مقابلة/روجيه ديب لـ «المستقبل»: أخشى أننا ذاهبون الى انتخاب مجلس تمثيلي ـ تأسيسي

161

مقابلة/روجيه ديب لـ «المستقبل»: أخشى أننا ذاهبون الى انتخاب مجلس تمثيلي ـ تأسيسي
حاوره: يقظان التقي/المستقبل/28 آب/16

الوزير السابق روجيه ديب رجل دولة عميق، باحث وسياسي وشخصية وطنية مسؤولة ويمسك بملفاته الادارية والتواصلية بتقنية عالية. نقطة التقاء فكرية في الصالونات السياسية والفكرية والاقتصادية، والأهم أنه يتمتع بقدرة على الخروج باستنتاجات مرئية وصحيحة من مجمل الملفات التي يتناولها في شؤون السياسة الداخلية وما يجري من أوضاع في المنطقة.
يعتقد ديب أن «لبنان في فرصة تاريخية سياسية مؤاتية لبناء الدولة الحديثة المنتجة وغير الفاسدة وعلى قاعدة التناغم الوطني العام، ونقطة الارتكاز انتخاب رئيس جمهورية يشرف على ورشة تطوير النظام ضمن الطائف وضمن الدستور، والا ثمة ضغوط هائلة بالغة الخطورة على الميثاق وعلى الدستور يصبح معها بناء الدولة أمراً مستحيلاً، والضغط على النظام الاقتصادي والمالي والمصرفي والاجتماعي خطيراً جداً«، داعيا الى «مرحلة حكم انتقالية تكنوقراطية الطابع تستفيد من ظرف سياسي يتمتع به اللبنانيون بحرية لتشغيل نظامهم السياسي الذي يحمي الجميع، ويحل المشكلات الكبيرة العالقة، والا فالأمور ستصل الى حدود قد يصعب الرجوع عنها«.
معه كان هذا الحوار في «حديث الأحد» لـ «المستقبل»:

[كيف تقرأ أوضاع المنطقة المرتبكة ومؤشراتها على صعيد الأزمة اللبنانية الداخلية؟
ـ المنطقة تشهد مرحلة التحضير للعهد الأميركي الجديد، ولمرحلة الانتخابات في فرنسا، وهما عنصران مؤثران على الساحة الدولية. صحيح أن المؤثر الأول هو الأميركي، ولكن العنصر الفرنسي مهم في إطار التحالف الدولي عسكرياً وأمنياً، والدليل التركيز على فرنسا في العمليات الإرهابية. والأحداث في سوريا خلال الأيام الماضية أعطتنا امثولات ثلاثاً: الأولى هي أن النصر ليس في متناول أي من الأفرقاء، وكل الوعود الإعلامية بانتصار في حلب قصفتها المعارضة، وقامت بهجومها على طول نحو 20 كيلومتراً بأكثر من 10 آلاف مقاتل، وبشكل مركّز وبأسلحة نوعية. وبالتالي فإن الكلام عن انتصار فريق على آخر في مثل الحالة السورية هو من الصعوبة بمكان، ولهذا فاجأنا السيد حسن نصرالله باقتراح ما يشبه الصلح مع الجماعات المتشددة، وحقيقة لم نفهمه، هل هو دعوة الجماعات حينها الى الاستسلام أو الدعوة الى التفاوض؟ لم نفهم صراحة ما إذا كان من موقع المنتصر أو من موقع استحالة انتصار هذا الفريق أو ذاك في سوريا؟ وبالتالي فان طرح الصلح كحل وسطي جاء غامضاً.

الأمثولة الثانية أن أي صلح يعني وقف إطلاق النار، برعاية أميركية ودولية، ما يعني المحافظة على جغرافية القتال كما هي، ويعني تبريد الصراع في سوريا وأخذ الفرقاء الى مفاوضات سياسية طويلة. ولا يعني هذا بالضرورة نهاية الحرب السورية.

