاقة الصداقة القائمة المستمرة والمتجددة بين المملكة العربية السعودية – والبطريركية المارونية وبالتعاضد مع الشعب اللبناني الشقيق. إن الشاهد اليوم وحامل راية المئوية حضرة الأباتي الجليل أنطوان ضو والذي كلفه صاحب الغبطة بالقيام بعمل توثيقي جاد لصلات ووشائج المملكة مع بكركي، وبمعاونة الدكتور نوفل ضو أمكن إصدار هذا الحدث الشيق الجليل. فشكرا لكم يا صاحب الغبطة على الكلمة النيرة، والإرادة الطيبة، وشكرا لك أيها الأباتي الجليل وشكرا لكل من أسهم وشارك بالحضور اليوم. وكما بدأنا بالسلام لكم نختتم بالسلام عليكم. إن الله يدعو إلى دار السلام، فطوبى لصانعي السلام. عشتم وعاش لبنان وطنا للسلام والاستقرار. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.
الراعي
ثم القى راعي الاحتفال البطريرك الراعي الكلمة الآتية:
“1. يسعد هذا الكرسي البطريركي أن يحتضن إحتفال الإطلاق الرسمي لكتاب: “علاقة البطريركية المارونية بالمملكة العربية السعودية” الذي ألفه مشكورا عزيزنا الأباتي أنطوان ضو الأنطوني، في أعقاب زيارتي الرسمية إلى المملكة بدعوة كريمة منها في 13 تشرين الأول 2017. وقد تشرفت بلقاء خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. ولمست في هذه الزيارة حبهما للبنان وفي الوقت عينه حزنهما الشديد على الحالة من التقهقر التي وصل إليها، والمتناقضة مع مقدرة اللبنانيين الخلاقة. فللأباتي أنطوان كل التقدير لما بذل من جهود لتحقيق هذا الكتاب التاريخي القيم.
وإني أعرب عن شكري لقدس الرئيس العام الأباتي مارون أبو جوده على الدعوة إلى هذا الإحتفال. فيسعدني أن أحييه، وأحييكم جميعا أيها الحاضرون، فحضوركم المميز والرفيع والوطني لدليل على أن لبنان يجمعنا، وأن المملكة العربية السعودية تبقى في رباط الصداقة مع البطريركية المارونية ولبنان. وكم نأمل بأن يكون هذا اللقاء الجامع نداء قلبيا إلى لقاء وطني شامل يؤدي إلى إنقاذ لبنان. فتتألف الحكومة، وتجري الإنتخابات النيابية والرئاسية في موعدها الدستوري، ونسلك طريق الخلاص.
أتناول في كلمتي ثلاث نقاط: المملكة ولبنان، البطريركية والمملكة، المملكة واللبنانيين، فالخاتمة.
أولا: المملكة ولبنان
2. لقد أثبتت العقود أن المملكة العربية السعودية فهمت معنى وجود لبنان وقيمته في قلب العالم العربي، ولم تسع يوما إلى تحميله وزرا أو صراعا أو نزاعا، لا بل كانت تهب لتحييده وضمان سيادته واستقلاله. من ينسى قول الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود: “لبنان قطعة منا، وأنا أحمي استقلاله بنفسي، ولا أسمح لأية يد أن تمتد إليه”. ومن ينسى وعد الملك عبد العزيز بن سعود في 12 نيسان 1953: “سأدافع عن استقلال لبنان كما أدافع عن استقلال مملكتي”. ومن ينسى وساطات المملكة السعودية طوال الحرب على لبنان. ومن ينسى رعاية المملكة مؤتمر الطائف (1989) الذي نتجت عنه وثيقة الوفاق الوطني التي فهمناها امتدادا للميثاق الوطني. ولا ننسى خصوصا أن المملكة العربية السعودية كانت أول دولة عربية تعترف باستقلال لبنان سنة 1943. وعلى أساس من هذه العهود والوعود تعاطت المملكة السعودية مع لبنان، واحترمت خيار اللبنانيين وهويتهم وتعدديتهم ونظامهم وتقاليدهم ونمط حياتهم.
3. في الواقع لم تعتد السعودية على سيادة لبنان ولم تنتهك استقلاله. لم تستبح حدوده ولم تورطه في حروب. لم تعطل ديمقراطيته ولم تتجاهل دولته. كانت السعودية تؤيد لبنان في المحافل العربية والدولية، تقدم له المساعدات المالية، وتستثمر في مشاريع نهضته الاقتصادية والعمرانية. كانت ترعى المصالحات والحلول، وكانت تستقبل اللبنانيين، وتوفر لهم الإقامة وفرص العمل.
ثانيا: البطريركية والمملكة
4. علاقة البطريركية المارونية بالمملكة العربية السعودية تتخطى الاعتبارات التي تتحكم بعلاقة دولة بدولة. فالسعودية بالنسبة لهذا الصرح هي السعودية. نحبها كما هي. ولا ننظر إليها من خلال خياراتها السياسية ومواقفها القومية وعلاقاتها العربية والدولية. علاقتنا بها تتخطى المحاور إلى محور جامع هو الشراكة المسيحية/الإسلامية. فأحد بواعث خيار الكرسي الماروني للبنان الكبير بغناه التعددي هو أن يكون امتدادا لمحيطه من دون أن يكون نسخة عنه أو يذوب فيه. فهذا تاريخنا ونهجنا، وهذا وعدنا للبنانيين وللسعودية والعرب والعالم، وهذا وعد المملكة للبنان.
