الياس بجاني/مقالة رائعة ل عقل العويط هي برسم سيدنا الراعي ومجلس المطارنة الموارنة لعل وعسى

939

الياس بجاني/مقالة رائعة ل عقل العويط هي برسم سيدنا الراعي ومجلس المطارنة الموارنة لعل وعسىر
سالة رائعة بكل المقاييس والمعايير. كل التمني أن يتواضع سيدنا الراعي ويعود إلى الصرح وإلى ثوابته وفي نفس الوقت يسير نحو الأبواب الضيقة ويتجنب الأبواب الواسعة.
كل التمني أن يهجر سيدنا مرة واحدة وإلى الأبد ثقافة المؤامرة ونغمة المتآمرين ويحرّم على نفسه وعلى الأحبار الرد على أي قضية أو ملف بفوقية والقول” يا جبل ما يهزك ريح”، لأن الريح تسقط كل بيت لا يشاد على الصخر كما علمنا السيد المسيح. في الفاتيكان ثورة وفي بكركي تقوقع وهما أمران لا يلتقيان ومن له آذان صاغية فليسمع

رسائل إلى اللبنانيين على هامش خطاب أسقف روما
عقل العويط /النهار
3 كانون الثاني 2015
كشف البابا فرنسيس أن الإدارة المركزية للكنيسة الكاثوليكية “يعصف بها المرض”، وأنها “تحتاج إلى أن تتغير وتتحسن. إن الإدارة المركزية التي لا تنتقد ذاتها ولا تعمل على تحديث نفسها ولا تحاول أن تتحسن هي جسد مريض”. وعدّد ما لا يقل عن 15 من مظاهر المرض والإغراءات بدءاً من “الالزهايمر الروحي” الذي أصاب رجال الدين الذين أسرت ألبابهم السلع الدنيوية والسلطة، وفقدوا روحانيتهم تدريجياً ونسوا علاقتهم مع الرب وأصبحوا عبيداً لـ”مشاعرهم وأهوائهم وهوسهم”. وصولاً إلى “انفصام الشخصية الوجودي” لأولئك الذين استسلموا لعقلية كئيبة قاسية. وأشار إلى أن البعض ممن هم في الإدارة المركزية يتصرفون كأنهم “يتمتعون بالحصانة والخلود أو حتى أنهم لا يمكن الاستغناء عنهم”. وتحدث عن “مرض الاكتناز”، الذي يجعل رجال الدين “يجمعون الأغراض المادية ليس بدافع الحاجة ولكن ليشعروا بالأمان”. وتحدث أيضاً عن الكهنة الذين تبدو عليهم علامات الكآبة ومَن “يقتلون بدم بارد” سمعة الآخرين والمنافقين والمتملقين. واتهم بعض كبار الكهنة في الفاتيكان بـ”عيش حياة مزدوجة”، بعد إقامة “عالم موازٍ، حيث يتجاهلون كل ما يعلّمونه للآخرين، ويبدأون في عيش حياة سرّية وغالبا ماجنة”. على هامش هذا الخطاب، أخاطب اللبنانيين بالآتي:

اتصال هاتفي
رنّ جرس الهاتف الأرضيّ في الهجعة الأخيرة من الليل. كان أسقف روما على الخطّ. لم أتعجّب من اتصاله، ولم يأخذني الارتباك. فنحن صديقان، ولا لزوم للشرح.
يجب أن أوضح أن الاتصال جرى، بعد إلقائه خطابه الأخير المزلزل، الذي وجّهه إلى كبار العاملين في مؤسسة الفاتيكان، ناعتاً إياهم بمرضى “الالزهايمر الروحي”.
كان فرنسيس واضحاً في حديثه الهاتفي القصير، صارماً، دقيقاً، ومهيباً في الآن نفسه.
أكادني أقول إني اشتممتُ في صوته نبرةً متجهمة ومتألمة، على بعض غضب. قال لي بالحرف الواحد: لن تخلص المسيحية في العالم إذا لم تتحرّر أولاً من فسادها الذاتي، قبل أن تنصرف تالياً إلى المساهمة في تحرير العالم من فساده.
أضاف: كنيسة الشرق هي في الظاهر كنيسة المسيح، لكنها في الباطن ملأى بأفاعٍ مؤذية وبأناسٍ قلوبُهم قبورٌ مكلّسة، وليس للمسيح فيها حجرٌ يسند إليه رأسه.
ثمّ ودّعني بحبّ، وأقفل الخطّ، من دون أن يطلب مني شيئاً محدداً، منوّهاً على سبيل التعزية، بأنه أراد فحسب أن يتأكد من عزيمة العلمانيين ووقوفهم إلى جانبه في الأوقات الصعبة، وموضحاً أنه يجري اتصالات شخصية مماثلة بأصدقائه ومريديه “غير المرئيين” في العالم، مسيحيين وغير مسيحيين، لحضّهم على مواصلة الشهادة للحقيقة. للقرّاء الكرام، مؤمنين وغير مؤمنين، مسيحيين وغير مسيحيين، أقول إن هذا الاتصال الافتراضي الذي جرى في الثالثة والنصف من فجر السادس والعشرين من كانون الأول 2014، لن يغيّر من عاداتي وأخلاقي شيئاً، ولن يحملني على الشعور بالانتفاخ، بل سيزيدني تواضعاً ورهبةً حيال المسؤولية الإعلامية الملقاة على عاتق أهل الصحافة، الذين لا يرضخون لابتزاز، ولا يتلقّون الرشاوى، ولا يستعبدون أقلامهم لزعماء أو لمصالح. وعليه، أجد نفسي مدعوّاً إلى مكالمة أهل الفساد اللبنانيين من أهل الدين والدنيا، داعياً إياهم إلى الارتعاد، قبل أن تنقلب عليهم كراسيهم، أيّما انقلاب.

مخاطبة رجال السياسة الموارنة
تواصلون اللعب بالنار. هذا حقٌّ من حقوق السياسة. بل جزءٌ لا يتجزأ من طبيعتها. إنما، يجب أن تعلموا أن هذا اللعب قد بلغ مبلغه الجسيم، الذي بات يهدّد الأخضر واليابس. ليس من حقّكم أن تستخدموا لعبة “عليَّ وعلى أعدائي يا ربّ”، لأن الموارنة ليسوا رهينة في أيديكم، ولا قطعان ماعز. الناس يلعنونكم، وإن كانوا لا يفعلون شيئاً عظيماً ليضعوا حداًّ لتصرفاتكم. السحر الذي تعتقدون أنكم تملكون مفاتيحه وأسراره، سينقلب عليكم وعلى الموارنة، وعلى لبنان. أخاطب الذين يسرقون الموارنة ويصادرونهم تحديداً. لم يعد ثمة بينكم سَحَرَة. بل مقلّدو سَحَرَة. ارعووا قبل فوات الأوان. أوقِفوا هذه المجزرة.

مخاطبة السنّة والشيعة اللبنانيين
افهموا جيداً، أنكم ستخسرون كل شيء، هنا في هذه البلاد، إذا خسرتم الموارنة والمسيحيين. فإذا كان هؤلاء، رجال دينهم ودنياهم، لا يحسنون المحافظة على أنفسهم، فمسؤوليتكم بالذات، أن تنقذوهم من أنفسهم، لتنقذوا، أنتم أيضاً أنفسكم، داخل الكينونة الوطنية اللبنانية. أخاطب المسلمين كلّهم في هذا الشأن. وأخاطب في شكل خاص، “حزب الله” وحركة “أمل”. أنتم أيضاً أكلة جبنة. ليس بينكم سَحَرَة تاريخيون. ليس بينكم زعماء عظام. ليس بينكم واحد يجرؤ أن يقول: كفى. لم يعد مقبولاً التشنيع بهذه البلاد.
افهموا جيداً ان الغلبة لن تنفع. والاستبداد لن ينفع. والرعب لن ينفع. والدهاء الصغير المسموم لن ينفع. والحسابات المحلية والإقليمية لن تنفع. والحروب التي تدخلونها لن تفيدكم في شيء. ستخسرون هذه الأرض ومَن عليها، إذا لم تتداركوا مسؤوليتكم في المحافظة على الآخرين قبل المحافظة على أنفسكم. إنه وقت النقد الذاتي. افهموا جيداً أنها لو دامت لغيركم، لما آلت إليكم.