الأمثولة الثالثة ربما هي التدخل التركي، وهو غير فجائي لمنع تشكيل «الكوردون» الكردي، وهذا كان متفقاً عليه مع الأميركيين. فتركيا بتعاونها مع روسيا إثر زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان لموسكو ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين في بطرسبرغ، أكدت دورها السياسي والعسكري في سوريا، وحلحلة الأوضاع مع الروس سهل عليها هذا الدور وخصوصاً العسكري، ولا أعتقد أن دخولها الميداني الى سوريا كان سيحصل من دون موافقة روسيا. فالتدخل التركي وبالدبابات إشارة أولاً الى الانتهاء موضعياً من قصة «داعش» وتعطيل إنشاء «الكوردون» الكردي في مقابل إنهاء العلاقات التركية بـ«داعش» بطريقة أو بأخرى، مع تسجيل تناغم تركي روسي الى حد ما. ومع موضوع الانتهاء من «داعش«، حدّ التركي من التمدد الكردي الى غرب الفرات، وجعله في حدود أو ضمن اللامركزية السورية وبحيث لا تذهب الأمور الى كونفدرالية سياسية. وألفت الى تصريح مهم للرئيس الإيراني حسن روحاني منذ نحو أسبوعين، إذ طرح بشكل سلبي ولكنه يحمل بعداً آخر ويفتح صفحة جديدة حين قال: «لو طبقت الولايات المتحدة والغرب بشكل عادل أكبر الاتفاق النووي لكان ذلك فتح كل أبواب التفاوض في المنطقة».

نستخلص من كل هذا التحليل أننا دخلنا مرحلة ترتيب وضع العراق وتبريد الوضع في سوريا ما بعد «داعش». هذا لا يعني أن الحل قادم في سوريا، ربما الأمور أسهل في العراق مع الفيدرالية وعودة السنة الى السلطة وعلى نحو مشابه، ولكن ليس بالإيقاع نفسه يمكن الكلام عن سعي الى عودة المسيحيين الى السلطة في لبنان، الأمر الذي كان مستبعداً مع التحالف الداخلي في ظل الوجود السوري.

هذان الترتيبان في العراق والتبريد في سوريا يطرحان مسألة الجهة الجنوبية من سوريا، بعد الجهتين الشمالية والشرقية. والى الآن لم نرَ شيئاً في الجنوب وعلى الحدود الإسرائيلية والأردنية والمنطقة، أتحدث عن جهة الجنوب لأنها على تماس مع الجنوب اللبناني، وجبهته فيها ثقل درزي وسني كبير، وفيها الجيش الحر بتعداد كبير وعلى مقربة من دمشق العاصمة، وتعني لبنان جغرافياً لجهة الامتداد الدرزي والتّمَاس مع معقل «حزب الله« وخطه العسكري الى سوريا.

[لا آفاق للحل في سوريا؟
– ربما مطلوب في هذه الفترة أن يبقى كل طرفٍ مقاتل في موقعه ويرضى به، ربما النظام لم يوافق على هذه الصيغة، حاول الصعود الى حلب، ويقال «بدفشة روسية» غير بريئة، فتراجع سياسياً وعسكرياً خارج حدود الدعم الروسي، والروسي لم يكن متحمساً كفاية لمعركة حلب. حاول النظام مع «حزب الله« أن يصعّد على خط تحتي يربط ما بين تدمر والرقة باتجاه حلب، وأيضاً انهزم وتراجع على ايقاع ضربات «داعش» من جهة وقوى من الأردن من جهة أخرى أقفلت الخط عليه، وجرى الكلام حينها عن ضرب الروسي لقواعد أردنية خطأ. والآن هذا الخط من حلب، الى حمص، الى دمشق غير واضحة معالمه جيداً. الواضح ترتيب ما حصل في الشمال والشرق، في فترة الانشغال الأميركي بالانتخابات الرئاسية.

[تحدثت عن فرنسا ودورها في التحالف الدولي ضد الإرهاب؟
– كنت في فرنسا منذ أسبوعين وأجريت لقاءات عدة وتفاجأت بحجم التغير الحاصل في الشارع المسيحي بعد عملية نيس وجريمة مقتل الكاهن في الكنيسة في الضاحية الباريسية.هناك نوع من الصدمة، ما يؤدي الى واقع سياسي جديد مختلف إزاء ردود الفعل في الشارع الفرنسي من موضوع الوجود الاسلامي في فرنسا وفي أوروبا عموماً. الأجواء الأوروبية تؤثر على الأميركي في موضوع التنسيق المشترك في موضوع «داعش» وفصل هذا المسار نحو المسارات السياسية الأخرى.