5. إن كتاب الأباتي أنطوان ضو التاريخي في جوهره، يحاكي في طياته المستقبل. فالعلاقات بين المملكة والبطريركية هي استشراف دائم للآتي من الأزمنة بما تحمل من أخوة وتضامن واحترام. وأهمية التضامن أن يتجلى في الصعوبات. تحمل المملكة السعودية تراث دين وشعب، وتكتنز البطريركية المارونية تراث شعب ناضل من أجل الله ولبنان. فعلى قرع الأجراس ولحن الآذان يسير لبنان في هذا الشرق أخا للعرب ومناصرا للحق. والأحداث والصور في الكتاب تحكي عن رفعة العلاقات بين البطريركية المارونية والمملكة السعودية. هكذا ندرك مدى محورية دوري المملكة السعودية والبطريركية المارونية في لبنان والمشرق والعالم العربي.
ثالثا: المملكة واللبنانيين
6. إن عرى الصداقة بين البطريركية المارونية والمملكة العربية السعودية متنت أكثر فأكثر عرى الصداقة والتعاون بين المملكة ولبنان. فإذا كانت المملكة افتتحت أول قنصلية لها في لبنان سنة 1930، فالشعبان افتتحا الصداقة بينهما قبل مئة عام لئلا نعود إلى سالف التاريخ القديم. كان اللبنانيون أوائل الذين سافروا إلى المملكة وساهموا في مشاريع الإعمار والتصنيع والإنماء والسياحة والتعليم. ولعب وجهاؤهم، بناء لطلب ملوكها، دورا مميزا في تنظيم الإدارة وتوطيد علاقات المملكة مع الشرق والغرب. ولقد أخلص هؤلاء اللبنانيون هناك للمملكة وبادلوها الوفاء. وفيما لم تميز المملكة بين لبناني وآخر، كنا نستشعر احتضانها المسيحيين العاملين في أراضيها. والحق يقال إن أبناءنا حين يهاجرون، فللعمل لا للسياسة، وللدخل لا للتدخل؛ وهم رسل لبنان لا رسل دولة أخرى، أو مشروع آخر. وهنا أتوجه إلى كل لبناني يعيش في المملكة أو يعمل فيها أن يحب شعبها ويحترم قيادتها ويلتزم قوانينها وتقاليدها ويحفظ أمنها. فمن لا يكون مستقيما في الدولة التي تحتضنه لا يكون أمينا للوطن الذي أنجبه.
الخاتمة
7. كم نتمنى أن تستعيد العلاقات اللبنانية-السعودية عفويتها وتقاليدها السابقة حين كان قادة المملكة يزورون ربوع لبنان ويلاقون الترحيب الشعبي العظيم أينما حلوا. يومها كان عندنا دولة واحدة وآمنة. يكفي أن نرى الصور في كتاب الأباتي أنطوان ضو لنشاهد بأي حرارة كان اللبنانيون من كل الطوائف يستقبلون قادة المملكة وأمراءها ويحتشدون للترحيب بهم لدى تجوالهم في مختلف المناطق اللبنانية فبكركي والديمان. وكان كبار أمراء آل سعود لا يكتفون بزيارات للمقرات الرسمية، بل كانوا يزورون أيضا البيوتات اللبنانية، المسيحية والمسلمة، حرصا على تأكيد خصوصية هذه العلاقة ودفئها.
مع السعودية بدت العروبة انفتاحا واعتدالا ولقاء، واحترام خصوصيات كل دولة وشعب وجماعة، والتزام مفهوم السيادة والاستقلال. مع السعودية برزت العروبة عاطفة سجية لا مشروعا عقائديا يتحدى المشاعر الوطنية والخصوصيات الحضارية ويختزل القوميات والهويات. مع السعودية احتجب البعد الجغرافي أمام جيرة العقل والقلب.
عشتم! عاش لبنان! عاشت المملكة العربية السعودية!”.
وفي ختام الاحتفال قدم الآباتي ضو والزميل ضو النسخة الأولى من الكتاب للبطريرك الراعي والسفير بخاري.

بخاري: لبنان في قلب السعودية قيادة وشعبًا
ثائر عباس/الشرق الأوسط/08 تموز/2021
يُظهر التزامن الحاصل بين مئوية لبنان الكبير، ومئوية العلاقة بين البطريركية المارونية والمملكة العربية السعودية، تجذُّر العلاقة التي سبقت استقلال لبنان منذ نحو 78 عاماً، ودفء هذه العلاقة الذي تعكسه الرسائل المتبادلة التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط»، ويُكشف عنها النقاب اليوم في احتفال تقيمه الكنيسة المارونية بحضور سفير خادم الحرمين الشريفين في بيروت وليد بخاري، سيتم خلاله إطلاق كتاب يؤرِّخ لهذه العلاقة ويوثِّق مجرياتها.