مخاطبة الدروز اللبنانيين
ألا يجب أن تفعلوا شيئاً من أجل أن يكون للموارنة وللمسيحيين، صديقٌ حقيقيّ في هذه البلاد؟ فعلٌ كهذا، لا بدّ أن يكون أثره طيّباً وإيجابياً فيكم، لوجودكم، ولمستقبلكم. لم يعد جائزاً ترك لبنان في مهبّ الحرب السنّية – الشيعية. لبنان لا يتحمل هذا الكمّ الجهنميّ من اللعب. مسؤوليتكم مرجِّحة.

مخاطبة الكنيسة المارونية
باختصار شديد، وبشعورٍ عظيم بالمسؤولية، أدعو مجلس الأساقفة الموارنة إلى مجمعٍ مغلق، مخصّص للنقد الذاتي، يطاول جملةً من التحديات يمكن اختصارها في اثنين: الأول، دور الكنيسة في المحافظة على الكينونة الوطنية اللبنانية، والتراجع الهائل الذي مُني به هذا الدور منذ استقالة البطريرك السابق، وانشغال السدّة البطريركية الراهنة بما ينشغل به منتهزو السياسة، من صغائر الأمور، والألاعيب التي ينوء تحتها عتاة السياسيين، فكيف بمراهقي السياسة من رجال الدين. الثاني، هيبة السدّة البطريركية التي أصبحت موضع تندّر من أهل البيت الداخلي، رجال دين أكانوا أم علمانيين، قبل أهل الطوائف الأخرى. هذا فضلاً عن تندّر عموم المواطنين، ولا استثناء.
إذا لم تهبّ الكنيسة إلى مداواة جروحها الداخلية، بمعاينة هذه الجروح، وبتعيينها، وبإشهارها، وبعدم التغاضي عنها، وبالبحث عن الحلول التي تكفل دملها، فإن مصير الكنيسة هو نفسه على المحكّ. كلُّ تغاضٍ عن هذا الواقع، وكلّ محاولةٍ للالتفاف عليه، سيجعلان لا الموارنة فحسب، بل المسيحيين جميعاً في لبنان والشرق، يبكون ندماً، حين لا يعود ينفع لا بكاءٌ ولا ندم.
للمجمع الماروني الطارئ والاستثنائي، الذي أدعو، بصفتي مواطناً من لبنان، مجلس الأساقفة الموارنة إلى عقده على الفور، أن يتواضع أعضاؤه، وأن يتهيّبوا، صغيرهم والكبير، وأن يسمحوا للمبضع الذي يستعمله الجرّاحون في الجراحات المستعصية، بأن يفعل فعله في جسم المؤسسة المارونية، من أعلى هرمها الديني إلى الأسفل. كلّ الأسباب التخفيفية، والحلول المرتجلة، ومحاولات ذرّ الرماد في الأعين، لن تفيد في شيء، بل ستعمّق أثر هذه الجروح الجوهرية لا في الجسم الماروني والمسيحي، بل في جسم المسيح الشرقي تحديداً.
أدعو كنيسة الموارنة إلى أن تعترف بأخطائها، وأن تتجنّب مقتلة المسيح، مرةً جديدةً في هذا العصر، وإن كان الثمن وضع خطاب فرنسيس الأخير، موضع التنفيذ الجذريّ المباشر، بالاستقالة، أو بالإقالة، أو بأيّ شيء من هذا القبيل أو من سواه.
افتراضاً، أن مثل هذه الخطوات التاريخية الجريئة، ستجد النور، واستكمالاً لها، فليذهب المجمع المقدس إلى اختيار كاهن – محض كاهن قدّيس – من “مدرسة قنوبين”، ليحمل على عاتقه مهمة رمي البذور ورعاية الزرع والتهيئة للحصاد.
الموارنة، بل المسيحيون مطلقاً، ومعهم لبنان، موطنهم، وملجأهم، ومعقلهم الروحي، والثقافي، سيكونان في الخطر الأعظم، إذا لم تفعل الكنيسة المارونية شيئاً يوازي الأعجوبة.
و… الأعجوبة، إما تكون وإما لا تكون. مَن له أذنان سامعتان فليسمع!

مخاطبة المدنيين والديموقراطيين اللبنانيين
ماذا تنتظرون (ماذا ننتظر؟!) لتفعلوا شيئاً عملانياً عظيماً تستحقون فيه صفة المدنيين، وصفة الديموقراطيين، وصفة اللبنانيين؟!