[ دخلنا مرحلة ما بعد «داعش« إذاً؟
– حين يتحرك الجيش الحرّ بهذه القوة، وتعلن «النصرة« بشكل ما ولو ملتبس انفصالها عن «القاعدة«، ويحقق الجيش الحرّ ويبرهن عن قدرات قتالية في الشمال والجنوب وبدعم من تركيا والأردن وبمباركة أميركية، كل ذلك يشكل خطوة متقدمة للانتهاء من موضوع «داعش» ولاعتماد آلية عسكرية معينة لتكون جزءاً من الحل السياسي. مع ذلك تبقى «النصرة« واخواتها نقطة استفهام عند الروس والأميركيين، وهي تحت المراقبة بعدما أعطت إشارة عن تحول ما. ما نشهده اليوم هو عملية طارئة للانتهاء من موضوع «داعش»، ليس بانتقاله من مكان الى آخر، المطلوب التخلص كلياً من موضوعه وفي أرضه وحيث هو، وهذا يحصل في العراق وفي سوريا. المطلوب بعد «داعش» أن يبقى كل واحدٍ في موقعه. والدليل على ذلك الرضوخ الكردي لطلب الأميركيين بالتراجع الى مواقعهم شرقي الفرات، «كل واحد ينظف أمام بيته» الى حين تأتي ظروف داخلية وخارجية لإنضاج حل ينهي الخلافات الداخلية، ويعود المتنازعون الى جنيف مجدداً.

العملية الطارئة أتت في اعتقادي للتخفيف من هواجس أوروبية وفرنسية خاصة، والطلب بإلحاح بالخلاص من هذا الهم، وعودة السوريين الى التلاقي في ما بينهم سنّة ودروزاً وشيعة وعلويين وأشوريين ومسيحيين وأكراداً وتركماناً، وإعادة اللحمة الى هذا النسيج الاجتماعي هي أمر صعب جداً ثم مسألة عروبة سوريا، بالغة الحساسية، وسوريا في تاريخها دولة قومية عربية مهمة، وما كانت تحمل طابعاً إثنياً ومذهبياً، حتى المناطق العلوية ضاقت ذرعاً بالحكم العلوي وممارساته وغلو الشعارات المذهبية. الآن مرحلة التموضع داخل المواقع بانتظار مفاوضات تفرض حلاً ما في سوريا.

[يقال إن روسيا وإيران تستعجلان الحلول قبل نهاية ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما؟
– مصلحة روسيا وإيران لا شك بحلول تأتي قبل انتهاء ولاية أوباما لأنه رئيس قائم بشروط أقل من أي رئيس آخر سيأتي بعده. أوباما أعطى إشارات متناقضة في خطابه في نيويورك، وصف الرئيس الروسي بوتين بأنه مهذب، ويحترم الوقت وأن لا مشكلة معه. في حين جاء خطابه في برلين عنيفاً وهجومياً على روسيا وعلى بوتين نفسه، واصفاً اياه بأنه غامض في سياسته. الآن الجديد هو القلق الأوروبي من التقارب التركي الروسي، وحين تقلق أوروبا، فإن أميركا لا تستطيع تجاهل ذلك. وبالعودة الى «داعش» أصبح موضوعه مشكلة أوروبية وفرنسية تحديداً، وموضوع تركيا يعني أوروبا بالنسبة الى اللاجئين وبموضوع التوازن الاستراتيجي في جنوب أوروبا.

أميركا لا تريد خسارة تركيا ولن تسمح بذهابها باتجاه روسيا أكثر. والجيش التركي مدرب ومسلح أميركياً وثاني أكبر جيش في «الناتو«. والأمور لا تتغير هكذا حتى مع تغير إرادة سياسي أو خطاب ما، الأمور استراتيجية وبعيدة المدى، إلا إذا حدثت ثورة على غرار الثورة الإيرانية التي أطاحت نظام الشاه أو نجاح انقلاب عسكري، وهو الأمر الذي لم يحصل في تركيا بعد فشل الانقلاب العسكري على أردوغان. هذا لا يعني أن الأمور سهلة على أردوغان في المرحلة المقبلة، إذ أمامه تحديات جمة تضاعفت بعد التدخل التركي في سوريا مباشرة.