تأتي هذه المئوية التي وصفها السفير بخاري لـ«الشرق الأوسط» بأنها «مئوية الشركة والأخوة» في لحظة مفصلية في تاريخ المنطقة ولبنان، أسفرت عن فشل نظرية «حماية الأقليات» التي روجت لها إيران ومحورها في حمأة الأزمة السورية وارتداداتها اللبنانية، كما يقول ناشر الكتاب الزميل نوفل ضو، كما أنها تأتي في ظل لحظة مهمة في تاريخ لبنان حيث «يتم تصوير الصراع على الحصص الحكومية على أنه صراع لحماية حقوق المسيحيين في مواجهة المسلمين من قِبل فريق رئيس الجمهورية ميشال عون وتياره». ويقول ضو: «إن ما يشهده لبنان من محاولات لتغيير هويته، ومحاولة وضع المسيحيين في مواجهة المسلمين تحت ستار الصلاحيات حيناً، وصحة التمثيل حيناً، هي أمور تسقط عندما يتوضح للجميع من مضمون هذا الكتاب عُمق العلاقة وطبيعتها»، معتبراً أن «الرسائل المتبادلة من شأنها أن تُلقي أضواء مهمة على العلاقة، ومن شأنها أن تُسقط كل الخطط لانتزاع لبنان من محيطه العربي وإلحاقه بإيران».
أما مؤلف الكتاب الآباتي أنطوان ضو الأنطوني، فيرى أن «ميزة هذه العلاقات أنّها احترمت استقلال لبنان وسيادته وحريّته، كما احترمت التنوّع فيه، وصيغة العيش المشترك، ولم تميّز بين اللبنانيين، إنّما انتهجت سياسة واعية، حكيمة وجامعة، قائمة على احترام خصوصيّة لبنان، فدعمته على كل المستويات، وفي كل الظروف، ليبقى وطن الرسالة».
وتتجسد أهمية العلاقة بين المملكة، ببُعدها العربي والإسلامي الوازن، مع الكنيسة المارونية وبُعدها اللبناني الضارب في عمق تاريخ هذا البلد الصغير، المتنوع الثقافات والديانات، مع إجماع على عروبته التي تتخطى البُعد الديني.
ويرى السفير بخاري أن هذه المئوية «صفحة مجيدة تجسّد مسيرة تاريخية لعمق العلاقة بين المملكة العربية السعودية والبطريركية المارونية». ويرى أن «(رؤية السعودية 2030) ترسم آفاق المستقبل أمام عولمة العروبة التي تتسع للجميع».
ويشرح السفير بخاري أن «هذه الرؤية ترتكز، كما رسمها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز في خطابه، على مرتكزات ثلاثة هي: موقع استراتيجي متميز، وقوة استثمارية رائدة، وعمق عربي وإسلاميّ»، ويرى بخاري أن «توصيف هذا العمق من قِبل سيدي ولي العهد يشير إلى أن القيادة السعودية كانت ولا تزال في موقع الحفاظ على هذا التنوع المهم في المنطقة، من وجهة نظر إنسانية غير ضيقة وغير فئوية وغير مذهبية. أما فيما يخص لبنان، فهو كان دائماً في قلب المملكة قيادةً وشعباً، وهو ما تعبّر عنه بوضوح مواقفها الثابتة من الحفاظ على وحدته واستقلاله وحرية قراره».
ويذكِّر السفير بخاري بما ورد في الكتاب موضع الاحتفال وكيف أن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن عبد العزيز، طبع زيارته لبنان في 23 أبريل (نيسان) 1946، بعد سوريا في أعقاب استقلال البلدين بمواقف رددها في كل محطات الزيارة، شددت على استقلال لبنان وسيادته في تعبيرٍ عن السياسة الثابتة للملك عبد العزيز آل سعود، وكيف رد على سؤال وجهه إليه أحد الصحافيين اللبنانيين عن المطالبات بالوحدة السورية اللبنانية بالقول: «إن استقلال لبنان استقلالاً تاماً وكاملاً بحدوده الطبيعية المعترف بها من جميع الدول وفي مقدمها الدول الشقيقة هو غاية من غايات جلالته في أهدافه السياسية الجوهرية التي يُعنى بها ويؤيدها». وقال رداً على سؤال آخر: «إن كل تغيير أو تعديل في أوضاع البلدان العربية الراهنة يعد نقضاً صريحاً لميثاق الجامعة العربية».
أما الملك سعود، فقد زار لبنان بدوره عندما كان ولياً للعهد، وقد سجّلت الصحافة اللبنانية أنه خلال معانقة الرئيس كميل شمعون للأمير سعود بن عبد العزيز مودّعاً سمع ولي العهد السعودي يردد عبارته الشهيرة التي طبعت زيارته للبنان والتي لا يزال يرددها اللبنانيون حتى اليوم كلما تحدثوا عن الأمير الذي تولى المُلك لاحقاً بعد وفاة والده الملك عبد العزيز، بقوله: «إنني أغادر لبنان وأترك قلبي في ربوعه».

رسائل القيادة السعودية والبطاركة الموارنة تثبت عمق الصداقة والتقدير
أكدت حماية السعودية لاستقلال لبنان والعيش المشترك
الشرق الأوسط/08 تموز/2021
توثق المراسلات المتبادلة بين ملوك المملكة العربية السعودية وأمرائها ومسؤوليها والبطاركة الموارنة خلال القرن الماضي عمق العلاقة والتعاون والصداقة والتقدير بين الجانبين، وهي علاقة متينة تمتد من فترة ما بعد استقلال لبنان، وتتصل بالجوانب القومية والسياسية والخدماتية، وتثبت دعم المملكة العربية السعودية الثابت المتين للعيش المشترك في لبنان.
