السفير د. هشام حمدان/مقترح لبرنامج إنقاذي للبنان

43

مقترح لبرنامج إنقاذي للبنان
السفير د. هشام حمدان/19 آذار/2021

أسمح لنفسي بأن أضع فيما يلي، الخطوط العريضة للبرنامج الإنقاذي للبنان، آملا من كافّة القوى الحيّة في مجتمعنا، ولا سيما هيئاته المدنيّة النقابيّة والمهنيّة، وحركة شبابه الثوريّة، ومثقّفيه ومفكّريه، دراستها وتحويلها إلى برنامح متكامل، يمكن أن يقدّم إلى الأمم المتحدة والجهات الدوليّة بإسم كل مواطن حرّ يتطلّع إلى إستعادة وطنه وحفظه لأبنائه وأحفاده من بعده. وكذلك لتكون قاعدة التحضير للانتخابات النيابية القادمة والنّقابيّةِ واعتبار المُشارَكةِ فيهِا بكثافَةٍ، واجب وطني ضَروريَّ من أجل تحقيق التغيير المنشود، ومطالبة الهيئات الدوليّة والأمم المتحدة الإشراف عليها ومراقبتها.

مدخل: قراءة في الأسباب المباشرة للحالة القائمة في لبنان والأهداف المرجوة من خطة الإنقاذ.
أولا:- فقدان الشعب اللبناني للسيادة الوطنيّة، والإستقلال والحرية.

الواقع في لبنان، يؤكّد بوضوح لا لبس فيه، أنّ مشاكله ناجمة أولا، عن فقدان شعبه لسيادتهم الوطنيّة، واستقلالهم وحريتهم. فلبنان وشعبه ضحيتان، إذ أخضعا بالإكراه، لإرادة قوى خارجيّة، استغلّت النظام الديموقراطي، وتعدد الأحزاب، والحريات المصانة دستوريّا فيه، وكذلك نظامه الطائفي القائم على مبدأ إحترام التعدّديّة الحضاريّة الراسخة بين السكان لقرون عديدة، ففرضت عليه منذ عام 1969، توقيع اتفاق القاهرة، وانتهاك اتفاقية الهدنة لعام 1949، التي كان لبنان وما زال، يتمسك بها. الأمر الذي حوّله إلى ساحة مفتوحة لتدخّلاتها المباشرة، ولحروبها في الشرق الأوسط. وقد أدّى هذا الواقع، إلى الإضرار الكبير بتراث وثقافة العيش المشترك بين اللبنانيين، على مختلف طوائفهم ومذاهبهم، وإلى تعميق كل أسباب التباعد الطائفي المصطنع بين ابنائه، وإيقاع الأضرار الجسيمة في كافّة أنظمته الوطنيّة، وبنيته الإقتصاديّة، ونضالات شعبه الديموقراطيّة للتطوّر والتقدّم في مسيرة الحضارة الدوليّة.

وهذا الواقع، يستوجب أولا، رفع شعار إخراج لبنان من الصراعات الإقليمية والدوليّة، واستعادة السيادة والإستقلال والحريات، ومطالبة المجتمع الدولي الإعتراف بأنهم كانوا ضحيّة، ومساعدتهم للحصول على العدالة المعنويّة والماديّة، ما يعيد لهم إسمهم اللاّمع عبر التاريخ، ويساعدهم على استعادة ثقافتهم التحرّريّة وحياتهم الطبيعية، واستكمال مسيرة انخراطهم في حركة النمو المستدام للشعوب في العالم.
ثانيا:- إصلاح الأضرار الناجمة عن فقدان الشعب اللبناني للسيادة الوطنيّة، والإستقلال والحرية.

إن المطالبة باستعادة السيادة والإستقلال والحرية، يفترض مواكبتها بطلب تعزيز ألآليّات الوطنيّة التي تحمي الشرعيّة الدستوريّة وكذلك إلتزام لبنان بإتفاقيّة الهدنة. وهذا يستوجب القبول بفكرة غبطة البطريرك الراعي، بحياد لبنان الناشط (الإيجابي) عن الصراعات الإقليمية والدوليّة، ومطالبة الأمم المتّحدة، بالإضافة إلى تفعيل إتفاقيّة الهدنة، ضمان حياد لبنان، وموجباته. كما يستوجب دعوة الأمم المتّحدة إلى توسيع رقعة عمليّات قوّات الطوارئ الدوليّة، وفقا للقرارات الدوليّة التي تبنّتها الأمم المتّحدة عبر السنوات، لحماية سيادة لبنان واستقلاله ووحدة أراضيه، ولا سيما القرار 1701 لعام 2006.
ثالثا: إصلاح الأضرار الناجمة عن الوصاية والتدخلات الخارجيّة