[الإشارة اليمنية هل تعني أن التسويات مترابطة كما الأزمات مترابطة؟
– الموضوع اليمني مرتبط بالوضع العراقي، والآن تجري محاولات سعودية لاستيعاب الحوثيين، ولم نشهد حقيقة على الرغم من الأعمال الحربية تصعيداً سعودياً إيرانياً مباشراً ما عدا الاتهامات المتبادلة، ولم يتطور الأمر الى صراع عسكري مباشر بين الجانبين. لذلك الأمور يمكن استيعابها في اليمن إذا وافق الحوثيون على خطة جون كيري التي طرحها، ومع قبول الأطراف بالتسوية السلمية لأزمة الحرب اليمنية وهي مكلفة للجميع ويعي السعودي أهمية الخروج منها.

[هذا يسهل أو يعقد توصيف أزمة رئاسة الجمهورية في لبنان ومن يتحمل مسؤوليتها وتبعية الخروج منها؟
– أزمة الرئاسة هي نقطة التقاء كل الأزمات، وأنا أشبّهها بتقاطع طرق (رون بوان) يخلو من إشارات سير لا حمراء ولا خضراء ولا صفراء ولا شرطي بالتأكيد. هنا بولفار يتعلق بتطبيق الطائف، وبولفار يتعلق بالديموقراطية التوافقية وآخر لديموقراطية أكثرية تحكم ومعارضة خارج الحكم، وهناك بولفار الميثاقية ومن يحكم من زعماء الطوائف والأوزان والأحجام، وبولفار علاقة السياسة بالدولة، وبولفار مَن يحكم الآخر بين الطوائف القوية، ممثلو الطوائف أم ناس وفاقيون، وهناك بولفار الفساد وهو أكثر ما يُضعف الدولة اللبنانية، وهو أهم موضوع لأنه لا يُضعف الدولة فقط بل يُضعف سيادة البلد. فما معنى سيادة من دون دولة، وهناك بولفار قانون الانتخاب بـ7 شرائط، وهناك بولفار يتعلق بمسألة تطبيق الطائف نفسه؟، هل المناصفة فعلية، أم المناصفة هي تغطية للمثالية مع «فازلين»؟، هل المسيحيون الذي أعطيناهم المناصفة بالنيابة والوزارة يتمتعون بالحضور الحقيقي، أم هي مناصفة عددية مقنعة؟. وهناك بولفار يحاول أن يستثني رئاسة الجمهورية من مسألة ممثلي الطوائف الأقوياء. وهناك بولفار الذي يحكم من خلال قوانين الانتخاب: فقانون الستين يقود الى تحالف المستقبل والسنة مع المسيحي وقانون النسبية يؤدي الى أكثرية شيعية ويؤدي الى تحالف شيعي مع المسيحيين.

وهناك بولفار الدستور المعلق، والذي يعطل عمل المجلس الدستوري وما جرى من تمديد للنواب، وهذا التمديد برأيي هو المسؤول عن توقف تطبيق الدستور. والذين يتكلمون عن تطبيق الدستور اليوم هم الذين ألغوا الانتخابات ومددوا لأنفسهم، فيما الدستور يجب المحافظة عليه وعلى نصوصه، بما يعني الإبقاء عليه «شغّالاً« وإلا تحول مجرد صورة عائلية للأب أو الجد معلّقة خلفنا على الجدار.

هذه أزمات تتقاطع عند الفراغ في انتخاب رئيس الجمهورية، وما حصل نقل التعطيل والفيتو المعطّل من الثلث المعطّل في مجلس الوزراء، الى مسألة الثلثين لانتخاب رئيس جمهورية، أي الى منع انتخاب رئيس للجمهورية وتكريس مبدأ الديموقراطية التوافقية. ولو جرت الانتخابات النيابية في موعدها لما وصلنا الى ما نحن فيه اليوم.