وينشر الكتاب هذه الرسائل من أرشيف البطريركية المارونية في بكركي في عهود البطاركة الموارنة: أنطون عريضة (1932 – 1955)، وبولس المعوشي (1955 – 1975)، وأنطونيوس خريش (1975 – 1986)، ونصر الله صفير (1986 – 2011).
وتبرز الرسائل المودة والاحترام والتقدير والإيجابية التي طبعت أسلوب البطاركة والملوك والأمراء السعوديين في التخاطب فيما بينهم. ولم يبتعد التخاطب عن التأكيد على الشق الوطني، وامتنان البطريركية المارونية للأيادي البيضاء السعودية في لبنان المستمرة منذ ذلك الوقت.
ففي رسالة البطريرك أنطون عريضة إلى الملك سعود بن عبد العزيز، قال في معرض تهنئته باعتلائه العرش: «كان سرورنا عظيماً باعتلاء جلالتكم عرش المفقود له والدكم العظيم الحميد الذكر الخالد الأثر صاحب الأيادي البيضاء على قضية العرب عامة، وقضية لبنان خاصة. فتفضلوا -يا صاحب الجلالة- بقبول عواطف الود والولاء التي ربطت بين عرشكم وبين هذه السدة البطريركيّة، لتزداد الصداقة المتبادلة رسوخاً وثيقاً في عهدكم الميمون».
وكان الرد من الملك الراحل سعود بن عبد العزيز أن شكر البطريرك أنطون عريضة على تهانيه. وعن استقباله للوفد البطريركي الذي زاره في المملكة، قال شاكراً مقدراً: «قابلنا وفدكم الكريم، برئاسة سيادة المطران عبد الله نجيم، وأنِسْنا بالتحدث إليه، والاستماع إلى الكلمة الطيبة التي ألقاها في مجلسنا، مما دل على المدى الواسع والأواصر المتينة التي تربط شعبينا وبلدينا برباط العروبة المتين الذي نسجته أيدي العصور العابرة، وتركته لنا خير تراثٍ، لنزيد في متانته وقوة أواصره لخير العرب جميعاً».
وأكد الملك سعود بن عبد العزيز أن «خير العرب في اتحادهم ووقوفهم كالبنيان المرصوص في الذود عن حقوقهم، والتعاون الصادق في رفع مستوى أقطارهم، حتى يبلغوا الأمل المنشود، والغاية النبيلة التي يعملون من أجلها، فيبعثوا حضارة العرب، ويعيدوا إضاءة نبراس العلوم فيها، وليعم الخير والبركة للعالم أجمع».
وتتنوع الرسائل من التهاني في المناسبات إلى الشكر على الزيارات، وطلب الاهتمام بشخصيات لبنانية تزور المملكة العربية السعودية. وتشير الردود إلى المكرمة الملكية في الاستجابة للطلبات، وتؤكد على العلاقات المتينة بين البطاركة وملوك السعودية وأمرائها.
وتظهر إحدى الوثائق رسالة للبطريرك أنطون عريضة، أوصى فيها صديقه الملك سعود بن عبد العزيز بشاعر العرب الأكبر بشاره الخوري (الأخطل الصغير) ورعايته، وقال فيها: «إن شاعرنا الكبير الذي تفضلتم باستقباله في دياركم العامرة كان -ولم يزل- الداعية الأكبر للعروبة، موحداً شعوبها على طريق التعاون والمحبة والسلام». وأضاف: «لأنكم، برعايتكم للأخطل الصغير، ترعون جميع اللبنانيين والعرب أجمعين، خصوصاً هذا الكرسي الذي يدعو لكم بالسعادة والتوفيق، يا طويل العمر».
– حرص سعودي على استقلال لبنان
ولطالما أثبتت الخطابات المتبادلة الرعاية والاهتمام الدائمين من قبل الملوك والأمراء للبنانيين. ففي رسالة للملك سعود بن عبد العزيز، أكد للبطريرك بولس المعوشي أن «ما يلقاه أبناء لبنان من رعاية وحسن معاملة هو واجب»، وقال: «إن ما يلقاه أبناء لبنان في بلادنا من رعاية ومعاملة حسنة، وما ينعمون به من طمأنينة واستقرار، إنْ هو إلا واجب لهم، تليه روابط الأخوة والصداقة التي تربط البلدين والشعبين الشقيقين».
وتثبت الوثائق امتنان البطاركة للدور السعودي الحريص على استقلال لبنان وحريته وسلامته. ففي رسالة للملك سعود بن عبد العزيز، تمنى البطريرك بولس المعوشي العافية والتوفيق للملك، واستذكر زيارته عندما كان لا يزال ولياً للعهد للدار البطريركية في لبنان، قائلاً: «نحن ممن يتمنون لكم العافية والتوفيق، ولا نزال نذكر زيارتكم الكريمة للدار البطريركية في بكركي. وقد كان لها أجمل الوقع في قلوب اللبنانيين الذين يعلمون ما ينطوي عليه قلبكم الكبير من المودة لهم، والحرص على استقلال لبنان وحريته وسلامته».
وفي رسالة أخرى من الملك فيصل بن عبد العزيز، أكد للبطريرك بولس المعوشي أن علاقات الإخاء المبنية بين لبنان والسعودية وسائر الأقطار العربية تزداد متانة، وقال فيها: «إنني أشاطركم الأماني في أن تزداد علاقات الإخاء المتينة قوة ونمواً بين بلدينا الشقيقين بصورة خاصة، وبين سائر الأقطار العربية الشقيقة بصفة عامة، وأن يحفظ كيان أمتنا من كل سوء».