وقد أدّت التدخّلات الخارجيّة في لبنان، وتحويله منذ عام 1969 إلى ساحة لتصفية الصراعات الإقليمية والدوليّة على أرضه، إلى زرع الفتنة بين شركاء الوطن على أساس عاملي الخوف والحرمان، مما أدّى إلى وقوع حرب داخليّة فيه من عام 1975 وحتى عام 1990. وقد مدّت القوى الخارجيّة المتصارعة في لبنان، أمراء الحرب من قادة الميليشيات والأحزاب، بالسلاح والمال، متغافلة عن جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانيّة البشعة التي ارتكبوها ضدّ سكانه من كل الطوائف والمذاهب والمناطق. وممّا يؤكد على التأثير الخارجي السياسي للإنقسام بين اللبنانيين هو أنّه عند سقوط إحدى هذه القوى الخارجية الفاعلة (حلف وارسو) في نهاية الحرب العالميّة الثالثة (الحرب الباردة)، أمكن بسرعة، التوصّل إلى اتفاق الطائف بين اللبنانيين.

وقد أوقفت قوّة الوصاية السوريّة، التي حظيت بغطاء خارجي، تطبيق هذا الإتفاق، وحوّرته وفقا لمشيئتها، وأقامت تحالفات جديدة إقليميا ودوليّا، ولاسيما مع إيران، وسمحت بتعزيز دور الميليشيات التابعة لها والمتحالفة معها، بالسلاح والتدريب خارج سلطة الدولة الشرعيّة كلّيا، وكل ذلك خارج واجبها تنفيذ اتفاق الطائف، ورعاية المصالحة الوطنية الشاملة، وإعادة بناء الدولة ومقوماتها، مما أعاد لبنان سريعا، ساحة للصراعات والحروب الإقليميّة والدوليّة.

كما عزّزت قوّة الوصاية وفقا لمشيئتها ومصالحها، تقاسم السلطة ومقدّرات الدولة، بينها وبين أمراء الحرب والأحزاب والميليشيات والسياسيين الذين خضعوا لها ولقراراتها، فأقاموا الشراكة مع القطاع الخاص لإدارة هذه المقدّرات، ووضعوا النظام الوطني السياسي والاقتصادي والثقافي بكامله، رهنا لهذه الشراكة. كل ذلك أدّى إلى إنهيارِ مفهومِ الدّولةِ وقِيَمِها وأنظِمَتِها الاقتِصَاديّةِ والمَصرِفيّةِ والقَضائِيّة، وإلى تَفشّي الفساد، والبَطالةِ، والقَهر والحرمان ِ، وابتعاد لُبنانَ عن محيطه العربي والمجتمع الدولي.
وقد استمر لبنان ضحيّة لتلك الصراعات والحروب، طوال فترة الوصاية. وبعد إندحار الوصاية السوريّة عام 2005، إستلمت الميليشيات المتحالفة معها، زمام الأمور، فارضة بالقوّة والترهيب، وصاية جديدة على البلاد، بغطاء دولي وإقليمي وخاصة مع بدء تفعيل شعار “الفوضى الخلاٌقة” لإعادة رسم الشرق الأوسط الجديد الذي اطلق علنا عام 2005، وبدأ تنفيذه مع ما سمّي بثورات “الربيع العربي”، التي كانت غطاء واضحا لمؤامرة إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد.

وقد ضاعفت الوصاية الإيرانية الجديدة، غير المباشرة، عبر الميليشيات المتحالفة معها، وبالتواطؤ بينها وبين أمراء حرب وأحزاب وميليشيات وسياسيين خضعوا لها ولقراراتها، تحت شعارات وممارسات وسمحت بتحويل لبنان إلى جبهة مشاركة في الحروب الإقليميّة والدوليّة، عزل لبنان كلّيا عن محيطه العربي والخارجي، وحوّلته إلى ساحة لمثل هذه الحروب والتفجيرات المدمّرة، التي لم يسبق له ان شهد مثلها في تاريخه، وخاصة تفجير مرفأ بيروت. كما جعلته دولة شبه فاشلة، متّهمة باحتضان الإرهاب، ومرتعا للتهريب وتببيض الأموال، فوصل إلى الإفلاس العام، وسمحت بالأستيلاء على مدّخرات الناس، وإعادة البلاد إلى حرب داخليّة باردة، يمكن أن تتحول إلى حرب داخلية ساخنة، وإلى تقسيم للوطن.