[ماذا عن طرح الرئيس نبيه بري لموضوع السلّة الكاملة؟
– مع احترامي الشديد ومحبتي للرئيس برّي فهو طرح موضوع السلّة في المكان الخطأ، اذ لا يُطرح على طاولة كل واحد جالس إليها «بدو يربح وما بدو يخسر« في موضوع الرئاسة الأولى أو رئاسة الحكومة أو مجلس النواب، «مين بدو يتنازل للآخر»، وخضوعاً لمبدأ الميثاقية. أشك في ذلك. أذكر في مؤتمر الدوحة أن الموضوع الوحيد الذي جرى طرحه وتداوله بشدة هو موضوع سلاح «حزب الله« وعلاقته الاستراتيجية الدفاعية، فهل تنازل «حزب الله« لمصلحة أحد في هذا الموضوع؟. نحن في أزمة مصيرية هائلة من دون أن تكون لدينا قدرة ذاتية على حلها، ونظراً الى الأولويات الدولية والإقليمية لا أرى تدخلاً خارجياً راغباً أو قادراً على حلها.

وأعود الى مسألة طاولة الحوار وأذكر اتفاق الطائف كان Processus متراكماً. الآن ما جرى يعطل الدستور، يعطل الديموقراطية، لا يتحاور اللبنانيون بصدق، والتحاور لا يجري في مجلس النواب. التحاور لا يكون حول طاولة وعلى قاعدة الربح والخسارة. على اللبنانيين الذهاب الى أماكن أخرى في الحوار على تماس مع السياسة من دون أن تكون ملزمة مباشرة بها. الرئيس ميشال سليمان اشتغل على بعض هذه المحاور، مرّر «إعلان بعبدا« وصار إعلاناً ثابتاً مهما جرى الكلام عكس ذلك، جرى التحضير له ليس على الطاولة ولا في سياق الربح والخسارة.

قانون اللامركزية، الذي تأخر الرئيس ميشال سليمان في إعلانه، ولكنه شكل هيئة متخصصة سهرت عليه وأعطت نتائجها. مثال آخر لجنة درس قانون الانتخاب التي رأسها الوزير السابق فؤاد بطرس وبمقياس سياسي يحتمل التعديل 10 أو 20% ولكن اللجنة شكلت من قبل الرئيس فؤاد السنيورة ومن قبل شخصيات مستقلة وهادئة وطنية وهدفها الوصول الى قانون انتخاب يجعل النظام السياسي أكثر فاعلية.

ما معنى أن يكون 60 في المئة من نظامنا السياسي اليوم فاسداً وفاشلاً؟ معنى هذا أنه نظام غير قابل للحياة. وأنا أدعو الى ورشة وطنية كبيرة مشابهة للجنة فؤاد بطرس بديلة من طاولة الحوار، تضم ممثلين خبراء من كل الطوائف للبحث في الأمور بشفافية، لأنني لا أعتقد أن أحداً من الأطراف السياسية اليوم مستعد للتنازل عن حصته أو حصصها إلا إذا حصل ما يشبه 7 أيار أو صراع دموي كالذي حصل بين المسيحيين. وهذا مسار آخر لطاولة حوار وطنية، جدية، على أن يكون المسار برعاية رئيس للجمهورية.

[من أين نبدأ؟
– من الحفاظ على الدستور، وانتخاب رئيس، وبعدها نرى أن اتفاق الطائف ينفذ ويتنفس ويصير فاعلاً. والنظام لن يكون فاعلاً بلا رئيس جمهورية.

[وماذا عن مشكلة الميثاقية؟
– طاولة الحوار لن تعطي شيئاً، حاول الرئيس بري اعتماد مبدأ التبادلية أو المقايضة «أعطيك قمحاً تعطيني قضامي»، لكن هناك خطأ في المقاربة. هذه ليست مقاربة ميثاقية، المقاربة الميثاقية أن نبني دولة تعمل، ولا تتعطل فيها المؤسسات. التبادلية كانت أيام الثورة الزراعية فكيف في نظام طائفي ووسط فساد هائل، خصوصاً أن الثقة عند اللبنانيين بدولتهم تراجعت الى حدود 4/1 بالمئة، فمَنْ يثق اليوم بالدولة؟.