– تجاوب الملك فيصل مع دعوة البابا للانفتاح
وفي وثيقة أخرى، أثنى البطريرك بولس المعوشي على تجاوب الملك فيصل بن عبد العزيز مع دعوة البابا في مسألة الانفتاح بين العالمين الإسلامي والمسيحي التي كرس لها الملك حياته، وقال فيها: «أثلج صدرنا ما تضمن من تجاوب مع شعور قداسة البابا في مجالي الانفتاح بين العالمين الإسلامي والمسيحي، وقد جاء هذا الانفتاح ليتم بلسان رائد العقائد والمبادئ السامية الحامل على عاتقه في هذا الشرق مهمة مكافحة التطرف، وصيانة الشعوب العربية من مناوئ الإلحاد».
وأكد المعوشي أن «الدعوة التي وجهتموها جلالتكم إلى التعاون مع كل مؤمن بالله ما كانت إلا لتزيدنا يقيناً بأن قيادتكم للأمة العربية تسير بها إلى عهد أفضل للأخوة والمحبة والسلام، وأن الروابط القائمة بين جلالتكم والبطريركية المارونية ستزداد توطداً وتوثقاً في مجالات العمل، لتأدية الواجب المشترك في الحفاظ على القيم الروحية والمقومات الإنسانية الشريفة».
– فترة الحرب اللبنانية
وخلال الحرب اللبنانية، برز دور القادة السعوديين في العمل على حماية لبنان، وتثبيت العيش المشترك فيه. ففي رسالة من البطريرك أنطونيوس خريش إلى الملك الراحل خالد بن عبد العزيز، شكره فيها على مبادرته في سبيل وقف إطلاق النار في لبنان، قائلاً: «وما كانت هذه المبادرة الكريمة بمستغربة، وهي تنم عن أصالة عربية إنسانية عرفتم بها، كما اشتهرت عن أسلافكم الطيبي الأثر. وقد قامت بينهم وبين لبنان، وعلى الأخص بينهم وبين هذه البطريركية، أوثق العلائق وأحسن روابط المودة. وبين أيدينا رسائل كريمة تبادلها سلفنا الكردينال المعوشي الطيب الذكر وسلفكم المغفور له الملك فيصل».
وفي السياق نفسه، شكر البطريرك نصر الله صفير الملك الراحل فهد بن عبد العزيز على جهوده الحثيثة التي يبذلها في أعمال ومتابعة اللجنة العربية العليا المعنية بالقضية اللبنانية، والتي تعبر في كثير من جوانبها عن أمنية اللبنانيين في استعادة سيادة وطنهم وأمنه وسلامه. وختمها قائلاً: «إنا فيما نأمل أنْ تواصل لجنتكم الموقرة جهودها لإخراج لبنان من جحيم المحنة، نسأل الله أنْ يكافئكم خيراً، ويطيل عمركم على عافية، ويبقيكم رائداً في الدفاع عن القضايا العادلة».
وفي رسالة من الأمير تركي بن طلال بن عبد العزيز إلى البطريرك الراحل نصر الله صفير، أكد أنّ «إخواننا اللبنانيين باختلاف طوائفهم كانوا -وما زالوا وسيظلون- في قلوبنا وعقولنا على مر الأزمان. وإذا كانت الحرب قد أفرزت شرذمة من شتى الأطراف شاذة في النوايا ضالة في الاتجاه، فقد تعلمنا أنْ نُحجمها في الإطار الذي وضعت نفسها فيه».
وأكد أنه «في كل الأزمات التي تعرضت لها أمتنا -وكما تعلمنا من التاريخ- لم يكن الأخوة المسيحيون العرب إلا عوناً وسنداً لإخوانهم المسلمين ضد كل ما يُصاب به الشرق من هموم وويلات، ابتداءً من الحروب الصليبية التي اتخذت الصليب حجة للانطلاق نحو خيرات الشرق، وصولاً لعملية زراعة هذا الجسم الغريب المُسمَّى إسرائيل في داخل أنسجة أمتنا العظيمة».
وشدد الأمير تركي على أنه على الرغم من أنه «قد وُجِدَت خلافات بين المسلمين والمسيحيين على مر الأزمان مؤججة باستغلال الحاقدين المنتفعين تحقيقاً لمآربهم، فإنها دائماً لم تخرُجْ عن خلافاتِ المصالح الشخصية، فلا يجب أن يُشيرَ أحد بوجود خلافٍ في الأهداف السامية للمسيحية والإسلام، بصفتها عقائد سامية تهدفُ إلى كل ما فيه خير للإنسانية، وإلى تخليص الروح من أدناس الأمور». وأضاف: «من يحاولُ أن يَغفِلَ ذلك -أو يتغافل- ويضعَ الأمر في إطاره الخاطئ، وهو أن الخلافات كانت صراعاً بين الإسلام والمسيحية، فإما أنه مغفلٌ لا يعي تاريخ الأمة المليء بالعبر، أو أنه يَضْمِرُ في نفسه نوايا ينبغي رفضها لعدم انسياقها مع حركة التاريخ، مُثمنين بذلك قول غبطتكم: من الواجب إحداث تقويم للاعوجاج الذي طرأ على المستوى الدولي لجهة المسؤول دون تصوير النزاع كأنه بين الإسلام والمسيحية».