إذا أردنا إعداد مشاريع وبناءها فعلينا الذهاب الى مكان آخر، ولن يُحل شيء بالمحاصصة، ولدينا أزمة النفايات العالقة. وانظر الى ما وصلنا إليه في نهاية المطاف والأرقام الاقتصادية والمالية موجودة لمن يقرأ أو الذي يريد أن يقرأ ومن لا يريد أن يقرأ هذا شأنه نحن ذاهبون الى أزمة والخاسر فيها هم اللبنانيون الذين يدخرون أموالهم والأجانب المودعون أموالهم في لبنان سيدفعون فاتورة عالية. فالفساد كما نراه يخلق مشاريعه الموازية، والمدخرون أو المودعون لا يعلمون أن أموالهم «رايحة رايحة«. وأنا أظن أنه على غرار أزمة النفايات فإن الأمور ذاهبة الى حالة ثورية في لبنان وستخرج مجدداً عن آلية الضبط السياسية، وقد تذهب الأمور أبعد والحماية من ذلك تتطلب قرارين: قراراً بانتخاب رئيس جمهورية ونوعاً من التوافق على رئيس يقود الورشة الحوارية بعيداً من اليوميات الحكومية وشكل الحكومة ودورها.

[ لكن المطالبة برئيس قوي يعتبرها بعضهم عودة أو تخلّياً عن الطائف أم ماذا؟
ـ رئيس الجمهورية كما أراه هو المؤسسة، هو مثل برج مراقبة وأنا طرحت «بورتريه« في كتابي عن رئيس جمهورية يشكل مؤسسة غير مندمجة مع مجلس الوزراء، بما يسمح لها بهامش مهم من الاستقلالية وبما يتيح ايضاً معارضتها وانتقادها. لا يعني هذ عدم «مونة» الرئيس او أن يكون له وزراء أو يمون على وزراء، ولكن أعود الى المصطلح الحقيقي وهو «الرئيس المؤسسة» الذي لنا حق نقده.

[ هذه أفكارك حول الرئيس القوي؟
ـ لجهة المصطلحات المتداولة حول الرئيس القوي يجب أن نحسم أمرين أو طرحين متداولين ونختار بينهما: إذا كان المطلوب الاتيان بالممثلين الأقوياء في طوائفهم الى رئاسات وأعني الرئيس بري والرئيس سعد الحريري فالطرح يشمل مجيء الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية. والطرح الثاني الاتيان بممثلين مقبولين من طوائفهم نموذج الرئيس تمام سلام في الرئاسة الثانية أي شخص لا يمثل رأس الحربة في طائفته. فهذا الأمر يجب أن ينسحب على الرئاسات الأخرى. وما أريد أن أقوله ان لبنان يحكم بطريقتين اثنتين: اما توازن قوي وهو ما يطرحه الجنرال عون والسيد نصر الله، واما نظام البحث عن نظام آخر يعتمد صيغة أخرى تعتمد على «التناغم» في التمثيل، وأنا اميل الى الطبقة التكنوقراطية بالصفات والأعمال والممارسة والوسطية والمحايدة في الطابع الديموقراطي، وهذا أمر أساسي اعتمده الرئيس الشهيد رفيق الحريري حين شكل حكوماته كلها من بعض الأقطاب التمثيليين ولكن مع أسماء تكنوقراط وحقائب تقنية أكثر. وهناك سبب رئيسي لانتشار الفساد هو غياب المعارضة، أين هي المعارضة في مجلس النواب وفي الحكومات حالياً؟ لذلك اما يكون الحكم تعبيراً عن توازن قوى او عن تناغم قوى وبالتأكيد ليس على طريقة حكم الرئيس تمام سلام، وأقصد الانسان الآدمي والوسطي والمحايد ولكن الشخص المسؤول الذي ليس لديه سياسة وموقف من الفساد. وما من أحد يمنع الرئيس سلام من أخذ مواقف من هذا الفساد المستشري، أو يمنعه من الاستقالة أو ضرب يديه على الطاولة، فالأداء داخل الحكومة كارثة. واستخلص من هذا مجموعة عناوين: يستحيل حكم لبنان من دون رئيس للجمهورية والدليل ان اي مشكل ولو كان صغيراً يعطل المجلس، وبغياب رئيس الجمهورية يذهب الايقاع السياسي الذي يحكم الأمور. ولا معنى لرئيس وسطي يمثل هذه الظروف أي «رئيس شاهد ما شافش حاجة»، هذا سيكون برأيي تطوراً سلبياً للأمور، والبلد يحتاج الى رئيس يقول أشياءه كما هي ويكون مقنعاً ويعيد الثقة المفقودة مع الناس.

[ الأزمة اذاً داخلية؟
ـ أزمة الرئاسة هي أزمة شاملة، هي أزمة الداخل اللبناني بنسبة 80% و20% مؤثرات خارجية. وأنا لا افهم حديث المقايضات مثل بشار الأسد مقابل لبنان. أزمتنا بنيوية ويفترض أننا تحررنا من الخارج، هذا افلاس سياسي داخلي، وللأسف أزمة بنيوية. انا أفهم أنه في زمن الوصاية كان المؤثر الخارجي عاملاً بقوة وأفهم كيف أخذنا رئيس جمهورية وما فعلته فرنسا مع الاسد الذي استقبلته في عيدها الوطني وظهر مع عائلته على غلاف مجلة «باري ماتش«، ولكن هذا زمن مضى وللاسف بعض الزعماء ما زالوا في ذلك الايقاع الانتظاري الخارجي في وقت عطلنا مؤسساتنا الدستورية، وعطلنا الانتخابات والمجلس الدستوري والتدخل السياسي الخارجي قائم، وربما وصلنا الى حدود قد يصعب الرجوع عنها، وانظر الى حجم المشكلات من الكهرباء، الى الليطاني، الى المياه، الى الفقر، الى الفساد، عدا عن أزمات وجودية مثل أزمة النازحين. واذا انتخبنا غداً رئيساً للجمهورية فأمامنا جملة قضايا للحل تحتاج الى جهود وأموال هائلة جداً وكلها مرتبطة بتفعيل عمل المؤسسات والادارة المدنية واللامركزية والادارة والأهم الشراكة مع القطاع الخاص، هذه أزمات داخلية بنسبة 70 الى 80%.

[ لا تخلّ اذن عن الطائف؟
ـ أي مسيحي لا يريد رئيساً ما قبل الطائف، هذا موديل انتهى واقعياً، صحيح أن الجنرال عون تكلم عن سلسلة تعيينات قد يجريها في ساعة، هذا كلام يحتاج الى توافق بين الوزراء والى توازن قوى وإلى تناغم وطني ما يقودنا نحو الديموقراطية التوافقية أو ديموقراطية الطوائف او فدرالية الطوائف، والمسيحيون يرفضون أكثر من غيرهم الآن التفرد بالسلطة، والصلاحيات المبالغ فيها أحدثت كوارث ومشكلات. ولكن بعض التوازنات تقررها القيادات الكبيرة وعلينا أن نختار نهائيا في مسألة الديموقراطية التوافقية بين أمرين لا ثالث لهما: اما حكم يقوم على التناغم، واما حكم يقوم على موازين قوى، والرئيس القوي يعني توازناً، ويعني العودة الى الدستور بشخصية الممثل للدستور ويستفيد من الدستور والنص يعزز قدرته وشخصيته وتمثيله والا ما معنى الرئيس القوي؟. ولا خوف من العودة الى ما قبل الطائف، قد يتمتع الرئيس بشخصية معنوية تعزز قدرته ومعرفته، اما أن يفرض رأيه على طاولة مجلس الوزراء، فهذا خطأ كبير. يمكن للرئيس أن يطرح مشاريع قوانين ووجهات نظر، وقرارات معينة، وتعديل بعض الصلاحيات، صلاحيات أساسية لمصلحة عمل النظام السياسي ككل، لكن أن يطرح الرئيس اصلاحات لارضاء المسيحيين فهذه جريمة. نحن بحاجة الى بناء دولة، عندنا ظروف مؤاتية جداً في آخر سنة من مئة سنة على سايكس – بيكو، نحن في ظروف مؤاتية جداً بأفضل ظروف ممكنة لبناء دولة لبنانية مدنية وحديثة ومواطنية، هذه فرصة سياسية تاريخية هائلة، تخلصنا من الدول الخارجية التي كانت تتدخل مباشرة في كل شاردة وواردة، هل تريد هذه الطبقة السياسية أن تبني دولة ام تريد تيئيس الناس؟.