ورد البطريرك صفير على رسالة الأمير تركي، مؤكداً في رده أن «الذين يقولون بصراع الأديان والحضارات، لا يتصورون -على ما يظهر- ما يُصيب البشرية من جرائه من ويلاتٍ ونكباتٍ، بحيث يصبح العيش الآمن مستحيلاً، وتنقلب الدنيا جحيماً مقيماً، لا سمح الله».
وأكد صفير: «إننا مقتنعون في لبنان بأن أتباع المسيحية والإسلام، منذ وجدت هاتان الديانتان، يعيشون في جو احترام متبادل، ما لم يأتِ من يزرع الفتنة في صفوفهم. وعلى كل، فإن التاريخ يدل على أن أيام الخلافات هي أقل بكثير من أيام الوفاق والتعاون والسلام بينهم».

مئوية علاقة الكنيسة المارونية بالسعودية تتزامن مع مئوية لبنان وتسبق استقلاله
بخاري: «رؤية 2030» ترسم آفاق المستقبل أمام عولمة العروبة التي تتسع للجميع
 ثائر عباس/الشرق الأوسط/08 تموز/2021
يُظهر التزامن الحاصل بين مئوية لبنان الكبير، ومئوية العلاقة بين البطريركية المارونية والمملكة العربية السعودية، تجذُّر العلاقة التي سبقت استقلال لبنان منذ نحو 78 عاماً، ودفء هذه العلاقة الذي تعكسه الرسائل المتبادلة التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط»، ويُكشف عنها النقاب اليوم في احتفال تقيمه الكنيسة المارونية بحضور سفير خادم الحرمين الشريفين في بيروت وليد بخاري، سيتم خلاله إطلاق كتاب يؤرِّخ لهذه العلاقة ويوثِّق مجرياتها.
تأتي هذه المئوية التي وصفها السفير بخاري لـ«الشرق الأوسط» بأنها «مئوية الشركة والأخوة» في لحظة مفصلية في تاريخ المنطقة ولبنان، أسفرت عن فشل نظرية «حماية الأقليات» التي روجت لها إيران ومحورها في حمأة الأزمة السورية وارتداداتها اللبنانية، كما يقول ناشر الكتاب الزميل نوفل ضو، كما أنها تأتي في ظل لحظة مهمة في تاريخ لبنان حيث «يتم تصوير الصراع على الحصص الحكومية على أنه صراع لحماية حقوق المسيحيين في مواجهة المسلمين من قِبل فريق رئيس الجمهورية ميشال عون وتياره». ويقول ضو: «إن ما يشهده لبنان من محاولات لتغيير هويته، ومحاولة وضع المسيحيين في مواجهة المسلمين تحت ستار الصلاحيات حيناً، وصحة التمثيل حيناً، هي أمور تسقط عندما يتوضح للجميع من مضمون هذا الكتاب عُمق العلاقة وطبيعتها»، معتبراً أن «الرسائل المتبادلة من شأنها أن تُلقي أضواء مهمة على العلاقة، ومن شأنها أن تُسقط كل الخطط لانتزاع لبنان من محيطه العربي وإلحاقه بإيران».
أما مؤلف الكتاب الآباتي أنطوان ضو الأنطوني، فيرى أن «ميزة هذه العلاقات أنّها احترمت استقلال لبنان وسيادته وحريّته، كما احترمت التنوّع فيه، وصيغة العيش المشترك، ولم تميّز بين اللبنانيين، إنّما انتهجت سياسة واعية، حكيمة وجامعة، قائمة على احترام خصوصيّة لبنان، فدعمته على كل المستويات، وفي كل الظروف، ليبقى وطن الرسالة».
وتتجسد أهمية العلاقة بين المملكة، ببُعدها العربي والإسلامي الوازن، مع الكنيسة المارونية وبُعدها اللبناني الضارب في عمق تاريخ هذا البلد الصغير، المتنوع الثقافات والديانات، مع إجماع على عروبته التي تتخطى البُعد الديني.
ويرى السفير بخاري أن هذه المئوية «صفحة مجيدة تجسّد مسيرة تاريخية لعمق العلاقة بين المملكة العربية السعودية والبطريركية المارونية». ويرى أن «(رؤية السعودية 2030) ترسم آفاق المستقبل أمام عولمة العروبة التي تتسع للجميع».
ويشرح السفير بخاري أن «هذه الرؤية ترتكز، كما رسمها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز في خطابه، على مرتكزات ثلاثة هي: موقع استراتيجي متميز، وقوة استثمارية رائدة، وعمق عربي وإسلاميّ»، ويرى بخاري أن «توصيف هذا العمق من قِبل سيدي ولي العهد يشير إلى أن القيادة السعودية كانت ولا تزال في موقع الحفاظ على هذا التنوع المهم في المنطقة، من وجهة نظر إنسانية غير ضيقة وغير فئوية وغير مذهبية. أما فيما يخص لبنان، فهو كان دائماً في قلب المملكة قيادةً وشعباً، وهو ما تعبّر عنه بوضوح مواقفها الثابتة من الحفاظ على وحدته واستقلاله وحرية قراره».
ويذكِّر السفير بخاري بما ورد في الكتاب موضع الاحتفال وكيف أن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن عبد العزيز، طبع زيارته لبنان في 23 أبريل (نيسان) 1946، بعد سوريا في أعقاب استقلال البلدين بمواقف رددها في كل محطات الزيارة، شددت على استقلال لبنان وسيادته في تعبيرٍ عن السياسة الثابتة للملك عبد العزيز آل سعود، وكيف رد على سؤال وجهه إليه أحد الصحافيين اللبنانيين عن المطالبات بالوحدة السورية اللبنانية بالقول: «إن استقلال لبنان استقلالاً تاماً وكاملاً بحدوده الطبيعية المعترف بها من جميع الدول وفي مقدمها الدول الشقيقة هو غاية من غايات جلالته في أهدافه السياسية الجوهرية التي يُعنى بها ويؤيدها». وقال رداً على سؤال آخر: «إن كل تغيير أو تعديل في أوضاع البلدان العربية الراهنة يعد نقضاً صريحاً لميثاق الجامعة العربية».
أما الملك سعود، فقد زار لبنان بدوره عندما كان ولياً للعهد، وقد سجّلت الصحافة اللبنانية أنه خلال معانقة الرئيس كميل شمعون للأمير سعود بن عبد العزيز مودّعاً سمع ولي العهد السعودي يردد عبارته الشهيرة التي طبعت زيارته للبنان والتي لا يزال يرددها اللبنانيون حتى اليوم كلما تحدثوا عن الأمير الذي تولى المُلك لاحقاً بعد وفاة والده الملك عبد العزيز، بقوله: «إنني أغادر لبنان وأترك قلبي في ربوعه».

الملك سلمان للبطريرك الراعي: نعد اللبنانيين أهلنا ونعرف محبتهم للمملكة وشعبها
الأمير محمد بن سلمان: نحن نحبّ اللبنانيين جميعاً محبّة خاصّة
الشرق الأوسط/08 تموز/2021
كان لقاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والبطريرك الماروني بشاره الراعي، في الرياض، بمثابة حدث إنساني حضاريٍّ، يؤسّس لعهد جديد من العلاقات المسيحيّة الإسلاميّة.
فيوم 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017 كان تاريخياً، إذ تبادل خادم الحرمين الشريفين مع البطريرك الراعي السّلام بحرارة لافتة، وحرص الملك سلمان بعد ذلك على مصافحة أعضاء الوفد المرافق للبطريرك فرداً فرداً بترحاب واحترامٍ وفرح.
يوثق كتاب «مسيرة حوار واعتدال – علاقة البطريركية المارونية بالمملكة العربية السعودية» هذه الزيارة التاريخية، وينقل الكاتب الأباتي أنطوان ضو وقائعها بالتفصيل.
ففي جوٍّ أخوي قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، في استقبال البطريرك الراعي: «أريد أن أشكركم يا صاحب الغبطة أنتم، والوفد المرافق لكم، لأنّكم لبّيتم دعوتنا لزيارة المملكة العربية السعودية التي هي مملكتكم ومملكة جميع اللبنانيين».
وشدد الملك سلمان على «أننا نكنّ للبنان، ولجميع اللبنانيين، كلّ احترامٍ، وتقديرٍ، ومحبّة، ونعدهم أهلنا. كما نعرف ونشعر بمحبّة اللبنانيين للمملكة ولشعبها». وأضاف: «دعوناكم يا صاحب الغبطة لزيارة المملكة لأنّكم شخصيّة لبنانيّة عربيّة عالميّة ممتازة. فإلى جانب دوركم الديني الكبير، فإنّكم تقومون بدور ريادي في تعزيز العلاقات الإسلاميّة المسيحيّة. كما تعملون أيضاً على تعزيز حوار الحضارات والثقافات».
وتابع خادم الحرمين الشريفين: «إننا في المملكة نُعير موضوع حوار الحضارات، والثقافات، والعلاقات الإسلاميّة المسيحيّة أهميّة كبرى، لأنّ هذا الموضوع هو من جوهر إسلامنا، وحضارتنا، وثقافتنا، وسياستنا». وأكد الملك سلمان «إنّه خيارنا الأوّل في زمن صراع الحضارات والحروب التي تعصف بعالمنا العربيّ، والعالم كلّه، لأنّ الإسلام هو دين السَّلام، ونحن لا نستطيع إلاّ أنْ نكون مع السَّلام العادل». وتابع: «لذلك، أنا سعيد جداً أن ألتقي معكم، أنتم يا من تحملون رسالة الحوار باسم لبنان والعرب إلى العالم كله، مؤكّداً لكم أنّ المملكة لا تبغي إلا أنْ يسود التسامح، والعدل، والسَّلام في العالم كلّه».
وختم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز كلمته قائلاً: «هلُمُّوا نعمل معاً من أجل السَّلام العادل والشامل في عالمنا كلّه. وأهلاً وسهلاً بكم في مملكتكم».
وردّ البطريرك الراعي بالقول: «دعوتكم الشريفة للبطريرك الماروني لزيارة المملكة العربية السعودية، مهد الإسلام، وقِبلة المسلمين، هي حدث تاريخي كبير، لم يشهد له التاريخ مثيلاً منذ نشأة الإسلام إلى اليوم. كما أنّ هذا اللقاء هو دعوة إلى المسلمين والمسيحيين في العالم كلّه (لتعارفوا) وإلى (كلمة سواء) بينهم، وإلى محبّة بعضهم لبعض، كما أحبَّنا الله تعالى، وهو لا يزال يحبُّنا اليوم وغداً وإلى الأبد».