[ المسيحيون في أزمة خوف، أم أزمة خيارات، أم أزمة أحجام؟
ـ المسيحيون حسموا امرهم، ما عادت الأمور عندهم، المشكلة في قبول الآخرين بخيارهم والعنوان الأوسع برأيي هو التالي: المسيحيون لا يرون أي ضمانة لهم غير الدولة، ولا يريدون الامن الذاتي ولا حماية من طوائف أخرى، ويرون حمايتهم في الدولة، وبرأيي ايضاً أن المسيحيين يدركون أنه لا يمكن بناء دولة اذا كانت الطبقة السياسية فاسدة الى هذا الحد. والمسيحيون يتساءلون أين هو الشريك في بناء هذه الدولة؟. أكثر من ذلك المسيحيون يدركون أنهم ضروريون وحاجة وطنية كيانية، ولكن كل هذا لا يكفي ويسألون عن الشريك القادر أين هو ومن هو؟ بالتأكيد هناك فاسدون مسيحيون. أنا أميل الآن الى التجربة التكنوقراطية التي أرساها رفيق الحريري في تشكيل حكوماته، وأميل الى مرحلة انتقالة تكنوقراطية. أما في غياب بناء تلك الدولة فالمخاوف تصبح أكثر، هذه هي مخاوف المسيحيين وهواجسهم، كيف نبني دولة تحت حماية القانون والدستور؟ وأعتقد نجح مشروع رفيق الحريري في بناء الدولة بحدود وبصعوبة ايجابية معقولة جداً. وأنا أدعو سعد الحريري الى العودة بفاعلية وبناء مركز سلطة يقوم على التناغم الوطني والنظر الى أوسع الشراكات مع رجال الأعمال وأصحاب المصارف وأصحاب الخبرات والمشاريع والممولين والقانونيين، وهي دعوة الى جميع السياسيين أن يفصلوا بين السلطة السياسية وعلاقتهم بالمقاولين، والامور كما تجري حالياً لا تشبه الدولة مطلقاً.

[لبنان الى أين؟
ـ أعتقد أننا دخلنا في مرحلة التحضير للانتخابات النيابية، وكل ما نراه الآن هو اعادة لملمة الشعبية للقوى المحلية تمهيداً للمشاركة في الحكومة او السلطة في فترة، وما نسمعه ونراه على المنابر وعلى الارض ربما يؤشر الى مرحلة لملمة الشعبية تلك. بالنسبة الى الأوضاع في المنطقة برأيي ان لبنان سيدخل في فترة اهتزاز سياسي داخلي واقتصادي ومالي. ونقطة الارتكاز تجنباً لعدم سقوط البلد نهائياً هي في انتخاب رئيس للجمهورية وبعدها التوافق يأتي على تركيبة موازين القوى وطريقة الحكم المركزي والتناغم بين القوى، ومن دون حسم موضوع الرئاسة الامور ذاهبة الى اهتزاز أكبر. وأرى أننا ذاهبون الى انتخابات نيابية على قاعدة قانون الستين مع اعادة صياغة لبعض المواقع والاوزان السياسية ضمن الاحزاب، وانطلاقاً من التركيبة الجديدة ستتبلور الادارة السياسية، اما ان نذهب الى انتخاب رئيس للجمهورية واما لا، وبالتالي نكون مع مجلس تمثيلي – نيابي جديد وبعده نذهب الى اعادة نظر جذرية في النظام اللبناني تلك شئنا أو ابينا، وقد يصبح المجلس المنتخب مجلساً تأسيسياً مع حكومة تصريف أعمال وعدم القدرة على تأليف حكومة أخرى، وقد يكون هذا هو المقصود من أكثر من طرف سياسي، وهذه عملية بالغة الخطورة وستضع ضغوطاً هائلة على الميثاق وعلى الكيان. فيما الأمور مع طرح انتخاب رئيس وفتح ورش للتطوير ضمن الطائف والدستور أسهل بكثير وتفتح صفحة جديدة لانشاء دولة حديثة منتجة وغير فاسدة. وأعود وأكرر في الحالتين يستحيل بناء دولة مع هذا الكم من الفساد داخل الطبقة السياسية، والفساد يضرب الثقة مع المواطن، ويخلق أعباء مالية كبيرة من خلال طرح مشاريع اضافية لسنا بحاجة اليها مما يزيد من الاستدانة ومن كلفة الدين العام وعجز الموازنة. وأنا أحذر من أن هذا يضع كل النظام الاقتصادي والمالي والمصرفي والاجتماعي في خطر كبير، ونحن في دائرة الخطر هذه.