وتابع البطريرك الراعي: «يا سيّدي الملك، بين البطريركيّة المارونيّة وبين المملكة العربية السعودية علاقة احترام، ومحبة، وتعاون، وثيق، ابتداءً من أيّام المؤسّس المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود، مروراً بسائر الملوك الذين تعاقبوا على المُلك، وصولاً إلى عهدكم. وقد توَّجتم هذه العلاقات الطيّبة بدعوتي للقائكم، لنعمل معاً من أجل تعزيز العلاقات الإسلاميّة المسيحيّة، والسعودية اللبنانيّة، وحوار الحضارات والثقافات». وقال الراعي: «نحن مدعوون إلى الالتزام بتطوير العلاقات الإسلاميّة المسيحيّة وتقدّمها وترسيخها في العالم كلّه من خلال النيات الحسنة، والإرادات الطيّبة، والعمل الجّاد، والصادق، لنمتلك القدرة على التلاقي، والانفتاح، والحوار، والتعاون، والتفاعل، والعيش معاً بحريّة، وكرامة، ومساواة، وعدالة، وأمان».
وختم البطريرك الراعي كلمته قائلاً: «عندما يصل المسلمون والمسيحيّون إلى هذا المستوى من العلاقات، يصبحون قادرين على قيادة حركة حوار الحضارات والثقافات لوقف الصراعات، والحروب، والكراهيّة، والإرهاب، والتكفير، والعمل معاً لأجل إقامة حضارة العدالة، والسَّلام، والمحبّة في بلدانهم وفي العالم كلّه».
يتحدث الكاتب الأباتي أنطوان ضو عن ظروف الزيارة. يؤكد أنه «لمّا كانت العولمة قد أحدثت تحوّلات وتغيّرات كبرى على كلّ الصعد، وقادت العالم كلّه إلى الانفتاح على الضرورات، والتطوّرات، والدخول في حركة حوار الحضارات، بديلاً عن صراع الحضارات، رأت المملكة العربية السعودية أن تلعب دورها الإيجابيّ، وتشارك في عمليّة ترسيخ حوار الحضارات، والثقافات، والأديان، وتطويرها، وتقدّمها، والتربيّة عليها، من أجل نشرها في العالم كلّه، كأداة عدالة، وسلام، وخلاص».
ويشدد على أنه «لأنّ المملكة العربية السعودية ترى في لبنان الذي تربطها به أفضل العلاقات، وتعده نموذج وطن العيش المشترك المسيحي الإسلاميّ، والرسالة إلى العالمين، رأى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود الذي يحفظ في قلبه محبّة خاصّة للبنانيين، توجيه دعوة رسميّة إلى الكاردينال بشارة الراعي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، أحد أبرز رموز العيش المشترك المسيحي الإسلامي في العالم، إلى زيارة المملكة من أجل ترسيخ العلاقات السعودية اللبنانيّة، والعلاقات المسيحيّة الإسلاميّة، ودفع حوار الحضارات إلى الأمام».
ويشير الكاتب إلى أن الزيارة بكلّ تفاصيلها وبرامجها «أُعدّت في أقل من أسبوعين بفضل جهود حثيثة ومميزة وعمل دؤوب على مدار الساعة بالتنسيق بين بكركي والديوان الملكي السعودي وسفارة المملكة في لبنان».
يتحدث الكاتب عن لقاء الراعي بولي العهد الأمير محمد بن سلمان. يقول: «دخل البطريرك الراعي إلى مكتب سموّ الأمير محمد بن سلمان مبتسماً، والفرح ظاهر على محيَّاه، وفي قلبه المحبّة العارمة، وسلّم على سموّ الأمير بلطفٍ، واحترامٍ، وحرارة، كأنّه يعرفه من زمان».
وبعدما سلَّم الأمير على البطريرك، بدأ بالسّلام على الوفد فرداً فرداً بابتسامته المعهودة وإعجابه بهذه الكوكبة من الأحبار والوفد المرافق لغبطته.
جلس الجميع، وبدأ الأمير محمد بن سلمان كلامه قائلاً: «أهلاً وسهلاً بالبطريرك الماروني الكردينال مار بشاره بطرس الراعي وصحبكم. أنتم في بلدكم، ونحن نُحبّ اللبنانيين جميعاً محبّة خاصّة. ونعد لبنان وطننا الثاني، ومن واجبنا الوقوف إلى جنبه لأنّه دعامة للعرب، ورسالتهم إلى العالم».
وأضاف الأمير محمد بن سلمان: «يا سيّدي البطريرك هذه أوّل مرّة في حياتي التقي فيها رجل دين مسيحي بمقامكم. ومن كثرة ما شرحوا لي عن لبنان والموارنة، صرت أظنّ أنّ مسيحيي العالم كلّهم موارنة. وبعد تشريفكم إلى المملكة تأكَّدنا أنّكم بطريرك المحبّة، محبّة المسلمين ومحبّة المسيحيين معاً. ولأنّ عيال الله تجمعهم المحبّة، فبإمكانكم أن تعدّونا من عائلة المحبّة، عائلتكم وعائلة كلّ العرب المسلمين والمسيحيين في العالم كلّه».